بهذا البلد.. كنتُ أقسمُ دوماً بهذا البلدْ.. رغم كل الكَبَدْ رغم نبع الشقاءِ الذي يتوضأ آباؤنا منه طيَّ الأبدْ بالعطاءِ الذي يتفجَّر فيه؛ بطاقاته اللهبية؛ بالحزنِ في أعين الصامتين وبالغَزَلِ المتواثبِ عبر العيونِ؛ وبالحلمِ أنسجْه من خيوط البدوْ..
كنتُ أقسمُ دوماً بهذا البلدْ.. بالذين مع الفجرِ؛ ينحدرون إلي النهرِ؛ ينكسرون مع الظهرِ..؛ ينسحبون مع القهرِ.. خلف جدارِ المساءِ ويحترفون الجَلَدْ بالفَرحِ الذابلِ الصوتِ؛ أقسمتُ؛ بالدمعِ بين العيونِ الشواحبْ بالبنادقِ ساهرةً تشرئبُّ؛ وتحنو عليها زنودُ المحارِبْ حيث نامَ الخطيبُ الإمامُ علي منبر الوطنِ المستكينِ.. المُسجَّي الجسدْ كنتُ أقسمُ دوماً بهذا البلدْ.. بالريحِ.. أنْ سوف تأتي..؛ وبالعدلِ أنْ سيضم جناحيه (يحمي الحقيقةَ من لفحةِ الباطل المتوهج؛ تُغشي العيونَ..)..؛ وبالكلمات/ الحرابِ ستنقضُ في الروحِ ما نسجته العناكبْ بالطفولةِ.. أقسمتُ؛ بالغدِّ؛ بالبسماتِ.. وبالزرعِ مخضوضراً؛ كنتُ أهمسُ: »يمكث في الأرضِ ما ينفع الناسَ«.. حين رأيتُ الزَبَدْ: أبنيةً في المدينة تعلو.. وتسمقُ..؛ أرصدةً في البنوك..؛ حُلِّياً تصلُّ بأذرعة العاهرات..؛ وفيِ الكتفينِ فِراءَ ثعالبُُ .. ربما كان من عَرَقٍ يتصبَّبُ من أَوٌجُهٍ.. ران فيها الكَمدْ كنتُ أقسمُ دوماً بهذا البلدْ.. والبناياتُ تهوِي.. وأقسمُ أن سوف تنهض.. حتي رأيتُ المطارات غصَّت بمن يهربونَ.. ولا يرجعونَ..!! رأيتُ المناجلَ لا تحصدُ الزرعَ.. والضرعَ جفَّ..!! رأيتُ السيوف تثلَّم فيها الإباءُ.. رأيت الخيولَ علي ضفةِ النهرِ تضوي..؛ وتهزلُ..؛ تسقطُ ضامرةً فوق أعلافها.. حين تبصر نجمةَ داوود في أفقها تتقِدْ!! والذئابُ يروغون مصطحبين الثعالبْ قلتُ.. قلتُ: لا شيء يُجدي سوي الشعبِ ينشبُ في رئةِ الحاكمين المخالبْ.. البراكين البراكينُ لا تستقرُّ عليها الوسائدُ..؛ هم ينقشونَ علي الماءِ أحلامَهمْ..؛ يبتنونَ من الوهمِ أيامَهمْ..، يحرثون البحارَ..؛ وحين تثورُ الزلازلُ.. لا شيء يبقي.. سوي قبضة الشعبِ حول الرقابْ.. وانطلاقِ الأعاصيرِ؛ من رئةِ المستكينِ، وفي نبراتِ جموعِ الغِضابْ والبراكينُ تحترفُ الصمتَ...؛ لكنها لا تموتُ..؛ وتعرفُ عن قشرةِ الأرضِ؛ مايجهلُ العلماءُ الأساطينُ والسادة الخبراءُ..؛ وتعرفُ ميقاتَ تفجيرِ أحلامِها..؛ وكيف يتمُّ الزَواجُ بين الحقيقةِ والنارِ..؛ في مهرجانِ تقومُ علي جانبيهِ الحِرابْ إذنْ.. إذن فيم يبتسم الحالمونَ بقهر الشعوب؟..؛ وكيفٌ غفتْ فوق حُلمِ الغنيمةِ عينُ الذئابْ؟؟!! قادم علي صهوة الريح ثَمَّ من سوفَ يأتيِ.. سيأتي.. ويأتيِ.. ويأتي.. ملامحُهُ لا تبينُ لنا الآنَ..؛ لكنه قادمُُ.. حاملاً منجلَ الموتِ..؛ يحصدُ كل الرؤوسِ التيِ أينعَتْ؛ والنفوسِ التيِ خنعَتْ؛ والرقابِ التي خِضعتْ؛ والقلوبِ التي ركعتْ؛ والعقولِ التيِ ابتدعَتْ فلسفاتِ المهانةْ والجباهِ التيِ نضحتْ ذِلةً.. واستكانةْ قد يغيبُ قليلاً.. ولكنه قادمُُ يمتطي صهوة الرعدِ.. ممتشقاً عاصف الريحِ..؛ متشحاً بالبروق..؛ ومؤتزراً بالإباءْ يسألُ المارقونَ: متي؟؛ أينِ..؟؛ أو: كيف يأتيِ..؟؟؛ »هل الموتُ يأتي علي موعدٍ..؟؟!!« لا يُعيُر السؤالَ التفاقاً..!!! ويأتيِ.. يباغتُهم بالفناءْ والعروش ».. التي طاولتْ في الفضاءِ السماءْ..« تنحلُّ ذرَاتِ رملٍ مهيل..؛ وتهوي صروحُ الخيانةْ إنه قادمَُ.. حيث يسبق هذا الصهيلُ المدوِّي حِصانَهْ عاجلاً سوف يأتي.. وحتماً سيأتي..؛ فقد صار هذا الأوانُ أوانَهْ..