31 عالمًا من جامعة كفر الشيخ ضمن قائمة ستانفورد لأعلى 2% في العالم    بحث الاستفادة منها بالتصنيع، المهندسين تنظم ملتقى الابتكارات ومشروعات التخرج    تداول 43 ألف طن و784 شاحنة بضائع متنوعة بمواني البحر الأحمر    إزالة 4 حالات تعد على الأراضي الزراعية بالصالحية الجديدة في الشرقية    بطائرة انتحارية وصاروخ باليستي جديد، إيران تحيي ذكرى حرب الخليج الأولى    رسميا، اتحاد الكرة يقرر تأجيل انطلاق دوري المحترفين لهذا الموعد    بحضور أحمد سليمان، لقطات من ودية الزمالك وفريق 2005 استعدادًا للسوبر الأفريقي    تزامنا مع العام الدراسى الجديد، تحليل مياه الشرب بمدارس الإسماعيلية (صور )    مصدر يكشف تفاصيل جديدة في قضية صلاح التيجاني    حمزة نمرة يتصدر تريند اليوتيوب ب "استنوا شوية" | فيديو    وزير الصحة يبحث ملفات التعاون المشترك مع الهند    مكتبة مصر العامة بدمياط تطلق فعالية اتعلم اتنور (صور)    نصائح مهمة للأمهات لتخفيف حدة القلق المرتبط ببداية العام الدراسي    صور- حلوى وبالونات.. تعليم المنيا توزع الهدايا على طلاب الروضة والأول الابتدائي    حظر تطبيق تيليجرام على أجهزة أوكرانيا الرسمية وسط مخاوف من التجسس ..تفاصيل    محافظ الشرقية: انتظام اليوم الدراسى الأول لرياض الأطفال والصفوف الأولى    تقدير عالمي كبير.. "طاقة النواب" تشيد بانتخاب مصر بالإجماع للوكالة الدولية للطاقة الذرية    اليوم العالمي للسلام.. 4 أبراج بتنهي أي خلاف ولا تدعو للتطرف أو التعصب    أسعار البيض في الأسواق اليوم السبت (موقع رسمي)    وزير الإسكان: تخفيض 50 % من رسوم التنازل عن الوحدات والأراضي بالمدن الجديدة    مهرجان رياضى وزراعة أشجار ضمن مبادرة بداية بكفر الشيخ ورفع 2015 طن قمامة    عمرو الفقي: تحية لفريق عمل والقائمين على مسلسل برغم القانون    لحوم مجمدة بسعر 195 جنيها للكيلو في منافذ المجمعات الاستهلاكية    توجيهات عاجلة من مدبولي ورسائل طمأنة من الصحة.. ما قصة حالات التسمم في أسوان؟    محافظ المنوفية: طرح 12 مدرسة جديدة للتعليم الأساسي والإعدادي والثانوي    موعد مباراة العين ضد أوكلاند سيتي في كأس إنتركونتيننتال    موعد مباراة ريال مدريد وريال سوسيداد والقنوات الناقلة في الدوري الإسباني    فايزة أحمد.. ما تيسر من سيرة كروان الشرق.. تألقت في اللون العاطفي.. «أنا قلبي لك ميال» شهادة ميلادها الفني في مصر.. وسلطان لحن لها 80% من أغانيها    داعية إسلامي: يوضح حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم    المشاط تبحث تعزيز الشراكة الاستراتيجية مع الوكالة الفرنسية للتنمية    مستثمرو مرسى علم يطالبون بمشاركة مصرية قوية فى بورصة لندن السياحية نوفمبر المقبل    انتظام الدراسة ب 22 معهدا أزهريا ذات الفترتين في القليوبية (صور)    «الداخلية» تكشف ملابسات فيديو اعتداء شخص على سيدة في القاهرة    في يوم السلام العالمي| رسالة مهمة من مصر بشأن قطاع غزة    تقرير أمريكي: بلينكن لم يزر إسرائيل بجولته الأخيرة خشية تقويضها لجهود الوساطة    «اللي بيحصل يهد ريال مدريد».. رسالة نارية من ميدو ل جمهور الزمالك قبل السوبر الإفريقي    شيخ الأزهر يعزي اللواء محمود توفيق وزير الداخلية في وفاة والدته    زاهي حواس: مصر مليئة بالاكتشافات الأثرية وحركة الأفروسنتريك تسعى لتشويه الحقائق    بسمة بوسيل تنشر إطلالة جريئة لها.. وتغلق التعليقات (صور)    رواتب تصل ل25 ألف جنيه.. فرص عمل في مشروع محطة الضبعة النووية - رابط التقديم    عالم بوزارة الأوقاف يوجه نصائح للطلاب والمعلمين مع بدء العام الدراسي الجديد    انتظام الدراسة في أول أيام «العام الجديد» بقنا (تفاصيل)    بعد ارتفاع الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 21 سبتمبر 2024 في المصانع    تحرير 458 مخالفة «عدم ارتداء الخوذة» وسحب 1421 رخصة بسبب «الملصق الإلكتروني»    هل الشاي يقي من الإصابة بألزهايمر؟.. دراسة توضح    إجراء عمليات ل98%؜ من إجمالي المسجلين على قوائم الانتظار بمستشفيات سوهاج الجامعية    تشكيل ليفربول المتوقع أمام بورنموث.. صلاح يقود الهجوم    أستاذ علوم سياسية: توسيع الحرب مع حزب الله يعرض تل أبيب لخطر القصف    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    «اعرف واجبك من أول يوم».. الواجبات المنزلية والتقييمات الأسبوعية ل رابعة ابتدائي 2024 (تفاصيل)    انخفاض جديد في درجات الحرارة.. الأرصاد تزف بشرى سارة لمحبي الشتاء    وزير خارجية لبنان: لا يمكن السماح لإسرائيل الاستمرار في الإفلات من العقاب    لطيفة: أمي قادتني للنجاح قبل وفاتها l حوار    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    الزمالك يُعلن طبيعة إصابة مصطفى شلبي ودونجا قبل مواجهة الأهلي في السوبر الأفريقي    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    ضحايا جدد.. النيابة تستمع لأقوال سيدتين يتهمن "التيجاني" بالتحرش بهن في "الزاوية"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية للتمساح الجائع
نشر في أخبار الأدب يوم 25 - 08 - 2012

والببغاء الحكيم عارف الحكايات ، لم يكن قد حدث بها من قبل ، فهي حكاية قديمة جديدة . وبعد الاندثار الغابر للغابة الجدة العجيبة ، لم يعد باقيا من شاهد عليها سوي الكلمات
»حشرة الشمس نتاج أحد شعاعاتها روحي حزينة حتي الموت لافونتين
- تبا !
قالها في نفسه ، دون حقد بالغ ، التمساح الضخم الجائع ، المتحين في مكمنه ، يلعن طائرا أسود هزيلا حط علي عود من نبات البوص يميل علي حافة النهر .
توالدت في نفسه سخريات أخري ، علي الدرجة نفسها من الحقد والمرارة ، وقد طفق الطائر يغمر منقاره في الماء ثم يرفعه ناثرا القطرات اللامعة ، في ضوء الشمس ، علي ريشه الذي ينفشه فيضاعف حجمه .
أحد عشر طلوعا للشمس ولم أحظ ، بعد ، بوجبة تقنعك يا معدتي الشبقة ، أحد عشر طلوعا للشمس صرت فيها صياد أسماك صغيرة وعصافير!
تقدم بجسده المغمور تحت صفحة النهر . عيناه الطافيتان تزحفان علي السطح ، في هدوء ، مركزتان النظر علي الطائر اللاهي .
الأيائل الثقيلة البهية ضخمة الجسم ..
تضيق المسافة الفاصلة بين الجائع والهزيل ..
.. تنزل خائضة في النهر ، تمد مخاطمها .. تعب من الماء وتشرب ..
صار الطائر في حيز الإمكان .
.. والظبيان الصغيرة الطرية ..
طوح رأسه ، في لحظة ، يخترق الماء ، مشرع الأنياب ، هاجما ، يشق حلقه الفحيح صارخا :
.. أين .. ؟!
ثم ..
خواء .
اصطكت الأسنان منضمة علي ملمس الهواء .
العينان الوحشيتان ، دهشتان ، تتابعان الطائر الأسود الناجي يصعد في السماء .
ريشة وحيدة تهاوت علي سطح النهر .
سحب التمساح نفسه باتجاه الشاطيء ، متنحيا عن مسار قطيع من أفراس النهر المندفعة ، في دبدبة وضجيج ، نحو النهر ؛ إذ عادت من رعيها الصباحي ، وقد أنعشها الشبع .
قصد ، متثاقلا ، بقعة هادئة مشمسة ، بالقرب من الضفة ، وقبع فيها منعزلا . مدد بوزه علي الأرض .
- أيتها المرضع البدينة آكلة العشب !
وأغمض عينيه .
- نهار سعيد يا مهيب الطلعة !
فتح التمساح عينيه فأبصر صديقه الطفيلي الصغير ، طائر السقساق ، يضم جناحيه ويحط علي طرف بوزه . أعاد التمساح غلق عينيه ، رد من تحت أنيابه :
- مرحبا .
انتظر السقساق المندفع أخبارا سعيدة . لكن لم يقابل تفاؤله إلا الصمت الغامض .
.. ببغاء الغابة ، المعمر منذ أمد ، الحكيم قليل الكلام ، يخرج عن صمت طويل جليل ، ويحكي اليوم حكاية . ورث الحكاية ، كما قال ، عن أب له ، معمر حكيم ببغاء ، عن سلسلة من الآباء ، معمرين حكماء ببغاوات ، عن سلف قديم سلحفاة ، عظيمة القدر معمرة حكيمة . الحكاية لعدم التصديق أقرب ، والببغاء الحكيم عارف الحكايات ، لم يكن قد حدث بها من قبل ، فهي حكاية قديمة جديدة . وبعد الاندثار الغابر للغابة الجدة العجيبة ، لم يعد باقيا من شاهد عليها سوي الكلمات و كما يقول شمس في الأعالي لم نعد نجيد تفسير لُغاها .
هكذا حدث السقساق التمساح ، عما جد من طريف أخبار الغابة ، بينما التمساح فاغر فكيه علي مداهما ، يصرف الفائض من حرارة جوفه ، والسقساق دائر بين حراشف ظهره يلقط منه العلق وينقيه .
هل هي الشيخوخة ؟ أم زحف نحوه الجوع هو الآخر فضربه ؛ فرأت عيناه ما لا يراه غيره ؟ لم صار ينطق ، بعد صمت طويل ، بجديد الحكايات ، أو يذكر قديمها المسكوت والمسهو عنه ، وهو الساكت وهو اللاهي ؟
قال السقساق :
حاكانا الببغاء الحكيم فقال :
من دكنة الظلام خرجتْ إلي النور . من جوف الغابة ، من بين تداخل امتدادات الأغصان ، من تحت تكاثف أوراق قاتمة الخضرة حد الإعتام ، انبثقت حشرة أنثي ضئيلة دقيقة . بدعة كانت في منظرها ، لا هي بالنحلة ولا بالفراشة ولا بالخنفساء ولا .. ولا .. بدعة كانت في منظرها . كيان هش ، له هالة من بهاء رقيق لفّات ، اختلف في وصفه الواصفون ، توله فيه المتولهون ، ثم تناكر فيه المتناكرون .كانت بدعة ، تحدثت عن بدعها الغابة .. كل ما يطير في جوها ، أو يدب علي أديمها ، أو نبت من باطن أرضها .. كل الغابة . كان للغابة القديمة ، وقتها ، لسان واحد مبين ، لم يكن قد أدركها يوم العُجمة الرهيب بعد .
تغذت الرقيقة برحيق الأزهار ، وحنت عليها الأزهار .
أرادت لها الغابة اسما ، ولم تعرف لها نسبا أو شبها ، فنسبوها إلي من يعم فضلها علي كل موجود ، وفي نعم نورها ودفئها يتمتع كل حي ، نسبوها إلي النور ، إلي الشمس ، وأسموها ابنة الشمس ، ويوما عن يوم ، كان حسنها يتجدد في العيون ، ويتبدي للقلوب علويا ، فتفرح الغابة بها وبالإسم .
تنضج . وللنضج ميعاد وعلامات وعبير ، وللعبير سحر ، ومن سكرة السحر يندلع جنون ورقص وحياة .
طائف الأسئلة والأفكار ، في الغابة ، طاف .. الزواج ، الفوز .. النسل .. العمر .. الجدارة .. الأجمل ؟ .. الأقوي ؟ .. الأبرع رقصا ؟ وكل الأفكار كان يشملها التفاؤل ويرعاها الفضول ، وكل الأسئلة يدفعها الشغف ؛ فمن يليق بالبديعة العجيبة ، روح الجمال والجلال والفرح .. ابنة الشمس ؟
وفي ميعاد منظور ، ابنة الشمس كانت تهيم ، لا كما كانت ساذجة تهيم ، وتزور العشب والأزهار والغصون ، لا كما
كانت تزور . كان لها ذيل من شذي سيال ينسال ، في كل موضع ترك لها علامة .
في شذاها كان من القرب نذير ، وفي كل علامة كان تحذير .
تبدلت روح الجمال والجلال والأسي بروح الجمال والجلال والفرح ، فعافت كل رغبة ، وأبعد النذير الغامض والحزن
كل راغب ذكر .
طلعت ابنة الشمس علي كل حيرة وفضول واستفهام بمزيد من التلبيس العظيم ، وأعلنت علي الشاهدين أنها لن تحصل علي زوج أو وليف فقد كان . لقد بوركت بشعاع خاصب من ضياء ، وصار من كيانها الضعيف مستقر ووعاء . في الوعاء صفاء الحب والنور ، دفقة من حنان تتخلق ؛ فتصير نسلا وبذرة .
من الأب ؟
كان السؤال المتشوف . وكانت الإجابة :
الشمس .
فبهت الخبر الشاهدين ، وحل سكون عميم .
تبع الأمر جدل عظيم . ثار من ثار ، سخر من سخر ، صدق من صدق ، وأبي التصديق من أبي ، وتذبذب في الحيرة من تذبذب . صاروا أشتاتا أشتاتا .
وعلي اختلافهم في صدق خبرها ، كانوا من أمرهم معها في صف واحد أجمعين : رفضها الجميع ، وتخلي عنها الجميع .
وغمست ابنة الشمس في الشقاء غمسة واحدة . أبانت لها الأيام جهامتها ، فعرفها الهم وعرفته ، وأذاقتها الغربة من مرارتها . خافوا منها وأنكروها ، وعيونهم لها تترصد .. يتربصون ما تسفر عنه علامات الألم ومجاهدة العذاب والانتفاخ ، تلك العلامات التي قامت دليلا علي الصدق في جانب من خبر اليوم المشهود ، فثار المزيد من التحفز .
و كسبت ابنة الشمس مع الألم شيئا من العطف والإشفاق ، وحسد الإناث . تمنت كل واحدة ، في حال كونها صدقت في أمر الشمس ، لو كانت هي من حظيت بشرف الوصل العظيم . تخيلن اللذة والبهاء والجلال ، تخيلن السطوة والغموض ، سكرن ، ودُخن في خيالات اللقاء السري الحميم وغياباته .
أما هي ، ابنة الشمس ، زوج الشمس ، فتبيت وتصبح لا تعرف غير الذعر ؛ ما بداخلها يرعص وينقر ، في لطف وعند ، يتلمس الخروج ، وهي لا تعرف لخروجه سبيلا . كانت خبرتها الأولي . كانت تفكر في ذعر . كانت تفكر في حنان .
وكما يتفتت كل هش ، دون مقدمات ، تفتتت ، علي مشهد من قطيع من غزلان ترعي . صارت في الهواء رمادا كثيفا ناعما ، كالضباب ، براقا . شخصت الغزلان بأبصارها نحو الرماد المتألق ، الذي ينداح ببطء ، وهو يذوب متلاشيا في الهواء ، كاشفا عن ابنة الانتظار والشك والخيال والنور .
كان الميلاد . لم يوازه في الغرابة ميلاد سوي الظهور المفاجئ للأم .. انبعاث من الظلمة للنور ، وها كشف من الخفاء للعلن ، امتزاج للغياب بالبزوغ ، والفناء والتبدد بالاكتمال والحياة والحلول. فكأنما حلت الابنة محل الأم ، أو حلت الأم في الابنة . كانتا تكرارا ، كانتا شبيهتين ، كما تشبه عين الطائر عينه الأخري . لا تفترقان إلا في نضارة الإشراق ، فكأنما ذات الجمال والبهاء لا تفني ، ولكنها تتجدد فتشتد .
خشعت عيون متطلعة ، وذابت قلوب ، وانحنت هامات . وحين رفت الأجنحة الشقيقة ، التي اخترقها ضي ضحوك بدوائر من ألوان ، وحلقت الابنة حقيقة حية متجسدة تشق الهواء ، كان فرح كثير وحبور .
طارت طويلا ، وحطت في مواضع كثيرة ، وتبعها جمع غفير . حدث لغط عظيم ، وأعلم الشهود الغائبين و الجاهلين ، وصار للغزلان يومها شأن خطير .
كان شغف كبير وتطلع ، أن تنطق الابنة ، أن تتلقف الآذان منها أول كلمة .. فلم تنطق . دعتها الأزهار للرحيق ، لتتغذي كما كانت أمها من قبل تتغذي علي الرحيق ، ولتفوز إحداهن بشرف الرشفة الأولي . لبت الدعوة ، رغبة تقودها ، ونداء داخلي غامض تجيبه ، لتسكت ناهز الجوع الذي ينهزها . عرفت طريقها ومنحاها .
من زهرة لزهرة كانت تطير ، دون أن تقر علي أي منها . حسبتها الزهور مداعبة وملاعبة . الصغيرة الندية الغضة تلعب ؛ فتضاحكن ، وأردن المشاركة في اللعب ؛ فتمايلن ، وتصايحن داعيات متنافسات ، سمحات ، وتصاعد الصخب والمزاح والمرح بين الحاضرين ، بينما قلق الصغيرة ، ذعر الصغيرة ، توتر الصغيرة ، في ازدياد .
لم تكن تلعب . جسدها الجوعان كان يصرخ بالعطل ، بالصموت ، لا يعرف السبيل لامتصاص الرحيق من الزهر . يحط علي الزهرة ، يتماس الكيانان فحسب دون اتصال ، ولا تصدر عن الجسد استجابة . لا ممصات ، ولا منفذ لاستجلاب أو سريان الرحيق .
لحظت الحيوانات ، حين طال الأمر وخرج عن نطاق اللعب والدلال ، وازدياد أمارات الاضطراب والخوف والاحتيار ، والخرس . كانت خرساء ، انكشف أنها خرساء . أخذت تنظر للجموع في التياع ، وتصرخ العجز ، وصراخها صمت والتواءات وإبهام . ظلت تدور وتخبط في الهواء ، حتي غلبها الهمود ، فانهمدت .
سقطت أمام العيون المتطلعة تحتضر ، العيون الهازئة منها والشامتة بلا سبب والذاهلة عطفا .
يصارع الجسد الجاهل ، بالحركة ، ما لا يدريه . تري عيونه ما لا سبيل للإفصاح عنه . لم يكن له من العذاب من شافع ، حتي أدركته رحمة الخمود ، وتمت له نعمة الانتهاء ، فسكن الجسد سكنته الأخيرة .
ارتفعت رؤوس دون اتفاق تطلعت بأبصارها نحو شمس السماء . رؤوس ورؤوس وعيون تتالي . وريح مطلوقة زاحفة مدومة أقبلت . قال البعض بعدها أنها الريح كانت متحفزة ، في غاية التحفز ، أو كانت كالمتحفز الذي استجمع قواه واندفع ، أو كانت كذيل الهواء حين يهب فيلفح الواقف إثر مرور مار به عنيف سريع . كانت كذيل عات لمرور جسم عتل جسيم ، لكنه غير منظور .
اندفعت الريح فهاج السكون وعم الاضطراب وعج الغبار فلا تري فوق الرؤوس سماء وأغشيت الأبصار. وفي عسف الريح والعجاج غاب الجسد الوليد ، رضيع الحياة والموت ، ولم يبق له من أثر سوي الذكري في عيون وأفئدة . لم يدم سوي الحكاية وإرث الحكاية ..
.. وظل يدمدم ويعيد : لم يدم سوي الحكاية وإرث الحكاية ، لم يدم سوي... ، ويغرق في مويجات من الصمت والإسبال بعد الترديد ، ويفيق فيعيد الحكي والإخبار من جديد كأنه يرويها للمرة الأولي ، ولا أدري كم مرة بلغتها الحكاية حد الآن ، ولا متي يسكت ..
إن لم يكن هو فاسكت أنت .
شعر السقساق ، القابع فوق ظهر التمساح ، أنه تحدث طويلا وبانبهار فسكت ، بينما يهزهز ذيله بحماس زائد واضطراب ؛ إذ لم يزل بداخله كلام يود لو يقفز من داخله قفزا ، ولسانه يتقلقل في جوف منقاره الرطب بنفس حماس الذيل .
أغلق التمساح فكيه بعد أن هدأت حرارة جوفه واعتدلت . اختلج الغشاء فوق عينيه كما لو كانت تطرفان . رأي الشمس وقد مالت قليلا في السماء . طفق يفكر في قيظ الشمس ، والجوع .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.