لم ينسحب طرفا الحرب اليمنية من مدينة الحديدة الساحلية الرئيسية، بعد أكثر من شهرين من الموافقة علي اتفاق هدنة، تم توقيعه في السويد، برعاية الأممالمتحدة، في إطار جهود لإنهاء الصراع الدائر منذ قرابة أربع سنوات الذي دفع البلاد إلي حافة المجاعة، فضلا عن حالة من الشراسة غير العادية انتابت الكلاب الضالة في الشوارع بسبب انعدام فضلات الطعام في صناديق القمامة، ما يدفعها لمهاجمة المواطنين في الشارع. واتفق الجانبان في محادثات السويد، علي وقف إطلاق النار وسحب القوات من المدينة، في أول تقدم كبير في جهود السلام. وكانت تلك أول محادثات تعقد خلال عامين تقريبا. ويمكن القول إن الهدنة صامدة إلي حد بعيد، ولكن الانسحاب لم يتم وسط غياب للثقة بين جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران، والتي تسيطر علي الحديدة، والتحالف بقيادة السعودية الذي يسعي لإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلي السلطة، وهو ما دفع مارتن جريفيث، المبعوث الدولي لحل الأزمة اليمنية إلي وضع خطة بديلة، من المقرر أن يعرضها علي الحكومة الشرعية اليمنية خلال الأيام المقبلة، بحسب تقرير لوكالة الأسوشيتدبرس. أطراف الأزمة تتبادل الاتهامات بشأن المسؤولية عن عرقلة ما تم التوصل إليه من تسويات في اتفاق السويد، وخاصة مسألة إعادة الانتشار. حيث قال حسين العزي، نائب وزير الخارجية في حكومة صنعاء، إن الطرف الآخر، يقصد قوات الشرعية المدعومة من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، يثير صعوبات لمحاولة التراجع عن اتفاق المرحلة الأولي ضمن قائمة الإجراءات، مستغلا حرص الأممالمتحدة علي منهج المقاربة للتوصل إلي حل. وأضاف العزي في تغريدة علي صفحته، غير الموثقة، علي »تويتر»: »نأمل من الأممالمتحدة عدم الاستجابة لأي تراجع بشأن ما تم التوافق عليه»، مضيفا: »مستعدون لخطوة تنفيذية من طرف واحد فور طلبها ذلك».فيما يتهم الجيش اليمني، منذ أسابيع، الحوثيين بتصعيد خرقهم للهدنة الأممية في محافظة الحديدة، واعتبره مؤشرا علي نيتها الالتفاف علي اتفاق إعادة الانتشار، وهو ما حدث بالفعل. لم يحدد اتفاق السويد السلطة المحلية التي ستتولي السيطرة علي الحديدة بعد انسحاب المقاتلين. ويسيطر الحوثيون علي المدينة بينما يتمركز مقاتلون يمنيون يدعمهم التحالف علي مشارفها. وبدأ الحوثيون في 29 ديسمبر 2018 مغادرة ميناء الحديدة وسلموه إلي حرس سواحل محلي. لكن التحالف اعترض قائلا إن تلك الوحدات موالية للجماعة. لم يكن لدي فريق مراقبين من الأممالمتحدة، بقيادة الميجور جنرال المتقاعد الهولندي باتريك كمارت، آلية للتحقق من أجل تقييم الوحدات المحلية وواجه صعوبة في جمع الطرفين لعقد محادثات. واستقال في يناير الماضي، وسلم المهمة للجنرال الدانمركي مايكل أنكر لوليسجارد الذي استأنف الاجتماعات علي متن سفينة قبالة ساحل الحديدة. ولف الغموض مصير اتفاق السويد، بعدما باءت جهود ترجمته علي أرض الاواقع بالفشل، وسط تساؤلات عدة، حول مآلاته. وأواخر فبراير من العام الجاري، تعثرت خطة جزئية لانسحاب الحوثيين من ميناءي الصليف ورأس عيسي في المدينة الواقعة علي البحر الأحمر، يعقبه الانسحاب من مينائها الاستراتيجي، الذي يحمل اسم المدينة ذاتها. تطورات عدة، أعقبت تراجع الحوثيين عن سحب مقاتليهم من الصليف ورأس عيسي، حيث شنت المتحدث باسم الجماعة، محمد عبد السلام في الأيام القليلة الماضية، هجوما غير مسبوق، علي مبعوث الأممالمتحدة إلي اليمن، مارتن حريفيث، قائلا: كما يبدو لنا ليس مبعوثا لهيئة الأممالمتحدة وإنما مبعوث إنجليزي يمثل بريطانيا. وفي هذا السياق، يري الكاتب والباحث السياسي اليمني، عدنان هاشم أنه »من الواضح أن اتفاق ستوكهولم يترنح علي الأقل أو أنه قد فشل بالفعل، وبقي الإعلان عن هذا الفشل». وقال في حديثه لوكالة رويترز إن »الحوثيين لا يريدون التخلي عن الحديدة لسلطات2014، ولا يبدو أن الحكومة الشرعية ستتراجع عن موقفها». وأشار هاشم إلي أنه عندما »يتعرض الحوثيون للانتقاد يهاجمون المجتمع الدولي والمبعوث »جريفيث»، من أجل إجباره علي التراجع وممارسة المزيد من الضغط ضد الحكومة، وهي طريقة نجحت مراراً مع المبعوث نفسه». وحول مآلات اتفاق السويد، توقع هاشم سيناريوهين الأول: حرب شاملة- كما قال هنت- ستبدأ»، و»الثاني: جمود أطول لعملية السلام، مع بقاء توازن القوي، كما يعتقده الحوثيون. ومن جهته، قال رئيس تحرير موقع »اليمن الجمهوري» كمال السلامي إن »اتفاق السويد يمر حاليا بمرحلة موت سريري». وأضاف أن اتفاق ستوكهولم بمثابة مخرج للجماعة من مأزق عسكري حقيقي، كون القوات المشتركة - موالية للحكومة الشرعية ومدعومة من التحالف بقيادة المملكة - وصلت إلي مشارف الميناء الرئيسي»، مشيرا إلي أنه »لو لم تتدخل الأممالمتحدة وبعض القوي الدولية، لربما كانت الحديدة قد تحررت بغض النظر عن الكلفة البشرية والمادية لذلك». وأكد الصحفي اليمني أنه »يستحيل أن ينجح، ذلك أن بعض البنود غير القطعية التي وردت فيه، تجعل كل طرف يفسره كما يحلو له». وبعد أسابيع من الدبلوماسية، التي شارك فيها أيضا المبعوث الخاص مارتن جريفيث، أعلنت الأممالمتحدة في السابع من فبراير الماضي التوصل إلي اتفاق مبدئي علي انسحاب علي مراحل. وكان من المقرر أن ينسحب الحوثيون في غضون أيام لمسافة خمسة كيلومترات من ميناء الصليف الذي يستخدم في استيراد الحبوب وميناء رأس عيسي النفطي. ويتعين عليهم أيضا إخلاء المناطق من الألغام والأسلحة الثقيلة. وبعد التحقق من تنفيذ هذه الخطوة ينسحب الحوثيون من ميناء الحديدة، بينما يتراجع التحالف كيلومترا واحدا عن ضاحية »الكيلو 7» بشرق المدينة، حيث اشتعلت المعارك قبل تطبيق وقف إطلاق النار في 18 ديسمبر الماضي. لكن الأممالمتحدة لا تزال تحاول تسوية الخلافات بين الجانبين بشأن السلطة المحلية التي ستتولي السيطرة تحت إشراف المنظمة الدولية، قبل عملية إعادة انتشار أوسع في المرحلة الثانية. وثمة العديد من المقترحات المطروحة منها الاتفاق علي قائمة مشتركة بأفراد حرس السواحل وقوة الشرطة. ويشك الحوثيون أيضا في انسحاب التحالف فعليا بعد خروجهم. أهمية المدينة الحديدة هي الميناء الرئيسي الذي يستخدم في دخول أغلب الإمدادات التجارية والمساعدات لسكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة. وتركز القتال في المنطقة العام الماضي مما أثار مخاوف من أن هجوما شاملا قد يتسبب في قطع خطوط الإمداد بما يؤدي إلي مجاعة في بلد يعاني نحو 16 مليون نسمة فيه بالفعل من جوع حاد. وبسبب القتال المستمر أصبح فتح ممرات إنسانية أمرا صعبا. وبعد سنوات من الجمود العسكري، شن التحالف بقيادة السعودية والإمارات العربية المتحدة هجومين في العام الماضي للسيطرة علي الميناء، سعيا لإضعاف الحوثيين بقطع خط إمدادهم الرئيسي. وتدخل التحالف الذي يدعمه الغرب في اليمن في عام 2015 لإعادة حكومة هادي إلي السلطة. وتسيطر الحكومة حاليا علي مدينة عدن الساحلية الجنوبية وسلسلة بلدات ساحلية. ويسيطر الحوثيون علي معظم المراكز الحضرية بما فيها صنعاء. وإذا فشل اتفاق الحديدة، فسوف تتقلص فرص توصل محادثات سلام جديدة إلي إطار عمل لمفاوضات سياسية لإنهاء الصراع الذي أودي بحياة عشرات الآلاف من الأشخاص. تعقيد الصراع قبل الحرب، كان هناك العديد من الأحزاب والجماعات المسلحة في اليمن، وتكاثرت بدرجة أكبر منذ عام 2015، وأصبح لكل منها أجندة خاصة. وأحيت الحرب أيضا توترات قديمة بين شمال وجنوب اليمن اللذين كانا بلدين منفصلين في الماضي وتوحدا في كيان واحد عام 1990 تحت حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح. وعبر الانفصاليون في الجنوب عن استيائهم من تركز الموارد في الشمال. وثار غضب الشيعة الزيديين، بعدما أصبح موطنهم في الشمال يعاني من الفقر، وشكلوا في أواخر التسعينيات جماعة الحوثي التي حاربت الجيش، وأقامت روابط مع إيران. وشكل متشددون إسلاميون جناحا لتنظيم القاعدة في الجنوب. وأجبرت احتجاجات ضخمة مؤيدة للديمقراطية في عام 2011 صالح علي التنحي، بعدما انقلب عليه بعض حلفائه السابقين ووقع انشقاق في الجيش. وانتخب نائبه هادي لفترة انتقالية لمدة عامين للإشراف علي انتقال ديمقراطي لكن العملية انهارت. وفي عام 2014، سيطر الحوثيون علي صنعاء بمساعدة موالين لصالح وأجبروا هادي علي تقاسم السلطة. وعندما طُرح دستور اتحادي رفضه الحوثيون والانفصاليون الجنوبيون علي السواء. وألقي الحوثيون القبض علي هادي في عام 2015 لكنه تمكن من الهرب إلي عدن ثم دخل التحالف الحرب دعما لهادي.