» العنقاء المديح المنمق« هو عنوان الرواية الأولي للكاتب السوداني الشاب مازن مصطفي. الرواية، وهذا للتحذير، ليست رواية بالمعني المعتاد والمتعارف عليه. منذ فصولها الأولي نري شذرات أقرب لقصائد النثر، تحتوي علي نوع من الفلسفة العميقة والتأمل المغرق للتفاصيل، التي تدور في متاهات يبدو أن أساسها يقع في »ألف ليلة وليلة«. يبدو أن للكاتب مشروعاً مختلفاً عن كل ما يكتب حالياً، ثقافته مستمدة من الفلسفة بشكل أساسي، وهذا هو النص الذي يكتبه. بدأ مازن في كتابة روايته عام ألفين وتسعة، وانتهي منها عام 2011، ظل لعامين يجلس علي الرواية لمدة ثماني ساعات يومياً، لا ينهي يوم العمل إلا قبل الخروج بفقرة كاملة. حدثت انفراجة لديه في الفصل الخامس كما يقول، صار يكتب صفحات كاملة بسهولة شديدة. قرر نشر الرواية قبل أن يأخذ قراره النهائي بالعدول عن النشر. ليست لديه أية مشكلة مع النشر الإلكتروني، قبلها نشر عملا له بعنوان »الأعزل« إلكترونياً، ولم يحز صدي إلا بين الدائرة القريبة منه، ولكنه كان خائفاً من النشر الورقي، كان يتعامل معه كأنه نوع من التخليد الأبدي لشيء غير خالد، كالبصمة مثلاً، بحسب تعبيره. أسأله عن التصنيف الأدبي لروايته. لماذا أطلق عليها »رواية«، بينما يمكن تصنيفها تحت مسمي واسع وفضفاض وهو »نصوص« مثلاً؟ هناك دائماً مشكلة داخل النقد تتعلق بالتصنيف الأدبي. إمبرتو إكو يقول أن الشيء الوحيد الثابت داخل الرواية هو احتواؤها شخصيات. بالإضافة إلي وجود أعمال أدبية كثيرة تخلط السرد بالمقال والمذكرات. السؤال ليس »لماذا سميت عملي رواية« وإنما لماذا لا أسميه رواية. هي تسمي رواية لأن كل النصوص مترابطة بداخلها وتحتوي علي الوحدة الضرورية وتعتمد علي التسلسل وعلي ضرورة قرائتها من أول صفحة للصفحة الأخيرة، وعلي شخصيات موجودة، بالإضافة لوجود الحبكة، صحيح أن نسقها مختلف، ولكن مفهوم النسق نفسه قد تغير. - ربما يتعلق هذا بشكل المتعة في الرواية. أنا تذوقت فقراتها كشعر، لا كسرد يعتمد علي الأحداث والحبكة؟ في الفصول الأولي المتعة تكون شعرية تماماً، أما الرابع فهو فصل نظري خالص، يختلط فيه السرد بلغة التقرير الصحفي. ثم يستطيع القارئ المواصلة حتي النهاية. أنا لا أقدم موضوعي بسهولة من البداية. الموضوع يتم بناؤه داخلا الرواية، (يضحك) لو كنت أعرف ما أريد قوله من البداية لقلته. المشكلة أنني أثناء الكتابة أعرف ما أريد الكتابة، ليس قبل هذا. أي كتابة في العالم لها شفرة خاصة، وهناك وقت يأخذه القارئ لفك الشفرة، وبعد فكها يندمج داخل العمل. أعتقد بمنتهي الصراحة أن هناك مشكلة كسل في القراءة. هناك تعود علي شكل محدد من أشكال الجملة. ألم تفكر في الكتابة عن السودان بخصوصيته، خاصة في ظل وجود هذا التشوق لاكتشافه. بشكل مباشر تماماً فسؤالي هو ألم يراودك أي هاجس استشراقي لدي كتابة الرواية؟ أنا أري أن هناك معادلة للانتشار عربيا وللترجمة علي مستوي العالم، وهي تقديم فكرة المجتمعات المجهولة ببعض الزخرفات الفلكلورية، مع بعض الادعاءات، أقول مثلا إن القرية التي أكتب عنها تختلف تماما عن قرية »الطيب صالح« (يبتسم). كما أن هناك لعباً دائماً علي النازحين والمهمشين والجياع. هذه التيمات استهلكت تماماً وأصبحت دعائية. سأسألك بدون ادعاءات، لدي فكرة وهي أنه يصعب إدانة الميل الاستشراقي هذا للنهاية. أنا مثلا استمتع أكثر بالأعمال التي تحكي عن بيئات مجهولة وعن طقوسها الاجتماعية. أعتقد أن هذا موجود لدي أي قارئ. - طيب. وأنا أكتب عن هواجسي بوصفها مجتمعا آخر (يبتسم). لا نحتاج لزرافات وغابات أمازون لكي نثير دهشة الآخر. أنا أصلا مندهش بالاختلاف العادي بيني وبين أي فرد آخر. نائل الطوخي