كان يحلو لي كل يوم خميس قبل أذان المغرب تسلق نخلة غير مثمرة بمدخل قريتنا من الناحية القبلية أظل جالسا بين جريدها وقتا طويلا ثم اهبط إلي الأرض لا احمل تمرا أو جريدا ومع انتظام تسلقي كل يوم خميس شاعت الإشاعات وكثرت الأقاويل وتعددت وتنوعت إلي أن قال أحد الخبثاء الواد ده بيطلع النخلة يوم الخميس بالذات عشان تيتفرج علي الحريم وهي بتتسبح في الطشت في الحوش ولا يفعل ذلك إلا يوم الخميس عيد الحريم وتم القبض علي واقتادوني إلي العمدة وحاول العمدة معرفة سبب هذا السلوك إلا انني لم انطق بكلمة واحده فقال العمدة رحلوه للمركز وهناك سيتحدث وتم ترحيلي وأمام المأمور تكرر صمتي كما فعلت مع العمدة وتم ترحيلي للنيابة في طابور مكون من عشرة رجال قيد الجميع في حبل طويل وكان يجر الركب الشاويش عبد الستار من أبناء قريتي وبعد أن أصبحنا بعيدا عن المركز بخطوات قليلة ناديته ياعم عب ستار أمانه ياشيخ هوا المأمور كان بيجولك ايه عني عشان سمعت اسمي وأنت بتجوله تمام ياباشا هيه إيه الحكاية فقال عبد الستار الحكاية انك بتتفرج علي الحريم وهي بتتسبح في الطشت ..احكيلي يافرج شوفت مين م الحريم وهنا عاد الصمت يلازمني ودخل لساني ولم يخرج حتي وصلنا النيابة ووقفنا جميعا أمام مكتب وكيل النيابة يزج بكل واحد منا داخل مكتبه ليخرج منتظرا القرار الخاص به إلي أن جاء دوري للدخول كنت صغيرا فشاهدت وكيل النيابة لأول مرة في حياتي عن قرب كبيرا رغم انه شاب صغيرا كانت التعليمات أن اخلع حذائي الممزق علي الباب كغيري قبل الدخول وألا اقترب من مكتب البيه وسألني وكيل النيابة عن اسمي وسني وهو ينظر في أوراق المحضر أمامه دون أن يرفع رأسه أو ينظر نحوي أنت في مدرسه ولا سبتها فقلت له أنا في سنه ثالثه اعدادي سألني عارف المكتوب في المحضر بتاعك وعارف مين بيحقق معاك قلت نعم اعرف ما بالمحضر واعرف انك وكيل النيابة وقد عرفتك وتقابلت معك من قبل في رواية توفيق الحكيم نائب في الأرياف فضحك وقال هل تقرأ للحكيم انت مثقف إذا قلت ولمحفوظ وإدريس والعقاد والمازني فابتسم ابتسامه عريضة وهو مندهش وإذا به يقول اجلس يافرج علي الكرسي المجاور لك وبعد ترددي امرني بالجلوس وهنا طرد الخوف من داخلي والرهبة وشعرت انه صديق وتأكد لي هذا الإحساس عندما قال لي احكي لي قصة تسلقك النخلة فرحت في ارتياح شديد اروي له ماذا كنت افعل ولماذا .. انا والدي من عمال التراحيل ولا نملك نارا تشتعل في كانون بيتنا كل خميس كما الكثير من أهل قريتنا حيث يكون يوم السوق في قريتنا الفقيرة هو اليوم الذي تشعل فيه نار الكانون ليأكل القادر اللحم والخضار والفقراء أمثالنا قد يفعلون هذا مرة أو مرتين في الشهر وفي كل مرة مهما كان عدد أفراد المنزل لايزيد اللحم عند الطهي عن نصف كيلو وهنا تتحول القرية إلي مدخنة يخرج منها الدخان حاملا رائحة الحياجه حيث هي الأساس في عملية الطهي وتنتشر رائحتها في كل أرجاء القرية وكان كل نصيبي من هذا هو شم رائحة الحياجه فقط وأنا أتجول في أنحاء القرية إلا انني قررت فجأة أن يكون نصيبي من الشم أكثر من الموجود علي الأرض فكانت فكرة تسلقي النخلة ليحمل الهواء القادم من الناحية البحرية رائحة الحياجه المكونة من بصل وعصير الطماطم وملعقة من شربة اللحم فتنعشني وتشبعني وتعوض حرماني منها وفي هذه اللحظة ضغط وكيل النيابة علي ذر الجرس فدخل عم عوضين حارس دار النيابة ليقول له البيه اعمل حساب فرج في العشاء معي النهارده وما كاد يخرج عوضين حتي صاح فيه وكيل النيابة عوضين .......كتر من الحياجه .