رئيس جامعة الإسكندرية: دعم الطلاب المتعثرين في المصروفات    بالصور جامعة أسيوط الأهلية تستقبل العام الدراسي الجديد برفع العلم والنشيد الوطني    بالصور- رئيس جامعة بنها يتفقد سير العملية التعليمية ويشارك الطلاب تحية العلم    وزير التعليم العالي يطمئن على انتظام الدراسة بجامعة حلوان    تعليمات جديدة من الأزهر مع بداية العام الدراسي الجديد (صور)    السبت 28 سبتمبر 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت في المصانع المحلية اليوم    «حياة كريمة»: افتتاح منافذ جديدة لبيع اللحوم البلدي والمجمدة بأسعار مدعمة    التضامن والعمل الدولية تبحثان تعزيز أوجه التعاون في الملفات المتعلقة بالتشغيل والعمالة غير المنتظمة    الضرائب: إتاحة 62 إتفاقية تجنب ازدواج ضريبى على الموقع الإلكتروني باللغتين العربية والإنجليزية    صفارات الإنذار تدوى في مستوطنات شرق تل أبيب    مراسل «القاهرة الإخبارية»: الاحتلال الإسرائيلي يشن هجمات عنيفة على لبنان    صحة غزة: ارتفاع إجمالي الشهداء إلى 41 ألفًا و586 فلسطينيًا    عواد يقترب من الانضمام لمعسكر المنتخب في أكتوبر    أسيوط: تحرير 67 محضرا خلال حملات تموينية بمركز ديروط    أسيوط: مواصلة شن حملات لإزالة التعديات على حرم الطرق وضبط الأسواق بمركز أبوتيج    «تعليم القاهرة» تطلق حملة «ابدأ بصحة» في المدارس غدًا    تامر حسني: فيلم "ريستارت" هينزل في عيد الفطر وليس رأس السنة    كانت بتراضيني.. إسماعيل فرغلي يتحدث عن زوجته الراحلة بكلمات مؤثرة    الاثنين.. القومي للسينما يعرض فيلم الطير المسافر في نقابة الصحفيين    بمشاركة مسار إجباري.. حكيم يُشعل المنيا الجديدة بحفل ضخم وكلمات مؤثرة    رانيا فريد شوقي وحورية فرغلي تهنئان الزمالك بحصد السوبر الإفريقي    عمرو سلامة يوجه الشكر ل هشام جمال لهذا السبب    الإفتاء في اليوم العالمي للمسنين: رعاية كبار السن واجب ديني واجتماعي    «الزراعة»: مصر لديها إمكانيات طبية وبشرية للقضاء على مرض السعار    «وداعا للمسكنات».. 6 أطعمة تخفف من آلام الدورة الشهرية    رئيس هيئة الدواء: أزمة النقص الدوائي تنتهي خلال أسابيع ونتبنى استراتيجية للتسعيرة العادلة    خطة المدن الجديدة لاستقبال فصل الشتاء.. غرف عمليات وإجراءات استباقية    إصابة 3 أشخاص في حادث على طريق العريش الدولي بالإسماعيلية    رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بعد الإعلان عن مقتل نصر الله: هذا ليس آخر ما في جعبتنا    30 يومًا.. خريطة التحويلات المرورية والمسارات البديلة بعد غلق الطريق الدائري    وزير خارجية الصين يشيد بدور مصر المحوري على الصعيدين الإقليمي والدولي    الهند تحذر:استمرار باكستان في الإرهاب سيؤدي إلى عواقب وخيمة    تداول 47 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    تشكيل أرسنال المتوقع أمام ليستر سيتي.. تروسارد يقود الهجوم    جمهور الزمالك يهاجم إمام عاشور واللاعب يرد (صور)    وزير الخارجية والهجرة يلتقي مع وزيرة خارجية جمهورية الكونغو الديموقراطية    حفيد عبد الناصر: الزعيم يعيش فى قلب كل مصرى    4 نوفمبر المقبل .. وزارة الإسكان تشرح للمواطنين مزايا التصالح على المباني المخالفة    سعر الدينار الكويتي مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 28-9-2024 في البنوك    الجيش الإسرائيلي يؤكد اغتيال حسن نصر الله    وزارة الصحة: إرسال قافلة طبية لدولة الصومال لتقديم الخدمات الطبية    مقتل شخص في مشاجرة بسبب خلافات سابقة بالغربية    شهداء وجرحى في غارات إسرائيلية متواصلة تستهدف بعلبك والمناطق الجنوبية اللبنانية    إنفوجراف| حالة الطقس المتوقعة غدًا 29 سبتمبر    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط» 28 سبتمبر 2024    أمين الفتوى: حصن نفسك بهذا الأمر ولا تذهب إلى السحرة    عاجل.. أول تحرك من الخطيب بعد خسارة الأهلي السوبر الأفريقي    مواقف مؤثرة بين إسماعيل فرغلي وزوجته الراحلة.. أبكته على الهواء    جوميز: الزمالك ناد كبير ونسعى دائمًا للفوز    حسام موافي: لا يوجد علاج لتنميل القدمين حتى الآن    زيزو: قرار استمراري مع الزمالك الأفضل في حياتي    ستوري نجوم كرة القدم.. احتفال لاعبي الزمالك بالسوبر.. بيلينجهام وزيدان.. تحية الونش للجماهير    برج القوس.. حظك اليوم السبت 28 سبتمبر 2024: لديك استعداد للتخلي عن حبك    فتوح أحمد: الزمالك استحق اللقب.. والروح القتالية سبب الفوز    وزير الخارجية يتفقد القنصلية المصرية في نيويورك ويلتقي بعض ممثلي الجالية    تزامنا مع مباراة الأهلي والزمالك.. «الأزهر للفتوى» يحذر من التعصب الرياضي    أذكار الصباح والمساء في يوم الجمعة..دليلك لحماية النفس وتحقيق راحة البال    علي جمعة: من المستحب الدعاء بكثرة للميت يوم الجمعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الزائر: درامية اللامعقول
نشر في أخبار الأدب يوم 13 - 04 - 2019

يحمل نص »الزائر« للكاتب عماد مطاوع، صاحب التجربة المميزة والمتنوعة في كتابة المسرح والدراما، سمات مسرح «اللامعقول» كأسلوب تقنى متقدم فى حداثيته فى البناء المسرحى وبوصفه تعبيرًا جماليًّا عن رؤية العالم وتمثُّل الحياة فى عبثيتها ولامعقولية مساراتها الدرامية. ويأتى تيار «العبث» فى المسرح تمثيلاً لإحساس الذات الإنسانية بعبثية الوجود وفقدان الحياة منطقيتها، وخروج أحداثها عن أطر التقعيد وتبريرات الحدوث.
يفتح مسرح اللامعقول النص على إرجائية المعنى وينفى محسومية المدلول، كتبدٍّ من تبديات نفى الحقيقة وغياب استقرار المعنى وعدم حسم الدلالة، فيبدو مسرح اللامعقول تجسيدًا لحالة القلق المعرفى والتشكك الوجودى وفقدان الذات الإنسانية «المعنى» فى الحياة التى تشعر بعبثيتها ولاجدواها.
فى نص «الزائر» لعماد مطاوع يتبدى عناية الكاتب بالسرد بقدر العناية بالحوار الذى هو أساس البناء الهيكلى للنص المسرحي، فثمة عناية بالتفاصيل الصغيرة والحركات الدقيقة التى تحدث، ربما بأثر تجارب الكاتب وتمرسه فى كتابة السيناريو.
تجهيل الشخصيات
يبدو من طريقة تقديم الشخصيات فى النص المسرحي، «الزائر، بتجهيلها: (الزوج، الزوجة، الزائر) أنّ ثمة رغبة فى نمذجة هذه الشخصيات، وبالتالى تجاوز حضوراتها المباشرة بقصدية أخرى رمزية، كما هو غالب فى مسرح العبث، فضلاً عن إبراز فقدان هذه الشخصيات هوياتها المائزة بعدم تسميتها، فتبدو هذه المسرحية، «الزائر، كأنّها تستلهم طريقة يونسكو فى تقديم عدد محدود من الشخصيات بمسرحه العبثي، فتمسى هذه الشخصيات بمثابة رموز وشفرات تتجاوز هويتها الشخصية المقدمة.
لذا فقد يرمز الزوج والزوجة فى هذا النص إلى نموذج لفتور العلاقة الزوجية وتحولها إلى الجمود، كما يرمز الزائر إلى ذلك الآخر، الغريب، الذى يكشف حالة الشقاق واللاتوافق بين الزوجين، بقدر ما يرمز إلى ارتيابية الزوجين فى أى آخر، شخص غريب، بعد قيامها بإلقاء القتيلة/ عشيقة الزوج/ صديقة الزوجة فى البئر، بما يفضى بهما إلى استمرارية ممارستهما القتل إزاء أى زائر يطرق بابهما.
الفاعلية السينوغرافية
فى النص المسرحي، «الزائر»، ثمة اشتغال مكثف من الكاتب على توظيف العناصر الديكورية فى صياغة المشهد المسرحى وبلورة الموقف الدرامي، فثمة تعاضد بين المكوِّن السينوغرافى والحدث المبثوث عبر السرد والحوار، كما فى المفتتح التمهيدى للمسرحية:
يفتح الستار على صالة فسيحة تحتوى على أثاث قديم الطراز عبارة عن كنبة فوتيه كبيرة ومقعدين ومنضدة خشبية تتوسطهم، وإلى اليمين بوفيه خشبى فوقه بعض قطع الأنتيكا، الإضاءة خافتة، على الجدران لوحات زيتية لمناظر من الطبيعة، ألوان الأثاث والجدران تبعث على الكآبة، على الجدار خلف الكنبة نرى ساعة معلقة قديمة الطراز، إطارها الخشبى لونه بنى قاتم، نستمع إلى دقاتها المتتابعة التى تشير إلى منتصف الليل، نلحظ جلوس الزوج على أحد المقاعد، ملابسه قديمة الطراز، قاتمة اللون، شعره مهوش، غير حليق اللحية، وهو فى الخمسين من عمره، يلتفت نحو الساعة ناظرًا إليها فى عدم اكتراث، يزفر فى يأس، ثم يغلق كتابًا فى يده، يقوم ثم يسير فى خطوات هادئة صوب البوفيه يضع الكتاب فوقه، ثم يعود ثانية ويجلس فى مكانه الأول، نراه يُرجع رأسه للخلف مغلقًا عينيه ثم يستسلم للنوم.
من يسار المكان تدخل الزوجة، تسير فى خطوات هادئة، هى فى الخامسة والأربعين من عمرها، ترتدى قميصًا أسود اللون عارى الكتفين والصدر ويصل إلى الركبة، ترتدى فى قدميها خفًا منزليًا قاتم اللون، شعرها قصير، مصفف بعناية، لا تضع أية مساحيق على وجهها، تنظر نحو زوجها وهى تهز رأسها فى إحباط، ثم تزفر بصوت مسموع، الزفرة تعكس حزنًا شديدًا، تسير حتى تصل إلى المقعد الذى يجلس عليه الزوج، تقف قبالته متطلعة إليه ثم تنحنى فوقه كمن ستقبله، لكننا نجدها تلتقط روبًا حريريًا ملقى فوق الأرض تحت قدمى الزوج، تنشر الروب فوق زوجها بحيث تغطيه كلية
يبدو أنَّ استعمال أثاث قديم الطراز للإشارة إلى قِدَم العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة وأيضًا الإشارة إلى جمودها وعدم تجدُّدها، وهو ما يؤكِّده قتامة الألوان وكآبتها؛ إبرازًا لفتور العلاقة بين الزوجين، كما تعمل الإضاءة بخفوتها على تعضيد تصدير الأزمة النفسية التى تمر بها علاقة الزوجية وحالة الاضطراب التى تضرب حياتهما معًا.
أما استعمال الساعة الذى يشير إلى الزمن واختيار توقيت إشارتها إلى منتصف الليل الذى يعنى انتهاء يوم والانتقال إلى يوم آخر يليه، فقد يشير إلى الزمن المفصلى الذى تمر به علاقة الزوجين، كذلك قد تبرز ملابس الزوج القديمة تأخره عن مواكبة الزمن، أما نظرة الزوج إلى الساعة بعدم اكتراث فقد تشى بعدم الاكتراث بالزمن رُبما لفقدان الرجاء به، وهو ما يؤكده زفيره فى يأس، تمثيلاً لحالة الضيق النفسي.
ويعمل مظهر الزوج فى عدم هندمته لملابسه وعدم تصفيفه شعره على تأكيد ضيقه بالحياة التى يعيشها مع زوجته، أما تأنق الزوجة فى مظهرها وعنايتها بتصفيف شعر رأسها فيبرز حالة التضاد والتقابل بين الزوجين، كما يبرز مظهر الزوجة حالة التأجج الشبقى التى تعيشها، والجوع العاطفى فى علاقتها بالزوج.
وما بين ثبات بعض المؤثرات أو تحوُّل بعضها الآخر يكون للمكوِّن السينوغرافى دور فى بث الرسالة الدلالية للنص المسرحي:
يعلو صوت حركة عقارب الساعة (تك.. تك.. تك)، ثم نستمع إلى صوت طرقات على باب، الطرقات تكون متتابعة ومتواترة مع صوت عقارب الساعة، وكأنما هما لحن موضوع بذكاء، تظل الإضاءة كما هى وتواصل الزوجة تحسس جسدها.
مع التصعيد الصوتى بعلو صوت عقارب الساعة بالتداخل مع صوت طرقات الباب يكون التنبيه على أنّ ثمة حدثًا ما أو تحولاً ما سيحدث، الساعة رمز للزمن والباب علامة مفصلية، بينية، إذ يشير لحدود عالم الداخل، «البيت»، وأيضًا الانفتاح على عالم الخارج، «الآخر»، فتعمل المؤثرات السينوغرافية على خلق إيقاع درامى متنامٍ بالتزامن والتداخل مع التصاعد الدرامى للأحداث.
الذات- الآخر: الانفصام والموت
يبرز النص المسرحي، «الزائر»، الذى تقوم حكايته الدرامية على ثلاث شخصيات حاضرة: الزوج، الزوجة، الزائر حالة الانفصام بين الذات يئول، الرجل والمرأة، الزوج والزوجة من ناحية، والموت أو بالأحرى القتل الذى يؤول إليه حال الزائر فى نهاية المسرحية. ويقترن الموت بالخيانة، حيث تكتشف الزوجة خيانة الزوج لها مع صديقتها فتقتلها، فيعكس النص المسرحى حالة التفكك فى العلاقات بين الذات والآخر، وربما يكون التفكك فى الأحداث ولامعقوليتها أثرًا وانعكاسًا لحالة التفكك فى علاقات الشخوص، بعد أن فقدت الحياة جدواها وصار العالم بلا منطق يسيره.
وتبلغ حالة الشك المتمكن من الذات مداها حينما يشك الشخص فى وجوده، أو يحاول آخر أن ينفى هذا الوجود عنه، كما حدث بين الزوج وزوجته:
الزوج:
أرأيت.. أننى موجود.. موجود وهذا السيد الجليل رأى بعينيه أننى موجود (محتدًا) اللعنة عليكِ.. كل هذه السنوات تقولين بأنّنى غير موجود.. حتى أنّنى أنا نفسى صدقت بأنّنى غير موجود.. مع أنّنى موجود.
(يسير باتجاه الزائر الذى ترك الكنبة ووقف مستقبلا الزوج)
أليس كذلك يا سيدي؟!.. أليس كذلك؟!
الزائر:
(بلهجة متحمسة) أجل.. بالطبع.
(ينخرط الزوج فى الضحك، لكنه ضحك أشبه بالبكاء، هو ضحك هستيري يائس حزين، ثم يتقدم نحو الزائر ويربت على كتفه فى امتنان)
الزوج:
أنت مخطئ.
الزائر:
(مندهشًا) ماذا؟
(يقطع الزوج المكان جيئة وذهابا، ونراه كمن يلقى محاضرة أو كمن يخطف فى جمع ما)
الزوج:
يؤسفنى أن أقول لك بأنك مخطئ.. أنا بالفعل غير موجود.. لقد كنت موجودًا فيما مضى، أما الآن (يضحك فى يأس ومرارة) الآن.. أنا معلق بين الوجود والعدم.
الزوجة:
لكنك أقرب إلى العدم منه إلى الوجود.
الزوج:
(محتدًا) أنت السبب فيما صارت إليه الأمور.. أنت أيضًا ل...
ثمة تأرجح وتشكك يعصف بالذات (الزوج) بين الشعور بالوجود ومقابله من الشعور بعدم الوجود الذى يصير الأرجح لديه، ويبدو أنّ هذا الشعور بعدم الوجود يتأكد ويتعمق لديه مع الزمن. ثمة إحساس يتراكم بانسحاب الوجود وأفولية الذات، فالزوج بعد أن يعتمد على شهادة الزائر بإثبات وجوده يعود ليتشكك فى وجوده وينفيه فى تأجيج للتوتر الدرامي، الذى يتشكّل على صعيدين: (خارجي) علاقة الذات بآخرها،(الزوج/ الزوجة)، بين إنكار الزوجة وجود زوجها، ومقاومة الزوج هذا الافتراض من ناحية، وآخر (داخلي/ نفسي) يتمثل فى تأرجح الزوج بين اعتقاده بوجوده وتشككه فى هذا الوجود من ناحية أخرى.
وتعكس إيماءات الزوج مثل: (ضحك أشبه بالبكاء، هو ضحك هستيرى يائس حزين) و(يضحك فى يأس ومرارة) حالة الاستسلام والإحساس الانهزامى والشعور العدمى بالغياب، بما يشى بعجز اللغة الكلامية، إحيانًا، عن التعبير عن مشاعر الذات.
تكشف الحركة أيضًا، عن حالة جمود وموات تنتاب الذوات، كما فى تغييب الزوج، وكذلك تفاعل الزوجين، حتى فى تراقصهما:
....فتقوم الزوجة وتسير بخطوات هادئة صوب الزوج، تضع يدها فوق رأسه، وتمرر يدها الأخرى فوق كتفه وظهره، فيستدير نحوها ويركز عينيه فى عينيها، ثم يمرر يده فوق شعرها المنسدل، تمسك الزوجة بيده التى استقرت فوق كتفها، تقبلها، ثم تمسك اليد الأخرى وتخلص منها البندقية تضعها فوق المنضدة التيتتوسط المكان، ثم تحيط خصره بذراعها، فيمسك الزوج بيدها يرفعها لأعلى وتلف الزوجة فى حركات راقصة، ويبدآن سويا فى رقصة «فالس» بينما الزائر ينظر إليهما فى دهشة شديدة ويلتفت حوله فى توجس وكأنّه يبحث عن أحد أو عن شيء، وتتوزع نظراته بينهما وبين البندقية، يواصل الزوجان الرقص سويًا، نلحظ أن نظراتهما متحدية، ملامحهما جامدة، لا أثر لابتسامة فوق وجهيهما، يتحركان بآلية شديدة كأنهما روبوتان مبرمجان على هذه الحركات التى تشبه الرقص.
تكشف حركات الزوجين عن اضطراب بالغ فى علاقتهما فإذا كان الرقص يعبِّر عن حالة توافق شعورى وتوهج عاطفي، فيأتى الرقص، هنا، فى ظل حالة من التباعد الشعورى والجمود العاطفى فى علاقة الزوجين، على عكس منطقية الواقع بما يبدو سمة من سمات مسرح اللامعقول، أن سير الأحداث فيه يأتي، أحيانًا، ضد المتوقع.
أما تراقص الزوجين فى حركة آلية كدميتين، فيبرز حالة الفقد التى ألمت بالذوات حد فقد الطبيعة الإنسانية، بما يعنى فقد الذوات إنسانيتهم، كما يجيء حضور الشخوص أحيانًا كدمى كوسيلة من وسائل مسرح العبث، وإحدى طرائقه التغريبية، بإبراز آلية الشخوص ومكانيكية الحياة.
إشكالية الزمن
يبدو الزمن فى النص المسرحي، «الزائر»، كإشكالية كبرى لدى الذوات، فى شعورهم به وإحساسهم بثقله أو فى شعورهم بعدم قدرتهم استيعاب تحولاته ومجاراتها، كأن يساكنهم إحساس ما بمجاوزة الزمن لهم، أو بتبدده سدى أو بعدم القدرة على مواجهته، كما يتبدى من إحساس الزوجة بتبدد الزمن وضياع السنوات فى علاقتها الزوجية مع زوجها:
الزوجة:
(تقاطعه بحدة) اخرس.. إياك أن تتهمنى بشيء.. أما يكفيك كل هذه السنوات التى بددتها معك.
(يهرش الزوج فى رأسه وينظر إلى الساعة المعلقة فوق الجدار)
الزوج:
(متسائلاً فى دهشة) وهل مرت سنوات كثيرة؟
الزوجة:
أجل.
الزوج:
كم يا تُرى؟
الزوجة:
(بلهجة ذات شجن) سنوات كثيرة لا أستطيع إحصاءها.. لكنها سنوات طويلة جدًا.
الزوج:
لكننى أشعر بأننى أعرفك الآن فقط.. أليس هذا لقاءنا الأول؟!
(يمسك الزوج بمقعده يجره للخلف، تمسك الزوجة بمقعدها تجره للخلف، ويعود الزائر للجلوس على الكنبة متابعًا ما يحدث فى دهشة.. يتقدم الزوج من الزوجة فى خطوات واثقة وهو يطلق من فمه صفيرًا بينما هى تقف متصنعة عدم الاهتمام)
الزوج:
الزوجة:
(مغازلاً) لم أكن أعرف أنّ الحوريات تركن واحدة منهن تغادر الفردوس وتهبط إلى الأرض.
(الزوجة تنظر إليه بعدم اكتراث ثم تنظر للناحية الأخرى وتسير خطوات عديدة مبتعدة عنه، بينما الزوج يواصل المغازلة)
هل يمكننى أن أتحدث مع الفراشة الجميلة التى اختطفت قلبى منذ رأيتها؟
(محذرة) إياك أن تتمادى فأنا..
الزوج:
(يقاطعها بلهجة مغازلة) أنت أجمل فتاة رأيتها منذ ولدت.. فعيناك اللوزيتان آسرتان.. أرجوك لا تفسدى جمالك بهذا الغضب المصطنع الذى يعلو وجهك بحق السماء وما فيها من ملائكة الحب والجمال، دعينى أتغزل فى عينيك قليلاً.
(الزوج يلف حول الزوجة):
امنحينى شرف مراقصتك
(الزوج والزوجة يتخاصران كما يبدآن فى الرقص، بينما الزائر يرمقهما بتوجس شديد وهو يوزع نظراته بينهما وبين البندقية الموضوعة فوق البوفيه، يواصل الزوجان الرقص، ثم تتوقف الزوجة وتقف فى مواجهة الزوج)
الزوجة:
هل أحببتنى يومًا؟
الزوج:
(وهو يضع كفيه حول وجهها) منذ رأيتك وأنا متيم بك.
الزوجة:
(لائمة) لماذا فعلت ذلك إذن؟
الزوج:
(مدافعًا) لم أفعل شيئًا.
الزوجة:
كذبت عليّ.
الزوج:
لم أكذب.
الزوجة:
أنا متأكدة.. لا تتماد فى كذبك.. لا تقتل ما تبقى من حب أحمله لك.
الزوج:
(محتدًا) لا تتحدثى عن القتل.
الزوجة:
(محتدة) لا تصرخ فى وجهي.
الزوج:
أنت أيضًا فعلت ذلك..
الزوجة:
فعلناه سويًا..
الزوج:
أنت السبب.. كانت غلطتك.. أنا لم أكن أعرف أنها تعمل.. كنت أظنها قديمة.
يتبدى أنّ ثمة أزمة ما فى علاقة الذوات بالزمن بين الزوجة التى تشعر بإهدار السنوات فى علاقتها بزوجها والزوج الذى يبدو أنّه قد فقد الإحساس بالزمن، ثمة شعور بهوة بين الرجل والمرأة وتبدّل وتحوُّل فى المشاعر حتى أمسى الحب الذى من المفترض أن يكون أساسًا لعلاقتهما محل تساؤل وشك.
ثمة نقلة باستعمال أسلوب «البلاى باك» بارتدادة استعادية لحالة الوفاق فى الحب واسترجاع اللقاء الأول بين الزوج والزوجة حيث الحرارة والعاطفية وتوهج المشاعر لإبراز البون الشاسع والانقلاب الذى حدث فى علاقة الزوجين، ثمة لعب معتمد على المراوحة الزمنية بين ما هو آنى محايث وما هو ماضٍ.
ومع عودة الحوار الدائر بين الزوج والزوجة إلى اللحظة الآنية مرة أخرى وأزمتهما الراهنة بسؤال الزوجة زوجها عن سبب خيانته لها، بما يمثّل إيقاعًا دراميًّا مراوحًا بمراوحة النقلات الزمنية فى مسار الحكي، كما تتبدى لعبة المفارقة فى الحوار بين الزوجين حين تتحدث الزوجة عن قتل الحب، أى القتل بمعنى مجازي، فيتبادر إلى ذهن زوجها ما مارساه من قتل إزاء ضحاياهما، أى قتل بمعناه حقيقي، سيتكشف مع تنامى الحكى وتصاعد الأحداث بالمسرحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.