كانت الليلة السابقة لبداية رحلة العمرة... جمعت المناسبة كل أواصر الأسرة ومفرداتها الصغيرة منها والكبيرة.. الجميع استكتموه السر عند الدعاء لهم حسبما همسوا له كل علي انفراد بحاجاتهم الملحة للدعاء. جلس إيهاب الابن الأكبر بين يدي الأب ينصت إلي نصائحة وتوجيهاته وماذا يفعل وماذا لا يفعل خلال أيام العمرة. طمأنه بأنه سيكون له النصيب الأكبر من الدعاء عند الكعبة.. فهو نعم الابن والصديق.. انبعث صوت الأب وهو صوب الطرقة المؤدية إلي باب حجرته مستأذنا بعدما اطمأن علي ما أعده من المحتويات واللوازم الضرورية لهذه الرحلة وكل ما هو في حاجة اليه.. لا تبقي له سوي سويعات من الراحة بين النوم واليقظة أو الاسترخاء.. قال: تصبحون علي خير يا ولاد! رد الجميع في صوت واحد. وأنت من أهله......... رحلة السفر من خلال السفينة. غادرت الميناء مع أول خيوط شمس صباح اليوم الجديد.. لوحة جميلة رسمها في خياله وهو يضع مفتاح باب الحجرة المخصصة والتي تحمل رقم100 بالدرجة الأولي الممتازة سرير سفري ودولاب ودورة مياه وحمام بداخل الحجرة في الجانب المواجه للباب عدد واحد كوميدونو من الخشب الان مطلي بدهان بني يبرق يكاد يري فيه بعض ملامح الوجه بسهولة.. وضع فيه كل متعلقاته الشخصية.. تنبعث من داخل الحجرات الموصدة والمواجهة والجنب بالدور الأول أصوات يعلوها الاطمئنان والسعادة والبهجة.. حوار يدور بلغات غير عربية يخترق أحاسيسه الرقيقة فتنتج داخله خطوط صورة إيمانية لم يبلغها من قبل. اضطجع علي السرير.. لم يخلع سوي نعله.. فهو في حاجة ماسة الي النوم.. مر وقت لم يعرف له مدي... التفت إلي ساعة اليد بمعصمه.. بعد ما استيقظ علي أصوات حركة خارج الحجرة. اعتدل في مكانه استحضر بعض السندوتشات الجاهزة.. الوحدة لم يعرفها قبل ذلك.. لأنه الآن وحيد يعزف منفردا وكأنه لأول مرة عواد علي عود.. لا يطرب ولا يسمعه أحد سواه.. ساعات أخري استهلكتها الرحلة بعد ليلة مضت. بلغت السفينة مشارف الأرض المقدسة.. بالوصول إلي ميناء جدة. جهد آخر عندما لملم الحقائب وأشياء أخري ليضعها في الحاويات المعدة لنقلها إلي مكةالمكرمة.. نصف ساعة كانت كافية من خلال الباص لبلوغ وإدراك وجهها الجميل.. الآن هو ضمن رعية بلاد التسامح والحب والعشق الالهي.. بلاد الذهب الأصفر والذهب الأسود.. الكل جاء من جميع أنحاء العالم.. الكل في شوق لجني أطيب الثمار في سلة الفواكه الإيمانية. في الفندق والحجرة رقم100 أيضا.. لايدري إن كانت مصادفة أم لا.. المهم أنها في تشابه لسكن السفينة تماما.. ولكنها مفروشة بسريرين.. بمعني أن هناك شخصا آخر سيكون برفقة المكان.. ارتدت له في هذه اللحظات طقوس الإنسان بخواصها المعروفة بعدما انصهر خلال الفترة الماضية حتي الوصول إلي الفندق بخاصية البواتق الشفافة التي تخلو من الشوائب.. تعارف علي رفيقه بالمكان.. ردد عبارة لم يدر لها معني سوي الآن.. سمعها في حوار سابق علي لسان شخص لايعرفه..( إن لي في الصديق ما يخصني ولله فيه ما يخصه) عاد المعني يذكره ببداية عرف بعدها كيف من نظرة جديدة لطريق جديد تخترق الليالي العمياء لرؤية أفضل واشمل.. وليكن ذلك هو الدرس الأول في رحلة روحانية وقبل أن يعكر صفوها بلادة ظنون الإنسان وتفاهته. من يوم الجمعة وفي الحرم المكي انتفض الجسد وارتعشت أوصاله وتواصلت الدموع بالدعاء والتضرع إلي الله.. لم يتذكرأحدا من أهله سأله الدعاء ولا عن أي شيء كان البلاغ.. أعداد كبيرة من المسلمين كالأمواج المتلاطمة تغمر كل ركن بالحرم.. إمام المسجد بصوت شرخه البكاء.. يتوجه إلي الله أن يوحد صفوف المسلمين ويكفيهم شر الفتن وغربة الدين. وان تعود القدس آمنة من غدر اليهود. سمع صوتا رفيعا يصرخ في الخلف.. آمين.. شده الصدي.. التفت للخلف حيث المصدر.. صبي صغير تلتف حول رقبته وصدره لفاعة كعلم فلسطين ربت علي كتفه.. سأله ما اسمك؟ رد الصبي والدموع في عينيه. ألا تعرفني.. أنا محمد الدرة. رأفت حسن قشطة المحلة الكبري