»في عام 1905 حاولت الشركة الفرنسية تمديد حق الامتياز 50 عاماً إضافية لتنتهي سيطرتها بحسبة بسيطة هذا العام 2018!» علمتني الحياة ألا اصدق الصورة.. فبالتأكيد هناك جوانب مختفية لا أراها.. وعلمني ابي -رحمة الله عليه- الا اعطي أذني لأحد فليس كل ما يقال صحيحا.. وعلمتني الصحافة ألا اكتب عن شئ لم أعش احداثه فما ينقل صدق يحتمل الكذب أو العكس! بداية الحكاية: أنعم عليّ الله عز وجل بأن أزور العديد من دول العالم في مهمات صحفية وأتجول في شوارعها وانام في فنادفها واركب مواصلاتها والتقي بقادتها واهلها..في البداية كانت تصيبني الصدمة والانبهار للفرق الهائل في التحضر.. ورويدا رويدا تتلاشي الصدمة ويختفي الانبهار وأشعر بالحنين لوطني وإلي كل ماهو مصري. عندما كنت علي ظهر لنش »سيناء» في بداية الشهر الماضي وخلفنا لنش »القدس» يشقان مياه قناة السويس الجديدة صافية الزرقة وبجوارنا السفن العملاقة تعلوها الحاويات تبحر من البحرين المتوسط إلي الأحمر ويفصلها عن الاتجاه الآخر ربوة مخطط تحويلها لمدينة سياحية بادرني صديقي قائلا : »أهذه من يقولون عنها ترعة؟! تبسم مرافقنا من المكتب الإعلامي لهيئة قناة السويس مشيرا إلي اللنشين »سيناء والقدس» قائلا إن الرئيس انور السادات كان يستخدمهما في مفاوضات السلام مع بيجن.. وأضاف نادي الشاطئ الذي ابحرنا منه كان ايام الملك وقبل التأميم ممنوعا علي المصريين كغيره من الاحياء بالاسماعيلية مثل حي »الاجانب» وكان يسمي »بلاج الأطفال» بالفرنسية ولذلك يطلق عليه اهالي المحافظة تحريفا »الدنفاه». قبل ايام من 6 اغسطس الماضي وجدت الزميلة هند فتحي المستشارة الإعلامية للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس تتصل بي تليفونيا لتخبرني ان الفريق مهاب مميش رئيس الهيئة يوجه لي دعوة لحضور جلسة حوار مفتوح وزيارة لقناة السويس الجديدة ومشروعات المنطقة الاقتصادية في اطار الاحتفالات بالذكري السنوية الثالثة لافتتاح قناة السويس الجديدة.. أخذت اقلب في ذكرياتي مع معشوقتي القناة وترن في اذني كلمات الرائع عبد الرحمن الأبنودي وصوت العندليب عبد الحليم حافظ : في الأولة قلنا »جيِنلك وجينالك ولا تهنا ولا نسينا».. والتانية قلنا »ولا رملاية في رمالك وعن القول والله ما سهينا».. والتالتة قلنا »إنتي حملي وأنا حمالك.. صباح الخير يا سينا رسيتي في مراسينا.. تعالي في حضننا الدافي ضمينا وبوسينا يا سينا.. مين اللي قال كنتي بعيده عنا.. إنتي اللي ساكنه في سواد النني.. مش سهل علي الشبان يسهوا عن الأوطان.. بلادي يا بلادي يا عيون قمر الربيع.. أندهي يا بلادي يجاوبك الجميع».. ولمحت في مكتبتي كتابا للمرحوم المشير عبد الحليم ابو غزالة عن »العدوان الثلاثي» الإسرائيلي الفرنسي البريطاني عام 1956.. ويحمل بين أوراقه حكاية حفر قناة السويس أهم ممر ملاحي بين أوروبا وآسيا ويبلغ طولها 193 كيلو مترا وتوفر نحو أسبوعين من وقت الرحلة عبر طريق رأس الرجاء الصالح حول افريقيا. بدأت فكرة إنشاء قناة تربط البحرين الأحمر والمتوسط منذ المصريين القدماء..ومع قدوم الحملة الفرنسية عام 1798 فكر نابليون بونابرت في شق القناة إلا أن تلك الخطوة لم تكلل بالنجاح.. واستطاع الفرنسي »فرديناند ديلسبس» في عام 1854 إقناع محمد سعيد باشا والي مصر بالمشروع وحصل علي موافقة الباب العالي العثماني وقام بمنح الشركة الفرنسية امتياز حفر وتشغيل القناة الأصلية 99 عاما.. واستغرق شقها 10 سنوات حتي عام 1869 بعرق وجهد ما يقرب من مليون مصري توفي منهم أكثر من 120 ألفا أثناء الحفر نتيجة الجوع والعطش والأوبئة والمعاملة السيئة وتم افتتاحها في حفل مهيب بأموال مصرية وأطلق علي مدخلها الشمالي »بور سعيد» نسبة إلي الخديو سعيد ومنتصفها »الإسماعيلية» نسبة للخديو اسماعيل الذي افتتحت في عصره.. وفي عام 1905 حاولت الشركة الفرنسية تمديد حق الامتياز 50 عاماً إضافية لتنتهي سيطرتها بحسبة بسيطة هذا العام 2018 إلا أن تلك المحاولة لم تنجح مساعيها.. وفي يوليو عام 1956 قام الرئيس عبد الناصر بتأميم قناة السويس فكان العدوان الثلاثي والذي انتهي بانسحاب فرنسا وبريطانيا واسرائيل تحت ضغوط دولية ومقاومة شعبية مصرية..وتسببت حرب يونيو67 في إغلاق القناة في وجه الملاحة العالمية لأكثر من 8 سنوات، حتي قام الرئيس السادات بإعادة افتتاحها في نفس يوم اغلاقها عام 1975 بعد انتصار ساحق علي اسرائيل المحتلةسيناء في اكتوبر 73.. وشهدت قناة السويس الأصلية عدة مشروعات لتوسيع مجراها وتقليل وقت عبورها وكان أروع ماحدث الملحمة التي صنعها المصريون بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي بحفر شريان الخير والسلام في عام وافتتاح قناة السويس الجديدة في 6 أغسطس 2015. چين الكرم : من المؤكد ان »الكرم» ليس صفة شخصية ولكنه »چين» وميراث عائلي تتوارثه الأجيال فالصديق »ايمن بدره» رئيس تحرير »اخبار الرياضة» مثل خاله المرحوم عم فاروق الشاذلي أستاذي في عالم التحرير العسكري فقد استقبلنا وصديقي »الصعيدي الجدع» جمال حسين رئيس تحرير »الأخبار المسائي» بحقيبة بها المياه المثلجة والعصائر والبسكويت لزوم طريق الإسماعيلية »الصحراوي» والذي لم يعد صحراويا فالسواعد المصرية حولته في السنوات القليلة الماضية من طريق ضيق إلي خمس أو ست حارات في كل اتجاه »حر» بدون تقاطعات تذكر، وعلي الجانبين ينتشر العمران والمدن الجديدة واللون الأخضر وأصبح مثل الطرق التي نشاهدها عند سفرنا للخارج.. الزحام الوحيد الذي وجدناه في طريقنا كان بالقرب من مدينة السلام بسبب أعمال مشروع »المينرال أو المترو المعلق» وفي »فيشة» بمدخل الإسماعيلية لبناء كوبري علي السكة الحديد. سرنا علي خريطة جوجل لنصل إلي مبني »المحاكاة» بداية مراسم اليوم.. كل شئ تغير في الإسماعيلية فكل مسافة قصيرة نجد كوبريا حديثا يعبر ترعة الإسماعيلية إلي الاتجاه الآخر..والخضرة والأشجار والحدائق تلف المكان فقد اتسعت المدينة الصغيرة التي أتذكرها وتضاعفت مرات ومرات.. ونصل إلي مبني المحاكاة مع بداية الجزء الأول من يوم مع معشوقتي قناة السويس الجديدة.. وأصعد درجات السلم إلي الدور الثاني لأقابل كوكبة من الكتاب والاعلاميين ورؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية والخاصة حضروا بكل حماس للمشاركة في الاحتفال بمرور 3 سنوات علي افتتاح المعجزة الجديدة.. نبع الخير لمصر وهدية المصريين للعالم. الوجوه المصرية الأصيلة التي رأيتها في مبني المحاكاة أو خلال جولتنا في القناة الجديدة والانفاق تعلوها السعادة وتشعر بالفخر للإنجاز المصري الجديد وخاصة عندما قال الفريق مهاب مميش إن قناة السويس حققت في ثلاث سنوات 15.8 مليار دولار وهو ما يعادل 219 مليار جنيه وسددت تكلفة انشاء القناة الجديدة الذي بلغ 20 مليار جنيه.. وازدادت حالة الفرح والفريق مميش أن العام المالي الماضي سجل 5.6 مليار دولار وهو أعلي إيراد سنوي في تاريخ قناة السويس بزيادة 600 مليون دولار عن العام السابق بنسبة 12%.. وتوالت الأرقام التي تسعد القلوب وترد علي المشككين بالحديث أن 52 ألفا و199 سفينة عبرت بحمولات قياسية حوالي 3مليارات طن وأن العائدات بالجنيه ارتفعت والسياسات التسوقية المرنة والحوافز الممنوحة للخطوط الملاحية تدر عائدا إضافيا وحركة بناء السفن في الترسانات العالمية أصبحت مرتبطة بمشروعات تطوير القناة..وأن قناة السويس الجديدة السبب الرئيسي في تطوير الخدمات للمواطنين بإنشاء الكباري العائمة وبناء الأنفاق وزيادة المعديات بين الضفتين الشرقية والغربية. بكرة أحلي: لم تكن قناة السويس الجديدة مغامرة أو مضيعة للوقت والمال ولكنها ضرورة في إطار بناء الدولة المصرية الحديثة علي أسس علمية واقتصادية واجتماعية سليمة لتعود لمصر ريادتها التي تستحقها من خلال مشروعات قومية عملاقة.. وقد بدأنا في جني ثمارها التي تتواصل مع الأجيال القادمة.. كان الهدف من شق القناة الجديدة والذي تلمسه كلما زرتها يوما بعد يوم هو التعامل مع تنامي حركة التجارة العالمية وزيادة القدرة التنافسية ورفع تصنيفها ومعدلات الأمان الملاحي بها وخفض زمن الرحلة من 22 ساعة إلي 11 ساعة والقضاء علي ما كان يطلقه البعض من إنشاء قنوات بديلة أو مشروعات ملاحية أخري.. وقبل وبعد كل شئ فالقناة الجديدة هي خطوة رئيسية لتحقيق مشروعنا القومي لتنمية منطقة القناة من السويس وحتي بورسعيد وداخل سيناء وهذا ما نشاهد بوادره علي البر الشرقي وفي العين السخنة.. فالأنفاق الأربعة التي تربط الشرق بالغرب أوشكت علي الافتتاح.. وقد تسابقت أرجلنا وشدت آذاننا واتسعت عيوننا ونحن نقف عند المدخل الغربي لنفقي الإسماعيلية ونستمع إلي شرح من أحد ضباط قواتنا المسلحة المقاتلين الأشداء وهو يحكي حكاية شعب صنع المستحيل في فترة وجيزة لشق قناة وحفر أنفاق حديثة حازت علي شهادات بأعلي درجات الأمان العالمية.. ومشاهدة مناطق الانتظار والتفتيش مستخدمين أحدث الوسائل.. وفي الطريق إن شاء الله نفقان آخران في السويس لتكتمل المنظومة وربط الشرق بالغرب والإسراع في تنمية شبه جزيرة سيناء بعد ان ربطت الدولة ضفتي القناة بكباري عائمة لتسهيل انتقال المواطنين بدأتها بكوبري النصر بين بورسعيد وبورفؤاد ثم الشهيدين أحمد المنسي وأبنوب وجاري انشاء كوبريين في سرابيوم والشط بالسويس. متعة ان تقضي يوما في قناة السويس وتري المرشدين يصعدون ويهبطون من السفن العابرة وتجلس وسط المصريين بنادي الشاطئ وتشاهد السفن العابرة بعد أن تتناول وجبة سمك من مزارع الأسماك التي أفرزتها قناة السويس الجديدة..فما حدث ويحدث في السنوات الماضية معجزة لربط أهلينا في سيناء معنا فمنذ تحريرها لم نربطها معنا سوي بكوبري السلام ونفق الشهيد احمد حمدي وعدد من المعديات.. كلي ثقة بعد الزيارة اننا سوف نشاهد سيناء جديدة في المستقبل..فهناك اتفاقيات تم توقيعها مع العديد من الدول لتنمية منطقة القناة بدأت تظهر علي الأرض في شرق التفريعة والسخنة، وكما وعدنا الفريق مهاب مميش سوف يكون بإذن الله واقعا جديدا نتمناه العام القادم وليصمت المشككون وصناع الشائعات ومحبطو الهمم فالسواعد المصرية المخلصة توقفت عن الكلام والسوشيال ميديا وتحفر مستقبلا للأجيال القادمة.