أكتوبر الماضي .. كان أول لقاء لي مع تونس .. كنا في وفد حزبي للمشاركة في مؤتمر الشباب العربي .. المهندس محمد هيبه أمين شباب الحزب الوطني اليمقراطي .. والدكتور مجدي علام رئيس الإتحاد العربي للشباب والبيئة .. والدكتور ممدوح رشوان أمين عام الإتحاد .. في الطائرة كانت صورة تونس جميلة من السماء وازدادت جمالا حين هبطنا إلي المطار.. البحر من كل الجهات واللون الأخضر محيط بها .. فالمياه والأخضر يعنيان لأي كائن .. الحياة والجمال والاستمرار علي هذه الأرض.. جلسنا في استراحة كبار الزوار لحين الانتهاء من إجراءاتنا التي قام بها نيابة عنا وفد من الشباب التونسي اليانع .. بينما جلست إلي جواري »بثينة« الشابةالتونسية الفارهة المليئة بالحيوية والنشاط ترحب بنا وتروي ذكرياتها عن مصر وأهل مصر .. وقد بدت عليها علامات الإندهاش عندما أخبرتها أنها زيارتي الأولي لبلادها .. وزاد استغرابها وابتسمت إعجابا عندما تلوت عليها مطلع قصيدة " إرادة الحياة " للشاعر التونسي الكبير أبي القاسم الشابي " إذا الشعب يوما أراد الحياة .. فلا بد أن يستجيب القدر.. ولا بد لليل أن ينجلي .. ولا بد للقيد أن ينكسر" .. هذا الشاعر الذي تحاكي أبياته السهلة العميقة الوجدان والقلب .. لم يكن يعرف أن كلماته لشعبه التونسي التي سطرها علي أرض الواقع ستصدق بعد سبعين عاما من كتابة هذه القصيدة التي تغنت بها كل الشعوب العربية.. و أصبحت جزءا من ذاكرة المواطن العربي .. يا الله .. بيت شعر واحد يتحدث عن إرادة الشعوب .. يخلد شاعرا في ضمير الأمة !.. واليوم قد إستجاب القدر وعاد الشابي حيا يرزق في أذهان كل من سمع بهذه الأبيات .. التي بناها حاملا روحه علي راحته قبل عقود .. وبشّر بالحياة الحرة الكريمة لمن يضحي بحياته من أجل الحرية.. هي إذن معادلة لا تخيب .. التضحية من أجل الحرية بالحياة .. وتوافر الإرادة الحرة عند الشعوب لتتحقق الحياة .. لقد إنحاز الشعب التونسي إلي خيار الإنتفاضة الشعبية .. والصدور العاريه .. وهو يضم صفوفه ويدفن شهداءه وينهض زاحفا إلي وكر الديكتاتورية والقمع .. رافعا راية التغيير .. مصرا علي تحقيق أهدافه .. مهما كان الثمن .. ومهما كانت التضحيات .. فسقط العشرات من الشهداء الأبرار .. أولهم الشهيد محمد البوعزيزي .. الذي فجر الإنتفاضة .. ولن يتوقف صوت هذا الشعب الشجاع .. وهو يجلجل في سهول ووهاد وجبال وسواحل الوطن.. تونس خضرا.. تونس حرة .. حتي تحقيق التغيير الكامل الشامل.. أعود لرحلتي إلي تونس .. فقد تركتُ الوفد الحزبي وذهبت أبحث في تونس عن الفن والسينما والكتب والبحر.. ورافقتني بثينة في جولة سياحية في شوارع وميادين وأزقة المدينة العتيقة.. وأذكر أنني كنتُ أقرأ لها شيئا من نصوصي التي كتبتها من وحي الزيارة .. وكنا نجلس تحت ساعة ميدان بورقيبة .. وأمطرت السماء ولم نغادر المكان وبقينا نقرأ الشعر .. كانت رحلة جميلة وقد أحببت تونس كما لم أُحب مدينة أُخري .. واليوم أتذكرها وأبكي علي شهداء حريتها .. ونفسي أقول لكل شاب وشابة ممن خرجوا إلي الشوارع وترجموا قصيدة أبو القاسم الشابي إلي واقع.."بإرادتكم حققتم هدفكم ".. ولكل واحد في تونس أقول .. يعيّشك.. !