"التقارير حول وفاتي سوف تحتوي الكثير من المبالغة" هكذا قال مارك توين الذي بالرغم من مرور مائة عام علي وفاته في 21 إبريل1910، إلا أنه طبقا للمقاييس الأدبية يمكن إعتباره"لايزال علي قيد الحياة وفي أحسن صحة"، فكتبه لازالت مطلوبة بشدة في سوق النشر، وكل يوم نري جديدا حول حياته وأفكاره. في إبريل 2009 تم العثور علي مجموعة قصصية مفقودة لمارك توين، صادرة عن دار نشر"هاربر ستوديو" جمعها روبرت هيرست في كتاب يحمل عنوان"من هو مارك توين"، ولا يزال هناك الكثير لم يكشف عنه، طبقا لتصريح دار النشر. لكن هناك جانب معروف بالكاد عنه وهو كونه قارئا أدبيا رفيع المستوي، الدليل علي ذلك اكتشف حديثا، بمكتبة صغيرة تقع في"ريدينج"،حيث ظلت المئات من مقتنياته من الكتب مغمورة لأكثر من مائة عام، تكمن أهميتها في أن صفحاتها محشوة بملاحظات كتبها بخط يدة، بخربشات تكاد تكون غير مقروءة، ظهر منها صعوبة سيطرته علي إنفعالاته عندما يسجل ما لم يرق له في تلك الكتب، علاوة علي نفاد صبره لدرجة يصبح معها غاية في القسوة في تعليقاته، كما تبدو قواعد اللغة في تلك التعليقات أحيانا خاطئة، تفتقد جاذبية أسلوبه المتميز، والآن ولأول مرة تم تعديل ذلك الجانب الغير معروف في توين مرة تلو الأخري من الدارسين، وبمناسبة الإحتفال بمئوية توين منحت تلك المكتبة لصحيفة"نيويورك تايمز" الحق في فحص ذلك الكنز الدفين من الكتب و الملاحظات المكتوبة و العلامات التي تركها توين علي هوامشها. منها تعليق بكتاب ملفيل"ساراتوجا في1901 حيث خربش عليه عبارة"تهريج شخص أبله"، حتي أصدقائه مثل الشاعر روديارد كيبلنج لم يسلم من لذعات سياطه، وهو الحاصل علي درجة فخرية من"أكسفورد"مع توين سنة1907، فنجد أنه لم يستطع مقاومة تغيير كلمة"ناضل" إلي"لهث" علي نسخة من كتاب كيبلنج"أناشيد دورية،وأغاني شعبية معارضة، وأشعار أخري"، و بعد صفحتين بدل فصلة بعلامة تعجب، وما لبث كلا من صامويل جونسون و روبرت لويز ستيفنسون أن إنضما إلي قائمة التوبيخ اللغوي، حيث علق ماك دونيل هاوي جامع الكتب النادرة، الذي يقتني أكثر من مائة وخمسين كتابا كانت لدي توين أنه:" قادر علي تجريح الكتب، وقد رزخت كتب مكتوبة شكل سئ تحت وطأة تعليقاته". الأهم أن تلك الكتب تحكي للأجيال القادمة ما كاد ينسي، وتثبت سجلات المكتبة إن توين و إبنته كلارا الوحيدة التي بقيت علي قيد الحياة، منحا المكتبة الجديدة ما لا يقل عن1751 كتاب، وكتبه القديمة لازالت تحمل أرقام كتبها بخط يده بالقلم الأحمر، ولعقود طويلة سمحت المكتبة باستعارة تلك الكتب مما أدي لتدهور حالتها، كما أنه في بداية الخمسينيات عندما ضاق المكان، تخلص أمين المكتبة وقتها من رفوف كاملة من الكتب، وباع حمولة سيارة منها لتاجركتب مقابل 20 دولار، وأدركت المكتبة متأخرا أنها ألقت بتلك الكنوز، عند طرحها بالمزادات، فتداركت الأمر بحماية ما تبقي لديها. إنطلاقا من تلك الكتب نستنتج أن توين كان قارئا نهما لعوالم بعيدة عن دور البرئ عديم الخبرة الذي كان توين يمثله أحيانا، والكثير منها تتعلق بمواضيع استعان بها توين في كتاباته مثل ملاحة البواخر ودراسة جوسيا فلينت ويلارد لعالم الصعاليك، كما لامست موضيع متعلقة بالسياسة و الدين و التاريخ، وإمتلك كلاسيكيات قديمة، مثل كتب الأساطير الشعرية، و القرآن و الإنجيل، وأعمال معاصريه أمثال إتش جي ويلز، وجوزيف كونراد، و تشارلز داروين، علاوة علي إمتلاكه القدرة علي إكتشاف المواهب، و سخائه في الإنفاق علي تلك الكتب حيث سدد150دولار ثمنا لكتاب" حول العالم في80 يوم"، حتي يتمكن من مشاركة زوجته في قراءته، طبقا لما كتبه بالقلم الرصاص علي غلافه،وذلك السخاء انطبق أيضا علي كتب حول أماكن بعيده، أحدها دليل جولة علي الأقدام في فلورنسا، دفع توين لشراءه مبلغاً كبيراً لتوبيخ مؤلفينه سوزان و جوانا هورنر للإستخفاف عند كتابته، وآخر يعود لسنة1878 عنوانه"مذكرات هانز هندريك، الرحالة القطبي"، الذي كتب عليه أنه مترجم عن لغة الإسكيمو، ومنحه توين تقديرا نادرا حيث كتب علي غلافه"إنه كتاب نادر ثمين"....