بعد ظهور نتيجة الإعادة في الانتخابات الرئاسية، ارتمي الكثيرون في حضن فكرة أن المصريين ينقسمون لاثنين، إما مستعدون للرهان علي رموز الدولة القديمة التقليدية، أو مستعدون للرهان علي التيار الديني التقليدي. كانت هذه هي المقولة الأولي. المقولة الثانية كانت أكثر تفاؤلاً، ورأت أن جموع الناخبين المستعدين للرهان علي خيارات لا تنتمي للخيارين السابقين هي أكبر بما لا يقدر. "النصف الثالث لمصر" لا يريد الإخوان ولا يريد الفلول. هناك إذن طريق ثالث في مصر ينحاز للثورة. المقولة الثانية تم الرد عليها، وعدها البعض تفاؤلا يخفي حقيقة الهزيمة. وأثيرت أسئلة حولها: صحيح أن هذا "النصف الثالث" هو الأكبر بين جموع الناخبين، ولكن هذا لم يسمح له بأن يكون طرفاً في الصراع علي السلطة، ما الفائدة إذن؟ هل صحيح أن كل من صوتوا ل"مرشحي الثورة"، صوتوا لهم باعتبارهم "مرشحي الثورة"؟ بعيدا عن التحليلات بأثر رجعي، والسؤال الأهم "حتي لو افترضنا أن الثوريين هم أكبر من الإخوان والفلول، فهل يمكن أن تكون لهم إمكانيات حقيقية في المستقبل". ما مدي دقة عبارة "النصف الثالث أصلا". بالإضافة إلي السؤال البديهي الذي يشغل بال الكثيرين: "مرسي أم شفيق"؟ الفنان التشكيلي عادل السيوي يري أن النتيجة الظاهرية هي أن القوي التي كسبت الانتخابات هي قوي الماضي الصريحة، وهي الدولة القديمة والتيار الديني، أما المشكلة الحقيقية فهي القوي الجديدة التي أتت بها الثورة. وهي قوي، يمثل بعضها امتدادات لأفكار الماضي، مثل اليسار والليبرالية، أما الجزء الجديد من هذه القوي فلا يجد له شكلا حقيقيا ينتمي للمستقبل، وهذا هو ما ينبغي تأمله". يضيف السيوي: "ربما يبدو كلامي هذا كفذلكة، ولكنه ليس كذلك. القوي القديمة التي تقوم بدور المعارضة هي إما قوي دينية أو لها طابع مدني. لم تستطع القوي الجديد ابتكار أشكال جديدة لنفسها، مثلما فعلته الطبقة الوسطي في ثورة 1919 عندما أنشأت حزب الوفد وهذا كان ابتكارا في وقتها، أو حتي حزب المؤتمر في جنوب أفريقيا". الجيل الجديد في رأيه ليس ابنا لتجارب الناصرية واليسار، صحيح أنه أقام جسرا مع أشكال النضال والاحتجاجات القديمة ولكنه ليس ابنها، أما القوي القديمة فتريد استيعابه بداخلها وهذا هو الأمر الخطر "التيار الديني والدولة القديمة يتصارعان، ولكن صراعهما يائس، لن يستطيع أي منهما فرض إرادته علي الشارع. هذا أمر يخص الماضي. أما ما يهمني احتياج الأجيال الجديدة لأن تبتكر أشكالها الاحتجاجية الخاصة بها. لو تمكنت من فعل هذا فستستطيع أن تجر القوتين الأخريين لأن تكونا رديفين لها. ما أمامنا الآن هو أوعية جاهزة وقديمة تريد استيعاب الأجيال الجديدة بداخلها". هذا، بالنسبة له، يظل الفارق بين حداثتنا العرجاء التي بدأت من عهد محمد علي وبين طاقة المعاصرة. محمد علي كان يريد تحديث مصر بشكل استبدادي. يرسل رفاعة الطهطاوي إلي فرنسا ويجلد الفلاحين في مصر، وهذا قريب مما فعله عبد الناصر أيضاً، تجربة التحديث كانت انتقائية ولا تتقبل فكرة المواطنة ولا الفرد ولا حتي فكرة العلم. هذه التجارب حرمت مصر من التطور مع السويد مثلاً، علماً أن أجر العامل المصري أيام محمد علي كان أكبر من أجر العالم السويدي، أما ثورة 25 يناير فكانت الفعل المعاصر الوحيد الذي حدث في تاريخنا الحديث. يضيف: "الثورة قام بها جيل معاصر ويريدون له أن يسلم إنجازه للأجيال القديمة التي أخفقت من قبل ولم يكن لها إنجاز". يبدو متشائما للغاية وهو يقول إنه "حتي لو اتحدت قوي الثورة خلف الزعامات القديمة، سواء كانت خارجة من عباءة الناصرية أو عباءة الإخوان، فهذا قد يكون مكسبا كبيراً علي المدي القصير، ولكنه علي المدي البعيد سوف يكون كارثة. فكرة الزعامة نفسها ينبغي لها أن تنتهي" ما الذي يمكن للشباب أن يفعلوه إذن؟ هو لا يستطيع التفكير للشباب: "أنا حداثي قديم. ولكنني أتصور أن لا ينبغي الوقوع في أسر ما هو موجود بالفعل. هل تستطيع حركة الشباب البقاء كحركة احتجاجية أو كحشد عبر الشبكات الاجتماعية، أم أنها ستتمكن من إنشاء فعل سياسي جديد يكون من ابتكارهم هم؟ أنا تفكيري محدود بالأطر القديمة، وبالتالي لا أستطيع التفكير لهم". أستاذة الأدب بالجامعة الأمريكية سامية محرز تقول إنها لا تستطيع الحديث عن كتلة الثورة، فناخبو حمدين أو أبو الفتوح أو خالد علي أخذوا ردود فعل شخصية منفردة. "أنا عن نفسي سوف أقاطع، ولكن هل أستطيع التيقن أن جميع من صوتوا لحمدين وأبو الفتوح سوف يقاطعون. لا أستطيع الجزم، لأننا أصلا منقسمون، وأسبابنا في اختيارات المرشحين الثلاثة مختلفة تماماً". الصباحي صعد بقوة كبيرة بعد مناظرة أبو الفتوح ومرسي في رأيها، وكان يجب المراهنة عليه حتي لو لم نكن مقتنعين تمام الاقتناع أن هذا هو اختيارنا المثالي، ولكن كان لابد أن يكون خيارا استراتيجياً، كان لابد أن نراهن علي الحصان الرابح، ولكننا كالعادة- لم نستطع أن نفعل هذا. بالنسبة لسيناريوهي مرسي وشفيق تضيف أنهما أسوأ من بعضهما البعض: "ما رأيناه هو أن اليسار كان مستعدا للمراهنة علي الإخوان من باب الوفاق الوطني، ولكن أداء الإخوان في الفترة الماضية كان مريبا، ولذلك فقد شعر من استعدوا للتضامن معهم بالخذلان. أداؤهم لا يبشر بالخير علي جميع الأصعدة. وبالنسبة لشفيق، ف"طبعا من غير المعقول أن يزيحه علاء الأسواني من منصب رئيس الوزراء ثم نأتي به رئيساً للجمهورية".المؤرخ شريف يونس يقول إن فكرة الكتلة الثالثة تقوم بصفة أساسية علي التصويت العقابي. كتلة ترفض التنظيمين الكبيرين الموروثين من العهد البائد: الإخوان والنظام الأمني، ومرشحيهما بالتالي. جزء منها من التيار الإسلامي المتمرد علي التحكم الإخواني، وما يسمي "الكتلة المدنية" الرافضة بدورها للإخوان بدوافع مغايرة. ويجمعهما رفض النظام القديمز ويضيف أن: "هذه الكتلة هي بامتياز ابنة الفراغ السياسي، أي عدم استيعاب الحركة السياسية للجمهور في تنظيمات حزبية ودستورية. وهي إذن بمعني عام كتلة الثورة. لكن هناك أيضا جزء من الكتلة المؤيدة للثورة صوت لشفيق خوفا من شبح الدولة الدينية، وجزء آخر صوت لمرسي ولو علي مضض علي أساس إن التنظيم الإخواني هو وحده القادر علي الصمود أمام النظام الذي ما زال قائما، ولو مترنحا. تصويتها لأشخاص (أبو الفتوح، حمدين، إلخ)، كان بمنطق البحث عن راية ما للالتفاف حولها وإبداء الاحتجاج. لكن بناء هذه الكتلة تنظيميا، وإن كان، هو وحده الذي يعتبر محاولة لتلافي سلبيات هشاشة هذه الكتلة من الناحية التنظيمية ونمط تصويتها العقابي الناتج عن تشرذمها.. هذا التنظيم،ولو بشكل متجاوز للحزبية، سيستغرق وقتا"، ويختتم كلامه بأن هذه الكتلة تظل: " هي الكتلة الأساسية للثورة، مع استثناءات صوتت لمرسي أو شفيق لاعتبارات قائمة علي الخوف أساسا«