كأحد ساكني الأطراف كانت القاهرة - في مخيلتي - وأظنها ستعمّر طويلا تلك الأرض الجديدة التي يحط عليها و بقلق كأن الريح من تحته طائر ٌ أرهقته رحلة طويلة ، هكذا ودون أن أستعين بفطنة أظنها كائنة لكنها تتعطل - ولا تسألني كيف - فور أن تطأ قدمي ّ أرضها ، لا أزعم أنني أكرهها لكنني أبدا ً لم أفهمها ، وأظنني سأظل .. ، لا أفهم منطقها الخاص ، تلك العلاقات المعقدة التي تحكم الناس هناك ، شبكة المصالح ، الشلل ، الحسابات ، الاعتبارات ، منذ علاقتي بها كنت أسمع مثل هكذا توصيفات وغيرها لكنني لم أستطع ولو مرة واحدة أن أستوعب !!! فإذا أضفت لكل هذا سنين انقطاعي عنها لأكثر من عشر سنوات قضيتها في عزلة اختيارية سيصبح الأمر أكثر تعقيدا ً . لكنني أظن أن تلك التجربة المدهشة و العجيبة مع " ميريت " أفادتني كثيرا ً ، علمت القلب وكما يقول أمل دنقل أن يحترس . كنت في مطلع هذا العام قد أتممت مجموعتي الشعرية " قاطع طريق لديه ما يأسف عليه " وبدأت أفتش عن مكان يليق بفرحي بها خصوصا ً بعد هذا الانقطاع الطويل نسبيا ً ، سألت الأصدقاء فنصحوا بدار نشر خاصة حتي تتجاوز القوائم الطويلة في سلاسل الهيئة العامة لقصور الثقافة وهيئة الكتاب ، اقتنعت بمنطق الأصدقاء وقلت لا بأس ، كان مثلث طلعت حرب وما يزال هو المفضل لدي أثناء كل زيارة للقاهرة ، وفي أحد المرات مصادفة التقيت الصديق الروائي حمدي أبو جليل ، بلا تخطيط تحركنا معا ً وساقتنا خطواتنا إلي ميريت ، هناك عرفني حمدي علي مدير الدار محمد هاشم الذي والحق يقال كان ودودا واكتشفت أنه يعرف كل من له علاقة بالكتابة في سيناء ، أحمد سواركة ، سامي سعد ، كريم سامي سعد ،مسعد أبو فجر ، تحدثنا في أمور عديدة ، في الشعر والسياسة وأحوال سيناء وباركنا لشاعر سوري صدرت مجموعته وانصرفنا ، تكرر اللقاء وبمصادفة عجيبة إذ كان حمدي ثالثنا ، حدثت محمد هاشم عن المجموعة فرحب بأن آتي بها للدار كي تقرأها لجنة القراءة ، انصرفت وفاتحت الأصدقاء بالأمر فحذروني من المماطلة وأشياء أخري ، لكن فرحي بالمجموعة أعماني ، فكرة مثالية ظلت تطاردني خصوصا ً أنها وجدت في ذاكرتي ما يدعمها : " عندما بعثت بأحد نصوص المجموعة إلي الصديق الشاعر سيف الرحبي مدير تحرير نزوي الفصلية العمانية ، بعثتها وفي البال أنها ستنتظر عددا أو اثنين لنشرها لكنني فوجئت بها تنشر في العدد الجديد ، حدث الأمر نفسه مع أحد النصوص في أخبار الأدب ، وفي موقع قصيدة النثر وفي موقع أوكسجين " كل هذا ورطني في الظن بأن النص الشعري هو المعيار ولا شيء غيره ، استسلمت للفكرة وسلمت المجموعة منذ عشرة أيام أو يزيد لمحمد هاشم ، سألته عن التوقيت الذي أتصل به فيه حتي أعرف مصير المجموعة وإمكانية نشرها من عدمه ، قال لي أسبوعان أو ثلاثة ، قلت فلتكن ثلاثة حتي يتاح لهم الوقت لقراءتها ، شربت قهوتي وانصرفت وعدت إلي سيناء ، وفي سيناء وبعد أقل من المدة التي اتفقنا عليها حدثت الفانتازيا التي بالفعل لا أجد توصيفا ً لها ، أول أمس جاءني أحد الأصدقاء من أهل سيناء وهو شخص لا علاقة له بالمحيط الأدبي وقال لي بأن لي أمانة عنده ، سألته ما هي هذه الأمانة فقال لي إنها المجموعة الشعرية التي سلمتها لميريت ، ظننت إن يمزح ، سألته مندهشا ً " كيف ؟ " قال لي دقائق وسآتي بها إليك ! انصرف الرجل ليتركني في حيرة ودهشة " كيف وصلت المجموعة من ميريت إلي سيناء ، وما علاقة محمد هاشم مدير الدار الذي سلمته مجموعتي برجل لا علاقة له بالأدب من أهل سيناء! عاد الرجل بالمجموعة في يده لتزداد دهشتي ، نعم هي نفسها التي سلمتها لميريت ، نفس الدوسيه الأزرق الذي يضم أوراق المجموعة ، تمالكت نفسي وسألته كيف وصلت إليه : فقال لي أنا أحمل مع المجموعة رسالة من مسعد أبو فجر! قلت في نفسي جيد بدأت الرؤية تتضح ، قال مسعد أبو فجر يقول لك إن لجنة القراءة في ميريت الذي هو عضو فيها رفضت المجموعة ، قلت بالله عليك كرر عليّ بالنص ما قاله لك ، فقال قال لي بالنص قل له لجنة القراءة التي مسعد أبو فجر عضو بها رفضت المجموعة! تمالكت نفسي وقمت أجهز فنجان قهوة للرجل وأنا أحاول استيعاب الأمر ، ، قلت بعد أن قدمت القهوة له جيد ، رجاء رد المجموعة لمسعد وقل له إنني سلمت المجموعة لميريت ولن استلمها إلا منها وفعل الرجل ، حاولت الاتصال أكثر من مرة بمحمد هاشم مدير الدار لكنه لم يرد ، اتصلت بأصدقاء مشتركين في سيناء مع مسعد لاختبر إن كانوا يعرفون بالأمر فاكتشفت أنهم يعرفون وأن مسعد قال لهم بالنص ما قاله للرجل . هذا ما كان بلا زيادة أو نقصان ، وهو ما يثير مجموعة من الأسئلة شديدة الأهمية أولها وأهمها علي الدوام أنه إذا كنا نفترض أن الإبداع يجعلنا كائنات أرقي وأسمي فهل من الرقي وبفرض أن مجموعتي الشعرية مستواها أضعف ما يمكن ، هل من الرقي أن تقوم يا مسعد بترويج أنك أنت عضو لجنة القراءة المبجل في ميريت قمت برفض مجموعة أشرف العناني الشعرية بين أبناء سيناء الذين يعرفون خلاف وجهات النظر بيني وبينك ، ثم ألم نتفق يا رجل اتفاق رجال في آخر حديث دار بيني وبينك أن لا أتعرض لك بالخير أو بالشر وأن تفعل أنت الأمر نفسه فلماذا أخللت بالاتفاق ؟ ، لو كنت مكانك لما قبلت أساسا ً الدخول في الأمر ، ثم منذ متي أصبحت ناقدا ً شعريا ً فذا تملك الحق في الحكم علي شاعر متواضع مثلي؟ ومن أعطاك الحق في ذلك؟ أما بالنسبة لميريت فأنني أتساءل كيف لدار تحمل اسما ً كبيرا ً مثلها أن يكون هذا سلوكها مع الأعمال الإبداعية ، كيف لها أن تقبل بأن تقبل اهانة الإبداع بهذا الشكل المزري ، فمن الأدبيات المتعارف عليها حتي مع من يكتبون سطورهم الأولي أن هناك أسلوباً أرقي من ذلك ، نعم من حقك أن تعتذر _ أقول تعتذر ولا أقول ترفض - عن نشر أي عمل إبداعي حتي ولو كان لنجيب محفوظ تبعا ً لسياسة دارك ، لكن أن يحدث مثلما حدث مع مجموعتي فهذا يعني أن هناك خللاً لن أسكت عنه ، نصي الشعري أهين ولن أسكت علي تلك الإهانة .