وزير التعليم ينعي وكيله الدائم بالوزارة.. ويؤكد: رحل بعد مسيرة عطاء زاخرة    أسعار الذهب اليوم الأربعاء بالتعاملات المسائية    إعلام إسرائيلي: طواقم الإطفاء لإخماد حرائق اندلعت في عدة مستوطنات    ريال مدريد يسقط أمام ليل في دوري الأبطال    سقوط 4 عناصر شديدى الخطورة في قبضة مباحث طوخ    تعرف على فعاليات اليوم الثاني «القاهرة الدولي للمونودراما»    هَنو: وزارة الثقافة ستظل داعمة لكل الفنون لصون التراث وهويتنا الوطنية.. صور    رئيس جامعة المنوفية يصدر قرارا بندب الدكتور حسام الفل عميدا لمعهد الأورام    جامعة دمياط تستقبل طلابها الجدد باحتفالية في كلية التربية النوعية    الشرقية يضم حارس الزمالك السابق    الصين الشيوعية تحتفل بعيدها ال75    «الحوار الوطنى» يعقد جلسة عاجلة السبت لتعزيز الأمن القومى    البابا تواضروس: نصر أكتوبر صفحة بيضاء في تاريخ العسكرية المصرية ونشكر الله على سلام بلادنا    رئيس جامعة القاهرة يبحث تعزيز التعاون مع اتحاد الجامعات المتوسطية UNIMED    «برغم القانون» الحلقة ال13.. القبض على إيمان العاصي    التعليم المستمر بجامعة النيل تحتفل بتخرج دفعة من برامج الأنشطة الصيفية للشباب    نائب محافظ القليوبية تشن حملة إزالة إشغالات أعلى الطريق الدائري    تجديد حبس المتهمين فى فبركة سحر مؤمن زكريا    إصابه 4 أشخاص جراء انقلاب سيارة في المنوفية    تنظيم ورشة عمل مهنية للترويح للسياحة المصرية بالسوق التركي    تفاصيل إنشاء أول منصة متكاملة لبيع وشراء السيارات إلكترونيًا    خبر في الجول - إيقاف الإسماعيلي عن القيد حتى نهاية الموسم    الأحد.. حفل غنائي للمركز القومي للمسرح احتفالًا بذكرى انتصارات أكتوبر    أمين الفتوى يحذر الأزواج من الاستدانة لتلبية رغبات الزوجة غير الضرورية    أمين الفتوى: مفهوم الاحتياج نسبي وهذا هو الفرق بين الحرص والبخل    العراق يستقبل 5 آلاف لبناني خلال 10 أيام    الكشف على 1025 حالة ضمن قافلة طبية في الفيوم    واشنطن تدعم دور المغرب في تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط    بيسكوف: قوات كييف تستهدف المراسلين الحربيين الروس    إسعاد يونس تكشف موعد اعتزالها التمثيل |فيديو    للمرة الأولى ب«الصحفيين».. العرض العام الأول للفيلم الوثائقي الدرامي «ممر الألم»    في مؤتمر صحفي.. استادات تعلن التوسع في استخدام أحدث التقنيات والذكاء الاصطناعي في قطاع الرياضة    ظهرت جنوب تشيلي وفي البرازيل.. مشاهد ترصد الكسوف الحلقي للشمس    الإفتاء: الجمعة أول شهر ربيع الآخر لعام 1446ه‍    سجل هاتريك.. ليفربول يبحث عن بديل محمد صلاح في الدوري الألماني    «البحوث الإسلامية»: 35 قافلة نفذت 25 ألف لقاء دعويا    معارض الحضارة المصرية في الخارج تجذب 625 ألف زائر    «وما النصر إلا من عند الله».. موضوع خطبة الجمعة المقبل    مصطفى الفقي: علاقة مصر مع إيران وإسرائيل وحزب الله تحتاج مراجعة    رئيس أركان الجيش الإسرائيلي: نستطيع الوصول إلى أي مكان في الشرق الأوسط    قافلة تنموية شاملة لجامعة الفيوم توقع الكشف على 1025 مريضا بقرية ترسا    تغيير كبير.. أرباح جوجل بالعملة المصرية فقط    رئيس الوزراء: نعمل على تشجيع القطاع الخاص وزيادة مساهمته    البورصة المصرية تتحول إلى تحقيق خسائر بعد اتجاهها الصاعد في الجلسات الأخيرة    عالم أزهري: 4 أمور تحصنك من «الشيطان والسحر»    أحمد محمود: التصريحات المستفزة عن الزمالك جعلتنا نؤدي 200% ضد الأهلي    تفاصيل زيارة أحمد فتوح لأسرة المجنى عليه.. وعدوه بالعفو عنه دون مقابل    200 مليون جنيه لحل أزمة زيزو.. وجوميز يرفض مصطفى أشرف    قافلة طبية في قرية الشيخ حسن بالمنيا ضمن مبادرة بداية جديدة لبناء الإنسان    جمال شعبان: نصف مليون طفل مدخن في مصر أعمارهم أقل من 15 عامًا    منح الرخصة الذهبية للشركة المصرية للأملاح والمعادن بالفيوم «أميسال»    أستاذ جامعي: شمولية «حياة كريمة» سببا في توفير مناخ جاذب للاستثمار    «بونبوناية السينما المصرية».. ناقد: مديحة سالم تركت الجامعة من أجل الفن    النيابة تطلب تحريات مصرع عامل تكييف سقط من الطابق الثالث في الإسكندرية    وزير الري يلتقى السفيرة الأمريكية بالقاهرة لبحث سُبل تعزيز التعاون في مجال الموارد المائية    ضبط تشكيل عصابي تخصص في سرقات الدراجات النارية بالمنيا    جيش الاحتلال الإسرائيلي يوسع نطاق دعوته لسكان جنوب لبنان بالإخلاء    خبير عسكري: إسرائيل دخلت حربًا شاملة ولن يوقفها أحد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي يختص (أخبار الأدب) بهذا الحديث
أيها المؤرخون.. لا تكذبوا النقاد تحولوا إلي تجار شنطة..!
نشر في أخبار الأدب يوم 18 - 01 - 2013

ما أحوجنا الآن إلي من يحدق في الأفق لعله يري ما لا نري بامتلاكه حدس زرقاء اليمامة ..
وما أشد احتياجنا إلي من يمد بصيرته قبل بصره في نفق اللحظة الراهنة لعله يجد علي نار التوهان هدي..
وما أحر رجائنا وما أطول انتظارنا إلي عدسة كاشفة لما وراء هذا الواقع الذي تطغي متغيراته علي ثوابته..
وهل يمتلك هذ ا الحدس إلا شاعر كبير بحجم أحمد عبد المعطي حجازي؟
وهل يملك هذه العدسة إلا مفكر كبير مثله، دخل مع الأيام في تحديات، ما بين انتصار وانكسار، هزم وانهزم ، غالب الظروف وغالبته، وذهبت الالتباسات السياسية والاجتماعية ليبقي الأصيل والجوهري.
(أنتم الناس أيها الشعراء).. شطر بيت أبدعه أمير الشعراء أحمد شوقي، فصار مثلا سائرا، دالا علي عمق تجربة الشاعر، وأن الإبداع الأدبي والفني هو القوة الناعمة التي لا تعرف الانطفاء، ولا تعترف إلا بالتوهج، وأن المبدع هو الأطول عمرا والأبقي فكرا، والأكثر أثرا وتأثيرا.
ذهبنا الي الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي.. قضينا ثلاث ساعات في صومعته الإبداعية بمصر الجديدة.. فتح لنا قلبه وفكره وذاكرته.. تطارحنا معه الكثير من الأمور الشائكة.. استخرجنا من محيطه الإنساني لآلئ من الحب والشعر والعذاب والعذوبة والسياسة والثقافة والوجدان والأفكار والذكريات والتحولات ، والإنسان والزمان والمكان، في المسافة المتحركة ما بين أول طلعة شعرية في أجواء الخمسينيات حتي الومضة التي يعيشها الآن، وما بين الطلعة والومضة ارتحلنا مع الأمواج وارتطمنا بالأشواق واستقطرنا من الأشواك بعض الورد ، بعض الوقت ، بعض الفكر، بعض الزمن، وآراء ورؤي ومواجهات ، وقفا عند بعض المحطات التي انتظمت مسيرته، ومرورا ببعض النقلا التي شكلت صيرورته، وأطروحات حادة وجادة جذورها في كينونته، وثمارها في سيرورته..
هو الشاعر الذي ساهم في تشكيل قوام القصيدة الحديثة والمعاصرة بروائعه التي تجلت في ديوانه الأول ( مدينة بلا قلب) مدينة بلا قلب 1959 - أوراس 1959 - لم يبق إلا الاعتراف 1965 - مرثية العمر الجميل 1972 - كائنات مملكة الليل 1978 - أشجار الإسمنت 1989- طلل الوقت2009- ترجمة مختارات من هذه الأعمال إلي العديد من اللغات منها :الفرنسية والإنجليزية والإسبانية واليونانية والروسية وغيره
وهو الكاتب الذي وضع علي رفوف مكتبة الدراسات الفكرية والأدبية :محمد وهؤلاء 1971. مختارات من شعر إبراهيم ناجي وخليل مطران 1972- عروبة مصر 1977. حديث الثلاثاء »جزءان« . الشعر رفيقي 1990. أسئلة الشعر 1991 - أحفاد شوقي 1992- قصيدة لا 1993- علموا أولادكم الشعر 1995- شجرة حياة 1996- قال الراوي 1997.
وهو المفكر الذي يشارك في المشهد الثقافي بعضويته في الكثير من النوافذ والمنافذ، فهو حاليا رئيس تحرير مجلة إبداع الشعرية، ورئيس بيت السناري، وفي المشهد العام بكتاباته ومقالات وأحاديثه ووجوده، في المهرجانات الأدبية والمؤتمرات الفكرية هنا وفي كثير من العواصم العربية والعالمية، وهذا النشاط تتوجه جوائز وأوسمة مثل جائزة كفافيس في الشعر، عام 1990 وجائزة الشعر الأفريقي، عام 1996 وجائزة الدولة التقديرية في الآداب من المجلس الأعلي للثقافة، عام 1997.
يا للروعة!
الكلمة تنمو بالدمعة..
وأخذت الكلمة جنب القلب..
قربت الكلمة من شوقي ..
شوق الانسان الي الخضرة والحب..
ونما حرف.. عانق حرفا .. كتب الجنة! ..
الكلمة تنمو بالدمعة..
مطلب ثوري
بدأت المحاورة من اللحظة الراهنة، بما يتجادل فيها من ثنائيات ومتناقضات ومفارقات .. لكن ومضة التنوير هي التي أشعلت الجلسة، باعتبارها قضية ممتدة وممدودة وبدونها لا نستطيع المضي قدماً.. كيف تري تلك القضية بعيون المثقف الناصح، وحاجة المجتمع اليها أشد من أي وقت مضي. أليس كذلك أستاذ أحمد عبد المعطي حجازي؟
- نعم هو كذلك .. فالتنوير هو الأساس.. وهو شرط للتقدم، وبالتالي هو مطلب ثوري، لان الطغيان يتأسس علي الظلام، فلا نستطيع التحدث عن الثقافة، أوعن الاقتصاد، أو عن السياسة، أو عن الحاضر، أو عن الماضي، أو عن المستقبل، إلا بناء علي أفكار صحيحة، من ناحية انها معلومات وليست خرافات، ومن ناحية أخري أنها انسانية لها طابع انساني، لأن من الممكن أن توجد حقائق صحيحة، ولكنها غير نافعة .. فعلي سبيل المثال: الموت حقيقة لكن لا يجب التركيز عليه كما ينبغي التركيز علي الحياة، والماضي حقيقة لكن لا يجب الرجوع والعودة إليه ولكن يجب اقتحام المستقبل .. وهكذا .. التنوير قضية أساسية وانسانية.. وأظن أننا كمسلمين وكمصريين يجب أن نستفيد من إنجازات وتقدم الغرب في مجال من المجالات، لابد أن نستفيد منه مثلما فعل الأوائل فهم خرجوا واستفادوا.. فتعلموا في بلاد الشام، و مصر والعراق والمغرب، والهند، والأندلس، وفارس، وأحسنوا الكثير من اللغات وترجموا منها .. الي آخره.
يقبل الوقت ويمضي
دون أن ينتقل الظلُّ
وهذا شجر الأسمنت ينمو
كنبات الفِطْرِ
يكسو قشرة الأرضِ
فلا موضعَ للعشبِ
ولا معني لهذا المطر الدافقِ
فوق الحجرِ المصمَتِ
لا ينبت إلا صدأ
أو طحلبا دون جذورْ
رواد التنوير
والشيء بالشيء يذكر.. إذا كان رواد التنوير مثل محمد عبده والطهطاوي ومن تلاهم من موجات تنويرية متلاحقة طرحوا قضاياهم ووجدوا حلولا لمشاكلهم علي ضوء معطيات العصر.. فإننا الآن نعود ونستعيد طرح نفس القضايا، ولكن بدون رؤية ولا رؤيا، فكيف يمكن تقبل هذه المفارقة؟
- لم تتعرض مصر في فترة من الفترات لاغتيالات الأشخاص فقط، بل أيضا طالت الاغتيالات الثقافة، ما حققناه في القرنين الماضيين علي أيدي رواد التنوير الذين ذكرتم بعضا منهم ، تم اغتياله، وكذلك ما حققته ثورة 1919 وهي التي أسست للدولة الوطنية والنظام الديمقراطي الذي يقوم علي الثقافة الوطنية، التي تحققت بالفعل علي يد رواد حركة التجديد والاجتهاد في الفكر الإسلامي الذي يلبي احتياجات المصريين في القرن التاسع عشر والقرن العشرين التي كانت مختلفة في ذلك الوقت..
علي سبيل المثال السؤال الذي طرح علي الإمام محمد عبده: موقف الإسلام من الفن.. لم يكن قد طرح من قبل لكنه طرح وحسم، الآن الانقلاب الذي حدث أعتبره اغتيالا للقرنين الماضيين، وفي اعتقادي أن هذا اغتيال للنهضة، ولم يبدأ الآن، وإنما في حقيقة الأمر هو بدأ منذ عام 1952 والمفارقة أن السلطة عندما وصلت لحكام من أصول مصرية عام 52 وهم هؤلاء الضباط الذين توالوا علي السلطة الي أن قامت ثورة 25يناير 2011 فقدت مصر منذ ذلك التاريخ معظم مكاسبها خاصة النظام الديمقراطي.
صحيح أن الثقافة المصرية لم تمت في الخمسينيات والستينيات، لكن هذا بفضل الثلاثينيات والأربعينيات، الواقع أن القضايا والأهداف والشعارات التي رفعت في القرنين الماضيين صحيح انها تراجعت، لكنها لا تزال ترفد، كل ما هنالك اننا نواجه قوة سياسية تريد أن تواصل اغتيال ما حققناه في مجال المرأة، والأدب، والعلم، واللغة العربية.. اقرأ اللغة العربية التي كان يكتب بها الجبرتي أو كان يقرأ بها الشرقاوي القديم.. وقارن بينها وبين اللغة العربية الآن.. بالفعل المجتمع يكاد يكون ضحية للتحولات، لكن يجب أن يعمل المجتمع علي تقوية مؤسساته وتقوية الأحزاب وتقوية التنظيمات السياسية وتقوية النقابات والصحافة الحرة وتنمية الثقافة المستقلة.
نحن قد نغفو قليلا ،
بينما الساعة في الميدان تمضي
ثمّ نصحو .. فإذا الركب يمرّ
و إذا نحن تغيّرنا كثيرا ،
و تركنا عامنا السادس عشر
كان حلمي أن أظلّ اللّيل ساهرا
جنب قنينة خمر
تاركا شعري مهدول الخصل
مطلقا فكري في كلّ السبل
أتلقّي الوحي من شيطان شعري
طريق الصحافة
لا نمو بدون جذور.. وخطواتك الأولي نحو المعرفة بدأت في عمر مبكر.. فماذا عن هذه الجذور التي شكلت اتجاه الشاعر والإنسان في تكوينك ؟
- أنا ولدت عام 1939 بشبين الكوم، وبدأت مرحلة التشكيل والمعرفة في أوائل الأربعينيات وأنا عمري أربع سنوات في الكتاب لأحفظ نصف القرآن الكريم وأنا في السابعة من عمري، وأختم المصحف وأنا في التاسعة من عمري، وتدرجت بمراحل التعليم حتي التحقت بدار المعلمين، واعتقلت عام 1945 لمدة شهر بسجن أراميدان وأنا طالب بمدرسة المعلمين لأني شاركت في مظاهرات بشبين الكوم، وتخرجت من دار المعلمين عام 55 لكن لم يتم تعييني مدرساً بسبب هذا الاعتقال.. الأمر الذي غير مسار حياتي ودفع بي الي طريق الصحافة.. نزحت للقاهرة وكنت في العشرين من عمري.. والتحقت بالعمل لفترة قصيرة بدار الهلال ثم التحقت بمجلة روزاليوسف لأجد بها مناخاً مختلفاً يعوضني عن فقد الأهل والأصدقاء، وفي عام 56 بدأت مجلة صباح الخير نشاطها ، لألتحق بها محرراً معدوداً لتكون نقلة هامة جداً في حياتي..
أما النقلة الأخري التي حدثت لي هي كانت في الفكر والسياسة، بالرغم من أني كنت أعبر عن تحفظاتي إزاء السلطة و كنت معاديا لجمال عبدالناصر، لكني نقلت نفسي من معسكر المعارضة لمعسكر التأييد بداية من تأميم قناة السويس، عندما استشعرت إنجازات للحكم، حتي أني تطوعت للقتال في بورسعيد..
فأنا الذي عالجت نفسي بالهوي ،
كي تخرج الكلمات دافئة الحروف
و أنا الذي هرولت أيامنا بلا مأوي ، بدون رغيف ،
كي تخرج الكلمات راجفة ، مروّعة بكلّ مخيف ،
وأنا ابن ريف
ودّعت أهلي وانتجعت هنا ،
لكنّ قبر أبي بقريتنا هناك ، يحفّه الصبّار
و هناك ، ما زلت لنا في الأفق دار ؟
في مدينة بلا قلب..
مابين ديوان »مدينة بلا قلب« حتي آخر ديوان لك «طلل الوقت».. مسافة طولها ستون عاماً هل يمكن أن تكثفها في محطات محددة ..انتظمت رحلتك مع الشعر والأيام والزمن والتحولات..؟
- أما عن المحطات الشعرية فقد بدأت رومانتيكيا، متأثرا بالشاعر محمود حسن اسماعيل وكان موقفي حتي سلبيا إزاء التجارب الأولي التي قرأتها في الشعر الجديد وبالذات، حتي قرأت قصيدة عبدالرحمن الشرقاوي بعنوان من أب مصري إلي الرئيس ترومان.. هذه قصيدة فيها مقاطع غنائية وفيها مقاطع سردية وفيها الحوار وفيها شخصيات مختلفة.. فتحت لي طريق حسن الظن بالتجديد لاذهب إليه بصورة طبيعية ودون قصد.. فكتبت .. وكانت أول مجموعة شعرية كتبتها بعنوان مدينة بلا قلب وقد جسدت معاناتي من القرية للمدينة،..
ثم ديوان »أوراس« الذي جسد انفعالي بالثورة الجزائرية وانفتاحي علي العالم العربي عندما بدأت أنشر قصائدي في مجلة الآداب البيروتية عام 1956 وأصبحت معروفاً خارج مصر، وبدأت فكرة ايماني القومي والوحدة العربية.
أما المجموعة الثالثة التي كتبتها بين عامي 63 و 64 بعنوان »لم يبق إلا الاعتراف« متأثراً بحرب اليمن والشهداء الذين فقدوا بتلك الحرب.استمرت تلك الفترة حتي عام 1967 التي هزت الكثير من المسلمات التي كنت أؤمن بهاو، وكنت أدافع عنها في قصائدي وفي أعمالي وكتاباتي بشكل عام، وحتي في حياتي، فكتبت متأثراً بالهزيمة قصائد ديوان »مرثية للعمر الجميل«.
أما عن انتصار اكتوبر فكتبت قصائد عديدة للنصر لكن لم أجمعها بديوان.. ثم سافرت لباريس عام 1974 وكتبت ديوان مملكة الليل وديوان أشجار الأسمنت..
يا أيّها الانسان في الريف البعيد
يا من يصمّ السمع عن كلماتنا
أدعوك أن تمشي علي كلماتنا بالعين ، لو صادفتنا
كيلا تموت علي الورق
أسقط عليها قطرتين من العرق ،
كيلا تموت
فالصوت إن لم يلق أذنا ، ضاع في الصمت الأفق
و مشي علي آثاره صوت الغراب !
كلماتنا مصلوبة فوق الورق
لمّا تزل طينا ضريرا ، ليس في جنبيه روح
و أنا أريد لها الحياة ،
و أنا أريد لها الحياة علي الشفاه
تمضي بها إلي شفة فتولد من جديد !
لماذا تلجأ الي المقال الصحفي بالقراء هل هو الأكثر اقتراباً من الناس والأسرع وصولاً الي المتلقي،، نسألك وفي الذهن
موقفان، الأول: مقالك الأسبوعي في الأهرام منذ زمن بعيد، والثاني: ما حدث ليوسف إدريس في العشر سنوات الأخيرة من حياته عندما اتجه كلياً للمقال الصحفي أكثر من لجوئه للفن القصصي؟
- كنت أتمني باستمرار ألا أكتب سوي القصيدة.. لكن أولا أنا نشأت في بيئة ثقافية لا تتيح هذا التخصص الشديد من ناحية، ولا تسمح به كذلك بالعكس، تفرض علي الشاعر - كما تفرض علي غير الشاعر والروائي - أن يكتب في الشأن العام وفي القضايا العامة.
توفيق الحكيم كان يكتب في القضايا العامة، وطه حسين، والعقاد الذي بدأ شاعراً وناقداً انتقل انتقالات كاملة تقريبا إلي المقال.. هذا حدث مع الجميع.. وأعتقد أن هذا يميز المثقف المصري..
وإذا قارنا بين المثقف المصري وأي مثقف عربي آخر.. سنجد هناك الشاعر شاعرا فقط لا يكتب مقالا.. لكني وجدت نفسي أعمل بالصحافة منذ عام 1956 حتي عام 1964ولم أكن منهمكا في كتابة المقالات والمقال لم يأخذني، لأني لم أجد أن من واجبي أن أكتب المقال، لكن الأمر اختلف منذ العام 1990 عندما عدت من فرنسا، فوجدت تقريبا أن معظم من يعالجون القضايا العامة رحلوا عن الحياة في عقد التسعينيات، توفيق الحكيم ويوسف ادريس وعبدالرحمن الشرقاوي ولويس عوض، ولذلك حين عدت من الخارج عملت بالأهرام لهذا السبب.
بالإضافة الي أن المقال الصحفي أوسع انتشاراً وبالتالي تأثيره مباشر، لكن القصيدة لها مواصفات أخري.. فهي قبل كل شيء جمال للامتاع ولها أيضا التأثير الفكري، ويصح جداً أن يكون لها تأثير سياسي لكن القصيدة لا يقصد بها التأثير السياسي المباشر ، وإلا ستكون قصيدة كما يسمونها قصيدة مناسبات أو قصيدة تحريض.
في العالم المملوءِ أخطاءَ
مطالبٌ وحدكَ ألا تخطِئا
لأن جسمكَ النحيلْ
لو مَرة أسرعَ أو أبطأَ
هوي، وغطي الأرضَ أشلاءَ
في أيِّ ليلةٍ تري يقبع ذلك الخطأ
في هذه الليلة! أو في غيرها من الليالْ
حين يغيض في مصابيح المكان نورها وتنطفيءْ
ويسحب الناس صياحَهم
علي مقدمِك المفروش أضواءَ
إطلاق سراحي
خضت العديد من المعارك والاشتباكات حول موضوع الحرية والإبداع وقد تعرضت كثيراً إلي الهجوم، بل دفعت ثمناً باهظاً لأفكارك حتي أنك اضطررت لبيع أثاث منزلك في مزاد علني.. نسترجع هذه الواقعة- الفاجعة.. ليطل السؤال برأسه: هل للحرية ثمن، وللإبداع ضريبة، هل سوط التكفير أقوي من صوت التفكير؟.
- ما أواجهه الآن ليس جديداً.. لقد بدأت معاناتي مع السلطة السياسية وأنا ما زلت طالبا عام 1954 حيث كان الاعتقال الأول، ثم اعتقلت مرة ثانية عام 1956 ثم حدث أن استطاع مجموعة من الكتاب والصحفيين الضعظ علي السلطة حتي تم إطلاق سراحي بعد عدة أيام، وفصلت من مجلة روزاليوسف في فبراير عام 1973 وأحلت للتقاعد بل منعت من العمل بالصحافة، بعد ذلك سافرت إلي فرنسا عام 1974 وهناك حصلت علي ليسانس علم الاجتماع بجامعة السوربون عام 1978، ونلت شهادة الدراسات المعمقة في الأدب العربي عام 1979وفي تلك الفترة أصبحت مدرسا للشعر العربي في الجامعة الفرنسية، الي أن قرروا في مصر فصلي مع آخرين من عضوية نقابة الصحفيين، وهذا الذي جعل صلاح جلال عام 1981 يستأذن السادات في إعادتنا إلي مصر، واجتمع بالكتاب والصحفيين الموجودين في فرنسا في منزلي هناك، وأذكر منهم محمود أمين العالم وأمين اسكندر وغالي شكري وجورج البهجوري وعبد السلام مبارك .
أما عن تحمل المعاناة.. فهذا يتوقف علي شخصية الذي يواجه هذه المشكلات وقدرته علي فهمها ومواجهتها.. نحن نحتاج الي أن نفهم ما نواجهه حتي نستطيع التعامل معه وإلا سقطنا، فالذي يعلم يتمكن من الدفاع عن مثله العليا وأحلامه وقيمه .
لابد أن نمتلك الشجاعة لمواجهة ما يترتب علي هذا العمل من تضحيات، ومن مشكلات ومعاناة.. وما واجهته أنا واجهه كثيرون غيري وبضراوة أعنف بكثير، فالذي واجهه فرج فودة وما واجهه »نجيب محفوظ« وما واجهه »نصر حامد أبو زيد«.. هؤلاء واجهوا الموت فالذي حدث لي لا يقاس بالنسبة لما حدث لهم..
فليسحقني الألم إذا الكلمة عطشت..
كي أسقيها بدل الدمعة عشر دموع..
وليزرعها كل شقي مثلي، عرف الجوع،
وعذابات الحب الخاسر..
ولتمتد جذور الكلمة نحو قرانا،
ذات الدمع الوافر..
كي تورق ذات الدمع الوافر..
ثقافة الطغيان
عن المسافة بين التفكير والتكفير التي أصبحت ضيقة الي أبعد حد فكيف تري الخوف من المفكر الذي يصل الي حد تكفيره..؟
- لأن المفكر حر، والمفكر مؤثر، والمفكر لا يخضع للطغيان، ولا يقول حاضر، والمفكر مستقل، والطغيان يحتاج الي الطاعة والاذعان، والمفكر لا يذعن، ولا يمتثل، ولابد من أن يصطدم بالطاغية، والطغيان ليس فقط طغيان الحاكم الطاغية، لكن هناك ثقافة الطغيان، وهناك ثقافة الامتثال، وهناك ثقافة الطاعة التي تتمثل في التلقي دون مناقشة، ودون تفكير، ثقافة التلقين.
أنا استغرب أحياناً عندما أجد كثيراً من الذين يتولون تقديم الفتاوي، هؤلاء المتنطعون.. الذين يستسهلون.. لا يفكرون.. وهم يعطون الفتاوي.. مثلا.. (لا تهنئوا الأقباط هؤلاء) لم يقرأوا حرفا واحداً في تاريخ مصر، ولم يقرأوا شيئا في ثقافة الإسلام، ولا في حضارة الاسلام، لان حضارة الإسلام هي حضارة التنوع في معظم أقطار المسلمين، لم يكن المسلمون وحدهم في مصر والأندلس كان فيها المسلمون والمسيحيون واليهود حتي إيران لم يكن فيها المسلمون وحدهم، كان فيها أيضا المجوس، والعراق كان بها الصابئة وعباد الشيطان.
وفتاوي تكفيرالمثقف ومطاردته تتمثل في قلة الثقافة عند البعض وطغيان السلطة لأن طغيان السلطة الطاغية الغاشمة أحرقت »جوردان برونو« في إيطاليا، وكفرت »جاليليو« وكفرت كثيرا من المفكرين الأوروبين في العصور الوسطي، وحتي في مطالع عصر النهضة، هذا يحدث في كل الدنيا مثلا.. كفروا »الحلاج« و»ابن رشد« و»ابن سينا«.. من يفكر يطلقون عليه كافرا، تلك التهمة أصبحت سهلة عند هؤلاء الجهلاء أنصاف الأميين المتنطعون، هؤلاء لا يخشون ولا يتحرجون من أن يعتدوا علي غيرهم..
من أجل أن تتفجّر الأرض الحزينة بالغضب ،
و تطلّ من جوف المآذن أغنيات كاللّهب ،
و تضيء في ليل القري ، ليل القري كلماتنا ،
ولدت هنا كلماتنا
ولدت هنا في اللّيل يا عود الذرة
يا نجمة مسجونة في خيط ماء
يا ثدي أمّ ، لم يعد فيه لبن
يا أيّها الذي ما زال عند العاشرة
لكنّ عينيه تجوّلتا كثيرا في الزمن
يا من تعاشر أنفسنا بكماء لا تنطق
و تقودها ، و كلاكما يتأمّل الاشياء
و كلاكما تحت السماء ،
و نخلة ، و غراب ، و صدي نداء..
الثورة بدأت
ذكرت ذات مرة أن ثورة يوليو 1952 لم تكن ثورة وإنما كانت انقلاباً عسكريا ماذا تقصد.. وسؤالي لك من اللحظة الراهنة وهي ثورة يناير، كيف تراها وكيف تتعامل مع تداعيات المشهد، وما تأثيرها في المستقبل؟
- لا شك في أن ثورة يناير بداية ثورة.. لأنها أسقطت رأس النظام وهزت النظام من جميع أركانه، وفتحت الطريق أمام مرحلة جديدة ،لا شك أن فيها أشياء إيجابية، مثل أن يتاح للمصريين انتخاب رئيسهم، ولكن يجب أن نرشد هذه التجربة.
الثورة مستمرة.. لأن ثقافة الثورة لم تسقط.. لم تضع الثورة.. إن لها جنودها، هم هؤلاء الشباب، وهؤلاء المثقفون، وهؤلاء السياسيون .. مصر تنهض من أول وجديد ، لابد أن نثق في مصر، ونثق في بعضنا البعض، الفكرة اننا غاضبون لأن الثمار قليلة ومتهافتة إلي الآن..
لكن هل حدث أن مصر واجهت المستقبل كما تواجهه الآن؟ هل حدث أن القوة الحية خلال الخمسين سنة أو الستين سنة الماضية تخطئ وتصحح أخطاءها وتصيب في الخطوة القادمة؟ لذلك أقول إن الثورة بدأت، وخطت خطوات، لكنها تعثرت، وسوف تنهض من عثرتها هذا مؤكد..
الحق الإلهي
السياسي والمثقف.. هل يتكاملان أم يتعارضان؟ وفي الحالتين ماذا تري انت؟ هل تدعو إلي التشابك والتفاعل بين المثقف والسياسي؟
- أنا شخصيا أميل لمشارك المثقف في الحياة العامة ، لكن دون أن يتحزب.. لأن المثقف يشترط دائما أن يكون مستقلا، وأن لا يخضع لسياسة حزب، ولا يستجيب فقط إلا لضميره، ولطريقته في التفكير.
أنا مثلا أري أن ينبغي علي أن أقول ما يمليه علي ضميري، لكن إذا التزمت بسياسة حزب يأتي زعيم الحزب ويتحكم في سياستي.. مثلما فعلوا في حزب الوفد مع العقاد، عندما أراد النحاس أن يوقف العقاد عن كتابة مقالاته في نقد وزارة توفيق نسيم..إلا أن العقاد رفض وقال له انت زعيم الحزب لانهم انتخبوك.. لكن أنا كاتب الشرق بالحق الالهي.. هناك أيضاً مثقفون قادرون أن يشاركوا في العمل الحزبي دون أن يخشوا ضغوطا أو يتنازلوا .. لكن أنا أكثر ميلا لاستقلال المثقف.
قامت بالمثقفين
من الملاحظ في الآونة الأخيرة ان المثقفين ينتظرون حتي يتم الحدث فيصفقون مع المصفقين أو يرفضون مع الرافضين أليس هذا عاراً علي المبدعين الذين - كما تدل شواهد التاريخ الفني والأدبي - يمتلكون عين وحدس وحس زرقاء اليمامة.. فماذا جري لهم؟
- لا.. ظني أن هذا غير صحيح.. بالرغم من أن الدولة، تضع يدها ولا تزال تضع يدها علي معظم المنابر الثقافية، لكن المثقفين المصريين تنبأوا بثورة يناير، وحرضوا عليها ودفعوا الناس إليها، وأنا استطيع أن أقدم عشرات الأمثلة علي ذلك .. كيف كان بالأمكان أن ترتفع هذه العشرات من الشعارات مثل: الدولة المدنية.. الحرية والديمقراطية .. والعدالة الاجتماعية بدون ثقافة؟.
الذي حدث أن الثورة اشتعلت بدون حزب، وليس بدون ثقافة، هناك فرق بين أن الثورة قامت بدون تنظيم ، الثقافة كانت موجودة باستمرار، والثقافة موجودة الآن، وهذا ما أتابعه، أن المثقفين يدافعون عن الحريات، ويدافعون عن الدولة المدنية، ويدافعون عن العقل ويدافعون عن وحدة المصريين، وعن المواطنة، ويدافعون عن الثقافة الي آخره.. هذا هو المستقبل الذي يتمثل في هذه القيم التي نؤمن أنها ستنتصر في المستقبل، ومن المؤكد أنها ستنتصر.
يا أصدقاء !
يا أيّها الأحياء تحت حائط أصمّ
يا جدوة في اللّيل لم تنم
لشدّ ما أخشي نهاية الطريق
أودّ ألاّ ينتهي ،
و لا يضيق
و يفرش الرؤي المخصّلة السعيدة
أمامنا .. في لا نهاية مديدة
تراجع دور المثقف
تأسيسا علي ذلك نسأل: إذا كان المثقف هو الذي دفع لاندلاع الثورة.. لماذا اذن كان واضحا للعيان تراجع دور المثقف في الآونة الأخيرة؟
- المثقف تراجع.. بمعني انه استخدم طيلة الستين سنة الماضية سواء بإرادته أو بالرغم عنه، كان في الخمسينيات والستينيات فريق من المثقفين يؤمن بوجود النظام الذي سيحقق الأمان والاستقرار لمصر ويساعد علي استرداد فلسطين الي آخره .. لكن هذه الآمال خابت ولم تتحقق، الأمر الذي دفع المثقفين للهجرة بكثرة.. اضطروا أن يهجروا بلادهم الي منفي اختياري، أو غير اختياري مرغمين عليه.. والذين ظلوا في بلادهم كانوا مضطرين للوجود في مؤسسات الحكومة، الفنان الممثل يعمل في مسرح الدولة، الكاتب يعمل في صحيفة الدولة، كيف يمكن للمثقف أن يؤدي دوره وهو غير مستقل.
إذا نظرنا للمثقف الذي كان يؤدي دوره في العشرينيات مثل طه حسين كان يستطيع أن يخرج كتابه في الشعر الجاهلي يزلزل به المسلمات الموجودة بشجاعة.. لماذا؟ لانه يجد من يقف بجانبه، صحيح أن هناك شيوخ الأزهر الذين وقفوا ضده والحكومة التي وقفت ضده .. لكن كان هناك أيضاً الأحزاب التي وقفت الي جانبه.. كان هناك حزب الأحرار الدستوريين ومن أعمدته كان د.هيكل، ولطفي السيد.
لكن بالنسبة لي عندما أنشر مقاله بروزاليوسف ويظهر متنطع ليس له عمل سوي أن يقاضي الكتاب والفنانين، فهو أمر يضع المثقف الحر بين نارين.. نار المتعصبين المستأجرين ونار السلطة.
فلتكتبوا يا شعراء أنني هنا
أمر تحت قوس نصر
مع الجماهير التي تعانق السّني
تشد شعر الشمس ، تلمس السماء
كأنها أسراب طير
تفتّحت أمامها نوافذ الضياء
الخداع والتضليل
استطلاعات الرأي ومنها استطلاع أخبار الأدب في نهاية عام 2012 وقد شاركت أنت فيه تشير الي طغيان السياسة علي الثقافة حتي انها تراجعت.. فما دلالة ذلك في منظورك؟
- الواجبات والأهداف السياسية والأحداث السياسية السريعة المتسارعة تستدعي أن ينخرط الجميع حتي المواطن العادي.. لم نر من قبل هذه الصفوف الطويلة في استفتاء الدستور الماضي من المواطن العادي من الرجال والنساء، في أي حدث سياسي..
إذن هناك حالة سياسية في البلاد وهذا طبيعي.. لكن ينبغي لهذه الحالة السياسية أن يكون لها عقل وثقافة.. لأن من الممكن لهذه الحالة السياسية أن تسقط وتكون آداة للطغيان.. بدون ثقافة يمكن خداع الناس وتضليلهم، وهم يظنون أنهم يشاركون في عرس ديمقراطي.
يا عمّ .. من أين الطريق ؟
أين طريق السيّدة ؟
- أيمن قليلا ، ثمّ أيسر يا بنيّ
قال ,, و لم ينظر إليّ !
و سرت يا ليل المدينة
أرقرق الآه الحزينة
أجرّ ساقي المجهدة،
للسيّدة
بلا نقود ، جائع حتّي العياء ،
بلا رفيق
كأنّني طفل رمته خاطئة
فلم يعره العابرون في الطريق ،
حتّي الرثاء !
لم أرفض شعر العامية
تعرضت خلال رئاستك للجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة لهجوم من قبل شعراء العامية وقصيدة النثر.. لانك لم تعط لهم الفرصة بالرغم من ان القصيدة العامية أكثر التحاما بالناس؟
- أنا لم أرفض العامية.. قصيدة العامية لها شعبية أكبر وهذا طبيعي.. بعض الفنون وصولها أسهل لأنها لا تطلب ثقافة خاصة، فهي قادرة أن تخاطب شريحة واسعة من الناس، لكن ليس كل قصيدة بالعامية قادرة، ما يصح أن يقال عن شعر صلاح جاهين أو عن شعر فؤاد حداد لا يصح أن يقال عن شعر شعراء آخرين، وكذلك الأمر بالنسبة للقصيدة الفصحي .. قصيدة أمل دنقل تستطيع أن تصل الي قاعدة شريحة واسعة، وشعراء آخرون لا شك في شعريتهم، لكن طبيعة لغتهم الشعرية أو موضوعاتهم المفضلة تحدد حجم وسعة الجمهور الذين يصلون إليه، وهذا الأمر أيضا متراوح، إذ يختلف من مر شحلة الي مرحلة.. فمثلا هناك شاعر يظهر الآن ولم يقرأه أحد.. لكن غداً يقرأ.. من المؤكد أن شوقي بعد رحيله تراجع جمهوره، ولكن عندما بدأت أم كلثوم تغني لشوقي الأمر اختلف وهكذا، فأنا لم أرفض شعر العامية وأنا مع شعر العامية الرفيع لكني ضد ايضاً طغيان العامية، ولست مع هؤلاء الذين يقولون إن المستقبل للغة العامية أو انها هي الأساس.. الفصحي هي الأصل ولابد من احترام الفصحي، ولابد من العناية بالفصحي، والتركيز علي الفصحي لانها لغة التفكير والتاريخ والحاضر والمستقبل والتراث والقرآن الي آخره.. هذا ليس معناه إسقاط العامية .. لكن العامية التي نحافظ عليها هي العامية الرفيعة التي تتمثل في شعر بيرم ورامي وفؤاد حداد وجاهين.. وفي شعر أي شاعر آخر تتحقق فيه هذه القيم ..
أما عن قصيدة النثر فانا لا أكتبها، وأعتقد انها شعر ناقص ليس معني ذلك انه فاقد كل قيمه.. ولا ضير من انهم يكتبون قصيدة نثر والحكم للجمهور والنقاد، ومع ذلك عندما كنت مقرراً بلجنة الشعر كان بها من يمثلون قصيدة النثر .. بالإضافة الي كثيرين يكتبون القصيدة الموزونة.. وأنا الآن رئيس بيت الشعر والذين يشاركون في أمسياته شعراء متنوعون مختلفون ..
أيتها المقاعد الصامتة..
تحركي .. ليلتنا جديدة ،
لا تشبه الليالي الفائتة
ليلتنا واسعة مضيئة
لا تكذبوا....
ذكرت اننا لابد أن ننظر في تاريخنا ونحكم عليه، وما يقال ويكتب مليء بالأخطاء والتشويهات والتزييف، مما يوقعنا كل يوم في كارثة وهذا صحيح.. أسألك وأنت معني كشاعر وكاتب بالشأن التاريخي: من يكتب التاريخ ؟
- يوجد جانبان في الكتابة.. الحقائق التي يمكن انكارها والتي لابد أن نسعي لمعرفتها عن طريق البحث العلمي الموضوعي وتفسير هذه الحقائق وتحليلها، وللمؤرخ الحق أن يفسرها وفق منهجه، ولكن لا يقبل من مؤرخ إسقاط حقيقة..
من المعروف كما يقول الكثير من المؤرخين أن هناك تلالاً من أوراق البردي الوثائق المتصلة بتاريخنا الفرعوني و القبطي لم ينظر فيها أحد، ومتناثرة في متاحف العالم، وفي جميع أنحاء مصر .
إذن مطلوب من المؤرخين أنهم يهتمون بهذه الوثائق، ويبحثون عن الحقائق، ومطلوب منهم قبل كل شيء أن لا يكذبوا.. عندما أقرأ ما كتبه المؤرخون في عهد عبدالناصر أري أنهم كذابون، وأقرأ ما كتبوه بعد جمال عبدالناصر أري انهم كذابون..
طبعا أنا لا أتحدث عن الجميع، ولكني أتحدث عن الأكاذيب.. هناك من لا يزور التاريخ فقط..بل يزور القوانين التي تصنع خصيصاً علي مقاس الحاكم .. أيضا هناك تاريخ يصنع خصيصاً علي مقاس الحاكم .. بالرغم من وجود الحقائق هناك من يتستر علي التاريخ الحقيقي ولا يظهره .. التاريخ مصادره موجودة لكن يبقي أن لا يخاف المؤرخ ويبقي أن يتواجد في مناخ يضمن له النتائج الصحيحة، ولا يخشي أن يغضب أحداً.. حتي إذا أغضب أحداً فيضمن ألا يناله عقاب.
لّيل وحده يهون
وداعه يهون فالنهار ذو عيون ،
تجمّع العقد الذي انفرط
لكنّ دربنا طويل
و ربّما جزناه أشهر و أشهر معا
لكنّنا يوما سنرفع الشراع
كلّ إلي سبيل
فطهّروا بالحبّ ساعة الوداع
الحقائق موجودة
ألا تلاحظ معنا أن تاريخ الأمس القريب وبالتحديد منذ عامين انه ضائع ومشتت وغير موثق وقابل لأن تضيع فيه الحقيقة التاريخية والحقيقة الفنية، ورغم وجود وسائل التوثيق بالصوت والصورة الي أن الحقيقة غائبة أو مغيبة .. فما تفسيرك لهذه الظاهرة؟
- هناك فرق بين قوة لا تريد أن توثق شيئا، ولا تريد أن تجمع شيئا وتحفظ شيئا، بل بالعكس هي تبدد وتخفي، لكن لحسن الحظ هذه الحقائق موجودة وبالذات في الأحداث الخاصة بثورة يناير.. لأنها حقائق موثقة عن طريق الأفلام وعن طريق الصور وعن طريق الكتابات المختلفة وموجودة في الصحف وموجودة حتي علي جدران البيوت والمحلات ومرسومة علي الجدران وفي الشوارع.. هذا يعني أن الحقائق التاريخية موجودة.. إذن يبقي فقط دراستها.
أنسج ظلي حفرة
أنسج ظلي شبكة
أقبع في بؤرتها المُحْلَوْلكه
بعد قليل ينطفي الضوء,
وتمتد خيوط الشبكه
تمسك رِجلَ الملكه!
ثقافة إعمال العقل
كمثقف كيف يكون منجز القرن الحادي والعشرين ونسبة من الأمية تصل الي 40 ٪ ونسبة أخري بين المتعلمين.. هل يؤثر ذلك علي عملية الثقافة من ناحية التلقي والقراءة وازدياد الوعي؟
- الأمية نتيجة من نتائج الاستبداد والطغيان.. التي تؤثرعلي الحياة الثقافية.. الذي حدث أن جمال عبد الناصر صحيح حقق المجانية في كل مراحل التعليم .. لكن دون أن يقدم للبلاد الميزانيات، والأدوات، والوسائل، والمؤسسات، دون أن يعطي هذه المجانية ما تستحقه.. بمعني.. كان يجب إعداد مدرسين عن طريق معاهد تربية وكليات التربية.. بناء مدارس حقيقية.. في زماننا كان بالمدرسة مسارح وملاعب، وكنا لا نتلقي فقط البرنامج المكتوب الذي أعدته وزارة المعارف، وإنما كنا نجد الأنشطة، التي تتمثل في جمعية الخطابة، وكان هناك شعراء، وكان هناك أستاذ للموسيقي، وكان لدينا مدربون رياضيون وملاعب، ومعامل، ومكتبة.. الآن لا توجد مكتبة، ولا يوجد ملعب، ولا توجد موسيقي، والآن يتخرج الملايين من الجامعات ويؤسفني أن أستمع الآن لخريجي طلاب قسم اللغة العربية وبعض أساتذة قسم اللغة العربية أيضاً لأجد مستوي متدن للغة العربية، وأخطاء قاتلة بالصحافة، ومن المفارقات العجيبة لدي المصريين أنهم من أكثر الشعوب شراهة في التدخين وهم يعانون الجوع، لكن لا يكفون عن التدخين، لا يوجد مصري الآن لا يحمل موبايل لكن لا يجتهد في أن يمحو أميته .. أين الثقافة .. نحن نحتاج الآن لثقافة إعمال العقل.
كل هؤلاء الشعراء
أنت رائد من رواد القصيدة الحديثة في الشعر لماذا لا نري الآن شعراء في قامة وقيمة حجازي .. والسياب.. وعبدالصبور.. ونازك الملائكة.. وغيرهم من رواد التجديد.. هل الإبداع الآن مجرد إبداع فردي ولماذا لم تظهر مدارس للشعر الحديث؟
- مصر الآن بها أجيال من الشعراء الممتازين المبدعين، وتلك ظاهرة مدهشة، لم أكن أعرف أن مصر بها هذا العدد من الشعراء الحقيقيين.. لكنهم محرومون من المنابر التي تقدمهم وليس فقط منابر النشر،
عندما أجد أن شاعراً يظل ينظم وينشر عشرين عاما دون أن يتاح له ناقد واحد يقدمه كما ينبغي وكما يستحق للجمهور.. كيف يمكن لهذا الشاعر ان يأخذ مكانه؟.
للأسف الشديد أنا مضطر أن أقول اننا أحيانا نجد نقدا مأجوراً.. الشعراء يدفعون للنقاد لكي يكتبوا عنهم، وأيضاً بعض الروائيين نفس الشيء، وبعض القصاصين أيضا.
لقد تحول الناقد لتاجر شنطة، والألقاب التي تلقي الآن جزافا من قبيل فلان الكبير وفلان الصغير، والخلل الذي أصاب الخلق في كافة المجالات إذن أصبحنا نجد ما نسميه ترزية القوانين، يوجد أيضا ترزية نقد وترزية رواية وترزية شعر وترزية غناء وترزية تلحين وترزية كل شيء..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.