منذ أكثر من خمس سنوات أصدر الروائي الأردني محمد سناجلة روايته الرقمية الأولي "ظلال الواحد" وأتبعها بروايته الثانية "شات". كلا الروايتين لم تنشر في كتب ورقية بل نشرهما سناجلة علي الإنترنت، واعتبرت روايته الأولي "ظلال الوحدة" أول رواية رقمية عربية تستخدم خصائص وتطبيقات الإنترنت كجزء أساسي من متن النص، حيث لا يتنقل القارئ بين صفحاتها بل بين "اللينكات" والروابط التي تتشعب داخل أحداث الرواية. تلت تجربة سناجلة الكثير من تجارب النشر علي الإنترنت، وأسس سناجلة مع الكاتب السكندري أحمد فضل شبلول اتحاد كتاب الإنترنت العرب، وأعلنها سناجلة في واحدة من مقالاته "قلها ولا تخف.. وداعاً للكتاب الورقي". ومع توالي نشر المدوّنات في كتب ورقية، ظهر بقوة الصراع بين النشر الورقي والنشر علي الإنترنت، لكن مؤخراً بدأ عدد من الكتّاب في تقديم أسلوب جديد يدمج بين نشر العمل الإبداعي ورقياً وخلق امتداد آخر له علي الإنترنت، ومن أبرز هذه التجارب تجربة الروائي محمد توفيق في روايته الجديدة "فتاة الحلوي".
تدور رواية فتاة الحلوي بين خطين دراميين الأول هو حياة "المخيخ" العالم المصري الذي ساعد في تطوير البرنامج النووي العراقي، وبعد سقوط نظام صدام حسين عاد إلي القاهرة ليعيش في قلب عشوائياتها هرباً من فريق الاغتيالات الأمريكي الذي يطارده، أما الخط الثاني فتدور أحداثه داخل مركز الأشباح الأمريكي حيث يدير عميل المخابرات الأمريكية "مارتن" عملية البحث عن المخيخ في عشوائيات القاهرة سعياً لاغتياله. وبعد سلسلة طويلة من المطاردات يتمكن مارتن من التوصل للمخيخ من خلال شخصية فتاة الحلوي التي يقيم المخيخ معها علاقة "سيبرية" عبر الإنترنت. لكن توفيق يصدر روايته بفقرة قصيرة يقول فيها "هذا الكتاب مجرد لقطة.. لتفقد الصورة بأدق تفاصيلها وتعدد مناظرها وكامل تعقيدها يمكنك الذهاب إلي www.candygirl-thebook.com. بزيارة هذا الموقع ينفتح أمام القارئ عالم جديد يوضح الكثير من تفاصيل الرواية، فمثلاً يتعرّض المخيخ طوال الرواية إلي موجات من ضيق التنفس التي تهاجمه في وقت الأزمات وقبل أن يدخل في نطاق الغيبوبة وينهار يسمع دائماً هذه الجملة " المركب بتغرق.. المركب بتغرق يا قبطان" في الرواية تبدو الجملة وكأنها عبارة بلاغية، مجازاً للدلالة علي الوضع العام لمصر التي تغرق في العشوائيات والفوضي لكن بزيارة الموقع نجد توفيق قد وضع علي موقع الرواية "النص الكامل للتسجيل بالصندوق الأسود للعبارة السلام98" حيث تتكرر في الحوار بين القبطان ومساعده عبارة "المركب بتغرق يا قبطان". كما يضع توفيق علي الموقع قائمة كاملة بالمراجع العلمية والرياضية التي اعتمد عليها في صياغة الألغاز الرياضية التي يطلقها المخيخ في وجه الشاب طاهر الطالب بكلية العلوم. في واجهة المواقع تقابلنا أيضاً صورة لفتاة ذات شعر برتقالي، هي أقرب ما تكون لفتاة الحلوي التي يطاردها المخيخ طوال الرواية. فتوفيق يستخدم الموقع ليدخل القارئ إلي مطبخه الروائي وليصنع امتدادات أخري للنص لا تلتزم فقط بحدود ضفتي الكتاب.
تتشابه تجربة توفيق مع تجربة أخري وهي رواية "كوكب عنبر" للكاتب الشاب محمد ربيع، الذي خصص جزءاً من موقعه الشخصي للرواية، حيث لا يكتفي ربيع بنشر أخبار المتابعات النقدية المختلفة التي تصدر عن الرواية، بل يخصص جزءاً من الموقع تحت عنوان "صلات كوكب عنبر" وفيه ينشر بانتظام أجزاء من الرواية تم حذفها عند النشر، ربيع يري أن هذه الأجزاء كانت ستضعف من بناء الرواية لكن نشرها علي الإنترنت يراه لا يخلّ ببناء الرواية ويضيف لها أبعاداً جديدة. تجربة توفيق وربيع تفتح الأفق لنوع ثالث من العلاقات بين النشر الورقي والنشر علي الإنترنت، علاقة يكمل فيها الاثنان بعضهما البعض لتصبح الروايات والأعمال الإبداعية المنشورة ورقياً ذات امتداد علي الإنترنت يضيف لها ويكملها.