شُغلت بمتابعة ذكري دجاج يتقاتلان في ضراوة.. يتهلل وجهي انفعالاً لكل نقرة مباشرة يتطاير لها زغب رأس.. أتحامس مع أي خمشة لعرف أو رقبة تتقاطر علي أثرها نقاط دم.. أشجع كل هجمة موفقة يتراجع لها غريم، رجوع متحفز لِكَرّة مباغتة.. يلملم أحدهما أشتاته ليعاود هجوماً مضاداً لا يعرف هوادة أو مهادنة. دجاجات ينبشن بأرجلهم غير بعيد بين مخلفات أذرة رفيعة في شغل عن المتعاركين. مثير أمر الذكور.. لا يقبل أحدهم تدخل آخر ليجوس خلال أرجاء محميته، حتي بين العجماوات.. تري أيهما هابيل ؟!! ... لم يتح لي الوقوف علي نتيجة المعركة، إذ فاجأني صوت غضوب لأبي مستدعياً.. أوليت حلقة الموت ظهري أثر سماعه، وأسرعت إليه متوجساً. وجه اربد، وتجهم فتقلصت تقاطيعه بصورة تنذر بسوء عاقبة أمر جلبته علي نفسي.. انكمشت متداخلاً في بعضي، وتباعدت قدر الإمكان في وقفة متخاذلة نكّست معها رأسي في صمت.. وثقت تماماً، أن توبيخ أبي، وتقريعه له ما يبرره.. جاهدت مفتشاً بزوايا ذاكرتي عن هنة، أو صبوة قد تكون سبباً لغضبة أنال من جرائها ما أكره. رفض قاع معتم لذاكرة أن تجود بما ترسَّب بجنباتها، كأنما تتآمر علي إحراجي، والنيل مني. مال صوت محتد إلي هدوء، ولانت سريرة بانفراجة تقاطيع وجه لتشملني نظرة حانية بعد تعنيف.. يدان ارتفعتا جهة السماء، وكفان انبسطتا في رجاء، وتوسل للمولي أن يمنحني الهداية، وصلاح الحال. مجهول يحرك الثُّفْلَ بقاع الذاكرة، لأفطن إلي ما كلفني به أبي، وغفلت عنه.. يأخذ الخزي بتلابيبي، ويتصاعد الدم إلي وجهي لأشعر بحرارة خجل معترفاً بتقصير مشين.. أمضي إلي الحقل دون حمية تذكر. مرأي فتاة ناهد بالطريق تحمل جرة مملوءة بالماء، أخرجني من حالة إحباط استولت علي مشاعري لتعود نفسي إلي سابق سجيتها. كيف رأيتها جميلة !!.. أعتقد أن المرأة هي أجمل مخلوق صوّره مبدع الأكوان... ولعل الجمال، هو ذلك الاتساق الذي يوفق بين العناصر، فيصل بينها علي نحو يوقع الانسجام في المشاعر، والعقول، كما يقول بعضهم، فيحقق أقصي درجات التناغم. أجزاء متفرقة ابتلت بجلبابها، والتصقت بجسد الأنثي فأبرزت، وجسَّمت ما تحت الشرنقة من خبايا.. شهوة التّملي من الأشياء المثيرة التي تستهويها النفس استوقفتني. .... يا لهذه الملابس الملتصقة بأجساد العذاري !! إنها تتلمس كل نتوء، ومنحني متحسسة النهود، والأرداف، والأفخاذ.. تصل إلي كل ما يحلم به المأخوذ بالقامات الغضّة المتثنية.. تطًّلع علي كل أسرارها، وخباياها حتي تلك التي لا تراها صاحبتها، ولا تصل إليها.. تعانق أشد الأماكن حساسية، وأكثرها خصوصية دونما خجل أو حياء. آه، لو تنطق مثل هذه الأشياء الصامتة في أبدية.. ساعتها لا أدري، إن كنت سأرسف في قيود استرقاق ظالم، أو أتواري كراهب في صومعة متجاهلاً عيوناً مكحولة، وكعوباً خُضّبت بالحناء. سلك بي قوام الهيفاء دروب عالم ساحر غامض استلطفته، ولم أنكره. نظرة عطشي انبثقت من ثنايا عباءة مراهقة طازجة تحن لرشفة من صاحبة الجرة. لم تتح الغيداء مجالاً لعبث بدت ظواهره أن يستشري، فدهست نبتة في مهدها، حتي لا تتطاول أو تتسامق.. تقطيبة خفيفة علت جبهتها الملساء، وزوت ما بين حاجبيها في تعال ظاهر.. لمعت عيناها، وضَمّت فمها بشدة، ربما لما ذهبت إليه بفكري. جنحَت إلي جانب من الطريق مُزْوَرَّة في استياء مبين، فليس لكل ظامئ ينهل من أي سبيل يصادفه. جلس أخوها الشاب مع صديق له غير بعيد من باب الدار، منهمكا في لعبة ال «سيجة «.. اختلس الصديق نظرة ذات مغزي للجسد الفائر، تتسم بسيطرة الذكر الواثق من استجابة الأنثي، لم يفطن لها أخوها. انحسرت التقطيبة فجأة كما بدأت، لتبتسم هذه في غنج صامت، وأخفت نصف وجهها خلف طرحة سوداء رقيقة في تمنع راغبة.. بدت نظرتها المستجيبة، كأنما تنم عن تفاهم كامل لا يدرك كُنْهُهُ سواهما.. نفس هذه النظرة المستترة في دلال، محت أي فرصة لمتدله آخر أن يتجاوز لعابه شفتيه. مضت تتثني تحت أشعة شمس الأصيل، كأنما قدماها تنبشان أديم الأرض لتثيرا غباراً تهيله فوق هامة ظامئ داعبت خياله فكرة طارئة مجنونة. ما طاف بخيالي بدا باهتاً، وقد عميت عيناي من جراء غبار ازورار نالني، وإقبال علي آخر... صوّر لي خيالي، أن ظلها الذي يسعي خلفها، ويلازمها زاحفاً في دأب فوق سطح الأرض يسخر مني مخرجاً لي لسانه. ... تذكرت المعركة الحامية بين ذكري الدجاج، وأوليتهما ظهري.