سمراء النيل.. صاحبة أجمل عيون، أيقونة الفن، وأحد معالمه، قدمت أعمالاً مع كل النجوم في مختلف العصور حتي اعتزالها الفن رسمياً في العام 2012، أحبها الشعراء وكتبوا فيها قصائد عشق حين جاء وقت الاعتراف وصل محمد فوزي ليقول لها: "العريس قادم غداً"، تقع في حبه دون تفكير، وتسطر تاريخاً حافلاً بالأعمال السينمائية والدرامية، إنها الرائعة الراحلة مديحة يسري، وسوف نرصد أهم المحطات السينمائية، ومعلومات ومواقف نادرة في حياتها. هددوا والدها بالقتل ولدت الفنانة الراحلة عام 1921 في القاهرة باسم "غنيمة خليل حبيب"، وهناك من يشير إلي أن اسمها الحقيقي "هنومة حبيب خليل"، تلقت تعليمها في مدرسة الفنون، وكانت بدايتها عندما اكتشفها المخرج محمد كريم، وقدمها للمرة الأولي في دور صغير عام 1942 في فيلم ممنوع الحب أمام الموسيقار محمد عبد الوهاب، وكررت التجربة نفسها وشاركت معه أيضاً بدور صغير في فيلم رصاصة في القلب، ولم تمر أيام، حتي وجدت نفسها، تقوم بدور البطولة للمرة الأولي وفي العام 1942، في فيلم أحلام الشباب. أحد اللقاءات قالت إن والدها صفعها وهددها بالقتل حين عرف خبر دخولها مجال الفن من صورة في إحدي المجلات، وأن ابنته غيرت اسمها من "هنومة خليل" إلي "مديحة يسري"، وأنها ستصور أول فيلم سينمائي واسمه "أحلام الشباب" أمام فريد الأطرش، وتطور الأمر للأسوأ بعد أن طالت تهديداته "خالتها" أيضا لانتحالها شخصية ولي أمرها عند كتابة عقد الفيلم، ولكنها صمدت أمام تهديداته، وعلي مضض وافق الأب بعد أن علم بالشرط الجزائي المالي المكتوب في العقد نظرًا لعدم قدرته علي دفع المبلغ، كذلك اشترط عليها ضرورة أن تلازمها في أيام التصوير إما خالتها أو والدتها وأن تكون هذه تجربتها الأخيرة. مشوار فني طويل امتد عقوداً كثيرة، قدمت عدداً كبيراً من الأدوار المتنوعة بين الكوميديا والتراجيديا، ولعبت أدوار البطولة في معظمها، وكانت الابنة والحبيبة ثم الأم في مراحل متقدمة، وقدمت في مشوارها رصيداً فنياً كبيراً يزيد علي 90 فيلما، جسدت كل الأدوار بداية من المراهقة، الدلوعة، ثم فتاة الأحلام ذات الوجه الرومانسي، الأرستقراطي، ثم الأم والأخت والجدة، وكلها أدوار، قدمت خلالها شهادات موثّقة بأن هناك ممثلين ولدوا ليكونوا هكذا علي القمة من البداية إلي النهاية. عندما تراها طفلة، لا تفكر لحظة في أنها ليست ابنتك، وفي دور الزوجة بالتأكيد تتمني أن تكون فارس أحلامها، ولا تطلب إلا أن تكون أمك عندما تراها تجسد الطيبة والحنان في مشاهد كثيرة أثرت الدراما. قدمت علي مدي مشوارها أكثر من 90 فيلما، بعضها من كلاسيكيات السينما المصرية مثل "أمير الانتقام" و"حياة أو موت" و"إني راحلة" و"لحن الخلود" و"بنات حواء" و"الخطايا" و"لا تسألني من أنا" و"أيوب" مع النجم عمر الشريف، وكان آخر ظهور سينمائي لها في فيلم "الإرهابي" عام 1994 أمام عادل إمام. وكان آخر أعمالها الدرامية، مسلسلاً تلفزيونياً عام 2004 باسم "قلبي يناديك" مع داليا البحيري، حيث قامت بدور جدّتها. عشقها الشعراء والأدباء والفنانون تزوجت مديحة يسري أربع مرات، ثلاث منها من الوسط الفني.. أول عرض بالزواج قدم لها من الملحن والمطرب "محمد أمين" الذي عرض عليها الزواج فوافقت علي الفور في محاولة للهروب من قبضة أبيها الذي كان يعارض دخولها المجال الفني، ووضع عليها قيوداً كبيرة، لكنها وبعد 4 أعوام تطلب الطلاق إذ تكتشف أنها لم تكن تشعر بالحب ناحيته، كما أن حباً آخر بدأ ينمو في حياتها. أثناء تصوير فيلم المستقبل المجهول، وقعت مديحة يسري في حب أحمد سالم فهو إعلامي فريد من نوعه، فكان أول مصري يشتري طائرة خاصة ويقودها بنفسه من إنجلترا إلي مصر، كما كان أول مذيع في الإذاعة المصرية وهو أول من قال "هنا القاهرة" في الإذاعة المصرية عند افتتاحها عام 1934، وهو أيضا ممثل ومنتج سينمائي. فطلبت الطلاق من زوجها محمد أمين، وبالفعل تزوجا لكن هذا الزواج لم يستمر سوي عام واحد فقط، إذ أودت آثار إصابة قديمة بالرصاص بحياة أحمد سالم، وهي الرصاصة التي كانت قد أصابته بسبب شجار عام 1944 بينه وبين زوجته السابقة المطربة أسمهان استعانت فيه بالشرطة فما كان من سالم إلا أن بادل رجال الشرطة إطلاق الرصاص. هي والعقاد عشقها الكاتب والمفكر والشاعر عباس محمود العقاد من صورتها التي نشرت في إحدي المجلات المصرية عام 1939 كأحد الوجوه الجديدة، رغم أنها لم تكن تجاوزت العشرين عاماً بعد، في حين تجاوز هو الخمسين عاما. دعاها العقاد إلي صالونه الأدبي وأنار عقلها بشغف القراءة ليقربها منه أكثر، حتي روايته "سارة" ليست سوي تجسيد لقصته معها، وقالت "مديحة" في أحد اللقاءات التليفزيونية إنها كانت ذكية بالقدر الذي جعلها تعرف حيل العقاد للإيقاع بها في حبه، بينما "العقاد" لم يستطع نسيانها حتي بعد أن تزوجت، فلجأ إلي الكثير من الحيل النفسية ليتناساها، علي حد قولها، وحكي أحد تلاميذ العقاد في لقاء تليفزيوني وهو الفنان صلاح طاهر: "اقترح عليّ العقاد أن أرسم لوحة فنية عبارة عن تورتة شهية جداً وقد تهافت عليها الذباب، وبالفعل أنجزت اللوحة المطلوبة ووضعها العقاد علي الحائط مقابل سرير نومه، وكلما استيقظ رأي اللوحة التي ساعدته علي نسيان مديحة يسري. محمد فوزي آخر المحطات ثم كان الزواج من الفنان محمد فوزي، الذي ساندته كثيراً في تأسيس شركة الأسطوانات الخاصة به وهي "مصر فون" التي جري تأميمها بعد ثورة يوليو، وحدث اللقاء الأول بينهما في فيلم "قبلة في لبنان"، وبعد زواجهما اشتركت معه في بطولة العديد من الأفلام التي أعادت اكتشاف بعض مواهبها التمثيلية من جديد مثل فيلم "فاطمة وماريكا وراشيل"، الذي يعد أول تجربة كوميدية لها، كما شاركته في بطولة أفلام "آه من الرجالة"، "بنات حواء" الذي قدمت فيه دور رئيسة جمعية المرأة تساوي الرجل، وأثمر زواجهما ابنهما عمرو الذي توفي في حادث سير. أما آخر زيجاتها فكانت من الشيخ إبراهيم سلامة الراضي، شيخ مشايخ الحامدية الشاذلية الصوفية. أنجبت من الفنان محمد فوزي بنتاً ولكنها توفيت وهي صغيرة بسبب مرض نادر رغم محاولات أبويها المستميتة لعلاجها، وبعد ذلك أنجبا "عمرو" الذي كانت تهتم به كثيراً وجعلت منه بطلاً رياضياً في الكاراتيه منذ أن كان عمره 5 سنوات، إلا أن القدر لم يمهلها لتري نجلها في عرسه، ليفاجئه الموت وهو لم يتجاوز عامه السابع والعشرين في حادث مروع في سيارته التي صدمتها إحدي شاحنات النقل، كما ذكرت مديحة في لقاء تلفزيوني. لأجلها كتبت قصيدة "أروح لمين؟" زينب صدقي كتبت عنها في إحدي المجلات الفنية تقول: "من ينظر إلي وجهها للوهلة الأولي يحسبها شخصية حزينة هادئة، لكنها في الحقيقة تميل إلي الفرح والفكاهة، فضلاً عن كونها تملك طاقة كبيرة من الثورة والطموح، هي شخصية عربية أصيلة، و(كوكتيل) جميل لفضائل العرب في كأس جذاب يغري بالشرب، أما الفنانة "أم كلثوم" فكانت صديقتها المفضلة، وكانت أغنية كوكب الشرق "أروح لمين؟" هي المفضلة لمديحة، التي قالت في إحدي الحوارات الفنية إن مؤلفها عبد المنعم السباعي كتبها خصيصا لها لأنه كان يحبها، وذلك خلال فترة زواجها من محمد فوزي".