في حوارية أدبية رائعة بين الكاتب الإيطالي المعروف ألبرتو مورافيا والمخرج الشهير روبرتو روسيلليني اعترض صاحب "روما مدينة مفتوحة" علي طبيعة اللغة التي تتحدث بها بعض شخصيات العمل الفني قائلا لمورافيا: "لايجب أن نضع الحكمة علي فم زبال"، وقد تذكرت هذه الحوارية عندما شاهدت الحلقة الأولي لمسلسل "فرقة ناجي عطا الله، الذي يقوم ببطولته النجم الكوميدي عادل إمام عن نص للكاتب يوسف معاطي، كتبه كسيناريو فيلم، ثم نشره كراوية، وأخيرا ظهر كمسلسل تليفزيوني، ولايعنيني هنا مناقشة العلاقة بين المقولة والقالب الفني للنص، لأن مناقشة كهذه تبدو عبثية في إطار التاريخ "الإبداعي" للمؤلف والممثل معا، لكنني سأكتفي بمناقشة موضوع المسلسل الذي يقتحم قضية العلاقات المصرية الإسرائيلية بين التطبيع والصراع، وهي قضية بالغة الحساسية والخطورة تستلزم معالجة واعية، بعيدة عن أسلوب (كوميديا الفارص)، لكن المسلسل منذ الحلقة الأولي تعمد التنميط والتسطيح، حيث نري دبلوماسيا مصريا يحمل اسم جمال عبد الناصر (يقوم بدوره ياسر علي ماهر) يصل إلي "تل ابيب" للعمل كملحق ثقافي، ومع أول مشهد يعبر عن تأففه وضيقه من المهمة، كما يبدو من الحوار بينه وبين السفير المصري في إسرائيل (سيف عبد الرحمن)، بل أنه يبدو طوال الوقت متجهما ومخضوضا، وخارج الزمن. وفور وصوله السفارة يسأله السفير: مالك، شكلك مجهد؟ الدبلوماسي: لا يافندم، زي ماسعادتك عارف.. دي أول مرة آجي فيها هنا.. يعني المسألة مش سهلة برضه، الخضة الأولانية سعادتك! السفير: ده كان نفس شعوري، أول يوم استلمت عملي هنا في السفارة ، انما في الآخر، احنا بنؤدي رسالتنا لبلدنا.. تمثيل مصر في أي مكان في العالم.. شرف وواجب وطني كبير، حتي لو كان في تل أبيب، وبمرور الوقت هتاخد علي الجو هنا. ويقوم السفير باستدعاء الملحق الإداري ناجي عطا الله (عادل إمام)، ليرتب إقامة الدبلوماسي الجديد، وفي السيارة، يتحدث معه عطا الله، ولما يجده مهموما يسأله: انت سرحان في إيه؟.. فكها يا جمال بيه، انت لسه قاعد 4 سنين .. هتنكد علي نفسك من دلوقتي؟.. دا احنا ننكد علي أبوهم.. فكها.. فكها.. ويأخذه إلي السمسار روني، وهناك يبدا حديثه بنكتة عن البخل اليهودي، ثم يطلب من صديقه السمسار شقة فاخرة بسعر بسيط، ويدور حوار ساذج ينتهي بأن يسأل روني: اسم جمال بيه بالكامل إيه؟ عطا الله: جمال عبد الناصر. يرتبك روني، فيهمس عطا الله لجمال: بيتلبشوا لما يسمعوا اسمه. هذا التقديم يوحي باقتحام المسلسل لمنطقة مقارنة بين مدرستين في السياسة المصرية، مدرسة جمال عبد الناصر الدبلوماسي المثقف ابن بور فؤاد وضحية التهجير من منطقة القناة طوال فترة الحروب من 56 وحتي منتصف السبعينات، ومدرسة ناجي عطا الله الذي جاء من نفس الخلفية، لكنه يبدو مثل "شيخ حارة في تل أبيب" حسب تعبير الدبلوماسي الجديد ، وذلك بعدما شاهده يصافح الكل ويداعب الكل، في السوق، وفي مطعم مزراحي وهو يهودي مصري من الاسكندرية يتحدث بمعلومات عبيطة وحنين زائف عن مصر، من نوع: "عشت في اسكندرية أكتر من 50 سنة، كنت بحب السيما.. استيفان روستي، والريحاني، واسماعيل يس، تعرف يامستر ناجي.. كان فيه ممثل يهودي كوميدي بيمثل كتير مع توجو مزراحي اسمه شالومو فيرد ناجي: آه عارفه.. كان دمه تقيل ويسأله مزراحي بغباء يحطم زمن أحداث المسلسل: هوه اسماعيل يس مش يعملتوا أفلام جديدة ليه؟ فيجيبه عطا الله باستظراف: هو شغال مسلسلات دلوقتي!! ويغنيان معا مونولوج "عايز أروح.. ماتروحشي" ويبتعد جمال ملولا ويجلس في أحد أركان المقهي تحت صور الفنانين المصريين، ويتذكر مشاهد العدوان الاسرائيلي علي السويس. وعندما يأتي إليه عطا الله بعد حواره مع صديقه مزراحي يقول له: انا حاسس اني في كابوس بشع.. للدرجة دي نسينا، الخسة والوحشية بتاعتهم، نسينا أولادنا أهالينا اللي راحوا، واللي لسه بيروحو في غزة وفلسطين، نسينا الأطفال اللي ماتوا قدام عيننا في بحر البقر، بسهولة تضحك مع ده وتهزر مع ده، دانت شيخ حارة في تل أبيب ياراجل. ويرد عطا الله: ساعات الظروف بتخلي الواحد يعمل حاجات مش عايزها، بس صدقني، لما تعرف عدوك أحسن ماتقعد تكلم نفسك، وده اللي هما بيعملوه، واللي انا بعمله. ويشير عطا الله إلي فتاة، ويخبره انها تترجم أعمال طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويوسف ادريس،، الناس دول طول عمرهم بيحاولوا يعرفوا احنا بنفكر ازاي، واحنا عمرنا ما فكرنا نعرف بيفكروا ازاي. ينصرف جمال بلا غذاء، ويتحاور مع السائق: انت بتشتغل هنا من امتي؟ - من 7 سنين؟ - ومبسوط؟ - هوه فيه حد ينبسط هنا برضه يابيه، هوه احنا ايه اللي رمانا الرمية السودا دي غير اكل العيش - لك اصحاب هنا - من اسرائيل يعني، اعوذ بالله ربنا يحرقهم، طب لما حماس بتعمل عملية ولما حزب الله يفرقع له صاروخ، بيبقي قلبي بيتنطط م الفرحة، أصل شوف ياسعادة البيه الحكومات تعمل الي هي عايزاه، لكن احنا ناس ع الفطرة ماناكلش من الكلام ده واصل - ايه رأيك في ناجي بيه - بصراحة ما بحبوش، وكمان محدش في السفارة بيحبه إلا سعادة السفير طبعا يستمر ناجي في المقهي ويلتقي بصديق آخر هو رافي الذي ينصحه ضابط الشاباك بعدم الجلوس مع ناجي لأنه مصري ومسلم!!!! لكن رافي يتمسك بصداقته مع عطا الله ويقول للضابط: أنا ماليش علاقة بديانته ولاجنسيته هكذا يرسم المسلسل في حلقاته الأولي ملامح الشخصيات بنمطية مزعجة تبدو في أوضح صورها، عندما يتم التحضير لاحتفال السفارة المصرية في تل أبيب بذكري ثورة يوليو، والضجة التي أثيرت حول هذا الموضوع، فالاسرائيليون غاضبون لأنها "ثورة عبد الناصر الذي كان يريد أن يلقي إسرائيل في البحر"، وعبد الناصر "الرمزي" يحاول أن يثني السفير عن دعوة الإسرائيلين لحفلة يوليو، باعتبار أن "