اتجه إلي حجرته، عانقت عيناه الشهادة التي حصل عليها لتستكين علي الحائط، ويبقي بلاعمل لملم الليل نجومه في جعبته ورحل، حين أطل الفجر بوجه صبوح علي الكون، فدبت الحياة مجددا.. يصدح الأذان وهو مستلق علي سريره.. تتوه عيناه في بقايا ظلمة الحجرة، تلقفت أذناه صوت أمه، وهي تتوضأ للصلاة وتهمهم بالدعاء أخذ يتقلب يمنة ويسرة، فقد أضناه الأرق وخاصم النوم جفونه.. شيئا فشيئا. راحت الشمس تغزو الأفق، وتلقي بأشعتها عبر النافذة، حتي استعمرت كل أرجاء الحجرة، تململ ضيقا، أزاح عنه غطاءه المهلهل، ثم نهض.. حمل همومه التي أثقلت كاهله، وذهب ليغتسل. اتجه إلي حجرته، عانقت عيناه الشهادة التي حصل عليها لتستكين علي الحائط، ويبقي بلاعمل.. يتمتم محدثا نفسه بسخرية - بكالوريوس تجارة. تقدير جيد جدا - يتنهد بحرقة، ثم يرتدي ملابسه التي اعتادها كل يوم. اجتاز حجرته، تطلع إلي وجوه إخوته الصغار، أقبلوا عليه،التحم بهم في حنان بالغ، لثمهم في حرارة، ربت عليهم، اختلس نظرات إلي أسمالهم البالية فارتدت علي نفسه حسرات.. يلقي التحية علي أمه، تصاحبها ابتسامته المعهودة.. يقبل يديها، يطالبها بالدعاء والتوفيق في الوظيفة التي سيتقدم لها اليوم.. تودعه وتدعو له بالنجاح والفلاح والستر والصحة والرزق الوفير، ثم تعوذ لتتلو أورادها. جلس في استراحة البنك مع المتقدمين منتظرا أن ينادي العامل علي اسمه، ليقابل مدير البنك. بعد فترة ليست بالقصيرة يدخل شاب يرتدي بذلة أنيقة.. فاح شذاه في المكان، فانتعشت الأنوف، يقدم للموظف المسئول عن تنظيم الدخول »كارت« توصية، فيسارع بإدخاله لمقابلة اللجنة، بضع دقائق ويخرج الشاب منتشيا سعيدا، وبعده الموظف يخبرهم بأن اللجنة قد اختارت الشاب المناسب للوظيفة.. خرج شاحب الوجه.. مطأطأة رأسه يجر قدميه ويحوطه اليأس والخيبة مع الباقين، ظل يهيم علي وجهه في الشوارع والطرقات..لايدري أين يذهب؟ أو ماذا يفعل؟ كان ينظر إلي السيارات الفارهة. ومن نوافذها تنطلق ضحكات وقهقهات ومن خارجها تشتعل صيحات بائعي المناديل حيث تربع البؤس علي وجوههم. توجه إلي البحر، أطال النظر فيه وكأنه يبثه همومه، فلا يلقي منه إلا تلاطم الأمواج المستمر، تمني أن تهدأ هذه الامواج وتستكين لكن لا فائدة، شعر بالأسي يعتصره. حل الليل بظلمته.. عاد إلي منزله، وجد إخوته نياما، تبدو جلودهم من ثيابهم الممزقة، تناهي إلي مسمعه صوت أمه.. مازالت تتلو أورادها..