خلال أيام وتحديداً في 9 مايو تحل ذكري ميلاد الروائي الكبير جمال الغيطانى وبهذه المناسبة تبدأ »أخبار الأدب« نشر مجموعة من المقالات والشهادات التى تستعيد الغيطانى فى تجلياته المختلفة، الكاتب العالمى، والجورنالجى الذى أسس «أخبار الأدب» ومنح الحياة الثقافية زخماً كبيراً، والإنسان الذى ترك خلفه أتباعاً ومريدين بالمئات. فى عددها التاسع الصادر فى سبتمبر 1969 نشرت مجلة الطليعة التى كانت تصدرها مؤسسة الأهرام فى ذلك الوقت ملفا توثيقيا عن أدباء الستينيات بعنوان "هكذا يتكلم الأدباء الشبان.. شهادات واقعية وتعليقات"، طرحت فيه المجلة عددا من الأسئلة حول العلاقة بين الفن والأدب، وبين ما يمارسه الفنان أو الأديب فى ذلك الوقت، وطبيعة المناخ الذى يسيطر على ممارسة الفن أو الأدب، والعلاقة بين أدباء هذا الجيل، و كذا العلاقة التى تربط الأديب بمؤسسات الدولة. وكان ضمن هذه الكوكبة من كتّاب الستينيات الذين شملهم هذا الملف هو القاص الشاب جمال الغيطانى الذى كان عمره فى ذلك الوقت لم يتجاوز الرابعة والعشرين، وقد أشار جمال الغيطانى فى مستهل إجابته بقوله ": ترجع علاقتى بالقصة، إلى فترة مبكرة جدا من عمرى، كانت هذه العلاقة تتخذ فى البداية شكل الميل إلى اختلاق حكايات من ذهنى أثناء الطفولة أقصها على الأصدقاء. طبعا تبلور هذا فيما بعد، واتخذ شكل الاهتمام بالقراءة، وأستطيع تحديد أول مرة كتبت فيها القصة خلال عام 1959، كنت فى نهاية المرحلة الإعدادية من التعليم، وفى ليلة سمعت حكاية يرويها والدى، صغتها بعد أيام فى قصة قصيرة أسمها "السكير". عمل جمال فى بداية حياته العملية فى الجمعية الصناعية لمنتجات خان الخليلى، وكان بحكم عمله فى هذا المجال معايشة الحرفيين والمتصلين بالصناعات اليدوية التى تحمل فى طياتها تراثا شعبيا عريقا يحتاج إلى الدقة والصبر، وهو ما حببه إلى هذا المجال وجعله يتطلع ويتعايش مع هذه الفنون التى كانت مرتبطة بالناس فى حياتهم ومعتقداتهم، كما كان للتاريخ دوره المهم فى بلورة فكر جمال الغيطانى وعنه يقول ": كانت نكسة 67 بوتقة صهرت تجربتى، وفى آلامها اعتصر جيلى، فى تلك الأيام كنت أدور حول هذه اللحظة من التاريخ، ابتعث من الماضى لحظات تتشابه مع اللحظات التى تمر بى أو أمر بها، كانت علاقتى بالتاريخ المكتوب قد بدأت مبكرة، عندما كنت أخرج من مدرسة الحسين الاعدادية وأمضى إلى الشيخ تهامى صاحب المكتبة التى تستقر حتى الآن فوق رصيف الجامع الأزهر، وبقروش قليلة اقرأ، وكان من بين ما قرأته من كتب التاريخ، تايخ الجبرتى، وابن إياس، وابن واصل، وأبن تغرى بردى، وكتب التاريخ الفرعونى والملاحم الشعبية وغيرها من الكتب". وبعد فترة وجيزة من صدور مجموعته القصصية الأولى "أوراق شاب عاش من ألف عام"، انتقل للعمل بجريدة الأخبار مما أتاح له فرصة القراءة، والاحتكاك بالمناخ الصحفى العام فى جريدة عريقة، ومحاولة بلورة ما تعلمه وتعايش معه قبل الانتقال إلى هذا المجال فى عمله الجديد. كان هذا بعد أن صدرت لمجموعته الأولى التى كتبت قصصها بعد نكسة 1967، حيث استدعاه المفكر محمود أمين العالم للعمل معه بمؤسسة أخبار الأيام التى كان يترأسها، وكان العمل الصحفى فى ذلك الوقت له وجهان الوجه التقنى الذى يتيح للصحفى شمولية الرؤية ودقتها، أما الوجه الآخر فهو فى استهلاك صاحبه خاصة إذا كان صاحب قلم يتوق إلى تحقيق ذاته أدبيا وفكريا. كلف جمال بالتردد على جبهة القتال أيام حرب الاستنزاف كمراسل صحفى وبدأ ظهوره فى هذا المجال الصحفى منذ ذلك الوقت. والقارئ لسيرة جمال الغيطانى الببليوجرافية يجد أن هذا العالم الإبداعى لجمال الغيطانى فى غزارة منجزه واعتماده على التاريخ والتراث فى تأصيل منابع الإبداع الروائى فى صورته التى ظهر بها يشير إلى أننا أمام منجز إبداعى له أسئلته الخاصة والإجابات التى وضعها الكاتب فى ثنايا هذا الإبداع. ووطّن فيها أبعادا متنوعة فى رؤاه الخاصة والعامة تكمن فى كل منجز من منجزاته الإبداعية القصصية والروائية والكتابات الأخرى القائمة على رؤى استمدت من التاريخ والتراث المصاحب له وقائع وخطوط وملامح تشكلها. ولا شك أن الحياة التى عاشها جمال كانت لها جوانبها المختلفة فى شكل وموضوعات الإبداع، يظهر ذلك فى حواراته المختلفة فى الدوريات المختلفة والشهادات التى أطلقها للتعبير عن رؤاه تجاه عالم الإبداع والجوانب السياسية والعسكرية الأخرى التى كان مهموما بها فى حياته الخاصة. ولد جمال الغيطانى فى قرية جهينة الغربية محافظة سوهاج فى 9 مايو 1945 ونشأ فى أسرة ريفية بسيطة فى قريته جهينة بصعيد مصر ثم انتقل مع أسرته إلى حى الجمالية بمدينة القاهرة القديمة وعمره ست سنوات، وهو الحى الذى استخدمه نجيب محفوظ كمكان لمعظم رواياته لذا كان ارتباطه بنجيب محفوظ كبيرا، مما كان سببا فى تتبعه لخطى نجيب محفوظ الإبداعية واقترابه الشديد بعالمه، درس فن تصميم السجاد حيث تخرج عام 1959 وعمل فى هذا المجال حتى عام 1967، بدأ الكتابة القصصية عام 1959 ونشر أول قصة قصيرة فى يوليو 1963 فى مجلة الأديب لصاحبها ألبير أديب، اعتقل لمدة 6 شهور وأقصى عن عمله فى عهد الرئيس أنور السادات، وفى مسيرته الإبداعية الطويلة حصل جمال على العديد من الجوائز فى مجال الكتابة الإبداعية بدأت بجائزة الدولة التشجيعية فى الرواية عام 1980، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، كما حصل على وسام الاستحقاق الفرنسى فى الآداب والفنون من طبقة فارس عام 1987، وجائزة سلطان بن على العويس عام 1997، وجائزة لوربا تليون لأفضل عمل مترجم إلى الفرنسية عن رواية التجليات، وكللت مسيرته عام 2007 بحصوله على جائزة الدولة التقديرية، ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات ودرست فى العديد من الجامعات فى مصر وبعض الدول العربية والأوروبية والأمريكية، أسس جريدة "أخبار الأدب" عام 1993 وعمل رئيسا لتحريرها حتى بلوغه سن المعاش، وبعد هذه الحياة الإبداعية المديدة رحل جمال الغيطانى فى الثامن عشر من أكتوبر 2015 بعد صراع طويل مع المرض، وبعد أن وضع بصمة فى مسيرة السرد المصرى والعربى جعلته من أبرز كتّاب السرد فى جيل الستينيات.