كيف يتفق كلام الله مع ما قاله المنافقون ثم يكونون كاذبين؟ نقول: لأن المنافقين قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فهم شهدوا بألسنتهم فقط أن محمدا صلي الله عليه وسلم رسول الله ولكن قلوبهم منكرة لذلك. يقول الحق سبحانه وتعالي في الآية 9 من البقرة: »يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ» وتأتي الصفة الثانية من صفات المنافقين، وهي صفة تدل علي غفلتهم وحمق تفكيرهم، فإنهم يحسبون أنهم بنفاقهم يخدعون الله سبحانه وتعالي، وهل يستطيع بشر أن يخدع رب العالمين؟ إن الله عليم بالسر وما هو أخفي من السر ماتبقيه في نفسك ولا تخبر به أحدا، أنه يظل في قلبك لاتسر به لإنسان، والله سبحانه وتعالي يقول: »وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَي» »طه: 7»، فلا يوجد مخلوق يستطيع أن يخدع خالقه، ولكنهم من غفلتهم يحسبون أنهم يستطيعون خداع الله جل جلاله، وفي تصرفهم هذا لايكون هناك سلام بينهم وبين الله، بل يكون هناك مقت وغضب، وهم في خداعهم يحسبون ايضا أنهم يخدعون الذين آمنوا، بأنهم يقولون أمامهم غير ما يبطنون، ولكن هذا الخداع شقاء عليهم، لأنهم يعيشون في خوف مستمر، وهم دائما في قلق أو خوف من أن يكشفهم المؤمنون، أو يستمعوا إليهم في مجالسهم الخاصة، وهم يتحدثون بالكفر ويسخرون من الإيمان، ولذلك إذا تحدثوا لابد أن يتأكدوا أولا من أن احدا من المؤمنين لايسمعهم ويتأكدوا ثانيا من أن أحدا من المؤمنين لن يدخل عليهم وهم يتحدثون والخوف يملأ قلوبهم ايضا، وهم مع المؤمنين، فكل واحد منهم يخشي أن تفلت منه كلمة، تفضح نفاقه وكفره، وهكذا فلا سلام بينهم وبين المؤمنين، والحقيقة أنهم لايخدعون إلا أنفسهم، فالله سبحانه وتعالي يعلم نفاقهم، والمؤمنون قد يعلمون هذا النفاق فإن لم يعلموه، فإن الله يخبرهم به، واقرأ قول الحق سبحانه وتعالي: »وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ» »محمد: 30». ألم يأت المنافقون إلي رسول الله ليشهدوا أنه رسول الله ففضحهم الله أمام رسول الله وأنزل قوله تعالي: » إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ» »المنافقون: 1» جاء المنافقون الي رسول الله يشهدون بصدق رسالته والله سبحانه وتعالي يعلم أن هذه الشهادة حق وصدق، لأنه جل جلاله، يعلم أن رسول الله صادق الرسالة، ولكنه في الوقت نفسه يشهد بأن المنافقين كاذبون، كيف؟ كيف يتفق كلام الله مع ما قاله المنافقون ثم يكونون كاذبين؟ نقول: لأن المنافقين قالوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، فهم شهدوا بألسنتهم فقط أن محمد رسول الله ولكن قلوبهم منكرة لذلك، مكذبة به، ولذلك فإن ما قاله المنافقون رغم أنه حقيقة إلا أنهم يكذبون، ويقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم، لأن الصدق هو أن يوافق الكلام حقيقة ما في القلب، وهؤلاء كذبوا، لأنهم في شهادتهم لرسول الله لم يكونوا يعبرون عن واقع في قلوبهم، بل قلوبهم تكذب مايقولون، وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم يفضح الله سبحانه وتعالي فيها المنافقين، وينبئ رسوله بما يضمرونه في قلوبهم، إذن فخداعهم للمؤمنين، رغم أنه خداع بشرلبشر إلا أنه أحيانا تفلت ألسنتهم، فتعرف حقيقتهم وإذا لم يلفت اللسان، جاء البيان من الله سبحانه وتعالي ليفضحهم وتكون حصيلة هذا كله، أنهم لايخدعون أحدا، فالله يعلم سرهم وجهرهم، فمرة يعين الله المؤمنين عليهم فيكشفهم، ومرة تفلت ألسنة المنافقين فيكشفون أنفسهم. إذن فسلوك المنافق، لايخدع به إلا نفسه، وهو الخاسر في الدنيا والآخرة، عندما يؤدي عملا إيمانيا، فالله يعلم أنه نفاق وعندما يحاول أن يخدع المؤمنين، ينكشف، والنتيجة أنهم يعتقدون أنهم حققوا لأنفسهم نفعا، بينما هم لم يحققوا لأنفسهم إلا الخسران المبين.