جانب من فعاليات الندوة يثبت لنا التاريخ المصري منذ عهد أجدادنا القدماء أن الروح الثورية ممتدة وكامنة في نفسه ولاتخبو وانما تتضح عندما يثور المصري في أي زمن ضد حاكميه وظالميه، وأن اختلفت دوافعه التي يهب من أجلها المارد في وجه من لايعرف قدره ويعمل علي تهميشه، لذلك نظمت لجنة الاثار بالمجلس الأعلي للثقافة ندوة عن »الثورات في مصري القديمة«، مقارنة بما نعيشه في مصر الحديثة، تحدث فيها كل من د. سعيد الجوهري، ود. أحمد غانم، وأدارها د. حسن السعدي. بداية الندوة مع د. سعيد الجوهري أستاذ الآثار بجامعة القاهرة عن »الثورات والقلاقل في مصر القديمة« مقارنا بين المصري القديم في مصر القديمة، والمصري في مصر الحديثة أشار فيه إلي ان التاريخ يعيد نفسه أحيانا، وان كان في شكل وصياغة مختلفة، قد تتغير الأماكن مع تشابه الأحداث، موضحا أن مصر القديمة شهدت العديد من الثورات مع اختلاف دوافعها، فعلي سبيل المثال هناك نوع من الثورات يطلق عليها بالثورات الاجتماعية التي كان محركها ودافعها اجتماعيا واقتصاديا، وهي التي جاءت قبل الميلاد بثلاثة ألاف عام، في عصر الانتقال الأول وفي نهاية الدولة القديمة ونشبت بالقرب من هرم سقارة، وشرحتها العديد من البرديات منها »بردية اسكوير، وبردية الفصيح، والمعلي، ونبوءة نفرتي، وبردية اليائس من الحياة، ونصائح سيتي لابنه«، وتتحدث بردية اليائس من الحياة عما أصابهم من أضرار نظراً للظروف الصعبة التي مروا بها، إغداق الهبات علي حكام الأقاليم والكهنة لضمان ولائهم للملك وتدهور التجارة الخارجية، مما أدي إلي فرض الكثير من الرسوم والضرائب، مما أدي إلي تأزم الأحوال الاجتماعية، وخلق احساس بضرورة قيام ثورة علي الملك بضرورة تغير تلك الأوضاع لتتحقق العدالة التي ترمز لها «الاله ماعت» التي ترمز- للعدالة- التي لعبت دوراً مهماً في حياة المصريين وفي الكثير من الأحداث في حياتهم فقامت الثورة باسقاط الفرعون والهالة التي كان يتمتع بها الملك شديد السلطة والنفوذ، وكان يساعد الملك وزيراً واحداً في بداية الأمر الذي يمثل نائب رئيس الجمهورية في العصر الحديث، وبعد ذلك أصبحوا نائبين في الوجه القبلي ثم حكام الأقاليم الذين لعبوا دوراً هاماً في تنفيذ خطة الملك مثل المحافظين الآن، كما لعب رجال القضاء دوراً هاماً في تحقيق تلك العدالة الاجتماعية والحد من الجريمة والرشوة والمحسوبية في تلك المرحلة، مقارنا الجوهري تلك الثورة الاجتماعية بثورات العالم الثالث في افريقيا وامريكا اللاتينية وجنوب شرق أسيا، وهي الثورات التي نطلق عليها ثورات التي تستهدف »حقوق الانسان«. ينتقل الجوهري إلي دوافع أخري للثورة منها ثورات ضد الغزاة والتي أطلق عليها بالثورات السياسية، اليت تنشب بسبب الإهانة وسوء المعاملة وعدم احترام العقيدة والديانة المصرية واستغلال الغزاة لمواردهم البشرية وبدأت مع بداية الأسرة الثامنة عشرة . ويستكمل الحديث عن الثورات د. أحمد غانم استاذ التاريخ والحضارة الرومانية واليونانية بكلية الآداب بجامعة الاسكندرية «عن الثورات في مصر بالعصر البطلمي» الذي جاء علي حقبتين منها عصر البطالمة الأقوياء وعصر الضعف البطلمي مشيرا إلي علاقة المصريين بالبطالمة التي بدأت بعد وفاة الاسكندر الاكبر، حيث شغل بطليموس الأول منصب الوالي علي مصر، وبدأ يوطد حكمه علي مصر بالبحث عن شرعية الحكم في مصر، واثناء البحث عن الشرعية اتبع خطوات كانت عبارة عن تودد للمصريين. الأمر الذي يثير التساؤلات نحو ثورات المصريين علي البطالمة إذا كانوا يحاولون التودد لهم..؟ لكن الاجابة تأتي في بداية عصر ضعف ملوك البطالمة عندما همش المصريين وسلبت أملاك المصريين أصحاب البلد الأصليين وفرضت الضرائب وسلبت موارد مصر الاقتصادية، مع سوء المعاملة والتهميش والتعسف ضد الفلاحين .وبالرغم من هذا وفرض أنواعا من الضرائب المختلفة عليهم أثقلت كاهلهم مما انعكس كرد فعل غاضبة فنشبت الثورة الأولي ضد البطالمة واحتدمت، وتمثلت في إضراب عن العمل في الأراضي الزراعية وفي المصانع والمحاجر والمناجم، وكرر المصريون الثورات إلي ان سقط الحكم البلطمي وانهارت الدولة الطلمية والذي ساعد علي هذا ظهور الرومان والنزاع المستمر علي العرش. اختتم الندوة د. حسن السعدي بكلية الآداب بجامعة الاسكندرية مشيرا لطبيعة المد الثوري للمصريين منذ الأزل .وأن المصري في النهاية هو صاحب القرار وصاحب الرؤيا الذي يوجه بها هذا الوطن لعل هذا هو الدرس المستفاد من التاريخ المصري، وما نأخذه من خلال زخم هذا الطرح الذي يؤكد فقط لنا استبدلنا ثيابنا فقط لاغير وان المصري هو المصري والحاكم هو الحاكم.