علي الرغم من اتفاقية السلام الهشة التي تم التوقيع عليها منذ أكثر من خمسة أشهر، الا ان الانتهاكات مازالت تتم في جميع أنحاء البلاد، والتي يمكن أن يصل الكثير منها إلي حد جرائم حرب، وفقا للتقرير الثالث للجنة التي شكلها مجلس حقوق الإنسان لتقصي الأوضاع في البلاد. وحثت اللجنة حكومة جنوب السودان وكل أطراف الصراع علي احترام اتفاق وقف الأعمال العدائية وتطبيق اتفاق السلام. وأشارت اللجنة إلي أن الأوضاع قد تدهورت بشكل كبير، منذ التحديث الذي قدمته لمجلس حقوق الإنسان في ديسمبر 2017 حول نطاق جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي في جنوب السودان. ووثقت اللجنة حدوث زيادة في جرائم الاغتصاب. وقالت ياسمين سوكا رئيس اللجنة إن هناك نهجا مؤكدا يتمثل في مهاجمة المقاتلين للقري وأخذ النساء كرقيق للجنس، ونهب وحرق المنازل. ويمثل الأطفال 25% من المستهدفين بالعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب لفتيات في السابعة من العمر، كما اغتصبت نساء حوامل ومسنات أيضا. وتلقت اللجنة أيضا تقارير عن تعرض الذكور للعنف الجنسي. وقال التقرير إن الإبلاغ عن العنف الجنسي والقائم علي نوع الجنس ضد الرجال والفتيان، يقل عن العنف المرتكب ضد النساء والفتيات. ووفقا للتقرير اغتصبت 134 امرأة وفتاة علي الأقل في ولاية الوحدة الشمالية في جنوب السودان وتعرضت 41 لعنف جنسي وجسدي، في الفترة بين شهري سبتمبر وديسمبر. وبحسب التقرير الذي أعدته مفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان بالتعاون مع بعثة الأممالمتحدة في جنوب السودان (أونميس)، فإن من بين الناجيات اللاتي تعرضن لهذا العنف بعض الفتيات اللواتي لا تتجاوز أعمارهن ثماني سنوات، ومن المرجح أن النسبة الحقيقية المسجلة من العنف الجنسي هي أعلي بكثير من أرقام الحالات الموثقة. وبالرغم من أن الهجمات قد تراجعت بشكل ملحوظ ضد المدنيين منذ توقيع اتفاق السلام في 12سبتمبر 2018، إلا أن التقرير يحذر من أن العنف الجنسي المرتبط بالنزاع المستوطن لا يزال سائدا في ولاية الوحدة الشمالية، مشيرا إلي أن ارتكاب العنف الجنسي تم في سياق »تفشي الإفلات من العقاب، الذي ساهم في تطبيع العنف ضد النساء والفتيات». ويشير التقرير إلي تعرَّض حوالي 90% من النساء والفتيات للاغتصاب من قبل أكثر من مرتكب واحد وغالبا علي مدي ساعات عدة. كما وقعت النساء الحوامل والأمهات المرضعات ضحايا للعنف الجنسي. وفي حادثة واحدة منفردة حصلت يوم 17 ديسمبر في قرية لانغ في مقاطعة روبكونا، يفيد التقرير بتعرَّض خمس نساء للاغتصاب الجماعي، من بينهن أربع نساء حوامل، بما في ذلك امرأة كانت في الشهر التاسع من الحمل. ووصفت الناجيات من العنف الجنسي كيفية تعرضهن للضرب بوحشية علي يد الجناة بواسطة أعقاب البنادق والعصي والأسلحة النارية الخفيفة وأسلاك الكابلات، إذا ما حاولن مقاومة من هاجمهن أو بعد اغتصابهن. ويبدو أن انعدام الرحمة لدي المهاجمين شكل سمة للعنف الجنسي الموثق، وفق التقرير، الذي يشير أيضا إلي أنه كان لدي الجناة نوع من التعمد فيما أقدموا عليه. وروت إحدي الناجيات كيف تعرضت للاغتصاب مع رفيقاتها في ثلاث مناسبات منفصلة. ومع كل اعتداء، زاد عدد المهاجمين بشكل ملحوظ. وأفادت التقارير أن معظم الهجمات نفذتها ميليشيات من الشباب وعناصر من الجيش الشعبي لتحرير السودان المعارض وقوات الدفاع الشعبية لجنوب السودان. وفي بعض الحالات، تمَّ ارتكاب الهجمات من قبل عناصر من الجيش الشعبي لتحرير السودان الموالي لرياك مشار. وبيَّن التقرير الأممي أن عدة عوامل ساهمت في تصاعد العنف الجنسي في المنطقة، بما في ذلك وجود أعداد كبيرة من المقاتلين في وضعية »الاحتياط»، بانتظار تنفيذ الترتيبات الأمنية بموجب اتفاق السلام، ووجود عدة ميليشيات مسلحة من الشباب، وغياب المساءلة عن أعمال العنف الجنسي المرتكبة في الماضي علي مستوي الأفراد والقيادات. وبالنظر إلي تدمير سبل العيش والتهجير القسري وانعدام الأمن الغذائي بعد سنوات من الحرب الأهلية، يؤكد التقرير أن علي العديد من النساء والفتيات قطع مسافات طويلة عبر مناطق عالية المخاطر بحثا عن الغذاء والمياه والحطب. ويلفت التقرير إلي انتشار شعور بالاستسلام بين الناجيات والرضوخ لفكرة أن من الطبيعي جدا أن يتعرضن لخطر العنف الجنسي. ونقل التقرير عن إحدي الناجيات من مقاطعة كوتش والبالغة من العمر 30 عاما قولها »نحن النساء لا نملك خيارا. لا بديل لدينا. إذا سلكنا الطريق الرئيسي، تعرَّضنا للاغتصاب. وإذا سلكنا الأدغال، تعرَّضنا للاغتصاب. لقد اغتُصبت من بين أخريات في المنطقة ذاتها مرارا وتكرارا في ثلاث مناسبات مختلفة. وتجنبنا سلوك الطريق لأننا سمعنا روايات مروعة تفيد بأن النساء والفتيات تعرَّضن للاختطاف عند المرور عبرها، لكن الأمر نفسه حصل معنا. لا مفر لنا، فنحن كلنا عرضة للاغتصاب». وتحدث التقرير الأممي المكون من 212 صفحة بالتفصيل عن أشخاص محتجزين منذ سنوات ويتعرضون للتعذيب في مراكز احتجاز سرية تغزوها الحشرات وعن أطفال دهستهم دبابات واغتصاب فتيات صغيرات لا تزيد أعمارهن عن السابعة وأطفال رضع تم إغراقهم أو تجويعهم أو ضربهم بأشجار. وقالت اللجنة إن الجيش وأجهزة الأمن الوطنية والمخابرات العسكرية والقوات المتمردة وجماعات مسلحة مرتبطة بها ارتكبت انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، وإنها أعدت قائمة سرية بالمشتبه بهم تشمل قادة بالجيش والمعارضة واثنين من حكام الولايات وحاكم مقاطعة. وأوصت لجنة الأممالمتحدة لحقوق الإنسان في جنوب السودان بإجراء مزيد من التحقيقات في أدلة علي أن عائدات من اقتصاد جنوب السودان المعتمد علي النفط توجه إلي قوات الحكومة وميليشيا يقال إنها علي صلة بجرائم حرب. ويشهد جنوب السودان أحد أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وتحتاج الأممالمتحدة هذا العام إلي 1.5 مليار دولار لتقديم مساعدات تشتد الحاجة إليها، و2.7 مليار دولار من أجل اللاجئين.