صافح جميع العاملين.. اللواء طارق الشاذلي يصل محافظة السويس في أول يوم عمل (صور)    مدبولي: إيرادات قناة السويس انخفضت بشكل حاد بسبب أزمة البحر الأحمر    في عهد حسن عبد الله.. تحسن 10 مؤشرات اقتصادية ومصرفية خلال عامين    نظام أمان مبتكر لمواجهة انزلاق السيارة على الماء    الصحة بغزة: ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب الإسرائيلية إلى 38 ألفا و11 شهيدًا    صحة غزة: توقف مولدات الكهرباء في مجمع ناصر الطبي خلال ساعات    بيلاروس تنضم رسميا إلى منظمة "شنجهاي للتعاون"    4 إصابات وعقوبة.. 10 غيابات للأهلي في مواجهة الداخلية بالدوري المصري    موعد مباراة إسبانيا وألمانيا في ربع نهائي أمم أوروبا يورو 2024 والقنوات الناقلة    في انتظار رخصة كاف.. الزمالك يعلن انتهاء أزمة بوطيب    "خدعة الزجاجة المكسورة".. الداخلية تكشف حقيقة الاعتداء على مندوب تحصيل وسرقة مبالغ مالية    التعليم تعلن فتح باب التقديم لمدارس التكنولوجيا التطبيقية.. ما الشروط المطلوبة؟    "مش ناوي تنزل تشتغل".. سر جملة أنهت حياة "منى" على يد زوجها أمام أطفالها بطنطا    توفيق عبد الحميد يكشف حقيقة تدهور حالته الصحية    احذر.. ثلاثة أمور لا تفعلها وراء الإمام في الصلاة    تحقيق وتوجيهات عاجلة.. جولة مفاجئة لوزير الصحة بمستشفيات الإسكندرية    مدبولي: مؤتمر أسبوعي عقب اجتماع الحكومة لمناقشة القضايا والرد على الاستفسارات    "الشرف غالي يا بيه".. أم تنهار لاختفاء ابنتها والشرطة تكتشف أنها وابنها وراء قتلها    وزير الإسكان: الرئيس السيسي وجه بضرورة إيجاد حلول بديلة وغير تقليدية لتحقيق التنمية    إيرادات قوية لفيلم اللعب مع العيال في دور العرض.. كم حقق في 22 ليلة؟    بدء الصمت الانتخابي اليوم تمهيدا لجولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الإيرانية    عدد أيام إجازات يوليو 2024 وموعد عطلة رأس السنة الهجرية    محافظ بني سويف يناقش الموقف التنفيذي لعدد من الملفات الحيوية    عمرو سعد: أحمد حلمي قرر أنه مش هيشتغل معايا أنا وأخويا    مدير مكتبة الإسكندرية يشرح تفاصيل تصميم «بيت مصر في باريس»: صُمم بهوية مصرية    «مناسب لكل الأعمار».. 5 وجوه للترفيه في مهرجان العلمين    تحرير 35 ألف مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    محافظ قنا: سنعمل معا على التنمية واستكمال مشروعات حياة كريمة    لتأخر صرف الأدوية.. «الصحة» تحيل مديري الصيدليات بمستشفيي العامرية والقباري للتحقيق    أستاذ جراحة تجميل: التعرض لأشعة الشمس 10 دقائق يوميا يقوي عظام الأطفال    رئيس الاعتماد والرقابة الصحية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع مؤشر مصر الصحي    تقرير: أوروبا تدعم زيادة شحنات الأسلحة لأوكرانيا وترفض إرسال جنود للقتال    العكلوك: الاحتلال يستهدف التوسع الاستيطاني وتقويض صلاحيات الحكومة الفلسطينية    ملفات محافظ أسيوط الجديد.. أبرزها إنهاء الخصومات الثأرية وإحكام الرقابة على الأسواق    انقلاب سيارة وتهشم أخرى في حادث تصادم بالتجمع |صور    حزب الله يشن هجوما بمجموعة من المسيرات على 7 مواقع عسكرية إسرائيلية    طلاب الثانوية العامة يمتحنون الكيمياء والجغرافيا.. السبت    وزير التموين ل"اليوم السابع": نستهدف جودة سلع الدعم المقدمة للمواطن    المفتي يهنئ الرئيس السيسي والشعب المصري بالعام الهجري الجديد    "رغم سنه الكبير".. مخطط أحمال بيراميدز يكشف ما يفعله عبدالله السعيد في التدريب    تطور مفاجئ.. الأهلي يفرض عقوبتين على كهربا في 24 ساعة    استقبال العام الهجري الجديد 1446 بالدعاء والأمل    قرعة التصفيات المؤهلة لكأس أمم إفريقيا 2025.. تعرف على موعدها    محافظ القليوبية يعتمد مواعيد امتحانات الدور الثاني للعام الدراسي لصفوف النقل    «منهج تنفيذي».. محافظ المنيا الجديد: العمل وفق استراتيجية التواجد الميداني    سويلم يتابع ترتيبات عقد «أسبوع القاهرة السابع للمياه»    «دون وفيات».. انهيار منزل من 5 طوابق بالمنوفية    شرطة الاحتلال تفض مظاهرة لمستوطنين أغلقوا ممر طريق أيالون في تل أبيب    شيخ الأزهر ورئيس وزراء ماليزيا يفتتحان مجلس علماء ماليزيا    متى وقت أذكار الصباح والمساء؟.. «الإفتاء» تكشف التفاصيل    ناقد رياضي: متفائل بالتشكيل الوزاري وأدعم استمرارية أشرف صبحي في وزارة الرياضة    أول ظهور لحمادة هلال بعد أزمته الصحية    حظك اليوم برج الجوزاء الخميس 4-7-2024 مهنيا وعاطفيا    قصواء الخلالي: افتقدنا للأيادي القوية غير المرتعشة.. والحكومة الجديدة تضم خبرات دولية    ميمي جمال: أنا متصالحة مع شكلي وأرفض عمليات التجميل    دعاء استفتاح الصلاة.. «الإفتاء» توضح الحكم والصيغة    أول رد سمي من موردن سبوت بشأن انتقال «نجويم» ل الزمالك    لميس حمدي مديرا لمستشفى طلخا المركزي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبد الوهاب داود صاحب »رواية المهزوم«: الكتّيبة مكانهم الظل
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 06 - 2016

ربما لأنني صحفية، عرفتُ لِمَ أصبتُ بإحباط بعد قراءة رواية (رواية المهزوم) لعبد الوهاب داود. الواقع الذي كنت أهرب منه، أو بالأحري أتجاهله، كان يجلس أمامي، يتفحصني، وأتفحصه. كأننا نتعرف علي بعضنا للمرة الأولي. الواقع الذي أراد أن ينقله لنا الكاتب كما هو. دون تهويل أو تزييف اعتاد أغلبنا علي ممارسته نحن الصحفيين. إذ تحكي الرواية عن امرأة "فيها مزيج من الطرد والجاذبية، والطزاجة والعفن، والضعف والقوة، والوقاحة والحياء" تدعي ناهد شكري التي بدأت حياتها كسكرتيرة في أحد المكاتب الصحفية، لتجد نفسها مُحاطة بأحلام، ورجال، ومهنة، بإمكانها أن تنسيها الهزائم التي مرت بها.
لم تكن ناهد تمتلك أي موهبة في الحصول علي المعلومة. لم تكن تجيد الكتابة. لم تكن تملك سوي جسدها الذي ورثته عن أمها صافي. الراقصة التي أحبت الحياة، وأحبتها. لذا كانت تدرك جيداً كيف تبدأ، ومن أين. وحين طرقت أول باب، ودفعت المقابل، حصدت أول انتصار بالتحاقها بالعمل كصحفية في إحدي المؤسسات القومية. لم تكفها هذه النقلة السريعة. كانت تطمح لما هو أكثر. وطدت علاقاتها بأصحاب القرار داخل المؤسسة وخارجها من السياسيين ورجال الأعمال. تجاهلت أصحاب الموهبة من زملائها. وكلما منحت جسدها لأحدهم، تتلقي ترقية، أو فرصة سفر إلي الخارج، حتي وصلت إلي منصب رئيس التحرير، لتكون هي السيدة الأولي، تأمر، فيستجاب لها.
مع كل صعود لها، كان يسقط كثيرون من الصحفيين، منهم الراوي بدر الشرقاوي، الذي قال الكاتب علي لسانه: "عندما أحكي لكم عنها، لا تظنوا أنني برئٌ ومحايد، بل يمكنكم أن تقولوا إنني قطعة من مخلفات حروبها". الرواية لم ترصد فقط حكاية هذه المرأة، بل حكايات المهزومين من حولها؛ الأجساد القابعة في صالات التحرير كأنها قنابل جاهزة للانفجار في أي لحظة. فهي جزء من المشروع الروائي الخاص لعبد الوهاب داود عن إفساد الصحافة في مصر، الذي بدأه برواية (ظهورات) التي صدرت عام 2005 ورصدت واقع الصحف الحزبية، لتأتي هذه الرواية كجزء ثان عن واقع الصحف القومية، وسوف تكون هناك رواية ثالثة عن الصحف الخاصة.
وعبد الوهاب داود (1966) شاعر في الأساس. صدر له من قبل ديوانان هما (ليس سواكما - 1995) و(بيانات هامشية- 2000). يعمل في الصحافة منذ عام 1993. ولا يؤمن بالتصنيف الأدبي. يؤمن فقط بالكتابة، وبالمهنة، وبالشباب، وبالمهزومين الذي أراد أن ينتصر لهم.
حول الرواية والصحافة كان لنا معه هذا الحوار.
دعنا نبدأ من الفصل الأول، لماذا ركزت فيه علي حياة صافي وكأنها بطلة الرواية، في حين اقتصر حضور ناهد علي لحظة ميلادها وبعض المشاهد القليلة؟
صافي ليست المحور الرئيسي للفصل الأول، بل ميلاد ناهد الذي حدث في اليوم الذي تعرض فيه جمال عبد الناصر لحادث اغتيال في ميدان المنشية بالأسكندرية. لحظة الميلاد هذه كانت تكئة درامية لرصد المشهد الصحفي آنذاك، وكيف تناولت الصحف القومية الحادث. أما باقي المشاهد فجاءت درامية، تعكس طبيعة البيئة التي نشأت فيها ناهد. لذلك كان مهماً أن يستعرض الفصل شخصية صافي، الأم الراقصة المُحبة للحياة، والتي مرت بهزائم كثيرة، كان لها الأثر الأكبر في تشكيل مصائر بناتها الثلاث ومنهن ناهد، التي خرجت إلي الدنيا بينما أبوها شكري - العازف في الفرقة التي تعمل فيها صافي - يرقد غارقاً في دمائه في أرض مهجورة. هذه أول هزيمة تتعرض لها ناهد. لترصد فيما بعد باقي الهزائم بثبات وبحالة من التبلد، وهو ما حدث حينما رأت أختها سارة تخون أمها مع رجلها الأخير، وهو الصحفي الذي ساعد صافي علي الانضمام لإحدي الفرق الفنية، ظلت ناهد أمام التلفزيون، بلا حراك، تشاهد هزيمة كل من أمها وعبد الناصر بعد نكسة 67.
كان هذا هو الهدف، إيضاح أبعاد شخصية صافي التي تفسر طريقة تعامل ناهد مع الهزائم، فهي إمرأة نقية، تشع بهجة وفرحا، وتبحث عن لحظة انتصار مثل كل شخصيات الرواية، وهو ما فعلته بعد خيانة سارة لها وخروجها من البيت، حين استقبلت قطة ضالة، وأطعمتها، ورعت صغارها، الذين لم يتركوها لحظةً. وكما أحبتها القطط أحبها كل رجال الحي. لهذا جاء عنوان الفصل الأول "لكنني أحب صافي"، وستظل صافي حتي الفصل الأخير عالقة في ذهن القارئ، ومحببة إليه هو الآخر. علي عكس ناهد، التي كانت تكره الحياة. فهي لم تحب سوي نفسها. تتجاهل الجميع والظروف التي قد تعرقل مسارها، ففي اليوم التي استلمت فيه عملها بالمؤسسة، تم اغتيال أنور السادات، وما كان أمامها حتي لا تفسد لحظة انتصارها، سوي أن تدير الراديو، وتنفصل عما يحدث. فهي من النوع الذي لا يأخذ الهزيمة بشكل شخصي، وتجيد اخفاء مشاعرها.
الأهم في الفصل الأول. هو رصد مساحات التشابه بين ما يحدث الآن في المشهد الصحفي، وبين ما حدث بعد ثورة يوليو، بالتحديد في عام 1954، الذي شهد ظهور نجم عبد الناصر، واتجاه الصحافة إلي تمجيده، وتحويله إلي إله. وقد تعمدتُ نقل ما كتبته الجرائد بالنص عن محاولة اغتياله، لنري كم التهويل والتزييف والتضخيم. نفس الأمر نعيشه الآن رغم مرور ستين عاماً؛ الكل يتودد ويزايد علي الآخر ليكون الأكثر ولاءً.
هل يعني ذلك أن الصحافة كانت أكثر حرية قبل ثورة يوليو، أم أن أي حاكم يأتي يصنع إعلامه الذي يريد؟
الصحافة قبل ثورة يوليو كانت أكثر انفتاحاً، وتنوعاً، رغم أساليبها البدائية في الكتابة أو الطباعة. وكان هناك صحف يتجاوز توزيعها 100 ألف نسخة. كما كان هناك مساحات لصحافة الرأي التي تقلصت بالتدريج بعد عبد الناصر، إذ كانت هناك بوابات خلفية لكسب ولاء الصحفيين والأدباء للنظام، من خلال استقطابهم للكتابة في المطبوعة التي أصدرتها وزارة الداخلية حينها، وهي مجلة البوليس، ودفع ما يشبعهم من المال. نفس الوضع نلمسه الآن، في وجود عدد من الصحفيين الذين يعملون في أقسام الحوادث في إدارة بعض برامج القنوات الفضائية. وبشكل عام، جزء من ثبات الأنظمة الشمولية وبقائها هو السيطرة علي الإعلام. لأن الإعلام هو من يصنع الرأي العام. لذلك أري أن الصحافة قبل 52 كانت أكثر حرية.. أكثر حرية مما نحن عليه الآن، بعد أن صارت المسألة أكثر تنظيماً في صناعة الصحفيين والكُتّاب ودمجهم في الحياة، بحيث لا نستطيع تمييزهم من كثرة النماذج وتنوع الأساليب. فمن فترة لأخري، نكتشف أن هناك صحفيين يعارضون النظام، في الوقت الذي نجدهم حاضرين في ندوات الإعلام الأمني.
تقصد أن المعارضة تتم بالتنسيق مع النظام؟
لا استطيع الجزم بذلك، أو تعميم نموذج علي البقية. لأن الوضع الصحفي ليس بهذا السواد. ما أستطيع قوله إن هناك أصواتاً زاعقة تنفذ تعليمات وتلعب أدواراً مرسومة. وفي الرواية حاولت التلميح إلي بعضهم. وأريد أن نفرق هنا بين أمن الدولة كفكرة، وكجهاز. فلا أحد ضد وجوده وأهميته، لكن التعاون معه شيء آخر. والتعاون معه ليس سبة لأنه قد يكون في مصلحة الوطن. إنما التعاون مع أمن الدولة بكتابة تقارير عن الصحفيين، أو توجيه الرأي العام في قضية معينة، فهذا ما ندينه. لذا لا يمكن النظر إلي أي كاتب أو صحفي علي اتصال بالسلطة أو يحضر لقاءات الرئيس الرسمية، أنه يلبي ما يريده النظام، طالما أنه ليس هناك ما يدينه.
تطرقت الرواية إلي "الديسك" ومهمته في صياغة الموضوعات، ليس فقط للصحفيين غير الموهوبين، بل لرؤسائهم، مثلما فعلت ناهد حين أحضرت من يكتب لها مقالاتها، لكنك تناولته أيضاً من زاوية أخري، أنه العمل الوحيد المتاح أمام الذين يجيدون الكتابة.. لماذا تري ذلك؟
هناك نوعان من الصحفيين الذين يعملون بالديسك، النوع الأول هو صحفي موهوب يريد أن يُحسن من دخله المادي. والنوع الثاني هو صحفي موهوب لا يصلح للتعامل مع الأجهزة الأمنية، ولا أحد يريده أن يكون صاحب رأي، لذلك يبقي مكانه الظل. والنوعان نسميهما- علي أي حال - "الكتيبة" الذين يعيدون صياغة الموضوعات وفقاً لما يريده رئيس التحرير، الذي ينفذ في الغالب ما يأتيه من تعليمات. الديسك أنقذ الصحافة المصرية من كوارث جمة وغسل ماء وجه الأجهزة الأمنية التي اختارت صحفيين غير موهوبين ليتصدروا المشهد الصحفي، ويصيروا نجوم الرأي العام. الديسك في المقابل جعلنا ندرك أنه ليس هناك موضوعية أو حياد أو نقل الحقائق، وهذه أكاذيب أو اختراعات يضحكون بها علي المبتدئين في المهنة؛ لأن أي خبر يتم صياغته بوجهة نظر ووفق السياسة العامة للصحيفة. أيديولوجية المكان هي من تتحكم في الصياغة مهما حاولت أن تكون موضوعياً. وقبل الكتابة عن وجهة نظرك، لابد من البحث عن صحيفة تتسق معك، وهذا لم يعد موجوداً. الصحف كلها صارت واحدة، فلم يعد التنافس علي الانفراد كما كان، إنما علي التشابه.
حتي إن كان موجوداً، هل تجد أن المناخ الحالي يسمح لأي صحفي أن يعلن عن وجهة نظره أو توجهه السياسي؟
لم يعد مرغوباً أن يعلن أحد عن رأيه، وكثير من الصحفيين يتعرضون لمضايقات وتهديدات بفصلهم من الجريدة التي يعملون فيها، لأنهم يحملون رؤية سياسية مغايرة. وهو ما استوعبه كمال في الرواية، حين نصحوه في أول يوم عمل له بألا يعلن عن توجهه القومي الناصري، لكنهم في ذلك الوقت قالوا له إن رأيه المعارض خارج المؤسسة.
عودة إلي ناهد. ما الحكمة من جعل القارئ يعتقد أن حياتها ستكون شؤما، لأنها ولدت في وقت دخلت فيه مصر أسبوعاً من العنف والقتل والاعتقالات، وتنبيهك له للربط بين مصير وحياة أي إنسان بوقت ميلاده، في حين أنها انتصرت في النهاية لما تريده؟
حقيقة لا أعرف. كان الربط هُنا للانتقال لخطوة ما، ولم يكن هدفه أن يتنبأ القارئ بحياتها. هي مجرد إشارة له حتي لا يسلم نفسه للأقاويل التي اعتاد عليها الناس. ولم يكن هناك قصد للربط بينها كشخص، وبين هذه الأحداث. كان القصد الوحيد، وهو ما ذكرته، عرض المشهد الصحفي حينها. ورغم ذلك فكان وجود ناهد في حياة أي شخص شؤما عليه، لأنها قررت أن تهزم الآخرين، بعد أن أخذت نصيبها بما يكفي من الهزائم، بداية من والدها الذي قُتل، مروراً بأختها التي خانت أمها، نهاية بدخولها في علاقة مع رجل مزدوج الجنس. لم يكن أمامها سوي أن تخرج من دائرة الفقر، وتصعد إلي سلم الصحافة بكل الطرق والوسائل، حتي لا تجد نفسها في النهاية مجرد سكرتيرة، ومثل صديقة طفولتها فاطمة التي تزوجت من سائق تاكسي.
إذن، ما فعلته ناهد من مؤامرات يتسق تماماً مع ما قالته بائعة الهوي للراوي: "من يبحث عن السعادة لا يسأل بكم"..
نعم، لم يكن هذا المشهد عبثياً، وكان مفتاح بدر الشرقاوي (الراوي) لفهم ما يحدث من حوله، وما تفعله ناهد، لأنه حين قرر أن يكتب الاستقالة، كان بعدما عرف كل شيء.
ألا تري أن شعور بدر بالهزيمة مبالغ فيه خصوصاً أنه شارك ناهد في العصف بزملائه؟
قبل اللحظة التي يدخل فيها بدر إلي ميدان التحرير، ليشارك في المظاهرات التي تندد بالحرب علي العراق، لم يكن يشعر بأي هزيمة، أو هكذا اتضح للجميع، لأنه خرج من المؤسسة بصفقة، شملت ترقيته إلي منصب مدير التحرير، ونقله إلي مؤسسة أخري، وفرصة للسفر إلي إحدي دول الخليج، لكنه حين سمع الهتافات، ورأي حماس الشباب من حوله وزملائه الذين هزمتهم ناهد، شعر أنه مهزوم هو الآخر، وقرر أن يرفض الصفقة، وأن ينضم إلي صفوف المهزومين. هذا إن تصور أحد أن هؤلاء هم المهزومون.
لِمَ اخترت أن يكون الراوي أحد المهزومين؟
لديّ قناعة أن التاريخ في معظمه مزيف، لأن من كتبه هم المنتصرون. وروايات المنتصرين دائماً كاذبة، أو أقرب إلي الكذب. فإن أردنا أن نعرف حقيقة ما حدث، أو ما يمكن أن يكون أقرب للواقع، فعلينا بحكايات المهزومين. لذلك قررت أن انتصر لرواية المهزوم، واختار بدر الشرقاوي، لأنه أيضاً الشخصية المحورية الثانية بعد ناهد. كما أن لديّ رغبة في إعادة قراءة التاريخ، لا أريد مثلاً أن أقرأ ما كتبه عبد الناصر أو رجاله عن ثورة يوليو، لكن أريد أن أقرأ ما كتبه الملك فاروق ورجاله، لاكتشاف ما تم طمسه أو تحريفه.
كان هذا هو الدافع وراء كتابة الرواية، وهو إعادة الاعتبار لرواية المهزومين، بجانب التنبيه إلي ما تمارسه الصحافة من إفساد للمهنة، والانحراف بها عن مساراتها المطلوبة، وأحقية الشعب في أن يكون لديه صحافة حرة..
هل ستكتب رواية ثالثة تتناول فيها حال الصحف الخاصة؟
هذا مشروع قائم بالفعل. منذ أن كتبت روايتي الأولي (ظهورات) الصادرة عن دار ميريت عام 2005 والتي تناولت الصحافة الحزبية، وأنا لديّ تصور عن مشروع روائي عن إفساد الصحافة في مصر، ما دفعني إلي الشروع مباشرة في كتابة الرواية الثانية وهي (رواية المهزوم)، من أغسطس 2006 إلي نوفمبر 2015، والتي ظلت في درج مكتبي نحو شهرين، بعد خلاف مع اثنين من دور النشر، لا أعرف إن كان المضمون السبب وراء عدم نشرهما للرواية، أم شيء آخر، لكن علي أي حال، لقد صدرت مؤخراً عن دار نشر (منشورات البندقية). وسوف أكتب رواية ثالثة عن الصحف الخاصة. لكن للأسف بعد انتهائي من رواية المهزوم، وجدت رواية أخري تلح عليّ، لكنها ستكون رواية اجتماعية، تتناول سمات الشخصية المصرية التي تتحايل علي الواقع، مثلما تناولت رواية زوربا اليوناني لنيكوس كازانتزاكيس طبيعة الشخصية اليونانية المُحبة للحياة، وأيضاً رواية فورست غامب لونستون جرووم التي تناولت الشخصية الأمريكية الغبية التي تمتلك القوي والثراء، وبدأت بالفعل في كتابتها، ووضعت لها اسماً مبدئياً وأظنه اسم الرواية النهائي، وهو "اسمه غالباً مصطفي".
وماذا عن الشعر؟
لم أتوقف عن كتابة الشعر، أعمل الآن علي ديواني الثالث تحت اسم مبدئي وهو "اعترافات ساحر متجول" والذي أفكر في تغييره إلي "اعترافات خائن وعميل".. بدأتُ كتابة الشعر العامي منذ صغري بالتزامن مع تعلمي للعزف، لكنني اتجهت بعد ذلك إلي الكتابة بالفصحي، لتوسيع شريحة القراء.. الشعر بالنسبة لي إمتحان، شحنة تحتاج إلي تفريغها كما هي بالضبط، فكتابته ليست هينة لأنها تعتمد علي الاختزال والتكثيف، أما الرواية فهي لعبة. تشعر فيها كأنك تحكي مع القارئ. وهو ما أحسست به في كتابة الروايتين. ما أريد توضيحه أنني لن أترك الشعر من أجل الرواية، لأنني لستُ مؤمناً بالتصنيف الأدبي.
كيف تري الأزمة الأخيرة لنقابة الصحفيين؟
حضرت الجمعية العمومية وشاركت في اعتصام الصحفيين، لكن لديّ علامات استفهام حول ما حدث، خصوصاً في مسألة القبض علي الاثنين من شباب الصحفيين، لماذا كانا معتصمين في الدور الأرض علي بعد خطوات قليلة من البوابة، في حين أن أي اعتصام للصحفيين علي مر تاريخ النقابة يكون في الدور الرابع؟ هذا غير مفهوم، ويجعلني أظن أن المشهد كله مصنوع. أما التصعيد الذي اتخذته النقابة، فكان تحت ضغط وحماس شباب الصحفيين، ما جعل مجلس النقابة يتورط في الاشتباك مع الرئاسة، التي لم تكن طرفاً من بداية الأزمة، كما أن المطالبة باعتذار الرئيس ووزير الداخلية، مطالبة رومانسية، وغير واقعية، وقانونياً غير منضبطة، كان لابد من البداية المطالبة بمقاضاة وزير الداخلية والتركيز علي اختراق القانون، والتفاوض مع الداخلية قبل القبض عليهما من الأساس. لكن في النهاية، لا استطيع أن أكون سوي مع ما يطالب به الشباب، لأنهم الأمل، بحماسه وتطرفه وتهوره. أما نحن فلا حيلة لنا. نحن من جيل المهزومين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.