(أراقب شروق روحي من جديد حينما أتي وأهداني بعضا منه ورحل من جديد ) تمر السنوات وأنا قابعة بمكاني ، مجبرة علي السهر الليلي معظم أيام الأسبوع بالمستشفي الذي اعمل فيه ممرضة بسبب ظروفي الاجتماعية..فاصبعي يخلو من خاتم الزواج وليس لدي رجل يحاسبني أو أولاد ينتظرون عودتي ، غير أن قلبي ينتظره _ هو - كل ليلة ، عيناي تراقبه بشغف ووجد، وهو يزاور العشق عن روحي .. كلما حل بالمكان ، تأخدني رجفة ورعشة وتدمع عيناي حين يتحدث إلي عرضا ..أتكتم أمري جيدا وأنا أطيل النظر إلي ملامحه تحت الضوء الخافت أثناء نوبات السهر التي تجمعنا. أتغلب علي ألمي بابتسامة مبتورة.. حينما يصفني كقطعة شيكولاتة خام وانني مثل أخته التي تكبره عشر سنوات ...دمامتي وكبر سني كانا يجعلانه يتحدث معي دون حواجز ويتقبل طعامي الذي أعده له خصيصا ويقبل علي المشروبات الساخنة التي يحبها ونقضي ليلنا : له ليله ولي ليلي الذي أقتات عليه بقية الأيام . أتحسس ملامحي الغليظة وأنا أطالع المرآة الصغيرة التي لاتفارقني ، أنفر من سواد بشرتي الداكن، لم يغازلني رجل قط، لا قولا ولا فعلا . حينما كان يحكي عن معاناته كرجل مع زوجته الحامل والتي تأخر حملها عدة سنوات، كنت أشعر بعينيه تجوب جسدي الأسود الباذخ المشدود والذي تحسدني عليه كثيرات بالمستشفي ..ما أن تصعد عينيه إلي رقبتي ووجهي يتقهقر ويعود أدراجه. اشعر بلهاثه وتلاحق أنفاسه في الثلث الأخير من الليل حينما تهدأ الحركة ويسود السكون وأنا أناوله قهوته السمراء بالحبهان وأشعل سيجارته وقد ارتمي بجسده علي اقرب كرسي . الظلال تنعكس علي وجهه المتعب وعيناه الحمراوين وهو يحكي عن تعنت زوجته حينما يحاول أن يمسها أو يقربها علي استحياء وانه رغم مكابداته لا تراه زوجا مخلصا بسبب صداقاته النسائية المتعددة غير الموغلة وانه تعب من كبت رغبته طوال شهور الحمل حتي انه لم يعد يبتهج بذلك الحمل الذي انتظره أربع سنوات عجاف وأذل رجولته . المستشفي الامريكي الذي نعمل فيه كبير وضخم وحجراته تشبه بيت جحا ، كثيرة ومتشعبة ومتصلة بدهاليز عديدة ، شامخا وسط الدولة الجزيرة التي اعشق الحياة فيها، ولم تعد رغبة في للعودة إلي بلدي الآخر الذي لم اعد انتمي إليه ولم يعد هو الآخر يهتم بي . اقتربت منه وأنا أناوله قهوته المسائية، أشفقت عليه منها فرجوته أن يستبدلها بعصير برتقال طازج، للحظة لمحت لمعة عينيه وهو يركز علي صدري: أتراه قد لمحها..رغم أني أخفيها تحت ملابسي . - مريم ! نطق باسمي متعبا وتوسل بعينيه أن أظل بجواره أثرثر وأحكي حتي لا يسقط في بحر النوم . - أريد أن أسمعك. - لا أصلح لأكون شهرزداك . - أتمني أن أكون شهريارك تلك الليلة ..الليل طويل ولم يعد يزرني شيطان الشعر ! ثم ابتسم في خجل وأغمض عينيه وألقي برأسه للوراء واخذ يتحدث عن الموت الذي يحس به كالمتربص بروحه، وعن طائف الرغبة الذي يهاجمه وحيدا وامرأته التي تغط في نوم عميق ( لا اعرف لم يتلازم حديث الرغبة عنده وحديث الموت : كأنها متلازمة داون ! ) أفاق فجأة وقال : مريم من أي البلاد أنت ؟ أعرفك منذ أكثر من عام ولا اعرف شيئا عنك. ارتبكت وأنا أداري عشقي السري بالنظر للأرض ، أنقذني طلب استعجال له، جريت ورائه وهو يزفر في استياء. ........... سألني من أي البلاد أنت وترك كتاب الرغبة مفتوحا..أتنقل بين سطوره احجل بقدمي العاريتين ، رجوته ألا يقترب فاحترق مكاني وأذوب كشمع منصهر وهو لا يبالي .... يتعمد ألا يطلع لوجهي وينشغل بجسدي عمن سواه حتي قال: جسدك غابة استوائية ، مطيرة ، حوشية تستدعي الكامن في وتوقظني عند عتبات الشهوة وتلفظني ذكرا غير مرويا بماء المتعة واجدل كلماتي شعرا شبقيا يجيء ينقذني من سبات امرأتي التي تراقبني بعيون زجاجية واعترف لك ولغيرها حين يجن الليل : أن الشاعر وقوده العشق والرغبة ، وأصرح في مجلس الرجال انني عتل بعد ذلك زنيم ، أتلظي وحدي مابين مطرقة العيش وسنديان الرغبة وان نسائي كثيرات علي مرمي اللابصر ... يقفن بطابور عشقي ... أتصيد عشقا وهميا كي اخلص لها وحدها : قصيدتي التي تهديني نشوة أبدية .ومجدا قدسيا . ............... تركته يصعد بقصيدته لجسدي حتي اصطدم به وهو مستكين داخل صدري ، تحسسه جيدا حتي اخرجه ونظر اليه ، وجده صغيرا دافئا يلمع ، ناولني اياه قائلا : - لا يجوز أن ترتدي صليبك وقصيدتي تجوس جنباتك يا مريم . ثم تراجع للوراء في نشوة ناقصة ... بحركة عصبية أشعل سيجارته الوحيدة التي سرعان ماأطفئها والتفت إلي وأنا أسوي مابعثرته قصيدته : ملابسي وشعري ..وكأننا لم نكن ولم يكن ولم نشق بحر الهوي بعصا الرغبة.. وفي تقريرية قاسية قال: - غدا ستضع زوجتي حملها ولا أريدها أن تلتقي بك في كشك الولادة ، فلديها انف حساس يميز رائحتي بأجساد النساء .