الكتاب: »ثمار الثلج« و»دم الفراولة« المؤلف: علياء البنهاوى تأرجحت الكتابة النسائية في مصر بين صعود وهبوط: تارة نسمع أصوات النساء مجللة في السماء وتارة تختفي ولا تعرف أين هن؟ تبعاً للمزاج السياسي والديني والاجتماعي ولكن تظل المرأة تحارب من أجل التواجد والتحقق. فمن عائشة التيمورية، وملك حفني ناصف، ود. سهير القلماوي ود.بنت الشاطئ، ثم لطيفة الزيات، ورضوي عاشور، وميرال الطحاوي وسلوي بكر، ونورا أمين وسحر الموجي وشيرين أبو النجا وهويدا صالح وعفاف السيد و منصورة عز الدين ونجلاء علام وابتهال سالم وهالة فهمي وصفاء عبد المنعم و مني برنس ونجوي شعبان ونوال مصطفي ، وغيرهن أصبحت الكتابة هي الهم الرئيسي للمرأة العربية وخاصة في كتابات هدي بركات . وتجيء كتابة علياء البنهاوي محاولة المشاركة في مشوار الكتابة فقد أصدرت علياء البنهاوي مجموعتين قصصيتين هما: »ثمار الثلج» و »دم الفراولة«. تحاول الكاتبة علياء البنهاوي في ثمار الثلج تقديم عالم الطفولة مجربة أنماط السرد المتاح لها مستغلة أصواتاً سردية تتعمق في وعي الذات الكاتبة والذات الأنثوية والعالم المحيط بها. وبذلك تحقق لنا رؤية شاملة عن العالم الخارجي وعن العالم الداخلي الخفي للأنثي وخاصة في عالم يعتبر المرأة سراً وعالما خفيا لا تتقرب منه إلا بإذن و تصريح . في عام 2009 أصدرت علياء مجموعة »ثمار الثلج« طبعة خاصة وقد أهدت المجموعة »إلي الروح المحتضرة في مسحية الجسد»، وهذا الإهداء هو المفتاح الرئيسي لعالم الحكي القصصي والسردي لدي علياء فالروح هنا مسجونة في الجسد »الجسد الأنثوي، الجسد الذكوري) فهي محاطة بأغلال وهذا الجسد يجب أن يكبت وأن يحاط بكثير من الحواجز والموانع لكي يمنع تحرره وتحركه وهكذا. وهذا يذكرنا بالدراسة الشهيرة لميشيل فوكو »الجسد والسجن« وأيضاً دراسته عن تاريخ الجنون. فهو يري أن المجتمع يقهر المرأة في جسدها خوفاً من الفضيحة والعار والقهر يؤدي بالمرأة إلي الجنون فأصبحت الكتابة هي الحرية والخروج والانشقاق عن مفهوم الجسد والعبودية. في مجموعة »ثمار الثلج« ، وفي العنوان الذي يرتكز علي التناقض نري عالم الطفولة والبراءة والبحث عن المعني للحياة والعلاقات الأسرية وترصدها علياء بإحكام سردي وتستمد قوتها من معرفتها بعلم النفس وخاصة لقراءتها لنظريات سيجموند فرويد علي ما أعلم حيث درست التربية والأدب الانجليزي في جامعة الاسكندرية. وتجرب الأنماط السردية لتعكس ما بداخل النفس البشرية وخاصة عند المرأة. والصراع ما بين الهو والأنا والأنا العليا الذي يؤدي أحياناً للعصاب والهستيريا عند المرأة. ففي قصة »ربيع آخر» تتماشي الطالبة الراوية مع أستاذها وتعترف في صمت بحبها له ولكن لا تجد منه غير الصدود. في قصص أخري مثل »عتمة» و»أكلة سمك» نري العلاقة المضطربة بين الرجل والمرأة فلا يوجد تواصل وهناك دائماً سوء تفاهم يصل إلي حد القطيعة في النهاية. الذات الأنثوية في هذه القصص والتي تطرحها علياء البنهاوي في سردها غير قادرة علي الإندماج مع الآخر الرجل العالم. وقصصها مليئة بالتساؤلات والإحباطات نظراً لتعقد العالم وعدم وضوحه وأحياناً عدم قبوله للمرأة الحقيقية التي تعرف ماذا تريد ولكنه عالم يريد المرأة اللغز الغامضة التي تقبع خلف المشربيات والخيام. تستخدم الكاتبة في قصصها السرد الداخلي من منولوجات واعترافات لتكشف اللثام عن ذات المرأة وكيفية علاقتها بالعالم من حولها. هل هو عالم تخيلي مفرط في التأمل أم هو عالم حقيقي متحرك؟ السرد هنا في المجموعتين يوظف وفقاً لطبيعة الموقف الإنساني وطبيعة التجربة. فتارة يكون داخليا يعكس بواطن النفس وتارة أخري يكون واقعياً محايداً يقول فقط ما هو مطروح. السارد والمسرود إليه في علاقة دائمة متحركة ليعكس دراما الموقف وتعقده ثم تكتب علياء وتنشر مجموعتها الثانية دم الفراولة التي تظهر نضوجاً واضحاً ورؤية عميقة لمعرفتها بالعالم وأدوات السرد.. وتحتوي دم الفراولة علي مجموعة من القصص منها »فريسكا، زهرة الصبار، آخر ماء شتوي، مياه راكدة، فردة حذاء حمراء، لدغة عجوز» وغيرها. في قصة »الكنبة العارية« (ص 44 )في مجموعة دم الفراولة نري الراوية تحكي قصة ذهابها إلي عزاء شقيق إحدي صديقاتها وهنا نري تمكن الكاتبة من رسم صورة العزاء وخاصة في الريف المصري حيث الحزن المطبق علي الصدور والقتامة والشجن. ونري أيضاً صورة المعزين وهم وهن في حزن شديد. تستغل علياء البنهاوي دراستها لكتابة السيناريو في إعطاء صورة حية وحقيقية للموقف ولكن المثير للإعجاب هي كيف تنهي القصة بحيث تختلط صورة الميت وطريقة دفنه بحالة الراوية وتتخيل نفسها في هذين الموقفين، الغُسل ثم الموت. في قصة إيستريا (ص49) تتجلي مهارة علياء البنهاوي في الحكي فمن تصف علاقة حب غير مكتملة بين رجل وامرأة يسيران علي البحر وينزلقان تجاه قلعة قايتباي وهنا تحدث المواجهة هو متزوج وهي لا تزال وحيدة. تتخذ القصة شكل الحوار والمراوغة ويبدأ الحديث عن البحر والفراغ والبرد والوحدة ثم الحيوان المتمثل في أنثي الكلبة والقطة التي تتجول بجوارهما. هي تفضل أن يشبهها بالقطة وهو يفضل أن يشبهها بأنها أنثي الكلب. الحوار والمنولوج الداخلي هو المسيطر علي الحكي في هذه القصة. التي تتضافر فيها كل آليات السرد المعروفة في الكتابة لتصنع مزيجاً من التناغم والتوافق بين عناصره لتكتمل به القصة القصيرة عند علياء البنهاوي. في قصص علياء نستطيع أن نري الذات الأنثوية ماثلة ومتحققة بدرجة عالية فهي تري الكون من بشر وبيئة بدرجة عالية وغاية في الدقة. وتلمس حساسيتها علي التقاط عناصر الدراما الحياتية بكل تفوق فهي توظف حواسها في رسم صورة كلية للحدث معتمدة علي لغة حية وحقيقية لكي تمثل الموقف المعاش أو المتخيل أحياناً. وخاصة في مجموعتها الأخيرة »دم الفراولة« التي من عنوانها ترمز إلي لون يعرف بأنه يرتبط دائماً بالدم وبسؤال الإنسان وخاصة المرأة المرتبط بدورتها الشهرية وعذريتها وخاصة مجتمعاتنا الشرقية. فأخذته الكاتبة رمزاً لتحكي عن أسرار المرأة التي تعيش بيننا وتفتح عالم الأسرار المخفي عن أنظارنا. في قصة »فردة حذاء حمراء« ص (20)يصل تعقد السرد إلي ذروته ففي هذه القصة التي تحكي قصة محام شاب وعائلته وخاصة والدته التي ابتاع أبوه لها فردة حذاء لأنه لم يستطع لفقره شراء الفردة الأخري (واقع سحري وفنتازي) وكيف أن الأم ظلت تحتفظ بهذه الفردة كنوع من العزاء والارتباط بحب زوجها والماضي الجميل و في هذه القصة تلعب الكاتبة حول تيمة »الظل» أو الذات الأخري Alter- ego أو ال Shadow الظل فكلٌ منا يحاول أن يجد له ظلا أو قرينا، أحياناً يجده وأحيانا يفشل فالابن يحاول أن يجد له ظلا بالكتابة، وزوجة الابن تجد ظلها في الأبناء؛ والأم تحاول أن تجد ظلا لها، وجود الأبناء ظل ولكنها تظل تتمسك في ظل ذكري فردة الحذاء التي تذكرها بالحب بالماضي وبجمالها الذي اندثر. تستخدم الكاتبة في قصصها السرد الداخلي من منولوجات واعترافات لتكشف اللثام عن ذات المرأة وكيفية علاقتها بالعالم من حولها. هل هو عالم تخيلي مفرط في التأمل أم هو عالم حقيقي متحرك؟ السرد هنا في المجموعتين يوظف وفقاً لطبيعة الموقف الإنساني وطبيعة التجربة. فتارة يكون داخليا يعكس بواطن النفس وتارة أخري يكون واقعياً محايداً يقول فقط ما هو مطروح. السارد والمسرود إليه في علاقة دائمة متحركة ليعكس دراما الموقف وتعقده. الجسد الأنثوي في هذه القصة له حضور قوي فهي لا تتعامل مع جسد المرأة علي أنه عورة يجب إخفاؤها، ولكن علي أنه حقيقة له حيز إنساني وروحي يتحقق بأفعال المرأة، فهي لا تتاجر به علي وريقات كتابها ولا تنتهكه، ولكنها تقدسه وتقدمه للعالم كما يجب أن يكون ولكن التفاصيل الأنثوية ضرورية لفرض عالم حقيقي لشخوصها. ففي قصة »فريسكا» تتحدث الكاتبة عن قصة غواية وعلاقة جسدية لم تكتمل بين رجل وامرأة عابرة طريق ورغم أنها تذهب معه أو ربما تتخيل لا تتم العلاقة بشكل كامل. كان من الممكن أن تشكل الكاتبة حدثاً سردياً يتحدث عن العلاقة بشكل تفصيلي ولكنها مالت إلي الإيماء والإيجاز السردي الذي نتج عنه قصة شديدة الإحكام البنائي مستخدمة فيها السرد المتقطع والتشظي والاسترجاع والمونولوج الداخلي.