جرت في الآونة الأخيرة تحولات مفاجئة للمجتمع المصري، أسفرت عن تجليات لمواقف نسائية سياسية غير مسبوقة، لافتة للنظر والرصد والمتابعة، لانها نابعة من هموم وعذابات نساء بسيطات في القري والأحياء الشعبية بعيداً عن أية حركات نسائية متعارف عليها، وبعيدة أيضا عن هالة الكاتبات والأديبات والإعلاميات اللاتي يظهرن عبر وسائل الإعلام . عن هذا الوعي العفوي والتلقائي سعيت لفتح نافذة حوار مع الكاتبة والإعلامية الكبيرة فريدة النقاش، وهي واحدة من الكاتبات اللاتي يتعاملن مع الفكر تعاملا جادا وحادا، فهي رئيس ملتقي تنمية المرأة، ومن ثم تحمل علي عاتقها قضايا المرأة والحريات العامة وهموم الوطن والثقافة، ودائما تنهج نهج النضال والكفاح، وتري فيهما شرفا وواجبا علي كل مواطن أن يؤديه. أحدث إصداراتها كتابها «دافعت عن قيثارتي» كما صدرت لها الطبعة الثانية من كتاب «حدائق النساء» وتضفي اللمسات الأخيرة علي مجموعة من الدراسات النقدية لتشكلها في كتاب ثالث. هذ ا عن النشاط الفكري والعلمي أما العملي، فيتمثل في «ملتقي تنمية المرأة» حيث تعد ورش عمل لتدريب الفتيات الشابات علي القيادة والريادة في المجتمع، لأنها تري في النساء قائدات رائعات في جميع الميادين. تحدثت معها حول التحولات التي تشهدها الساحة النسائية في مشهدها النسائي، حاورتها عن الاسباب التي أدت إلي هذا التحول، وعن تنوع اتجاهات المرأة واختلافها ، والي أين يمضي المستقبل بقضايا المرأة والثقافة والمجتمع انطلاقا من اللحظة الراهنة بتداعياتها وتجلياتها. الإسلام الخليجي ذكرت ان هناك اصرار علي تصدير الافكار المتردية لنا وإعادتنا للخلف وبالفعل نحن نناقش قضايا علي الساحة حسمت من قديم الأزل .. فهل هناك مؤامرة تطل برأسها وراء الأمر؟ - المجتمع المصري يتراجع.. لان هناك اسلاما آخر شائعا الآن بأموال الخليج ، وانا مصرة علي هذه الفكرة، ان أموال الخليج تلعب دورا رئيسيا جداً في دفع هذه القوي التي تريد أن تعيد المجتمع المصري الي الخلف، لأن هناك ثأرا تاريخيا بين السعودية ومصر منذ أيام إبراهيم باشا الذي حارب الوهابيين وهزمهم في القرن التاسع عشر، فهناك نزعة انتقامة لتحطيم مصر، وهذا جزء من استراتيجية بلدان الخليج، هناك تنافس علي الدور وهو دور الريادة في المنطقة، ويتم تطبيق المؤامرة عن طريق الافقار والفقر الشديد الذي انتشر في البلاد منذ عام 1974 بسياسة الانفتاح الاقتصادي، علي الاقل لدينا 40٪ يعيشون تحت خط الفقر وبعض الجماعات الاسلامية تستثمر هذا الفقر والأمية واحتياج الناس والجوع ليعيدونا للوراء. الثورة ابداع شعبي تلعب الكاتبة والمبدعة دورا هاما في الدفاع عن قضايا المرأة ، لكن نلاحظ الان كتابات اخذت تنهج نهج الشراسة فهل يمكن أن نطلق علي هذا النوع من الكاتبات صاحبات الأظافر الطويلة؟ - شئ جميل.. أنا رأيي ان هذه ظاهرة تدعو للتفاؤل وتقضي علي فكرة اليأس والاحباط التي انتشرت، وبالرغم من كل شئ هناك انتشار للوعي يرجع الفضل فيه لثورة يناير الذي اكتشف الشعب المصري فيها قدراته وشجاعته وابداعه لانها هي نفسها كانت ابداعا شعبيا لم يعد هناك أحد يخاف، سقط حاجز الخوف للابد، ولذلك انا مندهشة من نظام الحكم الذي لم يستوعب هذا الدرس.. الشعب المصري لم يعد هو الشعب المصري قبل ثورة يناير ولن يسكت أحد علي الافتراء والاكاذيب.. لان ما حدث في استفتاء الدستور هو فضيحة مشابهة لما فعله النظام السابق في انتخابات 2010 التي زورت بطريقة فاضحة واخذ يهزأ من أي اعتراضات حياله.. حصاد الثورة هناك تحولات سياسية لافتة بين النساء الريفيات والعاملات اللاتي اصبحن ينظمن مظاهرات للتعبير عن رأيهن بالاضافة لمشاركتهن الاكثر من الرجال في الانتخابات.. فهل يمكن للمرأة في المستقبل ان تنافس سياسيا وتسترد وضعها ومكانتها ؟ - هذا حصاد الثورة.. المرأة خرجت أكثر من الرجل للاستفتاء لانها تشعر ان هناك نظاما فلسفته تعاديها وتعادي حقوقها، وقد ظهر ذلك في الحشود التي ذهبت للاستفتاء والعاملات اللاتي خرجن في مظاهرات المحلة في مقدمة صفوف المظاهرات، هن قائدات .. خرجن للنضال لا من أجل حقوق المرأة فقط بل من أجل حقوق الانسان والعمال، وقد فوجئت بامرأة شعبية بسيطة جداً تنسج الهتافات وهي واقفة في التو واللحظة، وكان شيئا رائع ان تري امرأة خرجت من الأحياء الشعبية والتحقت بالمظاهرة، مؤمنة بأهداف المظاهرة النسائية وقادت الجميع، فهن قائدات ريفيات وعاملات قائدات بالاضافة للنساء الذي يعترف بهن الاعلام من الوجوه اللامعة من الطبقية الوسطي من الكاتبات والصحفيات. أما عن استطاعة المرأة ان تنافس سياسيا طبعا أكيد.. وانا متفائلة جداً.. وستعود أقوي من السابق. الجمهور سيعاقبهم الساسة والسياسيون أحبطونا سنوات طويلة فهل يمكن للثقافة والمثقفين ان يشكلوا قاطرة المستقبل ؟ - بالتأكيد.. لكن ليس وحدهم.. طبعا سوف يلعب المثقفون دورا كبيرا جدا في دفع الأمور الي لأمام وفتح آفاق جديدة لمستقبل مصر، لكن لابد من حركة شعبية قوية جدا علي غرار 25 يناير، ، وبالتالي علينا ان ننتظر موجة جديدة من موجات الثورة. كان المثقف يملك حدس زرقاء اليمامة ويتنبأ بالمستقبل.. فماذا جري للمثقف المصري والعربي الذي اصبح ينتظر وقوع الحدث ثم يحدد اتجاهه ؟ - لا نستطيع أن نعمم.. لان هناك مثقفين يلعبون أدواراً ريادية وقوية ويبدعون في ساحة الوعي.. أليس هذا ابداعا أن نفتح افاق الفكر أمام الجمهور الواسع؟ وهذا الدور يلعبه بعض المثقفين، ولكن ظاهرة الانتهازيين أو المتحولين وهي ظاهرة موجودة في كل البلاد وفي كل الثقافات وإن كانت مؤلمة بالنسبة لوجودها في مصر ، لان ما يحدث هو شئ بشع وانا اندهش ان ينتقل المثقفون من صفوف الثقافة النقدية الي ثقافة السمع والطاعة أو السلطة السمع والطاعة من اجل مصالح صغيرة.. واعظم عقاب لهؤلاء ان يكشفهم جمهورهم. توحيد القوي ارتبطت بالفكر الاشتراكي وكان ملاذك للخروج من الحياة البائسة للناس.. فما هو الملاذ الآن للخروج من النفق ؟ - سوف نناضل.. هذا هو ردي علي كل الاسئلة، لابد ان نناضل وان تتوحد القوي الديمقراطية والاشتراكية والليبرالية وتجد أرضا مشتركة فيما بينها لان التركة التي سوف نواجها ثقيلة جدا ولن يستطيع حزب واحد أو جماعة واحدة ان تواجه ما هو قادم. وأضيف في هذا الصدد علينا ان نساند بكل قوة الأفكار والجهود التي يبذلها المثقفون الذين يدرسون علوم الفقه وعلوم الدين بنظرة تقدمية نقدية مفتوحة، أي فكرة الاصلاح الديني التي بدأت منذ ابن رشد لكن القوي الرجعية قمعتها، علينا أن ننظر في تراثنا الي الجانب المضئ والديمقراطي والعقلاني الذي سبق أن أنار العالم لمدة ثمانية قرون في الأندلس حين ذهب المسلمون الي الأندلس كانت هناك حضارة وثقافة عظيمة لانهم انفتحوا علي كل ثقافات العالم ولم يكونوا احاديي الفكر والنظرة فصنعوا حضارة وثقافة عميقة جدا، علينا أن نساند كل التيارات الجديدة التي تدعو لنظرة موضوعية ديمقراطية ترعي مصالح الناس وترفض العنف والتكفير وتعترف بالآخر هناك، شيوخ وباحثون مجتهدون في ميدان الفقه علينا أن نساندهم من أجل اصلاح حقيقي . أثق في الشعب كيف تنظرين للمشهد الراهن ؟ - أنا متفائلة بالرغم من كل الظروف ، ورغم المتحولين الذين يجرون الي السلطة القائمة، هناك أجيال جديدة من المثقفين، واذكر هنا هؤلاء الذين يخرجون الي المظاهرات أمام نقابة الصحفيين والي ميدان التحرير وأمام قصر الاتحادية، هم مثقفون.. الشباب الذين اشعلوا الثورة عبر النت هم مثقفون. لا اريد ان أحصر مفهوم المثقفين في الكتاب والمبدعين والصحفيين فقط، ولكن هناك المثقف العضوي المرتبط بواقعه وبالناس الذين يعيش بينهم، ويستطيع التعبير عن آمالهم وأحلامهم وهم كثير جداً في أوساط العمال وفي اوساط الفلاحين والطلاب والنساء وبالتالي أنا أثق في الشعب المصري.