الكشف الطبي على الطلاب الجدد بجامعة جنوب الوادي الأهلية بقنا    حقوق الإنسان التى تستهدفها مصر    وفد من الاتحاد الأوروبي يزور الأديرة والمعالم السياحية في وادي النطرون - صور    وزير الدفاع يشهد مشروع مراكز القيادة للقوات الجوية والدفاع الجوى    5 توصيات لندوة مجلة الأزهر الشهرية حول المرأة    محافظ أسوان يلتقي بأحد الأفواج السياحية ويهدي لهم هدايا تذكارية    رئيسة وزراء إيطاليا تؤكد للرئيس الأوكراني دعم بلادها المستمر لكييف    أبو الغيط: مجلس الأمن بأدائه الحالي لا يُلبي طموحاتِنا المشتركة    تحديد موعد أول كلاسيكو فى الموسم بين ريال مدريد ضد برشلونة    فليك: نثق في إيناكي بينا.. ولكن    الأهلي يستأنف تدريباته استعدادًا لمباراة السوبر الإفريقي    بالأسماء.. مصرع وإصابة 10 في انقلاب ميكروباص بصحراوي قنا    بحضور محافظة الدقهلية، نموذج محاكاة لخطة مواجهة سقوط الأمطار (صور)    مهرجان أيام القاهرة يكشف عن عروضه المسرحية ويقدم منصة «مونودراما الصعيد»    مدير عام التأمين الصحي بالشرقية يعقد اجتماعا مع الممرضات ومدخلي البيانات بالفرع    الكشف والعلاج المجانى ل378 حالة ضمن قافلة "بداية" بجراجوس فى قنا    عوض تاج الدين: 5 وفيات في أسوان بسبب أمراض مزمنة لا يمكن ربطها بالمياه    خالد الجندي يوجه رسالة للمتشككين: "لا تَقْفُ ما ليس لكم به علم"    أمين عام هيئة كبار العلماء: تناول اللحوم المستنبتة من الحيوان لا يجوز إلا بهذه الشروط    مصر توقع اتفاقية تشغيل المرحلة الثانية من مشروع دعم صغار المزارعين    فيديو| ماكليمور مع معتز عزايزة من حفل سياتل دعمًا للقضية الفلسطينية    التحضيرات الأولى للعرض الخاص لفيلم "عنب"    روسيا: العالم الحديث يواجه تحديات غير مسبوقة ووحدة الدول ضد النازية دفعت لإنشاء الأمم المتحدة    فنانو مصر يدعمون لبنان    صندوق أسرار مريم الجندي.. والدها من أشهر الفنانين وأخوها مخرج معروف    محافظ الدقهلية يشهد نموذج محاكاة للتأكد من استعداد الوحدات المحلية لمواجهة سقوط السيول والأمطار    متحدث الإسكان: قرار إلغاء 70% من غرامات تأخير الشقق والمحال لدعم المواطن    البنك المركزي المصري يقبل ودائع بقيمة 848.4 مليار جنيه    وزارة الرياضة تنفذ سلسلة من الأنشطة المتنوعة للنشء بمراكز الشباب    تأكيد مشاركة 45 وزيرًا و70 رئيس مدينة حتي الآن.. تفاعل دولي ومحلي واسع لاستضافة مصر المنتدى الحضري العالمي 4 فبراير المقبل لتدشين حقبة جديدة للتنمية العمرانية    «100 يوم صحة» قدمت 85 مليون و960 ألف خدمة مجانية خلال 54 يوما    محافظ الوادى الجديد يطمئن على انتظام العملية التعليمية بعدد من مدارس الخارجة    وزير العمل: مصر تدعم كل عمل عربي مشترك يؤدي إلى التنمية وتوفير فرص العمل للشباب    اتحاد الكرة يعلن عن تشكيل الجهاز الفني لمنتخب الشباب بقيادة روجيرو ميكالي    رئيس جامعة القاهرة: لدينا علاقات قوية مع الجامعات الصينية ونبحث تبادل الزيارات والبرامج المزدوجة    بمجموعة من الإعفاءات.. «الضرائب»: النظام المتكامل للممولين يتميز بالتعامل مع كافة الأوعية    وزيرة التضامن تتوجه إلى جنيف للمشاركة في فعاليات الدورة ال 57 لمجلس حقوق الإنسان    بلال ل أحد منتقديه: نصحناك من 20 سنة..«تمارس مهنة مش مهنتك»    زيلينسكي يسعى لحشد الدعم للبنية التحتية للطاقة في أوكرانيا    إجراء جديد في الأهلي لتحفيز اللاعبين قبل السوبر الأفريقي    الشلماني يثير حفيظة القطبين قبل موقعة السوبر    اختلال عجلة القيادة.. تفاصيل إصابة 4 أشخاص إثر تصادم سيارتين بمنشأة القناطر    الجيزة تزيل 13 كشك و"فاترينة" مقامة بالمخالفة بالطريق العام في المنيب    جامعة الأزهر: إدراج 43 عالمًا بقائمة ستانفورد تكريم لمسيرة البحث العلمي لعلمائنا    طقس الفيوم.. انخفاض درجة الحرارة والعظمى تسجل 33°    وزيرة البيئة تتوجه إلى نيويورك للمشاركة في أسبوع المناخ    صوت الإشارة.. قصة ملهمة وبطل حقيقي |فيديو    إيرادات مفاجئة لفيلم عاشق في دور العرض المصرية.. تفاصيل وأرقام    العراق يمنح سمات الدخول إلى اللبنانيين الواصلين إلى المنافذ الحدودية    الإسماعيلي ينتظر رد «فيفا» اليوم لحسم ملف خليفة إيهاب جلال (خاص)    باستخدام كبرى العلامات التجارية.. التحقيق في واقعة ضبط مصنع أسمدة منتهية الصلاحية بالغربية    ضغوطات وتحديات في العمل.. توقعات برج الحمل في الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر 2024    النزلات المعوية.. مستشار الرئيس: نستنفر لخدمة المرضى دون تأخير.. ده واجب قومي علينا    الصحة تعلن حصول 3 مستشفيات على شهادة اعتماد الجودة من GAHAR    الإفتاء: الإسلام حرم نشر الشائعات وترويجها وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الأليم    أبو الغيط يوقع مذكرة تفاهم الجامعة العربية ومنظمة التعاون الرقمى بنيويورك    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 24-9-2024 في محافظة قنا    أضف إلى معلوماتك الدينية| دار الإفتاء توضح كيفية إحسان الصلاة على النبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النقاد والكاتب الشاب
نشر في أخبار الأدب يوم 29 - 07 - 2012


في مطلع الستينيات كان يوسف ادريس ملكا يجلس وحده تقريبا علي عرش القصة القصيرة ، وكانت الحركة النقدية مسخرة لقراءة أعماله القصصية والروائية والمسرحية، هذا فضلا عن ماكان يثيره من قضايا وأفكار علي صفحات جريدة الجمهورية ، أو ماكان ينشره في مجلة الكاتب الوليدة ، وتتمتع بمصداقية عالية بين جماهير القراء والكتاب والمبدعين علي السواء ، وإذا كان يوسف ادريس يذهب إلي معظم الأجناس الأدبية زائرا ومجربا ،باستثناء فن القصة القصيرة الذي كان ادريس قد احتكر التميز فيه ، وساعده الانتشار الواسع الذي كانت توفره الدولة له ، حيث أنه قد حقق علاقة وطيدة مع كافة أطرافه ،وكانت هذه الدولة الفتية تستقطب الكتاب والشعراء والصحفيين والفنانين الموهوبين ،هكذا كان الشاعر صلاح جاهين والفنان عبدالحليم حافظ ومحمدعودة ويوسف ادريس ، لذلك كان الاقتراب من عرين أي من هؤلاء ينذر بخطر الاندثار والتلاشي ، وكان اختراق هذه الحواجز نزعا من المغامرة ، وفي مجال القصة القصيرة بالذات كان يوسف ادريس يشعر بالثقة التي لا تجعل أحدهم يختال ويزهو بصفته كاتبا للقصة القصيرة ، وسبحان من له الدوام ، إذ بدأ بعض الكتاب الشباب يبرزون مواهبه علي استحياء في صحيفة المساء أحيانا ، وفي مجلة الشهر أحيانا أخري ، حتي استوي عود هؤلاء الشباب ليعلنوا عن أنفسهم بشكل فيه قوة وشجاعة ، وأصدر ستة منهم مجموعة قصصية مشتركة تحت عنوان "عيش وملح " وكتب تقديما نقديا عاما العم والأب والراعي الكبير يحيي حقي ، وعندما يذكر اسم يحيي فلابد أن ينحني المرء ويستغرق في تقدير واحترام يليق بقامة هذا الرجل ،، وكان ذلك عام 1960 أو بعدها بقليل ، وكان الكتاب هم سيد خميس ومحمد جاد ومحمد حافظ رجب وعباس محمد عباس والدسوقي فهمي وعز الدين نجيب ، ، وفي مقدمته دشن العم يحيي لولده جيل جديد ذي ملامح خاصة به ، وتختلف عن ماسبقها من ملامح ، إذ كتب يقول :ستري من الكلمات التي تقدم لهم فردا فردا أن بينهم شبها كبيرا وإن اختلفت مسالكهم ، فالسن متقاربة، والبيئة تكاد تكون واحدة ، ونوع الثقافة ومستواها عند الجميع سواء ،لذلك لا عجب أن شرب أسلوبهم من معين واحد ، وإن حاول كل منهم أن يستقل بحوض) وهكذا يسترسل العم يحيي حقي ليرسم ، وهو في الحقيقة يخطط لدفع جيل جديد وغض إلي الأمام وسط العاصفة الإدريسية التي مازالت تثير قدرا كبيرا جدا من الحوارات والكتابات النقدية الصاخبة في ظل موهبته الجبارة ، وهكذا بدأيتسلل كتاب القصة القصيرة واحدا واحدا من خلال منابر ليست ذائعة الصيت ، إذ أن هذه المنابر الكبيرة كانت مقصورة علي جيل الآباء بقيادة الناقد لويس عوض ومن لف لفه ، ولم يحظ هذا الجيل الجديد باعتراف الآباء إلا بعد أن ثبتت أقدامه ، وعلي رأس المعترفين كان يوسف ادريس ذاته الذي راح يقدمهم واحدا تلو الآخر علي صفحات مجلة الكاتب، وكان الكاتب الشاب محمد البساطي القادم من ريف الدقهلية يكتب في صمت ، حتي تقدم إلي مسابقة نادي القصة عام 1962 بقصة قصيرة هي قصة "الهروب" ونالت القصة المركز الأول ، وفي المسابقة نفسها كان معه الكاتب الشاب أسامة أنور عكاشة الذي فاز بالمركز الرابع عن قصته "اللغز" وفاز يوسف فرنسيس بالمركز العاشر في ذات المسابقة عن قصته "غبار من الماضي "، وبعد عامين من الفوز نشر البساطي القصة الفائزة في مجلة القصة التي كان يرأس تحريرها الكاتب محمود تيمور وبالتحديد في العدد الثاني من السنة الأولي لصدور المجلة في فبراير عام 1964 ، ومن هنا كانت ولادة الكاتب الشاب الموهوب محمد البساطي ، وراحت مجلة القصة تنشر له قصصه ،ففي يونيو عام 1965 أعدت المجلة عددا متميزا وكتبت علي غلاف العدد "عدد خاص عن الطلائع " كتب فيه ضياء الشرقاوي وجمال الغيطاني ومحمد حافظ رجب ومحمد حسن عبدالله , واستكتبت المجلة بعض نقاد ليعلقوا علي القصص المنشورة ، ولم تكن هذه التعليقات مجرد سطور يرضي بها الكاتب أو القراء ، ولكنها كانت التعليقات تصل إلي حجم وقيمة مقال ، وكانت قصة الكاتب الشاب محمد البساطي عنوانها "لقاء" وهو لم ينشرها في أي من مجموعاته التالية ،رغم أن له قصة بالعنوان ذاته منشورة في إحدي مجموعاته ، وأظن أن السبب الذي منع البساطي من نشرها كان سياسيا ، لأن القصة كانت تتحدث عن الضياع الذي كان يعيشه الشباب في ذلك الوقت ،من خلال لقاء تم بين شاب وفتاة في مقهي ، وكان هذا الشاب يعرف الفتاة منذ زمن ، ولكنه فارقها منذ ثلاث سنوات ، ساخطا من التشتت والتشرذم والتقزم الذي تفرضه المدينة ،وفي سياق القصة عرج الراوي من خلال حوار شخصين عابرين إلي حرب اليمن ،وكان ينظر إلي أن هذه الحرب لا تصنع أبطالا، فالحرب حرب ، كان كل هذا يتسلل في القصة بنعومة شديدة ودون إطناب أو تفصيل ، وكان الناقد الذي كتب التعلقالمقال هو الدكتور والناقد الكبير محمد غنيمي هلال ،وقدكتب يقول :(وقد عرف القاص الشاب محمد البساطي في "لقاء" كيف يتعمق رؤية عابرة ، باختياره نوعها ودلالاتها من بين رؤي الحياة الأليفة الدقيقة الدلالة معا ،) ويضيف (أن السيد القاص البساطي ذو طاقة شعرية أقوي منها قصصية ) ويسترسل هلال في سرد القصة بطريقة نقدية مبهرة حتي يقول في النهاية عن شعرية القصة (يجاري النسيج اللغوي تلك السمات الشعرية ، فالجمل لماحة خاطفة الدلالة ، والصور حركية متتابعة يواكب بعضها بعضا ،) هذا بعض مما أورده الدكتور غنيمي هلال في أول مقال يكتب عن محمد البساطي ، ويمر الوقت حتي يصدر البساطي مجموعته الأولي (الكبار والصغار)عام 1967 ، ويكتب لها المقدمة الناقد المرموق علي شلش ، وللأسف هذه المقدمة حذفت من الطبعات التالية ، رغم أهمية هذه الدراسة ، لولا إفراط علي شلش في الحديث عن العلاقة الجدلية بين ثورة يوليو ومافجرته من إبداعات متنوعة ، وكان أحري بالناقد علي شلش أن يبتعد عن هذه النقطة ، لأنه كان خارجا توا من السجن علي ذمة قضية عبثية لا مجال لسرد تفاصلها هنا ، لكن التحليل والقراءة العميقتين التي تمتعت بهما الدراسة ، كتبت للبساطي ذيوعا ، وضمنت له قراء واسعة بين الجمهور ، ويرصد علي شلش في هذه الدراسة عدة سمات أسلوبية منها سمة "الشعرية"التي تحدث عنها غنيمي هلال في مقاله السالف الذكر ، ثم رصد شلش رشاقة الجملة عند البساطي وخفتها وقصرها وماتحمله من ملامح حادة ومعبرة ، وتحدث أيضا عن الصورة المتحركة والمشهدية في مجموعته هذه ، وفي نهاية المقدمة يقول شلش : 0والحق أن هذا الكاتب في مجموعته هذه علي الأقل يعد بالكثير فهو كاتب معطاء سخي يملك أسرار فنه ويجيد التعبير عن تجاربه الفنية في عمق وصدق وشاعرية ، ولا يزال في مجموعته هذه الكثير مما أتركه لغيري ، ويكفيني أنني سعدت بتقديمه كاتبا ويستحق كل احتفال وتقدير وهكذا تترسخ أقدام البساطي ويصدر مجموعته الثانية "حديث من الطابق الثاني"ويكتب عنها في سياقات الكتابة عن الجيل الجديد صبري حافظ وخليل كلفت وغالب هلسا وابراهيم فتحي وعبدالرحمن أبوعوف وغيرهم ،،وإن كانت كتابة بعض هؤلاء وغيرهم قد جاء بتحفظات سلبية ، لكن هذه الكتابات التي صاحبت رحلة البساطي علي مدي خمسين عاما (2012 - 1962) علي اختلافات تقديرها ، تعني أن هذا الكاتب كانت وستظل إبداعاته مثيرة للجدل الإيجابي طوال الوقت ، لتوهجها وتقديمه لعالم يكاد أن يكون بكرا تماما.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.