أصبحنا في زمن العجائب، زمن الدم فيه مباح، زمن تبدلت فيه القلوب ووضعت مكانها قطع من الحجارة، تحولت فيه المشاعر من العطف للقسوة، فنحن اليوم أمام حكاية قتل بشعة بدأت فصولها في شقة صغيرة بمنطقة الخانكة، وانتهت في غياهب السجن. أم وابن، عاشا سويًا ما يقرب من 45عامًا، لم تشفع السنون للأم التي راحت ضحية ابنها في غمضة عين بسبب رفضها إعطائه خمسة آلاف جنيه، وللحكاية بداية مثيرة! رجل في منتصف الأربعينيات من العمر، يعمل سائقًا، يسكن بمنطقة الجبل الأصفر بالخانكة، تزوج وعاش حياته مع زوجته، لكنه سلك طريق المخدرات، وفي ظل ظروف المعيشة الصعبة أصبح الحصول علي المال لشراء المخدرات أمرا صعبا، ظل يفكر كيف يحصل على أموال؟!، لم يكن أمامه سوى أمه يذهب إليها ليأخذ منها أموالًا، فبالتأكيد لا ترفض طلبه، أو لنقل أنها تخشاه بعدما سار في طريق الادمان! دقت عقارب الساعة لتشير إلى الثانية عشرة ظهرًا، في بيت "صفية"، هذه السيدة التي تبلغ من العمر 60عامًا، أنها والدته التي لجأ إليها يطلب منها أموالا، وما أن بدأ الحديث معها بحاجته للمال، حتي رفضت، خوفًا من ضياعهم في المخدرات، وبدأت الأم في توبيخه أمام أشقائه، الأمر الذي جعله في حالة لا يحسد عليها أحد، وهو يرى نفسه في هذا الموقف أمام من أصغر منه سنًا، دخل غرفته، وأصبحت تتقاذف الأفكار السوداء في رأسه، لم تمر لحظات إلا وقد قرر الخروج لمعاتبتها، لم يتمالك أعصابه، تشاجر معها ووصل الأمر للتشابك بالأيدي، متناسيًا أنها أمه التي جعل الله الجنة تحت أقدامها، وأن رضا الأم من رضى الرب، فالشيطان تملك من كل عقله، وجعله لا يرى أمامه، ولم يشعر بنفسه إلا وهو يحضر سكينا من المطبخ ويطعن به والدته، التي سقطت على الأرض غارقة في دمائها، الصمت يسود المكان، علامات التوتر، والدهشة هي التي تسيطر على الأبناء، فلا أحد يصدق ما حدث، حاول الكل إسعافها، بينما عادل ظل واقفًا لا يدري ماذا حدث؟!، صدمة عصبية تملكته، وعندما وصلت والدته إلى المستشفى كانت قد فارقت الحياة! ذهب الشقيق الأكبر، وهو يعمل إمام وخطيب بالمسجد، وأبلغ الشرطة عما فعله شقيقه عادل، وأمام رئيس المباحث، وقف عادل خائفًا، شارد الذهن، نظراته تجوب المكان، يتمتم بكلمات غير مفهومة، يعترف بارتكابه الجريمة، يقول، "قتلتها ولكني لم أقصد ذلك"، ثم دخل بعدها في نوبة بكاء وصلت حد الانهيار، ليأخذ نفسه، ويستكمل اعترافاته: "ذهبت لوالدتي طالبًا منها مبلغًا من المال، ولكنها رفضت وبختني أمام أشقائي، فغلت الدماء في عروقي، ولم أشعر بنفسي، وأسرعت إلى المطبخ وأخذت السكين وطعنتها طعنتين، فسقطت أمام عيني غارقة في دمائها، ولفظت أنفاسها الأخيرة داخل مستشفى السلام"، تحرر عن ذلك المحضر اللازم، وتحولت القضية لمحكمة الجنايات، التي أسدلت الستار عن تلك الجريمة بحكمها بالسجن المشدد ثلاث سنوات على المتهم.