»إلي أبي القاسم الشابي« »إرادة الحياة« قصيدة الشاعر أبي القاسم الشابي التي أصبح مطلعها الشهير شعاراً ترفعه الجماهير العربية الغاضبة، وقد استلهمت هذا المطلع في قصيدتي هذه التي نظمتها في البحر الذي نظم فيه الشابي قصيدته وهو »المتقارب«، ووضعت لها العنوان ذاته تعبيراً عن التجاوب العميق الذي تحقق في ثورة المصريين والتونسيين ضد حكامهم الطغاة وفوزهم بالحرية. وقد نشرت الصورة الأولي من هذه القصيدة في صحيفة »المصري اليوم« وهي تنشر اليوم في صورتها الكاملة تحية ل»أخبار الأدب« في عهدها الجديد. »إذا الشعب يوماً أراد الحياةَ« فلابد أن يتحرر من خوِفهِ ويحمل في كفِّهِ روحهْ ويسير بها مُوغلاً في الخطر إلي أن يستجيب القدرُ!
»إذا الشعب يوماً أراد الحياَة« فلابد من أن يقوم العبيدُ قيامتَهم يصبرون علي عضَّةِ الجوع لكن علي عضَّةِ القيد لا يصبرون يموتون في أول الليل، إن كان لابد من أن يموتوا لأنهمُ سيقومون في مطلع الفجرِ كي يولدوا في غدٍ من جديدَ! فيا أيها الميتون انهضوا أيها الفقراءٌ الأرقّاُء قوموا قيامتكم أيها الساكنون اللحود! فقد طالما انتظرتكم حياةٌ تظل مؤجَّلةً وشموس بلا عدد لم تروها ومرت عليكم عصور، وأنتم رقود!
»إذا الشعب يوماً أراد الحياة« فلابد أن يسترَْد مدينتَهُ بعد أن أصبحت لمماليك من أهلها شركسٍ وتَتَرْ صيارفة وسماسرة ينصبون موائدهم في شوارعها وحدائقها ولصوصُ ُ يسُكُّون عملْتهم في مساجدها وكنائسها يملكون السماء وما خلفها، والهواء ويحتكرون النَّهَرٌ!
»إذا الشعب يوماً أراد الحياة« »فلابد أن يستجيب القدْر« وهاهو يومٌ يمر، وعامٌ، وجيلٌ، وجيلْ ولم يستجب أحدُ ُ بعد للشعبِ، لم يتململ حجْر! ولم يأتنا من غد نبأ أو دليلْ وقد مرَّ يومُ ُ وعامُ ُ، وجيلُ ُ، وجيلْ وما أمطرتنا سماءٌ، ولا فاض في مصْر نيلْ!
»إذا الشعب يوماً أراد الحياة« فلابد أن يُسقط الطاغية لأن الطغاة هم رسل الموت فينا، وخُدّامه المخلصون وضربته القاضية وإن الحياة تموت إذا لم تكن حرةَ هواء الزنازين سٍُمٌّ زعافُ ُ وورد الحديقة يذبل في الآنية! فلابد أن نسترد شجاعَتنا وننادي جماعَتنا ونسير بأمواجنا العاتية إلي الطاغية نطالبه بالمقابل عن كل ما عرفته البلاد من الجوع والقهر في ظله، والهوان أن يعيد الذي مات حيّاً ومن خاف يشفيه من خوفه، ويعيد إليه الأمان وما سفحته العيون من الدمع يجمعه دمعةَ دمعةَ ويرد الزمان إلي حيث كان!
»إذا الشعب يوماً أراد الحياة« فلابد أن يتحرش بالموت، أن يُنزل الموتَ من عرشِهِ حيث يلقاه في طرقات المدينةّ وجهاً لوجهِ ينازله إن أراد النزال فيغلبُهُ ويجادله إن دعا للجدال فيُسقط حُجَّتَّه، ويدغدغ لحِيَتُه، ويقصقص من ريشه! لا تخافوا من الموتِ، فالموت ليس سوي أن تخافوا من الموت يغلبكم واحداً واحداً فإذا ما أجتمعتم عليه مضي خاسراً خامداً يتخبط في الطرقات، ويهوي صريعاً علي رَفْشِهِ!
»إذا الشعب يوماً أراد الحياة« فلابد أن يتعلم كيف يعيش الحياة بأفراحِها، وبأتراحها كيف يقطف وردتها، ويغالب فيها أساه كيف يفرح فيها ويمرح يبكي ويضحك منها ومن نفسِهِ كيف يخرج من أمسِهِ كُلَّ يومٍ إلي غدِهِ، ويُغذُّ خُطاه! ولابد للشعب أن يتعلم كيف يُغنِّي ويرقص فالأرض تهتّز في وقع أقدامِهِ ويشبُّ علي ظلِّه فيطول السماءْ وكيف يحب الرجالُ النساء! ولابد للشعب أن يزرع القمح فالقمح في رحم الأرض بذرتُنا ودليل قرابتنا وهو جسمٌ وروحٌ، وخُبزٌ وماء شرايين خضراء يمشي دم الأرض فيها وتمشي دماءُ البشَر ولابد في الأرض من كرمةٍ نستظل بها في النهار ونرضع من ثديها في المساء ولابد للشعب أن ينتصر! القاهرة 13/1/1102