طارق الطاهر السيدتان اللتان أتحدث عنهما هما: كاميليا ورقية ابنتا الرئيس الراحل أنور السادات، فقد تحدثتا في يوم واحد، عن واقعة محددة وهي اغتيال الرئيس السادات، لكن المفارقة هو الاختلاف الجذري فيما يقولان، الأولي برأت الرئيس السابق مبارك تماما من اشتراكه، بينما الثانية أدانته إدانة كاملة، بل وسعت دائرة الاشتباه لتشمل منير ثابت أخو سوزان مبارك. الأولي في حوارها بجريدة الوطن يوم 7 أكتوبر الماضي، قالت بالنص: »مبارك برئ من اغتيال السادات« وشرحت ذلك قائلة: »أنا كنت في أمريكا، ورأيت في التليفزيون شابا صغيرا يجري ويرمي القنبلة، هل من الممكن أن يجلس مبارك في مكان فيه قنبلة ومدافع رشاش لا تميز، هذا غير معقول، ويؤكد أنه لا صلة له بالأمر". أما الثانية السيدة رقية ففي كتابها الصادر بعنوان »ابنته« وقدمت له جريدة الصباح عرضا له يوم 7 أكتوبر- أيضا-، ذكرت فيه العديد من القصص التي تؤكد رؤيتها في تورط مبارك في اغتيال السادات منها أنها نقلت رسالة شفاهية من سفير مصر في لندن السفير حسن أبو سعدة يبلغها أن تخبر الرئيس السادات أنه تمت دراسة تحركات مشبوهة ومريبة من حسني مبارك وأبوغزالة لقلب نظام الحكم. وتتوسع رقية في سيناريو تورط مبارك في اغتيال والدها، لتضيف إليه منير ثابت فتقول: »كان منير ثابت- أخو سوزان مبارك- يرأس نادي الرماية في الهرم في يوليو 1981، وما سأقوله الآن شئ غريب ومحير، وأرجو أن يرد علي أحد في هذه النقطة، ألا وهي أن الأول علي دفعة الرماة في نادي الرماية، اسمه عبد الحميد هو نفسه صاحب أول رصاصة في رقبة بابا!!«. ما قلته كاميليا ورقية يقودان إلي سؤال أكبر وهو من يكتب ويشرح ويفسر الوقائع والأحداث الكبري في مصر؟، الإجابة حتي الآن نعتمد علي اجتهادات فردية، بعضها قائم علي التحليل والمشاهدة والآخر يميل نحو الهوي والعاطفة، فكيف تمر واقعة اغتيال رئيس دولة.. ولا نعرف الحقائق كاملة.. إن ملف اغتيال السادات يجب أن يفتح من جديد، للإجابة عن كل الأسئلة التي خلفتها هذه الواقعة، ولا نترك الأمر لاجتهادات فردية. الوقت حان قبل أن يدركنا الزمن وتطمس كل أدلة الجريمة، أنا هنا لا أتحدث عن القتلة المباشرين، بل أيضا- عمن خطط، ومن شارك حتي بالإهمال في حماية رئيس الدولة. إن مصر أصبحت الآن في حاجة ماسة إلي إعادة قراءة تاريخها بشكل حيادي، يعتمد علي الوثائق وشهادات الأحياء ومن كانوا بالقرب من الأحداث، فهل من المعقول والمقبول، أنه حتي هذه اللحظة لم تكشف الحقائق كاملة حول حرب أكتوبر.. هذه الملحمة العسكرية الفذة، إننا نتهاون في تاريخنا ونتركه لاجتهادات فردية، قد تصيب أو تخطئ، وليس هكذا تسجل الدول أحداثها الكبري، فيكفي أنني عشت وجيلي، الذي ولد قبل سنوات قليلة من حرب أكتوبر، وتفتح وعيه علي الاحتفال بهذا النصر، الذي اختزل لعقود في الضربة الجوية، ثم جاء من شكك في هذه الضربة وفي دور مبارك، ليس لسبب سوي أن ثورة يناير أطاحت به، ثم عندما هدأت النفوس نسبيا، سمعنا- خاصة في هذا العام-عن ضرورة إنصاف مبارك، لأنه صاحب الضربة الجوية، وأن له دورا لا ينكر، ومعني ذلك أننا مستمرون في قراءة التاريخ طبقا لعواطفنا، التي تتغير من لحظة لآخري. إلي الآن لا ندرك أن كتابة التاريخ يجب أن تعتمد علي الحقائق، قد يكون لمبارك أو غيره دور عسكري كبير وهاما، ولكن هناك أخطاء وخطايا ارتكبها في فترة حكمه، يجب أن نفرق بين الاثنين، نعطيه حقه عسكريا، ونحاسبه سياسيا وجنائيا، ولا نجعل الوقائع التاريخية عرضة لقراءتها بشكل عاطفي، بل يجب أن تقرأ بوثائقها وظروفها التاريخية.