بدون وعي حقيقي من قبل المحتفلين، شهدت مصر طوال الأسبوع الماضي، محاولة من عدد من الجهات الأكاديمية والعلمية، للاحتفال بالذكري الأربعين لرحيل عميد الأدب العربي د.طه حسين. لم يكن هناك تنسيق بين الأماكن المختلفة التي سعت للاحتفال به، فجاءت جميع الأنشطة هزلية وتكرارية ولم تقدم جديداً، كما قامت مكتبة الاسكندرية بتأجيل موعد الاحتفال به من يوم الأثنين 28 أكتوبر إلي الأربعاء 30 أكتوبر، قبل أيام من انطلاق الاختفالية دون ابداء أسباب!! ورغم أن هناك مؤسسات ثقافية وعلمية أسهم العميد في وضع بنيتها الأساسية، فقد نهض بجامعة الاسكندرية عندما كان مديرا لها في طور الانشاء والاستقلال، وفي أثناء توليه وزارة المعارف (1950 ، 1952) قامت - أيضا - جامعة عين شمس، وتولي عمادة كلية الآداب جامعة القاهرة لفترتين عام 0391و1391 ثم عاد عميداً عام 4391، والتحق بمجمع الخالدين عام 1940 ، وتم انتخابه كأول نائب في تاريخ المجمع عام 1960، ثم تولي رئاسته عام 1963، وظل رئيسا له طيلة عشر سنوات التي وفاته في 28 أكتوبر عام 1973، إلا أن كل هذه المؤسسات لم تحسن الاحتفال بالعميد. كما لا ننسي أول من نادي بدخول الفتيات الجامعة وهو أيضاً أول من أسس قسم الدراسات اللاتينية بكلية الآداب. احتفالية سريعة - وتمثال وقد خص مجلس مجمع اللغة العربية - احدي جلساته الأسبوعية، والتي وافقت يوم وفاة العميد، للاحتفال بالذكري الأربعين لطه حسين، فكان الاحتفال هزيلا لم يكن في قوة علم وثقافة العميد، فلم يكلف مجلس المجمع أعضاءه بالاعداد لهذه المناسبة، وهم أهل اللغة والآداب، لذا اقتصرت الاحتفالية علي المشاركة بالحضور فقط لاغير، وخلت من أي أوراق بحثية في أدب وفكر العميد،تقديرا لدوره الابداعي والفكري، وهو الذي قال عن نفسه: »لست أزعم أنني من العلماء.. أحب أن أفكر، وأحب أن أبحث، وأحب أن أعلن إلي الناس ما انتهي إليه بعد البحث والتفكير«. قدم الاحتفالية الشاعر فاروق شوشة، الأمين العام للمجمع الذي اعتبر أن قيام المجمع بعقد جلسة في يوم ذكري وفاة طه حسين إنجاز كبير مشيراً إلي أقوال قيلت عن طه حسين بعد وفاته، فقال عنه توفيق الحكيم »لقد صعدت روحه إلي بارئها بعد أن اطمأنت علي انتصار مصر في معارك أكتوبر«، وقال عنه د.عبدالرحمن بدوي: »هو الموقظ الأكبر للعقل العربي في العصر الحديث«. وأضاف د.حسن الشافعي رئيس المجمع، إن طه حسين كان وجيله صناع الوجدان المصري، ومازلنا نعيش علي إبداعات هذا الجيل حتي الوقت الحاضر. لكن كان الشاهد الوحيد لخصوصية هذه الجلسة، هو إزاحة الستار عن تمثال نصفي لطه حسين، قام بإهدائه للمجمع الدكتور أسامة السروي، المستشار الثقافي، ومدير مكتب البعثة التعليمية بموسكو، وهو أيضا أستاذ النحت بجامعة حلوان، وكان ذلك في حضور الدكتورة علية عزت أستاذ الإعلام بجامعة عين شمس، وزوجة د.أسامة، والتي صاحبت رحلة التمثال من موسكو حتي القاهرة، وحضر الاحتفال أيضا المستشرق الروسي الشهير »فاليري كوستن«. وأشار د.أسامة في رسالته مع التمثال إلي أن هذا التمثال تخليد لذكري عميد الأدب العربي، واعتراف بإسهاماته في نهضة الثقافة الحديثة بمصر والوطن العربي، مشيرا إلي أنه سوف يقوم بوضع نسخة أخري من التمثال في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية بموسكو يوم 22 من نوفمبر الحالي. تجاهل اهتمامات العميد وكما قام مجمع اللغة العربية بتخصيص جلسته الأسبوعية لإحياء ذكري طه حسين، قامت ادارة كلية الآداب جامعة القاهرة بتكليف قسم اللغة العربية بالكلية بإقامة ندوة في ذات يوم رحيل العميد (28 أكتوبر) لم تدع إليها بقية الأقسام المتخصصة في الآداب الأجنبية الأخري التي ساهم طه حسين في تأسيسها اسهاما ملحوظا، أمثال أقسام الفلسفة، والأدب اللاتيني واليوناني، كما أن طه حسين كانت رسالته في الدكتوراة في الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون. جاءت الاحتفالية علي مدار يوم واحد في جلستين، دار محور الجلسة الأولي حول »طه حسين أكاديميا« ورأسها د.أحمد مرسي، وتحدث فيها كل من د.حسين نصار، د.عبدالله التطاوي، د.سيد البحراوي، أما الجلسة الأخري فكانت عن »طه حسين ناقدا ومفكرا ومبدعا« ورأسها د.سليمان العطار، وتحدث فيها د.عبدالمنعم تليمة، د.خيري دومة، واعتذر د.جابر عصفور عن عدم الحضور. قامت ادارة الكلية بالاعداد لهذه الندوة منذ شهر، ولم يقوموا بالاعداد الكافي لها، من حيث الأوراق البحثية، وحشد طلاب وطالبات الكلية للحضور والمشاركة، لتكون ذكري العميد قائمة في الأذهان، بدلا من خوضهم المظاهرات والمشاحنات الحزبية التي أدخلتهم في نفق أبعدهم عن قاعة الدرس. كتاب قديم وكما اقتصر مجمع الخالدين علي توزيع كتاب عن طه حسين في المغرب بقلم الدكتور عبدالهادي النازي، عضو المجمع وقد تمت طباعته عام 2000، فإن كلية الآداب، استدعت - هي الأخري- من مكتبتها كتاباً تذكارياً- في ثلاثة أجزاء - قد قامت الكلية بإعداده عام 1998، في احتفالها بالذكري الخامسة والعشرين لرحيل طه حسين، وقام بإعداد هذا الكتاب الدكتور محمود فهمي حجازي وقت أن كان رئيسا لقسم اللغة العربية آنذاك والجديد الذي اضافته الكلية علي الكتاب أن غيرت الغلاف، وكتب في الصفحة الأولي ما نصه: (في اطار تجديد احتفال كلية الآداب بذكري طه حسين، وبمناسبة مرور أربعين عاماً علي رحيله 82 أكتوبر 3102، وتدور محاور الجزء الأول من الكتاب حول الرؤي المستقبلية في فكر طه حسين، منهج البحث عند طه حسين، طه حسين مؤرخا وأديبا وناقدا، مستويات الأداء اللغوي عند طه حسين. أما الجزء الثاني فجاءت محاوره حول: تعليم العربية والبعد التربوي في فكر طه حسين، طه حسين ولقاء اللغات والثقافات، طه حسين قائمة ببليوجرافية بما كتبه وما كتب عنه من كتب. أما محاور الجزء الثالث والأخير فهي: موازنات منهجية، الرؤي المستقبلية، الفكر الديني، الدرس النقدي المقارن، عالمية الفكر ولقاء الحضارات، نمط من لغة الابداع. مفارقة غريبة مفارقة غريبة أن تستعد دولة فرنسا منذ وقت بعيد بإعداد احتفالية كبري تليق بالذكري الأربعين لعميد الأدب العربي د.طه حسين، ونتذكره نحن في مصر قبل ذكراه بأسابيع. وسط هذا الزخم الثوري لا يمكن نسيان طه حسين وهو الذي أنجز ثورتين، الأولي من أجل العلم والثقافة، وأتاحتها لكل مواطن مصري، واستقلال الجامعة المصرية عن السلطة الحاكمة، والأخري كانت حول تحديه الاعاقة التي كادت أن تحول بينه وبين نور العلم والفكر. طه حسين اضافة للأدب واضافة للعزيمة، وقد نجح في ثورتيه لتحقيق ما أراد، لكننا فشلنا في أن نستفيد مما حققه.