اختارت الكاتبة جيهان مأمون في كتابها (همسات مصرية) أن تعود للوراء قرونا عديدة، لتقدم لنا ملامح من التطور الذي انتاب مدينة القاهرة عبر عصور مختلفة، فتوقفت عند السمات المميزة للفترات التاريخية المتعاقبة علي هذه المدينة الغنية بتراثها، فالقاهرة الفاطمية مدينة ملكية فخمة تزخر بالقصور الفارهة، أما القاهرة الأيوبية فمدينة عسكرية تتأهب لملاقاة الصليبيين، بينما فقدت القاهرة العثمانية رونقها مع فقدانها للقبها كعاصمة للعالم الإسلامي. تتوقف المؤلفة عند شخصيات وأحداث وأماكن، فتحكي قصة إدريس أفندي وهو المستشرق الفرنسي والفنان المعماري بريس دافين، الذي عاش سنوات طوال في مصر، وولع بالأثار الفرعونية والإسلامية، ودافع عنها بل (دخل في اشتباكات عنيفة مع العمال الذين كانوا يحاولون السطو علي أعمدة حورس بمعبد الكرنك، لإقامة معمل للبارود، وتمكن من منعهم، وعندما أصدر محمد علي باشا أوامره بتفكيك بوابات معبد الكرنك لاستخدام أحجارها في منشآت معمل البارود أستطاع أدريس أفندي أن يقنع ماهو بك رفيق سلاح محمد علي، والذي أتي إلي الأقصر للإشراف علي تشييد معمل البارود بأن يحافظ علي هذا الأثر الثمين، وقد استجاب ماهو بك لرجائه وأنقذ معبد الكرنك وحفظ للتراث الإنساني هذا الصرح العتيق). وفي هذا الكتاب تتجول جيهان بين بيوت القاهرة القديمة وشوارعها وأسواقها ، وتلقي الضوء علي الحمامات العامة التي دخلت مصر (مع الفتح الإسلمي 642م فقد أعجب الجنود بحمامات البخار الساخنة الرومانية التي تطورت إلي الحمام العربي ذي الطابع الشرقي الساحر، وأول حمام أنشئ في الفسطاط بناه الصحابي الجليل عمرة بن العاص بسويقة المغاربة، وكان حماما صغيرا يسمي حمام الفأر، أما أول حمام أنشئ في القاهرة بناه الخليفة الفاطمي العزيز بالله، ولقد حرص المعماريون علي أن تكون الحمامات فسيحة الأرجاء، مرتفعة السقوف، تستقبل ضوء الشمس وتشتمل علي مسحة جمالية لتستريح إليها نفس من يدخلها). وتنظر المؤلفة للشوارع ليس باعتبارها تضم أماكن جامدة، بل بوصفها تختزن أحداثا ثرية لا تبلي، تحفظ وجوه المارة ووقع خطواتهم، وهي بمثابة سجل للحرف وتطورها: ( تحمل شوارع القاهرة الفاطمية اليوم أسماء الحرف القديمة التي مارسها الصناع المهرة بين جنباتها، لكل حرفة شارع معين، شارع النحاسين، وحي الخيامية، التي تصنع به الخيام، وحي الفحامين مركز تجارة الفحم، وحي الصنادقية الذي يتركز فيه باعة الخزائن والأسرة والصناديق الخشبية التي تستخدم كدواليب للثياب وتطعم بالصدف والعاج، وهناك شوارع أخري تحمل أسماء المباني المقامة بها، مثل شارع بين القصرين، وهما قصر الفاطميين، القصر الشرقي الكبير والقصر الغربي الصغير، وحي السكرية وهي مجموعة نفيسة البيضا بجوار باب زويلة، وهناك شوارع خلدت أسماء شخصية سياسية وعسكرية.. فوراء كل شارع قصصا وحكايات). الكتاب صادر عن دار نهضة مصر، ويقع في 408، ومن فصوله: القصور الزاهرة، خماروية وقطر الندي، زبيدة غادة رشيد، شارع الخرنفش، خان مسرور، بوابة المتولي.