مازال الصراع قائما ما بين الكتاب الورقي كما عرفناه واعتدناه وأحببناه.. والكتاب الرقمي الذي بدأ ينتشر ويكتسح عالمنا. ولم يتوقف بعد النقاش ولن يتوقف أبدا الجدال حول مستقبل الكتاب كما عرفته البشرية علي مدي قرون منذ اختراع المطبعة.. وبالطبع لم يعلن أحد بعد وفاة الكتاب فلا داعي لكتابة أو نشر نعي الكتاب أو أن نلطم الخدود أو أن نستسهل الأمور فنعيب زماننا والمشهد الأمريكي لأحوال الكتاب الذي أعيشه وأعايشه منذ فترة جدير بالاهتمام والتأمل .. نعم خلال هذا العام أعلن موقع آمازون دوت كوم الشهير بمبيعاته عبر الانترنت أن عدد الكتب المباعة عبر كيندل للكتب الالكترونية قد فاق عدد مبيعاته من الكتب النسخة الورقية. وحسب ما ذكرته مجلة "بووك بيزنس" فمنذ أول أبريل 2011 فان لكل 100 كتاب ورقي يتم بيعهم عبر آمازون يوجد 105 كتاب الكتروني يتم شراءهم عبر "كيندل". "كيندل" تم تأسيسه عام 2007 وتضم قائمة الكتب المتوافرة لديه حاليا نحو 950 ألف عنوان. والاخطر من هذا كما يري عشاق الكتب والقلقين عليها أن آمازون ب"توحشه" بعد أن قضي علي الوسيط ما بين الكتاب والقارئ أي "مكتبة بيع الكتب" يسعي حاليا وأخذ بالفعل خطوات تنفيذية للتعاقد مع مؤلفين لنشر الكتب (مع أبريل 2012)، وبالتالي سيقضي بهجومه هذا أيضا علي الوسيط ما بين الكاتب (أو المؤلف) ودار النشر .. شروط جديدة للعبة قديمة ويري آمازون والقائمون بأمره بأنهم بهذه الخطوات يحررون الكاتب والقارئ من تحكم الناشر ومراكز البيع ليتواصلا معا بدون وسيط وباسعار أقل وخدمة أفضل تصلك أينما كنت بواسطة الانترنت. شروط جديدة للعبة قديمة هي بيزنس نشر الكتب وبيعها أخذت تحدث انقلابا وثورة في عالم الكتاب. وشهد هذا العام أيضا اغلاق وتصفية أعمال سلسلة "بوردرز" لمكتبات بيع الكتب وال"سي دي"ات وال"دي في دي "ات وهي ثاني أكبر سلسلة مكتبات في الولاياتالمتحدة وكان يعمل في فروعها المتعددة نحو 10 آلاف و700 موظف وموظفة. كما أن الاعلامية النجمة أوبرا وينفري بنهاية ظهور برنامجها التليفزيوني الشهير في مايو الماضي أنهت ما كان يسمي "نادي أوبرا للكتاب". وهذا النادي التلفزيوني لنشر الكتاب وتعريف الكاتب ساهم في الوصول بمبيعات بعض الكتب الي أكثر من 2 مليون نسخة. وحسب ما نشرته مجلة "رايترز دايجيست" فان الكتب المسموعة أخذة في الانتشار في السنوات الاخيرة وان كان هذا الانتشار بطئ نسبيا. فعدد عناوين الكتب المسموعة المنتجة خلال العام المنصرم بلغ 10 آلاف عنوان في حين بلغ عدد عناوين الكتب المطبوعة نحو 316 ألفا و480 عنوان. وتظل الروايات الأكثر مبيعا وخاصة كتب الخيال والفانتازيا والرومانسية ومعها روايات الاثارة والرعب والمغامرات وأساطير الابطال. وليس غريبا أن أغلب دور النشر تبحث حاليا عن "هاري بوتر"جديد.. ليملأ الفراغ الذي نشأ في بيزنس الكتب الرائجة. بيست سيللر أما مجلة "فوربز" الاقتصادية الشهيرة وهي تتناول أكثر الكتاب الأمريكيين ثراءا أو دخلا من الأموال ذكرت اسم الروائي جيمس باترسون وقد وصلت أمواله الي 84 مليونا في عام 2011 بعد أن احتلت خمسة من رواياته الاخيرة لدي صدورها قائمة البيست سيلرز لصحيفة نيويورك تايمز. ثم جاءت الروائية دانييل ستيل في المركز الثاني وقد حققت 35 مليون دولار، في حين حقق الروائي ستيفن كينج 28 مليونا من الدولارات. وبالتأكيد يراقب الجميع نجاح وانتشار رواية كينج الجديدة" 63/ 22/ 11" ( أي 22 نوفمبر 1963) اذ اختارتها صحيفة "نيويورك تايمز" علي أنها من أهم الكتب أو الروايات التي صدرت في عام 2011، وهي رواية خيال تاريخي (اذا جاز هذا التعبير) تحكي كما قيل عن المساحة الرمادية ما بين التاريخ والخيال وعن محاولة خيالية للعودة الي الوراء وربما منع اغتيال الرئيس الامريكي جون كيندي الذي تم في ذات اليوم. والرواية التي تقع في 849 صفحة وكما وصفها النقاد هي السرد التخيلي لما عرف تاريخيا من حادث اغتيال لم تحسم حتي الأن تفاصيله والمشاركين فيه وسيناريوهات ارتكابه. كينج (64 عاما) له خمسين رواية وزادت مبيعات كتبه منذ سنوات 350 مليون نسخة. ومعروف في المشهد الأمريكي أن كتب الشعر لا تبيع كثيرا أو بالأحري تبيع قليلا وحسب مجلة "نيويورك" الأسبوعية فان أكثر كتب الشعر مبيعا في الولاياتالمتحدة لعام 2011 كان كتاب "أبراج الحظ للموتي" للشاعر بيلي كولينز وقد بيع منه حتي منتصف ديسمبرالجاري 18 ألفا و406 كتاب. الشاعر السويدي توماس ترانسترومر الحائز علي جائزة نوبل هذا العام صدرت له حديثا في الولاياتالمتحدة مجموعة من أشعاره مترجمة للانجليزية خلال أسبوع حصوله علي الجائزة (10 ديسمبر). بالمناسبة تم تقديرعدد الكتب التي تم بيعها في الولاياتالمتحدة خلال السنوات العشر الماضية قبل حصوله علي جائزة نوبل ب 12 الفا و300 كتاب فقط. في حين يقدر عدد النسخ المرتقب طبعها لأشعاره في الفترة المقبلة بما يزيد عن خمسين ألفا. بيت موريسون وقارب هيمنجواي وطالما نتحدث عن أصحاب نوبل أذكر أن الكاتبة الأمريكية توني موريسون ( وقد حصلت علي جائزة نوبل عام 1993) فاجأت الحاضرين للقاءها في مهرجان الكتاب الوطني في واشنطن بأن لها رواية جديدة باسم "البيت" ستصدر في الربيع المقبل. موريسون كانت كعادتها ( وهي ذات 80 ربيعا ) متألقة ومنطلقة تتحدث بحماس عن لحظة استرجاع الماضي ومعايشته من جديد من خلال الابداع والكتابة وأيضا عن لحظة التدريس وهي ما تقوم به حتي الآن--- وهناك عقول شابة ومتوثبة تتحدي منطقها ونظرتها للحياة ( كما قالت). الرواية الجديدة حسبما ذكرت مجلة "لايبرري جورنال" تقع في 160 صفحة وأنها "مثل موسيقي الحجرة" وتتناول عودة فرانك موني من حرب كوريا الي بلدته وهو محطم جسديا ونفسيا ليعيش مع أخته في تلك البلدة الصغيرة في ولاية جورجيا وهو يحاول معها أن يلملم أشلاءه المحطمة والمهشمة ويجد معني لحياته. ولعل ما يلفت انتباه واهتمام العاشق للأدب والكتب هذا الاحتفاء والاحتفال بالكاتب الأشهر ارنست هيمنجواي بمناسبة مرور 50 عاما علي انتحاره في عام 1961 قبل أن يحتفل بعيد ميلاده ال62. اذ صدر كتاب "قارب هيمنجواي" وعنوانه الفرعي "كل ما أحبه في الحياة وفقده مابين 1961 1934 " للمؤلف بول هندريكسون. والكتاب يقع في 530 صفحة ويعد رحلة ممتعة في تفاصيل حياة الكاتب. كما صدر الجزء الاول من رسائل هيمنجواي والمنتظر صدورها في أكثر من عشرة أجزاء. بالاضافة لرواية تسمي "زوجة باريس" للروائية بولا ماكلين تتحدث عن زوجته الأولي هادلي ريتشاردسون. ارنست هيمنجواي يعاد اكتشافه من جديد أو يعاد تكريمه ومازال له قراء في القرن الحادي والعشرين. وفكرة تراودني مع كل كتاب ولا شك أن المكتبة والكتب تعني الذاكرة والحلم. ومن هنا تأتي أهمية الكتابة وقيمة الكتاب. فميلان كونديرا الكاتب التشيكي المعروف في حركة ومفهوم"ربيع براغ" له في هذا التوجه تعبير أو توصيف جدير بالتأمل لدور الكاتب اذ يشير الي أن دور ومهمة ورسالة الكاتب هي أن يحافظ علي الذاكرة ويحميها تلك الذاكرة التي يحاول أن يمحوها أو يجعلها "قصيرة الأمد" أصحاب السلطة والقرار والنفوذ. ومن هنا تأتي قيمة القراءة التي تنعش الذاكرة و"تعيش وتفتكر" و"تقف بالمرصاد طالما لك ذاكرة وضمير" ونعم أدرك تماما أن كل حكاية من الحكايات السابقة في العشق والهيام بالكتاب في حاجة ماسة الي سرد أطول وتأمل أعمق وأيضا في حاجة الي صفحات أكثر تعكس وتجسد وله القراء وهم عشاق النسخة الورقية للكتاب بغلافه وصفحاته وملمس أوراقه وتقليب صفحاته. الا أن مع نهاية عام قديم وبداية جديد منه قلت ما قلت وكتبت ما كتبت ليكون تذكرة وتحية وتقدير ل"قيمة" الكتاب ومكانته في حياتنا. تذكرة ليست لكي تلهينا و"تطبطب علينا" طالما نحن ننتمي ومنذ فترة لمن أدركتهم متعة القراءة (ونحن قلة مع الأسف) بل لكي تحفزنا وتدفعنا لنشر الكتاب وبث حبه والعمل من أجل تواجده في يد وأمام عين كل طفل وطفلة وكل صبي وصبية وكل شاب وشابة أينما كانوا.. الانسان القارئ (كما نعرف جميعا) لا يقول أبدا "احنا مالنا" و"بالطبع رغم اعترافه بخصوصيته واعتزازه بها الا أنه لا يتردد في أن يتعرف علي تجارب الآخرين ويستفيد منها وقد يتبناها باختياره ..".وعالمنا سيكون أفضل اذا قرأنا وعرفنا واحترمنا بعضنا البعض وقدرنا قيمة كل واحد منا ..والانسان القارئ والمطلع قادر علي مواجهة هذه التحديات وايجاد حياة أفضل.