من داخل متحف الكاريكاتير بعد عودتنا من زيارة لقرية تونسبالفيوم، التي تضمنت جولة بمتحف الكاريكاتير الذي أسسه الفنان محمد عبلة وتحول لمعلم من معالم قرية تونس .. فوجئنا بتعرض المتحف للسرقة والتخريب. اتصلت علي الفور بالفنان محمد عبلة مؤسس المتحف والذي تحمل وحده عناء جمع تلك الأعمال عبر سنوات طويلة، بل وتحمل مشقة افتتاح المتحف، ربما كان أكثر ما أصابني بالأسف هو صوت عبلة المليء بالأسي وهو يخبرني أن هذا الحادث قد يدفعه للتفكير جديا في إغلاق المتحف ما دام ليس هناك تأمين يكفي له . ويضيف عبلة: في تلك البقعة السياحية التي نسعي فيها لدعم السياحة خاصة في تلك الفترة ، كيف سيكون مردود حدث تخريبي مثل هذا علي السياحة في المنطقة ، وكيف سأستمر في ظل غياب التأمين لمتحف صغير مثل ذلك . أتذكر لقائي بالفنان محمد عبلة خلال مهرجان الخزف والفخار بالفيوم حيث كان يتحدث بحماس عن تجربته قائلا :الكاريكاتير فن عظيم ذ مضيفا: لكنه مع الأسف فن مظلوم ، من هنا فكرت في إقامة هذا المتحف.. هو فن يؤرخ لأي أمة سياسيا واجتماعيا .. إذا أردت أن تتعرف علي مجتمع ما، أدرس عن قرب ما أنتجه من أعمال كاريكاترية سوف تتعرف أيضا علي تطور العامية والعادات والتقاليد وحتي الملابس... يقول عبلة: كانت إحدي أمنيات الفنان زهدي العدوي أن يكون هناك متحف للكاريكاتير وعندما أتيحت لي الفرصة حققت الأمنية . وعن الترتيب المتحفي ذكر: في البداية قدمت توليفة من أعمال الرواد وكذلك الجيل الجديد، ثم يسير المتحف في تسلل شبه تاريخي، إضافة إلي بعض الغرف التي تعرض مجموعات فنانين مستقلة مثل مجموعات مصطفي حسين وطوغان . وقد قام مؤسس متحف الكاريكاتير بجمع 500 عمل علي مدي عشرين عاما من بينها أعمال صلاح جاهين ورخا وصاروخان وغير ذلك. وربما كان هذا الحادث هو الأول الذي يتعرض له المتحف منذ افتتاحه في 2009 ، وعن المسروقات يقول عبلة : لقد تم سرقة البروجكتور والشاشة وتمثال خشبي ، ولكن الأسوأ هو تلك الأعمال التخريبية بإلقاء كل الكتب والأعمال علي الأرض . وربما ترجع أهمية مقتنيات المتحف إلي قيمتها الفنية حيث يضم مجموعة نادرة لفنان الكاريكاتير صاروخان، الذي يعتبر رائد الكاريكاتير السياسي في مصر، وهو فنان مصري أرمني الأصل ، وُلد في تركيا في 1898، وتلقي تعليمه في مدينة تركيا، وانتقل إلي فيينا حيث درس فيها الرسم ثم انتقل إلي الإسكندرية عام 1924 واستقر في مصر بشكل نهائي. وكذلك الفنان خوان سانتيس وهو فنان أسباني يعتبر أبو الكاريكاتير العربي حيث جاء إلي مصر بدعوة من الأمير يوسف كمال للعمل في مدرسة الفنون الجميلة التي أنشأها 1908 . إضافة إلي مجموعة متميزة لكل من مصطفي حسين ، وطوغان ، وحجازي ، والبهجوري وغيرهم .. وعقب الحادث المؤسف أعلن كثير من الفنانين تضامنهم مع الفنان محمد عبلة ومنهم الفنان أحمد عبد النعيم الذي كتب علي صفحته علي الفيس بوك أعلن رفضي واستنكاري الكامل لما حدث لمتحف الكاريكاتير بالفيوم من أعمال سرقة وتخريب وأعلن تضامني الكامل مع مؤسس المتحف الفنان الكبير محمد عبلة .. وأضع مكتبتي الكاريكاتيرية وأي مقتنيات خاصة بي من الآن تحت تصرف الفنان عبلة وادعوا جميع فناني الكاريكاتير للتضامن مع الفنان الكبير. كما أعلنت الفنانة الشابة رغداء جواد حجازي ابنة فنان الكاريكاتير جواد حجازي عن تضامنها الكامل معه قائلة : إن من يسرق بيتا أو شركة أو حتي مصرفا .. فإنه يرتكب جرما بشعا في حق المجتمع ولكن تأثيره المباشر لا يقع إلا علي دائرة محددة من الأشخاص والامتداد الزمني لهذا التأثير في الغالب يكون محدودًا بوقت قصير .. وفي لحظة ما قد نحاول تخيل بعض أعذار الفقر والعوز أو حتي الجشع و التي دفعته لارتكاب هذا الجرم .. ولكن الذي يسرق متحفًا و يخرب محتوياته .. ليس له أي عذر مقبول .. فجريمته تؤثر بشكل مباشر علي الجميع .. ويمتد فعله البشع لأجيال وأجيال .. ومجموع ما سرقه وخربه أكبر بكثير من الكيان المادي الذي حصل عليه .. لقد سرق وأفسد أجزاء من التاريخ لا تعوض .. سرق أجزاءً غالية من مكونات وجداننا الجمعي .. سرق أجزاءً من عقولنا وعقول أجيال قادمة.. و لذلك .. أنا لا أملك سوي إعلان تضامني الكامل مع الفنان محمد عبلة واستنكاري الشديد لما حدث من سرقة و تخريب في متحف الكاريكاتير .. وأعلن أن أصول الأعمال الكاريكاتيرية الخاصة بوالدي رحمه الله ستكون في خدمة المحاولات المبذولة من أجل الإصلاح .. والحقيقة أن موقف الفنان أحمد عبد النعيم والفنانة رغداء جواد هو موقفنا جميعا ، فالنشاط الذي قام به الفنان عبلة وحده يحسب له ، ليس فقط في افتتاح هذا المتحف بل وكذلك في الأنشطة الموازية ومنها ورش عمل للكاريكاتير ، وكذلك تنظيم مؤتمر دولي للكاريكاتير بمشاركة أكثر من جامعة. ويعتبر متحف الكاريكاتير أول معرض من نوعه للكاريكاتير في الشرق الأوسط، وعن اختياره لقرية تونس ليؤسس بها متحف الكاريكاتير يقول: كثير من متاحف الكاريكاتير في مختلف أنحاء العالم تقع بعيدا عن العواصم ، ثانيا هذا المتحف قائم بجهود فردية تتناسب مع الإمكانيات في الوقت والتفرغ ، ربما لو كان في العاصمة ما استطعت أن أجد ما يكفي من الوقت والمجهود. إن إغلاق متحف الكاريكاتير ذ إذا استقر الفنان محمد عبلة علي هذا القرار ذ سوف يعد بلا شك خسارة كبيرة ذ ليس لقرية تونس وحدها بل لنا كمصريين جميعا ، وكان عبلة قد أسس مركز الفيوم للفن عام 2006 كملتقي للفنانين للعمل سويا وتبادل الأفكار. قبل أن يفتتح متحف الكاريكاتير ، ليضيف من خلاله معلما جديدا من المعالم المميزة لقرية تونس.