تفرض اللحظة الراهنة ضرورة تفعيل دور الثقافة في المجتمع، وخاصة ثقافة التنوير التي تقوم علي بلورة الرؤية المستقبلية للعقل المصري من خلال الجدول العقلاني الفعال القائم علي الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر. وهذا لن يتم إلا من خلال نوافذ ثقافية تقوم بنشر هذه الثقافة، وتصل برسالتها إلي من يحتاجها بالفعل من مختلف الأجيال والتيارات. وربما هذا ما تحاول القيام به بعض المطبوعات الثقافية - في مصر - علي قلتها - رغم أن عدد السكان عندنا يتجاوز الثمانين مليونا، مثل »أخبار الأدب« و»مجلة أدب ونقد« و»الثقافة الجديدة« وهي مطبوعات مستمرة في الصدور بشكل منتظم ، بالإضافة إلي مجلتي »إبداع« و»الشعر« واللتين تصدران بشكل فعلي. وإذا كانت ثورة يناير قد طرحت مفهوم »التنوير« بشكل واسع سياسيا واجتماعيا وثقافيا فإن قطاعات واسعة من المجتمع متعطشة للثقافة باعتبارها حجر زاوية للإصلاح، وقد بدأ المثقفون يحسون بهذا الدور فظهرت إبداعات شعرية وقصصية وفنية مختلفة في الفن التشكيلي والسينما والمسرح لتواكب الفورة الروحية والوجدانية التي بثتها الثورة في نفوس الجميع، وللحق فقد بدأت »أخبار الأدب« في أعدادها الأخيرة في مواكبة الحدث بما يفرضه من حتمية التغيير، فجاءت أعدادها لتمثل حالة توثيقية لما يحدث بداية من العدد الذي حمل عنوانا رئيسيا هو »يوميات الغضب والثورة« وعنوانا فرعيا هو »مصر جديدة بتتولد«، وتلاه العدد المعنون ب»سلام علي مصر« والذي تضمن إبداعات مصرية وعربية من مختلف الأجيال والتيارات، ولم يغب عنها ما يحدث من ثورات في الدول العربية وأصدق مثال علي ذلك العدد الذي حمل عنوان »ليبيا مرحبا أيتها الحياة«، ثم جاء عددها الذي رصد بعض الممارسات الأمنية التي كان يعانيها المثقفون الذين ذاقوا مرارة السجون والمعتقلات وهو عدد »أدب السجون«. وقد واكبت ذلك مجموعة من الندوات المختلفة التي أقيمت في محافظات مصر منها الندوة التي عقدت في »مركز الابداع« بالاسكندرية وأدارها الشاعر جابر بسيوني في حضور نخبة من أهم مبدعي الثغر ومنهم: سعيد سالم،مهدي بندق،ومحمد الجمل،ماهر جرجس،أحمد مبارك، منير عتيبة، ود.عادل ناشد، وحسام عبد القادر، وشوقي بدر يوسف،مفرح كريم ومني عارف وتحدث فيها مصطفي عبدالله مؤكدا أن الاسكندرية هي جزء أساسي من تكوين الابداع المصري عامة، ومن تكوينه النفسي بصفة شخصية، مشيرا إلي أن القيمة الحقيقة للثورة هي أن نجعل الشباب يتبوأون أماكنهم الحقيقة في مصر، لأن الثورة أرست مبدأ مهما وهو »الاصرار علي النجاح«.
وطالب القاص محمد عبدالوارث بضرورة تحري الموضوعية والإجادة في المواد التي تنشرها الجريدة، مع ضرورة فتح آفاق أرحب للمبدعين المجيدين، بالاضافاة إلي اكتشاف المواهب الجديدة في أقاليم مصر بعيداعن الشللية والمحسوبية والعلاقات الشخصية. وأشار الشاعر أحمد شلبي من »البحيرة« إلي ضرورة أن يتعاون الأدباء - جميعا - من أجل استمرارية الجريدة والتي قدمت أعدادا تؤرخ للثورة، مما يجعلها من أهم الوثائق الأدبية، لدرجة أنها لو جمعت في كتاب سيكون كتابا قيما. واتفق مع هذا الرأي الروائي مصطفي نصر. وقد حضر الندوة القاص محمد عبدالله عيسي من الاسماعيلية، وبنفس الحميمية جاءت الندوة التي أقيمت ب »مكتبة دمنهور« التي تديرهاد. عبير قاسم وشارك فيها الروائي الليبي د.أحمد ابراهيم الفقيه ومصطفي عبدالله وكاتب هذه السطور، وتحدث فيها عبدالله عن الأعداد الأخيرة والتي شارك في تحريرها عدد كبير من مثقفي ومبدعي مصري، بعد أن رأوا أن الثورة غيرت كل المفاهيم السياسية والثقافية وأن الثقافة بإمكانها أن تقوم بدورها الرائد في هذه اللحظة الصعبة والفاصلة. وتحدث أحمد ابراهيم الفقيه عن علاقته بدمنهور والتي عرفها قبل أن يزورها من خلال أهم معالمها الأدبية القديمة وهي »مقهي المسيري« الذي قدم صاحبه للمكتبة العربية كتابا عنه قدم له طه حسين ومحمود تيمور. وأضاف الفقيه قائلا: »كلنا نشرب من معين واحد ونسهم في إغناء نهر واحد هو نهر الأدب«. والثورة الليبية هي أحد التجليات الجميلة للثورة العربية الراهنة، فالنظام الليبي قد وضع العقول المفكرة خلف جدران مظلمة وأقبية الطغيان، والحجر علي الحريات والفكر والثقافة، فقد كانت هناك - دائما - حرب شعواء ضد الإبداع، فقد أعلن »القذافي« أنه »لا نجومية في المجتمع الليبي« فأراد أن يمحو كل الأسماء إلا اسمه، فقدم ديكورا تعيسا، لذا لم يظهر وجه »ليبيا« الإبداعي في الفن والأدب بالصورة التي ظهر بها في كثير من البلدان الغربية وقد جسد عنوان أخبار الأدب »ليبيا مرحبا أيتها الحياة« اللحظة الراهنة، فليبيا الرافضة لنظام القذافي قد خرجت بالفعل الي الحياة، حين خرجت جماهيرها لترحب بالحرية، ولتتواشج ثورتها مع الثورات التي سبقتها في تونس ومصر، وجاءت ثورتها من أجل إعلاء مباديء حقوق الانسان. وقرأ ماجد الجزار الورقة التي أرسلها الفنان التشكيلي عزالدين نجيب الي الندوة ومنها: »أجد دائما لكلمة الوطن معني أعمق مما استهلكته كلمات السياسة والمثقفين، وأجد في عطاء الأدب والفن من أبناء مصر المنسيين ذاكرة جديدة أكثر صدقا من حسابات المنافع والجوائز والأشخاص«.