يستكمل الناقد اللبنانيّ إبراهيم العريس مشروعه في النقد السينمائيّ في كتابه «ما وراء الشاشة _ سينما الإنسان 2»، «وزارة الثقافة السوريّة، المؤسّسة العامّة للسينما، دمشق 2010». إذ يأتي هذا الكتاب بعد عدد من كتبه التي تطرّق فيها إلي مواضيع شتّي في الفنّ السابع، إن كان ترجمة أو نقداً وتحليلاً، ولاسيّما كتابه الهامّ «الشاشة... المرآة» الذي وضع فيه أسس كتابة تاريخ للسينما العربيّة التي لم يكتَب تاريخها بعد، وقدّم فيه قراءات في العلاقة الناشئة، القائمة، بين السينما والمجتمع في الوطن العربيّ، وقدّم صورة متكاملة، جغرافيّة، سياسيّة، تاريخيّة، فنّيّة، عن واقع السينما في العالم العربيّ الذي يعاني من ضعف في هذه الصناعة العالميّة التي لا تني تستكشف عوالم وآفاقاً جديدة. يعرّف العريس القرّاء العرب بثلاثة عشر مخرجاً يُعدّون من أبرز المخرجين العالميّين، ممّن أثرَوا الفنّ السينمائيّ بكلّ جديد ورائد، في الكثير من الموضوعات المفصليّة المُلغمة التي تطرّقوا إليها وعالجوها في أعمالهم. يتبدّي من خلال البحث والعرض تبحّرَ الناقد في سِيَرهم وسِيَر أفلامهم التي تغدو كائنات مستقلّة، تختطّ لنفسها خطوطاً سيريّة بمعزل عن سيَر مخرجيها. كما يتبدّي حرص الكاتب علي تقديم خارطة سينمائيّة عالميّة، عبر تقديم نماذج من عدد من الدول، ممّن يعدّون روّاداً فاعلين مؤثّرين في جيلهم والأجيال التي تلتهم، وكذلك في الفنّ السينمائيّ بشكل عامٍّ. يفصّل في حكايات أفلامهم، يحلّلها، يكشف الروابط المرئيّة واللامرئيّة بينهم وبين أعمالهم وشخصيّاتهم السينمائيّة، يفكّك آليّات تعاملهم مع النصوص الأدبيّة التي اقتبسوا منها أو طوّعوها في أعمالهم. والمخرجون الذين قدّم الكاتب قراءاته في حياتهم وأعمالهم، أورسون ويلز، إيليا كازان، أكيرا كوروساوا، فرانسوا تروفو، فرانسيس فورد كوبولا، راينز فرنر فاسبندر، برناردو برتولوتشي، ناغيزا أوشيما، أمير كوستوريتسا، بيدرو ألمودوفار، لارس فون تراير، جيم جارموش، أندريه تاركوفسكي. وقد حاول الإحاطة بشكل تامّ ببدايات نشوء أفكارهم، وتبلور شخصيّاتهم، بالملابسات التي رافقت صعود أسهمهم، وكيفيّة تعاطيهم مع مَن حولهم، ومع جمهورهم. يُوضِح بتسلسل الأحداث وتراكمها كيف أنّ الأفلام تكون سيرورات تطوّريّة بالنسبة إلي صنّاعها، وكيف أنّ الاختلاف والعناد من لوازم الإبداع.