وقائع ستة أشهر من الرقابة. هذا ما يرصده برنامج الرقابة التابع لمؤسسة "حرية الفكر والتعبير" في "تقريره الثالث حول حرية الفكر والإبداع في مصر 3". نستعيد في المساحة التالية أبرز حوادث المصادرة خلال النصف الأول من العام الجاري، لنجد أن حرية الإبداع صارت مستهدفة بتهمة واحدة.. تهمة خدش الحياء العام! التهمة الأشهر بالنسبة للمبدعين الآن، مجرد الاتهام بها كفيل بمصادرة الأعمال الإبداعية، وخفض سقف الحريات.. هكذا صارت حرية الإبداع مشروطة بعلاقتها بالحياء العام.. علاقة لا تستقيم مع الإبداع من ناحية كما أنها مرتبطة بمفهوم نسبي، لا يمكن تحديده.. عن الشق الجنائي لهذه التهمة من ناحية، و عدم دستوريتها من ناحية أخري جاء التقرير الذي أعده المحامي أحمد عزت والباحثة ريهام زين العابدين، وحرره عماد مبارك المدير التنفيذي للمؤسسة. ألف ليلة وليلة استخدمت تهمة خدش الحياء لتجريم الإبداع بشكل موسع خلال العام الجاري، كان أبرز استخدام لها المطالبة بمصادرة طبعة الذخائر من "ألف ليلة وليلة" بوصفها خادشة للحياء العام، لتضمنها عبارات جنسية صريحة. قضية "الليالي" انتهت بحفظ النائب العام التحقيق في التهم المنسوبة للأثر الأدبي الفريد، لكن التهمة لا تزال قائمة، وتصادر أعمالاً إبداعية أخري لهذا يبحث التقرير دستورية هذا التجريم، من خلال دراسة مواد قانون العقوبات الخاصة بالحماية الجنائية للحياء العام. يثبت التقرير عدم دستورية هذه التهمة لثلاثة أسباب هي: أن صياغة هذه النصوص تمت بطريقة مطاطية، وغير منظبطة، تفتح مجالاً للجدل حول حقيقة محتواها والمخاطبين بها. كما أن نصوص القانون تفتح الباب علي مصراعيه لرجال السلطة العامة للانتقاء بين ما يعدّ فعلا خادشا للحياء العام وبين ما ليس كذلك.. بسبب عدم تحديد النص للأفعال الخادشة للحياء العام علي وجه الحصر. وآخرها انتهاك تلك النصوص لإحدي الحريات المطلقة، التي كفلها الدستور وهي حرية الإبداع، بسبب انفلات عبارات تلك النصوص وتعدد تأويلاتها وانتفاء التحديد الجازم لضوابط تطبيقها. زيدان المتهم بالنيل من الأديان يرصد التقرير 34 حالة من حالات انتهاك الحرية في الفترة من يناير إلي يونيو الماضيين وفتويين ، الحالات تتنوع بين المصادرة ومنع أنشطة ومحاكمات، كانت أسباب الرقابة فيها تستمد من تهمتين، الأولي خدش الحياء العام، وهي التهمة الأكثر تكراراً في حالات التقرير، والتهمة الأخيرة هي "ازدراء الأديان" وهي التهمة التي لاحقت الروائي يوسف زيدان في قضيتين مختلفتين في إحداها كان متهما بازدراء المسيحية (بسبب ما جاء في روايته "عزازيل وتصريحات منسوبة إليه")، وفي الأخيرة تم اتهامه بالنيل من الإسلام (بسبب تحقيق زيدان ل"مقال النقرس" لأبي بكر الرازي) علي سبيل المثال. المشكلة لا تكمن فقط في أن نصوص قانون العقوبات غير محددة ومطاطية، بل أنها لا تحدد الأسس اللازمة لضبط التهمة، بمعني ما الوقائع والأدلة التي تؤكد أن عمل إبداعيا انتهك الحياء أو نال من الإسلام؟ يؤكد التقرير أن هذا صنع حالة من "إطلاق العنان لنزوات أو سوء تقدير" القائمين علي تنفيذ نصوص قانون العقوبات. مثل تاجر مجلات البورنو بالنسبة للتهمة الأولي، يقول التقرير إن المطالبة بمصادرة عمل بداعي خدش الحياء العام يمثّل حالة من حالات التضخم العقابي، حالة لا تستند علي ضرورة اجتماعية.. حيث لم يراع قانون العقوبات تناسب العقوبة مع حرية الإبداع من عدمه، كما يتناول التقرير هذه النقطة تحديداً متساءلاً:"هل يستوي عمل إبداعي مع شخص يقوم بالاتجار بالمجلات التي تعرض الصور الجنسية، وتستهدف إثارة الشهوات فقط دون أن يكون لها أيه أبعاد إبداعية؟ هكذا يصف التقرير هذه المساواة بأنها "ركوب لمتن الشطط في التجريم". لهو الأبالسة اتهمت سهير المصادفة، صاحبة رواية "لهو الابالسة"، بالترويج للإباحية والدعوة للرذيلة، حيث تقدم نائب من الأخوان في فبراير الماضي باستجواب يطالب بعرضها علي مجمع البحوث الإسلامية، كما اتهم وزارة الثقافة، متمثلة في مكتبة الأسرة التي أعادت طباعة الرواية عام 2005! نقطة نور في مارس صدر الحكم النهائي في قضية خلاف الباحث محمد الصادق عفيفي مع شيخ الأزهر، التي بدأت في مارس عام 2008 . كان الخلاف حول منع مجمع البحوث الإسلامية نشر كتاب "براءة النبي يوسف من الهم بالسوء والفحشاء"، الذي كان قد تقدم به إلي الإدارة العامة للبحوث والتأليف والنشر، ورفضته.. وقد حددت محكمة القضاء الإداري دور مجمع البحوث في منع النشر فيما يخص المؤلفات التي تحتوي علي "مخاطر علي العقيدة الإسلامية، ومساساً بأصولها وثوابتها، وتحرض الفكر العام علي الخروج علي أحكام الدين"، لهذا رأت المحكمة أن الكتاب لم يمس هذه الثوابت، كما أن الأسباب التي جاءت في تقرير المجمع "لا تصلح سنداً لعدم موافقة الأزهر علي نشره"..هكذا أوصت المحكمة بنشر الكتاب بدلاً من تعويض الكاتب مادياً، حيث كان الباحث يطالب بتعويض قيمته مليون جنيه لما لحقه به من ضرر! كتاب البرادعي في الثالث من أبريل الماضي اعتقل المواطن أحمد مهني، وهو صاحب دار النشر الشابة "دون"،الذي كان بصدد نشر كتاب "البرادعي وحلم الثورة الخضراء" لكمال غبريال. كانت جهة الاعتقال نيابة أمن الدولة بالمطرية وقد تحفظت علي مجموعة من الكتب وجهاز الكمبيوتر الخاص بالناشر، وأفرجت عنه في اليوم التالي. مصادرة حسن حنفي والقمني أصدر مجمع البحوث الإسلامية تقريراً أودع بتاريخ 27 أبريل في محكمة القضاء الإداري يطالب بمصادرة ثلاثة كتب للدكتور حسن حنفي، وإجازة كتاب واحد هو"النقل إلي الإبداع"، كما أقر المجمع عدم صلاحية 12 كتاباً لسيد القمني ، وصلاحية كتاب "موسي وآخر أيام تل العمارنة" فقط! التقرير جاء علي خلفية دعويين قضائيتين ضد الكاتبين. جابر عصفور ضد الجبهة علي خلفية الدفاع عن "الليالي" حدثت واقعة د.جابر عصفور وجبهة علماء الأزهر، التي بدأت ببيان الجبهة، الذي تناوله د.عصفور بالكتابة في جريدة الأهرام بتاريخ 7/6/ 2010، تلاه بيان آخر من الجبهة.. هدد عصفور بتقديم بلاغ للنائب العام ضد الجبهة. الحسبة الجديدة الهجوم بدأ ضد يوسف زيدان في الشهر الأخير من نصف العام الحالي حينما أراد نجيب جبرائيل محاربة الأساطير، حسب تعبيره، التي يروجها الروائي ورئيس مركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية.. حيث وصف د.يوسف زيدان بأنه يروج أنّ المسيحية ديانة الأساطير، لهذا تقدم بعريضة للنائب العام متهماً فيه الكاتب بازدراء الأديان، معتمداً في العريضة علي تفسيره لرواية "عزازيل"، وما قرأه من آراء لزيدان في ندوة نشرت بموقع جريدة اليوم السابع.. وعلي الصعيد الآخر اتهم الكاتب نفسه بتشويه الموقف العقلي للعلامة الرازي، والنيل من الإسلام بسبب تحقيقه ل " مقال النقرس"، وإن كانت هذه القضية تنطلق من مناقشة الموقف الفكري والعلمي الذي تبناه الباحث في تحقيقه، حيث اعتمدت نيابة باب شرق بالإسكندرية تقريراً كتبه د.حسين نصار، د.مصطفي لبيب، ود.عبد الستار الحلوجي لتحريك دعوي قضائية ضد زيدان. أكد التقرير أن تحقيق زيدان "يمثل اعتداءً علي التراث الإسلامي المخطوط، وأن هذا الاعتداء تتجلي صوره عند الإقدام علي نشر نصوص دون أهلية علمية"، في النهاية دافع زيدان عن نفسه بقوله :" إن الشكوي والتقرير انطلقا من دوافع شخصية!". وقائع أخري كما شهد شهر مايو منع التنظيم لحفل السير البريطاني ألتون جون بسبب آرائه عن السيد المسيح، الذي وصفه بأنه كان "مثلياً"! كما ألغت وزارة الثقافة ندوة بأوبرا دمنهور لكل من العالم المصري أحمد زويل والشاعر فاروق جويدة، حيث منع وزير الثقافة الندوة، التي كان من المقرر تنظيمها في 14 فبراير، "خوفاً من تزاحم الجماهير، وصعوبة السيطرة عليها أمنياً"!