النيابة تأمر بإخلاء سبيل خديجة خالد ووالدتها بعد حبس صلاح التيجاني    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 21-9-2024    عمرو أديب: بعض مشايخ الصوفية غير أسوياء و ليس لهم علاقة بالدين    هل يؤثر خفض الفائدة الأمريكية على أسعار الذهب في مصر؟    فصل التيار الكهرباء عن ديرب نجم بالشرقية لأعمال الصيانة    بالأسماء، استشهاد 2 من قياديي حزب الله و11 عنصرا    رياضة ½ الليل| مواعيد الإنتركونتينتال.. فوز الزمالك.. تصنيف القطبين.. وإيهاب جلال الغائب الحاضر    درجات الحرارة في مدن وعواصم العالم اليوم.. والعظمى بالقاهرة 34    أرباح أكثر.. أدوات جديدة من يوتيوب لصناع المحتوى    مريم متسابقة ب«كاستنج»: زوجي دعمني للسفر إلى القاهرة لتحقيق حلمي في التمثيل    هاني فرحات: جمهور البحرين ذواق للطرب الأصيل.. وأنغام في قمة العطاء الفني    وزير الخارجية: الجهد المصري مع قطر والولايات المتحدة لن يتوقف ونعمل على حقن دماء الفلسطينيين    عاجل - رياح وسحب كثيفة تضرب عدة محافظات في العراق وسط تساؤلات حول تأجيل الدراسة    محامي يكشف مفاجآت في قضية اتهام صلاح التيجاني بالتحرش    موعد إجازة 6 أكتوبر 2024 للموظفين والمدارس (9 أيام عطلات رسمية الشهر المقبل)    موعد مباراة مانشستر يونايتد ضد كريستال بالاس في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لخوض كأس الأمم الإفريقية    نائب محافظ المركزي المصري يعقد لقاءات مع أكثر من 35 مؤسسة مالية عالمية لاستعراض نجاحات السياسة النقدية.. فيديو وصور    «حزب الله» يستهدف مرتفع أبو دجاج الإسرائيلي بقذائف المدفعية ويدمر دبابة ميركافا    د.مصطفى ثابت ينعي وزير الداخلية في وفاة والدته    النيابة تعاين الزاوية التيجانية بعد أقوال ضحايا صلاح التيجانى    قتل صديق عمره .. ذبحه ووضع الجثة داخل 3 أجولة وعاد يبحث مع أسرته عنه    فلسطين.. 44 شهيدا جراء قصف الاحتلال لعدة مناطق في قطاع غزة    توجيه هام من التعليم قبل ساعات من بدء الدراسة 2025 (أول يوم مدارس)    نائبة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثامنة من الملتقى الدولي لفنون ذوي القدرات الخاصة "أولادنا"    حفل للأطفال الأيتام بقرية طحانوب| الأمهات: أطفالنا ينتظرونه بفارغ الصبر.. ويؤكدون: بهجة لقلوب صغيرة    "ألا بذكر الله تطمئن القلوب".. أذكار تصفي الذهن وتحسن الحالة النفسية    «الإفتاء» توضح كيفية التخلص من الوسواس أثناء أداء الصلاة    وصلت بطعنات نافذة.. إنقاذ مريضة من الموت المحقق بمستشفى جامعة القناة    أمام أنظار عبد المنعم.. نيس يسحق سانت إيتيان بثمانية أهداف    البلوشي يعلق على احتفالية تتويج الأهلي أمام جور ماهيا    بدائل متاحة «على أد الإيد»| «ساندوتش المدرسة».. بسعر أقل وفائدة أكثر    «جنون الربح».. فضيحة كبرى تضرب مواقع التواصل الاجتماعي وتهدد الجميع (دراسة)    «البوابة نيوز» تكشف حقيقة اقتحام مسجل خطر مبنى حي الدقي والاعتداء على رئيسه    إسرائيل تغتال الأبرياء بسلاح التجويع.. مستقبل «مقبض» للقضية الفلسطينية    راجعين.. أول رد من شوبير على تعاقده مع قناة الأهلي    وزير الخارجية يؤكد حرص مصر على وحدة السودان وسلامته الإقليمية    ارتفاع سعر طن الحديد والأسمنت يتجاوز 3000 جنيه بسوق مواد البناء اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    ضائقة مادية.. توقعات برج الحمل اليوم 21 سبتمبر 2024    برج الدلو.. حظك اليوم السبت 21 سبتمبر 2024: اغتنم الفرصة    أول ظهور لأحمد سعد وعلياء بسيوني معًا من حفل زفاف نجل بسمة وهبة    شيرين عبدالوهاب ترد على تصريحات وائل جسار.. ماذا قالت؟ (فيديو)    عمرو أديب عن صلاح التيجاني: «مثقفين ورجال أعمال وفنانين مبيدخلوش الحمام غير لما يكلموا الشيخ» (فيديو)    «التحالف الوطني» يواصل دعم الطلاب والأسر الأكثر احتياجا مع بداية العام الدراسي    وزير خارجية لبنان: نشكر مصر رئيسا وشعبا على دعم موقف لبنان خلال الأزمة الحالية    أهالى أبو الريش فى أسوان ينظمون وقفة احتجاجية ويطالبون بوقف محطة مياه القرية    لأول مرة.. مستشفى قنا العام" يسجل "صفر" في قوائم انتظار القسطرة القلبية    عمرو أديب يطالب الحكومة بالكشف عن أسباب المرض الغامض في أسوان    جوميز: الأداء تحسن أمام الشرطة.. وأثق في لاعبي الزمالك قبل السوبر الأفريقي    الأهلي في السوبر الأفريقي.. 8 ألقاب وذكرى أليمة أمام الزمالك    أخبار × 24 ساعة.. انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    انقطاع الكهرباء عن مدينة جمصة 5 ساعات بسبب أعمال صيانه اليوم    تعليم الفيوم ينهي استعداداته لاستقبال رياض أطفال المحافظة.. صور    سعر الدولار أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم السبت 21 سبتمبر 2024    أكثر شيوعًا لدى كبار السن، أسباب وأعراض إعتام عدسة العين    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفي نصر: أعيش في الماضي
نشر في أخبار الأدب يوم 15 - 09 - 2018

من أعماق الأبيض المتوسط خرجت حورية ذات شعر أحمر، يقول البعض إنها »عروس البحر»‬، تختزن في داخلها بعض الحكايات التي قررت أن تبوح بها لأحد المبدعين، ووقع اختيارها علي الأديب السكندري ذي الأصول الصعيدية مصطفي نصر، فكتب تلك الحكايات في روايته الأخيرة »‬ما لم يقله البحر» الصادرة عن دار مدبولي للنشر والتوزيع، وتصدّرت حوريته الغلاف الذي صمّمه مينا مصري.
تتضمن الرواية عشرة فصول، كل فصل يحمل اسم شخصية رئيسية يتناولها الكاتب باستفاضة، لكنها تتشابك مع غيرها، فالشخصية التي قد تبدو هامشية في الفصل الأول مثلا؛ تؤدي دور البطولة في فصل آخر، والرابط الذي يصلهم جميعا في خط مشترك هو حي بحري، سبع من النساء وثلاثة من الرجال، وفيما بينهم العديد من الأسماء.
يستهل نصر الرواية بالشخصية المحبّبة إلي قلبه »‬فاطمة الشيخ»، الفتاة المثيرة ذات القوام الممشوق، التي تتابعها العيون منذ خروجها إلي الشارع وحتي عودتها للمنزل، وخاصة سالم الصعيدي صاحب الكازينو الذي تمر عليه يوميا في طريقها للقاء خطيبها »‬الكابتن عبد القادر» لاعب كرة القدم الذي تحبه ويعشقها، لكنه لا يملك ما يعينه علي الزواج منها، فتخطط للإيقاع برئيس دولة سابق يحل مريضًا علي المشفي الذي تعمل فيه كممرضة، ليساعدها علي تحسين أحوال عائلتها وخطيبها، ودون أن تشعر تتورّط معه في علاقة تجعلهم جميعا يتبرأون منها، فتكتفي بحياة الرفاهية إلي أن تفقد كل شيء بين ليلة وضحاها، بعد تعرُّضها لحادث يتسبب في تشوُّه وجهها وفقدانها لواحدة من عينيها.
تتباين الشخصيات الرئيسية بين الاستمرارية والذِكر المحدود، ففاطمة الشيخ تنتهي قصتها بانتهاء الفصل الأول، بينما نجد شخصية مثل »‬خيرية»، التي يحمل اسمها الفصل الثاني، ممتدة حتي نهاية الرواية، أو مع امتداد عشقها لعبد القادر الذي سرقت قلبه صديقتها، ولم تفقد الأمل يومًا في أن يصبح لها، حتي بعد زواجها من آخر، إلي أن تصبح عشيقته في النهاية، قبل أن يتخلي عنها فور حصوله علي مصدر آخر للرزق وفرصة للعمل بالخارج.
ورغم أن شخصية عبد القادر مستمرة في الأحداث وثرية، ولا يخلو فصل تقريبًا من ذكره، إلا أن مصطفي نصر لم يخصّص له فصلًا مستقلًا، واكتفي بجعله عاملًا مشتركًا بين ثلاث من بطلاته الرئيسيات، فالثالثة هي ليلي عزيز، صديقة خيرية وفاطمة الشيخ، التي تبدأ كموظفة في بيت الأزياء الراقية، ثم تصبح مع الأحداث مساعدة لرئيس شركة كبيرة، فتسعي لمساعدة عبد القادر وتعيينه، قبل أن يتم الاستغناء عنه مع الإدارة الجديدة، وعنها فيما بعد، فتتزوج ليلي من مهندس ناجح ويضطر عبد القادر أن يرضخ لخيرية وعشقها له.
ومن الشخصيات المستمرة والثرية أيضًا، صاحبة الفصل الثالث؛ سميرة زوجة المعلِّم متولي، التي تعمل بالعديد من المهن، ما بين التدريس و »‬تزويق» السيدات، وأخيرًا »‬خاطبة»، مما يمكّنها من دخول كل البيوت ومعرفة حكايات الجميع وأحوالهم.
في الوقت الذي تتشابك وتتداخل فيه الشخصيات السابقة، نشعر أن هناك شخصيات أخري وضعها نصر في فصول لأنه يريد أن يروي حكايتها، يتحدث عنهم دون أن يكون لهم تأثير قوي في الأحداث، هم فقط يملكون تأثيرًا في وجدانه وذاكرته، شخصيات ظلت تراوده إلي أن أفسح لها المجال للظهور، مثل الخواجة ينّي وأحمد سنغافورة والخواجة كوستا، وربما »‬البيضة» وأمّها.
كل تلك الشخصيات وحكاياتها أثارت تساؤلات لا يملك إجابتها سوي مصطفي نصر، فتوجهنا له لنهنِّئه بعيد ميلاده الحادي والسبعين، وكان لنا معه هذا الحوار؛ حول أحدث رواياته »‬ما لم يقله البحر» وأشياء أخري.
لنبدأ من روايتك السابقة »‬يهود الإسكندرية»، فقد شعرت أن »‬ما لم يقله البحر» جزءًا منها، حكايات لم تتسع لها الرواية الأولي فوضعتها في رواية جديدة منفصلة. هل يمكن القول أنها كانت في ذهنك وأنت تكتب في »‬يهود الإسكندرية»؟
بل فكّرت في كتابتها قبل أن أفكِّر في كتابة يهود الإسكندرية، وأجلّت ذلك كثيرًا، وهذه مشكلة أعاني منها دائمًا، حيث استمر في كتابة رواية، وفجأة، تطغي فكرة جديدة، فتجعلني أترك ما أكتبه، وأفكّر، بل أشرع في كتابة رواية أخري، لدرجة أنني تحدَّثت مع المرحوم سعيد بكر، وكنا نسير معًا في محطة مصر، قلت له: وأنا سائر معك الآن، في مخيلتي خمس أفكار لروايات، المشكلة في الشكل، ما هو الشكل الذي سأسرد به روايتي.
قسّمت روايتك إلي عشرة فصول يتضمن كل منها تعريف بشخصية محورية واحدة، وقد فعلت ذلك بشكل محدود في يهود الإسكندرية حيث كانت مقسَّمة لثلاثة فصول فقط رغم ازدحامها بالشخصيات عن تلك الرواية. هل تتبع خطي نجيب محفوظ في حديث الصباح والمساء؟
كتب الصديق سيد إمام في الفيسبوك منذ أيام قليلة ما معناه أن كل الروائيين بعد نجيب محفوظ قد تأثروا به، وتأثُّرنا بمحفوظ غير محدود، يدعِّي البعض أنهم قد تجاوزوه، وأنهم لا يدورون في فلكه، الغريب أن هؤلاء قد تأثروا به أكثر من غيرهم، فمهما حرصنا علي الابتعاد عن عالمه، سنجده في تجاربنا، إننا نتنفسه دون أن ندري، المشكلة ألا نكون نسخًا ممسوخة منه، أو نقصد تتبُّعه وتقليده، وقتها سيظهر مدي عجزنا وفشلنا.
هناك شخصيات محورية في الرواية لم تضعها في فصل منفصل مثل عبد القادر، في حين أنك وضعت اسم شخصية مثل أحمد سنغافورة علي فصل دون أن يكون له ارتباط وثيق بأحداث الرواية أو شخصياتها. ما قواعدك التي تحدد علي أثرها؟
وجّه الناقد الكبير د.محمد مندور نصيحة للمسرحي العظيم نعمان عاشور بعدم شرح أعماله، فالمؤلف قد يسيء تفسيرها، وعليه أن يترك هذا للنقاد. لكن ما يمكن أن أقوله؛ إن عبد القادر كان لابد ألا يكون له فصل خاص به، لأنه شخصية محورية تعلقت بشخصيات كثيرة في الرواية، فاطمة الشيخ وخيرية وغيرهما. أما أحمد سنغافورة صانع أحذية النساء البارع، فموجود مثله في معظم رواياتي، تلك الشخصية التي لها دور محدود في الرواية، لكنه شديد التأثير، ولا ينساه القارئ.
لماذا اخترت هذا الترتيب لشخصياتك؟ ولمَ البدء بفاطمة الشيخ لا خيرية أو سميرة مثلا؟
شخصية فاطمة الشيخ حقيقية، فتاة شديدة الجمال والأنوثة، كانت ممرضة بمستشفي المواساة، ثم قابلت رئيس دولة عربية سابقا، قاموا بانقلاب عليه وعزلوه، قابلته في المستشفي وتركت خطيبها من أجله، وأقامت علاقة معه، وفجَّروا سيارته، فاحترق وجهها، وتشوه. ظلت هذه الشخصية تطاردني لكي أكتبها لسنوات عديدة، حتي كتبتها.
معظم النساء في الرواية وفي رواياتك الأخري عاهرات وخائنات، لماذا تتغلب عندك تلك النظرة للمرأة؟
بعد سنوات عمري الطويل، اكتشفت أنني حرصت علي أشياء لا فائدة منها، وأن ما تعلمته لا يصلح للعصر الذي نعيشه، فقد تعلمت مثلا أن القصة القصيرة تنمو أفقيًا، بينما الرواية تنمو رأسيا، والحقيقة أن ليس هناك قانون يحكم الأشياء في الفن، فقد يأتي كاتب موهوب وحاذق، يقدِّم قصة قصيرة تنمو رأسيًا، ويقنعني بأنها قصة قصيرة جيدة، المهم الفنان وليس الفن. كما تعلمنا أن لابد من وجود معادل موضوعي في الكتابة، وطبقا لهذه النظرية، فلو صوّرت سيدات فاسدات كثيرات، معناه أن كل من في الحي فاسد، فإذا بأسامة أنور عكاشة يخالف هذه النظرية في االشهد والدموع»، ويقدِّم لنا شخصية مسلمة تستغل أخاها وتسرقه، وتترك أسرته بلا مال وبلا معين، بينما أسرة مسيحية جارتهم تهتم بهم وتساعدهم للخروج من أزمتهم، وفي »‬اليالي الحلمية»، يقدِّم شخصية مسيحي وطني، قام بدوره المرحوم شوقي شامخ.
عندما تأملت ما فعله أسامة أنور عكاشة وجدته هو الأصوب والأصح رغم أنه يخالف ما تعلمناه في المعادل الموضوعي، حيث كانت هناك ضرورة عنده أهم مما تعلمناه في الفن، وهو إبراز دور المسيحيين في مجتمع يصوِّرهم بصورة غير حقيقية، وأنه من الطبيعي أن نخالف نظرية الفن المعتمدة لكي نصوِّرهم في صورة أجمل نحن في أشد الحاجة إليها لتستقيم الأمور، فليس هناك قانون في الفن، وإنما هناك فنان قادر علي تقديم فنه حتي لو نسف كل القوانين التي سبقته.
حينما كتبت روايتي »‬الجهيني» وهي تدور في حي شعبي مثلما تدور أحداث »‬ما لم يقله البحر»؛ تحدّث البعض عن كم العلاقات النسائية في الرواية، فدافع الأستاذ فاروق خورشيد عنها في مقال له نُشِر بمجلة إبداع، وربط فيه بين الرواية وألف ليلة وليلة في الجزء الذي يدور في الأحياء الشعبية المصرية، قائلًا إن هذه الأماكن لابد أن تكون فيها هذه العلاقات النسائية.
لكن النفس البشرية تحمل الخير والشر، لماذا تطغي السمات السلبية علي شخصيات رواياتك ؟
الناس عادة لا تحكي عن المواقف الشريفة والطاهرة، لأنها أساس الحياة، وإنما تحكي عن الشاذ، فالحوادث في الجرائد والمجلات تحتفي بمن قتل ومن سرق ومن ارتشي ومن خان. إظهار الشخصيات السلبية في الرواية ليس معناه أن كل المجتمع هكذا.
لماذا تستمر علي طول الرواية عند الحديث عن بعض الشخصيات، في ذكر دلالات مساعدة مع الاسم وكأن القارئ سينساها من صفحة لأخري؟ مثل نيقولا ابن صانع الكينا.
تلك طرق في الحكي تساعد في صنع الشخصية، ففي الحي يذكرون نيقولا دائمًا بأنه ابن صانع الكينا، وأنا أذكره كما يذكره أهل الحي، لأن الكينا كانت مهمة في وقت من الأوقات، وكنا نشاهدها في الإعلانات القديمة، إذ يظهرون شابًا شديد النحافة، يشاهد شاب مفتول العضلات في حسرة علي جسده الضامر، فيقولون له: »‬لا تحزن أيها الشاب، يمكن أن تصبح مثله إذا شربت الكينا روماني»، وكان هناك معرض لبيع الكينا في ميدان سانت كاترين بالمنشية، إلي أن قررت الدولة منع بيعها في مصر كلها باعتبارها نوعا من أنواع الخمور.
بدا الحوار باللغة الفصحي أحيانا غير ملائم لبيئة الأبطال وأسلوبهم. ألم تفكر في كتابته بالعامية؟
لغتي في الحوار سهلة، يستسيغها القارئ العادي، وأنا لست معارضًا لكتابة الحوار بالعامية لو تطلب الأمر ذلك. المهم الضرورة الفنية التي تفرض اللغة، عامية أو فصحي.
المعلومات التي ذكرتها حول فناني الزمن القديم مثل أنور وجدي وزوز نبيل وهند رستم. ألم تخش أن تتسبب لك هذه الحكايات في مشاكل مع أسرهم؟
لا أقصد اسم شخصية فنية بعينها، وتشابه الأسماء لا يعني أنني أقصد ممثلة معروفة، كما أن الذي يحكي في الرواية شخص يبالغ في معرفته بالأمور، وشخصيات الرواية الأخري تكذّبه فيما يقول، وتوضّح بأنه كاذب، ويعطي لنفسه أهمية ليست فيه، فهو يزعم بأنه كان سبب شهرة »‬فُلانة» و »‬علّانة»، وأن الكل يسعي إليه، مع أنه في الحقيقة غير هذا.
تبدو الأحداث وكأنها مستمدة من حكايات استمعت لها ممن حولك. هل هي كذلك أم أنك عاصرت أحد أبطالها وتعاملت معه؟
كتابتنا عادة تُستمَّد من حكايات سمعناها أو أحداث عاصرناها وشاركنا فيها، وأنا كما قلت من قبل محِّب للتاريخ السينمائي القديم، ومحِّب للتاريخ الموسيقي والغنائي القديم، وأوّظفه في كتاباتي كأنه حقيقة حدثت.
شعرت في أحيان كثيرة أن الأحداث تميل لأن تكون مسلسلا تليفزيونيًا تم إنتاجه في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، أكثر من كونها رواية كُتبت في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. ما السبب في ظنك؟
هذه مشكلة تؤرقني، فأنا أعيش في الماضي، وأزعم بأنني شديد الاهتمام بالسينما القديمة، أعرف أبطالها، وصنَّاعها، والذين يقومون بأدوار صغيرة فيها، وأهتم، وأسأل عن ممثل مغمور لا أعرف اسمه، لكنني للأسف توقفت عن هذه المتابعة في السينما الحديثة، وكأنني أرفضها، ولا أسعي لمعرفة ما بها، مازلت أعيش في الماضي بكل ما فيه، ويدفعني الحنين للبحث في الأحياء وفي التاريخ، لذلك تأتي كل كتاباتي عن الماضي، في السينما وفي السياسة وفي الحياة، فالسينما التي أتابعها هي السينما القديمة، لدرجة أن حفيدي عندما يشير لأفلام الأبيض والأسود يقول: الأفلام التي يحبها جدي. والأغاني؛ مازلت أعشق جمال صوت محمد عبد الوهاب، وحنان صوت نجاة، وإحساس صوت فايزة أحمد، ومقدرة صوت أم كلثوم.
لا أعرف إن كنت سأستطيع الخروج من هذا الماضي، فعندما كتَبَ من اشتري لي الكمبيوتر، علي الأغاني التي أحبها؛ أغاني زمان، اندهشت، لأنها لا تمثِّل بالنسبة لي الماضي، وإنما تمثِّل الحال.
أعَّد بعض الكُتَّاب الكبار سيناريوهات عن أعمالك، لماذا لم يتم تنفيذها سينمائيًا أو تليفزيونيًا؟
وصلت لقناعة بألا أهتم بتحويل أعمالي القصصية والروائية لأعمال درامية، لأنني مررت بتجارب عجيبة في هذه المسألة، فقد تحمَّس المرحوم عاطف الطيب لروايتي »‬الجهيني»، وكتب مصطفي محرم سيناريو وحوارا لها لتتحول لفيلم سينمائي، واشتراها محمود ياسين مني، لكن المشروع توقف، ثم اشترت الرواية مدينة الإنتاج الإعلامي، وتوقف الموضوع أيضًا. وتحمس أكثر من مخرج تليفزيوني وسينمائي لتحويل روايتي »‬الهماميل» لمسلسل تليفزيوني أو فيلم، لدرجة أنني سافرت للقاهرة لاختيار مخرج منهم، لكن وزارة الداخلية في ذلك الوقت رفضت تحويل المسلسل بحجة المبالغة في إظهار سلبيات الشرطة، فأيقنت بأن المهم عندي هو الكتاب.
متي يكتب مصطفي نصر من واقع سيرته الذاتية لا عمن حوله؟
كثيرون يلحون عليّ لأفعل ذلك، وأنا أجمع الآن معلومات متفرقة عن سيرتي الذاتية، علي أمل أن أستخدمها عندما أكتب عن نفسي، رغم أن هذا فيه عذابي، فقد حاولت ذلك من قبل في روايتي »‬ليالي غربال»؛ قبل البدء في كتابتها، كان الشكل أمامي عن ثلاثة صبية، تصادقوا، كنت أنا واحدا منهم، وقرّرت أن أحدّد لكل منهم كتابًا مستقلًا، لكن في شكل ألف ليلة وليلة التي أعشقها، ونشرت الجزء الأول من هذا المشروع في رواية اسمها »‬النجعاوية»، الصادرة عن دار ومطابع المستقبل، لكن عندما بدأت في الكتابة عن صباي، فشلت، وتوقفت، فاكتفيت بالكتابة عن الصبي الثاني بعنوان »‬حارة نعمان»، ثم نُشرَت النجعاوية وحارة نعمان في كتاب واحد هو »‬ليالي غربال» الذي صدر في روايات الهلال.
ما كتبته عن نفسي نُشِر في كتاب اسمه »‬سوق عقداية» لكني غير راضٍ عنه، ولا أعتبره من كتبي التي أفخر بها، وعند طباعة أعمالي الكاملة رفضت إعادة طبعه. لديّ أمل أن أعاود المحاولة ثانية فربما سأنجح هذه المرة.
لماذا هذه الحالة الشديدة من عدم الرضا تجاه هذا الكتاب؟
لأنني لم أتحمل قسوة الحياة التي عشتها، موت أمي وأنا صغير، ومعاناتي أنا وإخوتي بعد زواج والدي من فتاة صغيرة أتوا بها له من الصعيد. وعندما أكتب عن نفسي، لا أعرف كيف أخفي حقيقة الشخصيات التي أتحدث عنها. كنا نسكن حجرتين من الشقة والحجرات الثلاث الأخري تشغل كل منها أسرة. عالم صعب للغاية، صبي بلا أم تحميه من رغبة النساء فيه، ووالد انشغل بالزوجة الجديدة وأبنائه منها، ففي كل مساء يغلق حجرته عليه وعليها، ولا يشغله هل عدت إلي البيت أم لا. كنت أقضي الليلة مع صديق أو قريب. اعتدت علي كتابة اليوميات، وعندما أعود إليها الآن أبكي من شدة الشجن والأسي والحزن والألم. أتذكر أنني عدت متأخرًا ذات ليلة؛ كنت أستذكر مع زملاء لي، وأخذت أدق الباب لساعات حتي استيقظ سكان الشارع ونظروا نحوي، وتحيّرت إلي أين أذهب في ذلك الوقت المتأخر، وأخيرًا فتح أبي لي الباب وهو ثائر وغاضب.
أخبرتني منذ عامين أنك تكتب رواية عن قصر البرنسيسة. لمَ لم تظهر للنور بعد؟
في حجرتي - التي أكتب فيها - مجموعة هائلة من الأوراق والمراجع حولي، فقد بدأت فيها، تلك الرواية التي أحلم بكتاباتها منذ سنوات بعيدة عن قصر البرنسيسة. بدأتها بلقاء ساخن بين محمد حداية باشا - الوزير المفوض بأنقرة - الذي تزوره الأميرة شويكار بالسفارة، فيرحِّب بها بصفتها طليقة مولانا الملك أحمد فؤاد وأم الأميرة فوقية أكبر بناته فتطلب من حداية باشا أن تعطيه هدية وعليه أن يسلمها كما هي لمولانا الملك، وطلبت منه أن يقسم علي ذلك، فأقسم، وأشهد كل من في الحجرة، بأنه شريف وسوف يوصّل هديتها للملك دون نقصان، فسارت نحوه، وقد كانت قصيرة بينما هو واضح الطول، واشرأبت علي أصابع قدميها وصفعته علي وجهه في عنف، قائلة: أرجو أن توصّل هذا لمولانا.
أملي أن أوفَّق في كتابة هذه الرواية، فهي تتناول فترة صعبة في الصراع بين الخديو عباس حلمي بمساعدة الأميرة شويكار، والملك أحمد فؤاد بمساعدة حسن نشأت باشا، ويشمل الموضوع منطقة راغب باشا وتكوين حي غيط العنب عندما كانت الإسكندرية كلها تقضي شم النسيم فيه، وعالم شيوخ الحارة الساحر والعجيب.
عنونت الرواية ب »‬ما لم يقله البحر»، ما الذي لم يقله مصطفي نصر حتي الآن؟
أشياء كثيرة جدا لم أقلها للآن، فأحياء الإسكندرية عالمي، تاريخها وشخصياتها، كل ما فيها يشغلني ويهمني، فبيتي في حي راغب باشا، وراغب هذا كان موظفًا مغمورًا لدي محمد علي باشا، أُعجِب به، فكبّره وجعله مقرَّبًا منه، ثم تولي رئاسة الوزارة في عهد خلفاء محمد علي، فمنحوه أرضًا منها أرض البيت الذي اشتراه والدي عام 55، من الشيخ مبروك من الواحات الذي سّلم والدي كل ما يخص بيته، وأوراق شراء الأرض من دائرة إدريس راغب باشا، هذا البيت هو مشروعي الذي سأكتبه بعد ذلك، لو بقيت علي قيد الحياة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.