"كتب اسمه علي الحائط، كي يتذكر العابرون أنه مر من هنا/ كتب اسمه وذهب/ وحين عاد/ حاول عبثاً أن يتذكر/ من هو هذا الاسم المكتوب علي الحائط".. كانت تلك قصيدة "الذي عبر اسمه" للشاعر اللبناني وديع سعادة، من ديوانه الأخير "من أخذ النظرة التي تركتها أمام الباب؟"، والذي نُشر إلكترونياً فقط علي موقع الشاعر احتجاجاً علي سياسة النشر، في الوطن العربي، السياسة التي لا تحترم المبدع. لم يكن غريباً علي سعادة أن يكتفي بالنشر الإلكتروني، فقد وزع ديوانه الأول "ليس للمساء أخوة" باليد علي الأصدقاء. ويعدّ الديوان الأخير هو الحادي عشر في رحلة سعادة، والتي بدأت بمولده في قرية "شبطين" في شمال لبنان 1948، واستمرت ولا تزال في شبابها. عمل في الصحافة اللبنانية، ثم لندن وباريس إلي أن استقر به الحال في أستراليا لأكثر من عشرين عاماً وإلي الآن.. حول الديوان الأخير كان لنا ذلك اللقاء عبر البريد الإلكتروني مع الشاعر وديع سعادة. دائما تمر بتجارب مع نشر أعمالك الشعرية.. ففي البداية حين كتبت ليس للمساء أخوة سنة 68 لم ينشر ووزع باليد في أوائل 1973.. لينشر بعد ذلك في 1981 فماذا حدث وقتها؟ وزعت »ليس للمساء أخوة« عام 73 بيدي في الشارع كي أري كيف ينظر الناس الي الشاعر وإلي الشعر. ثم نشرته عام 1981 بعدما أضفت اليه عدداً من القصائد. ضمت هذه المجموعة 52 قصيدة هي نتاج 13 عاماً، فأنا مقلّ في الكتابة كما تري. والآن لماذا ترفض ان تنشر الديوان الأخير ورقيا بل إلكترونيا فقط؟ ألا تري أن ذلك به شيء من الأنانية منك وبخل علي القارئ الذي ينتظر عملك؟ بالعكس، نشره وتوزيعه إلكترونياً يجعله يصل إلي عدد أكبر من القراء، ومجاناً. لماذا يفتقد الوطن العربي أبجديات النشر أو بالأحري احترام الإبداع؟ من حق الناشر أن يكون تاجراً ولكن ليس من حقه أن يهضم حقوق المؤلف. أري أنك مولع بالمساء الذي ليس له أخوة فهذا برز في أول ديوان لك والذي يحمل الاسم وفي الديوان الأخير الذي تؤكد فيه في إحدي القصائد انك قلت مرةً : ليس للمساء اخوة.. فما سر المساء عند وديع؟ ربما هي الرغبة في التدرج من الشيخوخة إلي الطفولة وليس العكس، كما كتب الناقد عصام محفوظ عن مجموعتي الأولي " ليس للمساء إخوة ". سركون بولص ذكرته في الديوان الأخير وله قصيدة أخري في ديوان سابق.. فهل كان بولص هو الشاعر الأقرب إليك؟ حدثنا عنك وعن بولص معا وكيف التقيت به؟ تعرفت إلي سركون سنة مجيئه إلي لبنان عام 1968. أمضينا معاً سهرات مفعمة بالشعر وبالتحدث عن الحياة، في بيروت وفي بيتي في قرية شبطين حيث كتب هناك قصيدته الشهيرة "آلام بودلير وصلت". وبعدما هاجر إلي سان فرانسيسكو تبادلنا الرسائل، ثم عدنا والتقينا في أثينا، وفي مهرجان "لوديف" في فرنسا قبل أيام قليلة من وفاته. كنت أشعر بحميمية عميقة مع سركون، فسركون لم يكتب شعراً فحسب بل عاش الشعر أيضاً. يبرز في الديوان وجودية تسيطر علي نصك في حديثك عن الحياة والموت.. فما الفلسفة التي تتبناها في مسألة الحياة والموت؟ في الحياة أتبني فلسفة الإنسانية، أما الموت فلا فلسفة له بل فقط أدرب نفسي علي مصادقته. لماذا تلقي كل شيء في القمامة يا وديع (قصيدة في الديوان) ؟ لا بل أنا أقول: " لا ترمِ شيئاً في القمامة يا وديع قد يكون ما ترميه رفيقاً يريد أن يبقي معك قد يكون فماً يريد التحدُّث إليك لا ترمِ شي قد يكون ما ترميه قلبك". كيف يتم استدعاء التجربة الانفعالية في الكتابة.. أم أن الكتابة وحي.. او كما يقول بول فاليري "الآلهة تمنحنا مطلع القصيدة ونحن نكملها"؟ شخصياً تأتي إليَّ القصيدة من تلقائها حين تتوفر لها الأجواء، ولا دخل للوحي في ذلك. ماذا تمثل لك الكتابة؟ ولماذا تكتب؟ الكتابة هي محاولة يائسة لتجميل العالم. إنه الوهم، أعرف. لكنه الوهم الأجمل، وعلينا أن نحتفظ به، وإلا ماذا سيبقي لنا إن تخلينا عنه؟ من الشخصيات التي أثرت في حياتك بشكل عام والشعراء الذين غيروا تفكيرك بشكل خاص؟ كل الذين قرأتهم تركوا أثراً في روحي، وكذلك الذين استمعت إلي موسيقاهم والذين رأيت لهم لوحات تشكيلية أو أفلاماً إلي كل ما هنالك من أمور حياتية أخري. لا أحد ينصف إن عدد بأسماء محددة الذين تركوا أثراً في حياته. عملت في الصحافة في بيروت ثم لندن وباريس واستراليا. هل أثرت الصحافة في لغتك ودعمت نصك أم العكس؟ الصحافة تجعلك علي تماس مباشر مع كل ما يحدث في العالم، وهي بذلك تدعم الشعر وتجعله أقرب إلي العالم وأعمق. لماذا أحببت العزلة في استراليا؟ لأن دولنا العربية تضيق بالإنسان. تمت ترجمة أعمالك الشعرية؟ فما الإضافة التي قدمتها لك الترجمة؟ الترجمة أضافت إليَّ شاعراً بلغة أخري. ألم تخش من فكرة خيانة النص؟ أعتقد أن فكرة خيانة النص هذه فيها شيء من المبالغة. حزت علي جائزة ماكس جاكوب الفرنسية في الشعر.. وهي من أهم الجوائز في المشهد الثقافي الفرنسي.. حدثنا عن تجربة الجائزة وكيف استقبلت الخبر؟ كل مكافأة معنوية يستقبلها الشاعر بالشكر وكتعويض عن خسارات مادية، وأنا هكذا استقبلت هذه الجائزة. ألم يؤلمك ان تتكرم في بلاد أجنبية تقدر شعرك بينما الثقافة العربية غافلة عنك؟ الثقافة العربية غافلة عن أمور عديدة أخري كذلك وليس مهماً حينها أن تكون فقط غافلة عن الشعراء. ما رأيك في جوائز الدول العربية في الأدب بشكل عام والشعر بشكل خاص؟ تبقي أفضل من عدمها بغض النظر عن المآخذ التي توجه إليها. كيف تري المشهد الشعري الآن في الوطن العربي؟ يبقي الشعر العربي في جميع حالاته أفضل من السياسات العربية. ربيع الثورات بدأ في تونس ثم مصر واليمن ولا يزال الثوار في ليبيا وسوريا ينشدون الحرية.. كيف تري هذه الثورات؟ ثورات كان لا بد منها لكنها لا تكتمل إلا بتغيير الذهنية العربية. هل تستطيع الدول العربية أن تمارس الحرية والديمقراطية يوماً ما كالغرب؟ إذا تغيرت الذهنية نعم، وإن لم تتغير فلا. والدليل ما جري في مصر من اقتتال طائفي ومباشرة بعد الإعلان عن انتصار الثورة . هل تعتقد أن لبنان سيكون علي خريطة الثورات العربية؟ الذهنية اللبنانية لم تغيرها حتي الحروب، ولا أظن أنها الآن ستتغير. لا تفكر في العودة إلي لبنان بشكل عام وفي حال اندلاع ثورة هناك بشكل خاص؟ لا أفكر الآن في ذلك.