جذب فن الرواية منذ بداياته الكثير من القراء علي مستوي العالم، إلا أنه في القرن العشرين -مع تنوع الإنتاج الروائي واتساعه وتزايد القراء -أصبح لهذا الفن خصوصية بين الأنواع الأدبية الأخري، كما صار أكثر تأثيراً علي مستوي القاعدة العريضة ذلك أن الرواية تستطيع استيعاب التفاصيل الصغيرة في الحياة اليومية والقضايا الإنسانية الكبري. كما أن لها حرية الامتداد الزمني. والقدرة علي الاستيعاب الفني لجماليات المكان. ومن هنا فقد جاء هذا الكتاب للدكتور عبدالمعنم حبيب ليرصد لنا مائة رواية من الروايات الإنجليزية المهمة والشهيرة التي أثرت في الوعي البشري والتطور الفني للسرد. كما أنها "تغطي رقعة واسعة من الموضوعات. منها ما هو عام وما هو خاص وما يتحرك علي التخوم بين العام والخاص" والكثير منها تحول إلي أفلام أو مسرحيات: الحرب الأهلية الأمريكية. قضايا الزنوج. الحرب العالمية الثانية. تمرد الشباب علي رموز السلطة في مجتمعه. وغيرها من الموضوعات التي أدي تنوعها إلي تنوع تقنياتها. ومؤلف الكتاب يبدأ من عصر الأمبراطور الروماني كلاوديوس في القرن الأول الميلادي في إيطاليا. ثم ينتقل إلي الهند في أواخر الحكم البريطاني إلي ايرلندا أثناء الحرب العالمية الثانية إلي أمريكا في ثلاثينيات القرن العشرين إلي غرب. أفريقيا ولندن وباريس. وبذلك تتسع المساحة الزمنية لموضوع بحثه. وبالتالي يهدف هذا الكتاب. علي حد قول مؤلفه إلي تقديم «نبذة سريعة للرواية الإنجليزية والأمريكية بغية أن يري فيها القارئ والباحث نقطة البداية لمزيد من البحث». والكاتب يتبع منهجاً محدداً في كتابه. فهو يتحدث عن مؤلف الرواية وحياته. كما يتحدث عن أعماله وتأثيره وحدود شهرته. ثم يتحدث عن الرواية وموضوعها وتقنيات كتابتها. والملامح المميزة لأسلوب مؤلفها. ويبدأ الكاتب بالحديث عن رواية "فورستر": "رحلة إلي الهند" التي كتبها عام 1924. فيلقي الضوء علي إم فورستر الروائي والناقد الإنجليزي الذي ولد في يناير 1879. وتوفي في يونيو 1970. ويحكي عن ميلاده في لندن وسفره مع أمه. وتعليمه في جامعة كمبردج. ورحلاته إلي مصر وألمانيا والهند وعمله في هيئة الصليب الأحمر الإنجليزية في مصر أثناء الحرب العالمية الأولي. ومغادرته لها قبل ثورة 1919. وكذلك رحلته إلي الهند التي كان لها الأثر في تأليف هذه الرواية. كما يتحدث عن أسلوبه الذي اشتهر بنقده للمجتمع الانجليزي واتباعه للنزعة الإنسانية في موضوعات كتبه. كما تميز بأسلوبه الساخر. وإبرازه العلاقات الإنسانية بغض النظر عن العرق أو الدين أو الثقافة. وقد ترجمت معظم أعماله الروائية والقصصية القصيرة إلي لغات عدة منها العربية. ثم يتحدث المؤلف د.عبدالمنعم حبيب عن الرواية نفسها حيث يذكر أنها «آخر رواية نشرت لفورستر أثناء حياته» وأنها «تتناول موضوع الوجود البريطاني في الهند والمعني الأخلاقي لهذا الاحتلال من وجهة نظر الكاتب الذي كان علي وعي تام بتقلبات السلوك الإنساني وبالأحكام المغلوطة بين طرفي الصراع. ثم يوضح لنا أن هذه الرواية تلقي نظرة علي الأمبراطورية البريطانية في خريف حياتها ويتأملها فيما اعتراها من اضمحلال. ثم يذكر محور الرواية وأهم احداثها. ويعلق علي الرواية معتبرا أنها إحدي المحاولات الأدبية في التقريب بين الشرق والغرب وإيضاح نقاط التشابه والتباين بين الثقافتين إذ يمكن تلخيص فحوي هذه القصة في فلسفة الكاتب التي تقوم علي فكرة التواصل بين البشر بدون عرقية أو عنصرية. ثم يستعرض النماذج الروائية موضوع الكتاب ومنها: السيدة دالاوي 1925 لفيرجينيا وولف. كنمودج جاد ومبهر من الأدب الإنجليزي الذي كتبته المرأة في النصف الأول من القرن العشرين. فوولف روائية وناقدة بريطانية تعتبر من أبرز رموز مدرسة الحداثة. بل تُعد حياتها نفسها حالة ثقافية وفنية خاصة. فقد نشأت في جو ثقافي حيث كان أبوها من أقطاب الثقافة والأدب والنشر في انجلترا. وقد تعرفت من خلاله علي كبار المبدعين والمؤلفين. وقد أصيبت بصدمة عصبية بعد وفاة والدتها مما أضطرها للعلاج. لكنها أكملت دراستها بعد ذلك في جامعة لندن. وتزوجت من الناقد ليوناردوولف. وأنشآ معاً دار نشر كان لها تأثير كبير علي الساحة الثقافية وقتها. وألفت عدداً من الأعمال الروائية. ثم انتحرت إثر ألم نفسي حاد في مارس 1941. وتعتبر من رواد تيار الوعي في الرواية الحديثة. وبعد استعراض حياتها يتحدث المؤلف عن أسلوبها الأدبي وموضوع روايتها "السيدة دالاوي" التي تحكي تفاصيل يوم واحد في حياة بطلتها ذات الخمسين من العمر في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولي. وتعبر فيها بعمق عن مشاعر المرأة. والاحتياجات النفسية لها وتتناول العلاقة بين الزوج والزوجة. كما يعود مؤلف الكتاب إلي الحديث عن فيرجينيا وولف مرة ثانية في ثنايا الكتاب متناولا رواية أخري لها هي "الفنار" كما سيتناول كاتبات أخريات وأشهر أعمالهن مثل آيريس مردوخ وغيرها. ثم ينتقل المؤلف إلي روايات مهمة مثل "جاتسبي العظيم" لفيتزوجيرالد. ورواية "ثم تشرق الشمس" لهيمنجواي". و"جسر سان لويس راي" لثورونتون وايلدر. ورواية "جاء الموت إلي الأسقف" للكاتبة ويلا كاثر. ومن الأمور الجيدة في هذا الكتاب انه يذكرنا بالعديد من أهم الروائيين العالميين مثل فوكنر وروايته الشهيرة "الصخب والعنف". وجون شتاينبك وجراهام جرين. وجورج أورويل. الذي يذكر له أكثر من رواية ويحللها مثل "مزرعة الحيوانات" و1984. كما يذكر بول بولز وأعماله ورؤاه. ووليم جولدنج. ونابوكوف. ولايقتصر علي الكتاب عن الكتاب الإنجليز الذين ولدوا في بلدان أخري وحرصوا علي الكتابة بالانجليزية مثل تشينوا أتشيبي الذي ولد في نيجيريا عام 1930 ودرس الطب والفلسفة. وكتب الروايات والقصص القصيرة والشعر والنقد. وقد وصفته صحيفة الجارديان البريطانية بأنه "أبو الأدب الأفريقي" كما يتحدث عن كتابات حصلن علي جائزة نوبل مثل درويس ليسنج ونادين جورديمر وتوني وموريسون. وكذلك يتحدث عن عالم نيبول. وكين كيسي مؤلف "طيران فوق عش الوقواق". ويستعرض أعمال بعض كتاب روايات الخيال العلمي والجاسوسية وما بعد الحداثة وغيرها. وإن كان المؤلف يخضع في اختياره لهذه الروايات لوجهة نظره النقدية والشخصية، وإن كان هناك العديد والعديد من الأعمال الروائية المهمة التي لم يذكرها والكتاب الذين أثروا في الرواية والذوق الجمالي في القرن العشرين. وحصلوا علي جوائز عالمية مثل البوليتزر ونوبل إلا أنه اقتصر علي مائة رواية إنجليزية . وألزم نفسه بذلك . ولعل هذا الكتاب يكون بداية تُستكمل في أعمال أخري للمؤلف أو لباحثين آخرين للتأريخ لفن الرواية وتعريف القراء بأهم الروايات في الأدب العربي والعالمي وقد يتسع الأمر ليشمل الأنواع الأدبية الأخري.. كتاب جدير بالقراءة.