خلصت ندوة »الفلسفة والثورة« التي نظمتها لجنة الفلسفة بالمجلس الأعلي للثقافة إلي ضرورة إحداث ثورة في الفلسفة ذاتها مؤكدة علي صعوبة التنبؤ- الآن- بأية سيناريوهات لمستقبل الثورة حتي هذه اللحظة.. جاء ذلك في تعقيب أنهي به د. مصطفي لبيب أعمال الندوة- التي استمرت أكثر من أربع ساعات- مشيراً إلي أن الإنقاذ الوحيد لثورة 52 يناير هو التمسك الشديد بالمواطنة، من خلال المجتمع المدني، لإحداث التوازن الواجب بين الحقوق والواجبات. جاءت الندوة علي مدار جلستين ترأس الأولي د. محمد السيد، وفيها أشار إلي أن المأزق الذي يجد الفلاسفة أنفسهم فيه حين يعالجون موضوعات تتعلق بأحداث أو وقائع جارية، وحين يتعلق الأمر بالثورات يصبح أكثر صعوبة، وأن ثورة 52 يناير هي الثورة الأسطورة، لأنها خالفت توقعات الخبراء والمحللين، لافتاً إلي أن استثنائية جيل الثورة في أنه خرج من كنف وقار المجتمعات الأبوية حيث الطاعة الواجبة في كل الأحوال، فكان هذا الجيل »الجديد« الذي نشأ علي مواقع الفيس بوك، تويتر، جوجل، متقوقعاً علي نفسه معزولاً عن الصراعات السياسية، منكفئا علي شاشات الكمبيوتر بالسطحية والعبث واللامبالاة. وأكد د. السيد في مقدمته أن الأنظمة الشمولية أصبحت خرافة تجاوزها الزمن، فالعصر الرقمي، سينهي سلطة الدكتاتوريات ليبدأ عصر الديمقراطية الجديدة. وحول العلاقة الجدلية بين الفلسفة والثورة تحدث د.»مجدي الجزيري مشيراً إلي أن الفلسفة بطبيعتها ثورية، تؤكد النزعة النقدية، وترفض مبدأ القداسة، وتأليه البشر.. كما أنها تؤكد قيم الحق والخير والعدالة. وثورة يناير بدأت من مبادئ وقضايا وشعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهذه قضايا انشغل بها الفلاسفة، حيث تجد الواقع المصري علي مدي ثلاثين عاماً، وجاء احترام الغرب لنا لأننا تمردنا علي جموع المجتمع، لافتاً إلي أن هذا الواقع كان في حاجة إلي خضوع العقل الذي أخذ إجازة طوال هذه المدة، فاختفي، واختفت معه الحرية، والكرامة الإنسانية والفلسفة تؤكد التنوير وهو كما عرفه »كانط« رفع الوصاية عن العقل. وتساءل أين التنوير في مناهج الجامعات؟! وأجاب بوجود تقارب بين الثورة ومنطلقاتها الفكرية وعالم الفلسفة، وأوضح الجزيري أن العالم الافتراضي الذي انطلق منه الشباب لم يكن افتراضياً بل هو عالم حقيقي، فكان بديلاً لواقع الاستبداد الذي كنا نعيشه. وتناول د. رمضان بسطاويسي أثر الواقع الافتراضي علي الواقع العملي في الثورة، مشيراً إلي أن السر في الثورة المصرية يكمن في احترام الحالة العادية والصمت بدلاً من برامج الكلام في الهواء، وأن القوي المساهمة التي أثرت فيها هي مفردات نص الحياة اليومية، وخروج البشر من جدران غرفة الذات الضيقة إلي شارع يضم البشر. وعقد د. بسطاويسي مقارنة بين ثورة يناير، وثورات: عرابي، و9191، و2591.. فقال إن الثورات السابقة لها هدف خارجي واضح يتجمع حوله البشر، لكن ثورة يناير تريد صورة جديدة من الحياة وأهدافها مركبة ومضمرة. وأكد د. بسطاويسي صعوبة الحديث عن فلسفة الثورة المصرية علي النحو الذي كتبه محمد حسنين هيكل، ووضع جمال عبدالناصر اسمه عليه، لأن فلسفة الثورة المصرية هي فلسفة الحياة اليومية في مصر. وفي الجلسة الثانية للندوة والتي أدارها د. مصطفي لبيب تحدثت د. زينب الخضيري مشيرة إلي أن شباب الثورة لم يكن لديهم فلسفة ولا خطة مستقبلية، فقد تجمعوا في ميدان التحرير، والمؤلم أننا ركزنا علي ميدان التحرير وأهملنا الميادين الأخري في المدن المصرية فسلبناها حقوق المشاركة. وأوضحت أن هذه الفلسفة التي تناول التعرف علي بعض مفاهيمها لم يكن لها نص فلسفي انطلقت منه، علي عكس كل الثورات السابقة حتي ثورة 32 يوليو كتب لها عبدالناصر كتابا بعنوان »فلسفة الثورة«، فشبابنا قدموا الجديد، وبدأوا بعكس كل ما تتوقعه كل الثورات.. بدأوا بالفعل قبل التنظير كل ما كانوا يحملونه أمل يشارك فيه الجميع، وألم ومعاناة من النظام السابق. وأشار د. حسن حماد في ورقة بعنوان: »نحو فقه ثوري جديد« إلي أن ثورة شباب 52 يناير لم تكن مثل سابقتها من الثورات التي قامت في مصر أو دول العالم الأخري، لأنها تمثل قطيعة معرفية وتنظيرية مع الثورات السابقة.. وقد عدّد د. حماد بعض السمات والملامح لهذه الثورة بقوله: إنها الثورة الوحيدة التي أعلنت عن موعد بدايتها وهو يوم 52 يناير، ولم يكن لها قيادة كارزمية أو ملهمة، لذا فإنها تؤكد الوعي الجماعي في مقابل الوعي الفردي، وأوضح د. حماد أنه كان من المتوقع أن يفجر المهمشون وجميع الفئات المحرومة شرارة هذه الثورة، ولكن ما حدث أن الذين قاموا بها ومهدوا لها شباب من الطبقة البرجوازية، وكانت حادثة الشاب خالد سعيد هي الشرارة التي أشعلتها. وأضاف: عادة ما ترتبط الثورات بالعنف الدموي وإراقة الكثير من الدماء، إلا أن ثورة 52 يناير بدأت بيضاء. وعن الأسباب الميتافيزيقية للثورة قال الدكتور الصاوي الصاوي أحمد إنها تتمثل في الذكاء الحاد الذي مارسه النظام في قلب الحق باطلاً، والباطل حقا.. والذي سرعان ما انقلب عليه حيث تعامل مع معطيات الثورة بغباء شديد أدي به إلي الانهيار التام.