مع اندلاع ثورات الربيع العربي، بحادثة إحراق التونسي "محمد البوعزيزي" نفسه صباح يوم الجمعة 17 ديسمبر 2010، واندلاع ثورة 25 يناير 2011 في مصر، أخذت شعوب الوطن العربي من محيطه إلي خليجه تعيش علي وقع أحداث تلك الثورات المتفجرة صباح مساء. ومخطئ من يعتقد أن نار الربيع العربي أضرِمت في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا فقط، بل من المؤكد أن أهم إنجاز تاريخي يُسجل لهذه الثورات، هو أنها كسرت حاجز الخوف في قلب المواطن العربي أينما كان، وبما لا رجعة فيه. وأنها كوّنت لديه قناعة جديدة، تنمو وتتزايد في وعيه ووجدانه، بأنه صاحب الكلمة الفصل فيما يجري علي أرض بلاده، وأن التظاهر السلمي والعصيان المدني، هو سبيله لانتزاع حريته وعيشه الكريم، وأنه مستعد للتضحية بأي شيء للوصول إلي هدفه، حتي لو كان ذلك الشيء عمره وحياته. إن ولادة جديدة كُتبت لأقطار وشعوب الوطن العربي، مع ميلاد عام 2011. ولادة ستغيّر مع مرور الوقت، شكل الحياة العسكرية والاجتماعية والفكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية والفنية. صحيح أن هذه الحياة الجديدة المؤملة، لن تري النور بين ليلة وضحاها، وأنها تحتاج لتضحيات كبيرة، لكن المؤكد أنها قادمة، ولابدَّ لها يوماً من أن تتحقق. بالنظر إلي وجود البترول، كمصدر أساسي للدخل في منطقة الخليج العربي، فلقد نشأ وعي خاطئ، لدي شعوب عربية وأجنبية كثيرة، بغني شعوب منطقة الخليج، وأن المواطن الخليجي يركن إلي بحبوحة من العيش يُحسد عليها. وإذا كان هذا الرأي صائب في جزءٍ منه، فإنه خاطئ تماماً في جزئه الثاني المتمم. قد تحظي شعوب دول منطقة الخليج العربي، بما لا تحظي به شعوب عربية أخري، بمجانية التعليم والطبابة والسكن. لكن هذا لا ينفي بتاتاً أن الأمر نسبي، وأن فقراً، ولا أريد أن أقول مدقعاً، كي لا يظن القارئ الكريم أنني أبالغ في وجهة نظري، ينتشر في مختلف بلدان الخليج، في وسط مجتمعات استهلاكية متوحشة، يجد المواطن الخليجي نفسه حائراً في فهمها ومجاراتها، وغارقاً في ديونه وإشكالاته، وأنه أعجز من أن يتصالح مع واقع لاهث، يبدو قاسياً وغير عادل. وجدت ثورات الربيع العربي صدي لها في بلدان الخليج العربي، وتفاوت هذه الصدي بين دولة وأخري. ففي دولة الكويت التي نالت استقلالها عام 1961، وصدر دستورها عام 1962، وجرت فيها أول انتخابات نيابية عام 1963، وعرفت تجربة ديمقراطية لافتة ومشرقة، تميّزت بارتفاع سقف الحريات فيها، وتمتع مواطنيها بما لا يحلم به الكثير من مواطني الوطن العربي، حدثت فيها خلال السنتين الماضيتين انعطافات كبيرة في الحياة البرلمانية، وصدامات بين السلطة التشريعية ممثلة بمجلس الأمة، والسلطة التنفيذية ممثلة بالحكومة، وكانت في جلها تصبّ ليس في خانة "إسقاط النظام"، ولكنها تُطالب بمزيد من الحريات للمواطن، ومحاسبة المسؤولين عن الفساد. أتكلم عن الكويت تحديداً لأني كويتي، أعايش مجريات الأحداث في بلدي، لكن ليس صعباً أبداً علي المتابع في زمن الفضاء المفتوح، وشبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي، أن يري تأثر شعوب منطقة الخليج العربي بما يجري من ثورات عربية، وارتفاع وتيرة المطالبات الشعبية، بمزيد من الحريات ومزيد من العدالة الاجتماعية ومزيد من محاسبة المسؤولين عن الظلم والفساد في البلدان الخليجية. سقطت شعارات القومية والوحدة العربية لأنها ظلت طوال عقود شعارات دون قواعد أساسية علي أرض الواقع. لكني أري أن وحدة عربية جديدة برزت، يوم صار المواطن المصري يصرخ في ميدان "التحرير" فيتردد صوته في كل ميادين وطرقات وزنق المدن العربية! روائي وقاص كويتي