إبراهيم عيسى: أزمة الكهرباء يترتب عليها إغلاق المصانع وتعطل الأعمال وتوقف التصدير    مقتل شخصين في ضربة جوية إسرائيلية على جنوب العاصمة السورية    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي على شمال قطاع غزة    الحكم على رئيس هندوراس السابق بالسجن 45 عاما بسبب المخدرات والسلاح    لبنان.. قصف مدفعي إسرائيلي يستهدف منطقة "اللبونة" عند أطراف الناقورة    تفاصيل مشاجرة سعد الصغير ومحام بشارع جامعة الدول العربية    ضبط متهم بابتزاز سيدة خليجية ووالدتها بمقطع فيديو في العجوزة    "الوطنية للإعلام" تعلن ترشيد استهلاك الكهرباء في كافة منشآتها    هل يوجد شبهة ربا فى شراء شقق الإسكان الاجتماعي؟ أمين الفتوى يجيب    نوفو نورديسك تتحمل خسارة بقيمة 820 مليون دولار بسبب فشل دواء القلب    ثورة 30 يونيو.. انطلاقة وطن    عن مؤتمر صراعات القرن الأفريقي.. الأحزاب تتفق على دور مصر في تحقيق الأمن والاستقرار    عُرس ينتهى بمأساة داخل الترعة .. أم وبناتها الثلاث لقين مصرعهن غرقًا    فشل التمرد في بوليفيا.. قوات الجيش تنسحب من القصر الرئاسي بأمر القائد الجديد    حظك اليوم| برج الثور الخميس 27 يونيو.. «يوم لتنمية المواهب»    شل حركة المطارات.. كوريا الشمالية تمطر جارتها الجنوبية ب«القمامة»    يورو 2024| تعرف على نتائج مُباريات دور المجموعات    لإنهاء أزمة انقطاع الإنترنت.. توصيل 4000 خط تليفون جديد بالجيزة (تفاصيل)    انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    الكنائس تخفف الأعباء على الأهالى وتفتح قاعاتها لطلاب الثانوية العامة للمذاكرة    رئيس قضايا الدولة يُكرم أعضاء الهيئة الذين اكتمل عطاؤهم    ملخص وأهداف مباراة جورجيا ضد البرتغال 2-0 فى يورو 2024    إجراء جديد من جيش الاحتلال يزيد التوتر مع لبنان    وزراء سابقون وشخصيات عامة في عزاء رجل الأعمال عنان الجلالي - صور    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. الزمالك في ورطة والأهلي ينهي صفقة دفاعية وتركيا وجورجيا إلى ثمن نهائي يورو    شوبير يُطالب بعدم عزف النشيد الوطني في مباريات الدوري (تفاصيل)    ميدو: الزمالك «بعبع» ويعرف يكسب ب«نص رجل»    انتهت.. الأهلي يضم يوسف أيمن من الدحيل القطري (خاص بالتفاصيل)    بسبب عطل فني.. توقف تسجيل الشحنات ينذر بكارثة جديدة لقطاع السيارات    أخبار × 24 ساعة.. "التعليم" تعلن نتيجة الدور الأول للطلبة المصريين فى الخارج    الحكومة تحذر من عودة العشوائية لجزيرة الوراق: التصدى بحسم    هيئة الدواء المصرية تستقبل وفد الشعبة العامة للأدوية باتحاد الغرف التجارية    مصرع طفل وإصابة شخصين في انهيار حائط بأسيوط    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم.. والأرصاد الجوية تكشف موعد انتهاء الموجة الحارة    نجاة 43 أجنبيا ومصريًا بعد شحوط لنش فى «مرسى علم»    الطاعة.. معارك زوجية أمام محاكم الأسرة    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 27 يونيو 2024 في البنوك (التحديث الأخير)    أصحاب ورش باب الشعرية: إنتاجنا تراجع 40٪.. واضطررنا لتسريح عُمّال    آخرأعمال مصطفى درويش.. آروى جودة تروج لمسلسلها الجديد حرب نفسية    أحمد سعد يطرح أغنيته "الكيميا راكبة" مع شقيقه عمرو سعد (فيديو)    3 أبراج تتوافق مع «العذراء» على الصعيد العاطفي    أبطال مسرحية «ملك والشاطر» يقرأون الفاتحة قبل دقائق من بداية العرض (فيديو)    مدير مكتبة الإسكندرية: استقبلنا 1500 طالب بالثانوية العامة للمذاكرة بالمجان    عباس شراقي: المسئولون بإثيوبيا أكدوا أن ملء سد النهضة أصبح خارج المفاوضات    الاستعلام عن شقق الاسكان الاجتماعي 2024    يورو 2024.. تركيا تخطف بطاقة التأهل لدور 16 بعد الفوز على التشيك    تعرف على سبب توقف عرض "الحلم حلاوة" على مسرح متروبول    حدث بالفن | ورطة شيرين وأزمة "شنطة" هاجر أحمد وموقف محرج لفنانة شهيرة    يورو 2024، تركيا تفوز على التشيك 2-1 وتصعد لدور ال16    يورو 2024 – تعرف على كل المتأهلين لدور ال16.. مواعيد المباريات والطريق حتى النهائي    محافظ بني سويف يكلف التأمين الصحي بتوجيه فريق طبي لفحص سيدة من ذوي الهمم    بالفيديو.. أمين الفتوى: العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة عليها أجر وثواب    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    سماجة وثقل دم.. خالد الجندي يعلق على برامج المقالب - فيديو    في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات- هل الأدوية النفسية تسبب الإدمان؟    بتكلفة 250 مليون جنيه.. رئيس جامعة القاهرة يفتتح تطوير مستشفي أبو الريش المنيرة ضمن مشروع تطوير قصر العيني    الكشف على 2450 مواطنًا وتقديم الخدمات مجانًا بقافلة القومى للبحوث فى أطفيح    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشهد الشعري السكندري
من نافذة »ناصية الشعر«
نشر في أخبار الأدب يوم 15 - 08 - 2015

ناصية الشعر هي احتفالية شعرية أطلقها الشاعر والناشر السكندري محمد رجب بالإسكندرية منذ عدة سنوات، وانطلقت في أبريل الماضي دورتها الثالثة باشتراك 21شاعرا وشاعرة، وبحضور شاعر العامية الكبير زين العابدين فؤاد في إطار فعاليات شتاء الاسكندرية الثقافي 2015، وناصية الشعر هي إعادة انتاج معاصرة للإحتفالية الشعرية القديمة بسوق عكاظ، حيث ، تجتمع كوكبة من الشعراء لإلقاء أشعارهم علي الجمهور الذي يلعب دور الحكم فيما بينهم ، وهي تختص أساسا بشعراء العامية
تبدو القصيدة من نافذة ناصية الشعر قصيدة شابة، بحكم أن أغلبية الشعراء المشاركين من مواليد الثمانينيات، قصيدة جماهيرية ، قصيدة شارع بكل ما يحمله التعبير من معان، هي قصيدة ولدت وسط حراك جماهيري، ناتجة عن جيل حضر كل مراحل ثورة (25 يناير) وتطوراتها وإنكساراتها، وأغلبهم شارك فيها مباشرة مثلهم كأغلب الشباب المصري، هي قصيدة شابة نها تأتي متحررة من كل ميراث التسعينيات بنشره ونظمه، مختلفة، غير متمردة علي التسعينيات تبدو وكأنها لم تسمع عنها، فأغلبية الشعراء المشاركين إن لم يكن كلهم يحاولون الإلتزام بالعروض الشعرية وإن كان أغلبهم يزن أشعاره سماعيا، فيصيب غالبا، ويخيب قليلا، إلا ان قصائدهم تتجاوز تلك (الهنات) العروضية بغنائيتها العاليه، هم دائما في منطقة اللاتحقق، فقصص الحب لا تكتمل أبدا، وقصص الإنجاز لا تصل لمنتهاها أبدا، يقفون في عالم اللا إكتمال ، يعبرون عن شعور عميق بأن وطنهم ومجتمعهم خيب ظنهم، خانهم، لم يعطيهم ما يستحقون، وهو شعور يسيطر علي أغلبية الشباب المصريين وصولا لحتي من تجاوزوا منتصف العمر، قصائدهم لا تحتفي بتفاصيل الحياة الصغيرة ولا تغرق فيها، بل هي مهمومة ومحملة بالهم العام، منخرطة فيه وفاعلة من خلاله، الشاعر نفسه يري نفسه تعبيرا وتكثيفا لمجتمعه، لحالاته، لحوادثه، فهو :
أنا قطر الصعيد مزحوم
وشايل هم ركابي
أنا الدرس اللي كان مختوم
بختم النسر ف..كتابي
أنا زحمة محطة مصر
أنا بقال ف..سوق العصر
وواد صايع ببيع الكيف
علي مكتب في قلب القصر".
كما في قصيدة طويلة غير معنونة للشاعر أحمد سعد
بينما تنضح قصيدة محمد السيد عزيز بالسخرية السوداء المشبعة بالمرارة
(إعلانات مبوبة)
مطلوب عمال لمصنع جديد ببرج العرب
بمرتبات خيالية
الفين جنيه؟..لا سبعمية
يدوب يكفو الكهربا والميه
- طب وناكل منين؟
لا ما تبقيش أنفه
- فيه جواز؟
لكن مافيش خلفه
انا اللي شاحت
وانتي اللي مستلفه..
ويكشف الشاعر عمرو عبد المجيد مستوي آخر من الموقف الشعري
ومن ساسك..دهس راسك
قهر ناسك..وعلمها جحود الحب والعشرة
وع العشرة..يادوب الصفر تديني، وبشمالك !
وبيمينك بتدي الكلب.. لو يملك !!
وأنا سبعك..!!
أنا سبعك لبست صديري وأتنطط..وبأتنطط
وبأتنطط كأني القرد في موالدك..وقرداتي
لكن ما فهمش تنطيطك"
تسيطر نبرة الإحباط والهزيمة بشكل واضح ، ومع تعدد الأصوات والأساليب، لا تختفي أبدا نبرة الإحباط والشعور بالهزيمة
وعدم التحقق ، تأكيد أخر علي إرتباط الشعر بالواقع، فالإحباط لم يعد شخصيا ، مبهما، وجوديا، خاصا، بل أصبح إنعكاس للحالة العامة لجيل كامل، ناتج عن تفاعله المباشر بالعالم
حتي مع شاعر يتميز بغنائية عالية مثل فهد إبراهيم، تأتي الغنائية مثقلة بالواقع وهمومه وإحباطاته:
"الناس احلامها بقيت خايبه
ناقصه التجديد
علشان الواقع متكرر
من بدله لبدله بنتزرر
ف بنتزرزر
بنربي عيال
و مفيش اشغال
و نام ونقوم
علي نفس الحال
ف طابور العيش
او ف التموين
علشان بنزين
او حتي معاش
و ان مُت هتبقي روحت بلاش"
إلا أن (إنجازات) التسعينيات الشعرية لا تختفي كليا من المشهد الشعري بناصية الشعر،فالتوتر الوجودي أمام فكرة الموت الذي يتحدي الشاعر مهابته المخيفة فيما يشبه (الاستئناس) تظهر عند محمود إسماعيل :
"هامش
مش قلت لك
راجل عجوز
قالي ف يوم: انت ابن موت
يومها ضحكت
ان ابويا
ماسمهوش الحاج موت."
وفي قصيدة( محاولة أخيرة فاشلة) لتامر أنور:
"نفسك تكون الموت
دي الاجابة اللي ما كنتش بترضي تقولها
لما كنت بتتسأل ديما
تحب تطلع ايه؟
ماحدش كان حيفهم
العلاقة اللي بينك وبينه
بيتك اللي جنب عامود السواري....
موت (مستأنس) مستأنس في المجاورة ، والمعايشة اليومية، في تفاصيل الحياة
اخر طبلة اشترتها ف خميس رجب"
الميتين ناس طيبين قوي
ماحدش فيهم زعقلك."
الموت يصبح أكثر (أرضية) مع عمرو عبد المجيد، يصبح الموت المفروض علي المجتمع ككل نتاجا للأوضاع السياسية والاقتصادية، ليس موتا فرديا خاصا بالشاعر، بل (موتنا) نحن جميعا
"فأبات واصحي..وانا كارهك
ورافض أعيش علي حبك
وحابب أموت وأنا سايب علي جبينك كفن قلبي
وبقعة دم...متفيرس
وزرعة كره...متسرطن
ودم شهيد في ثوراتك..وما نشفشي."
هذا الاستئناس للموت لا يعني أبدا انه - اعتيادي أو مقبول، أو ان الشعراء غير محتفين بالحياة، بل اري العكس، إنه تجاوز لفكرة الموت، إسقاط للهيبة عنها، فالموت (شيء) ، تفصيلية أخري من تفاصيل الحياة يمكن بناء علاقة ما معه، علاقة جيرة أو تعود او حتي لعب واستئناس، كأن الشعراء يبشرون بجيل لم يعد الموت يخيفه ولا يرهبه، هلم لا يخافونه ولا ينتظرونه، هم يعبرونه ويسيرون.
المنجز الشعري التسعيني الاخر الذي يظهر في هذا المشهد الشعري، هو الاتكاء علي المعرفية، دمج الحصيلة المعرفية للشاعر بالقصيدة، استدعاء شخصيات تاريخية أو أسطورية محملة بدلالاتها الخاصة المستقرة، واللعب علي نغمة تلك الدلالات كأداة داعمة وكاشفة للجملة الشعرية، او تحدي تلك الدلالات بمفهوم خاص بالشاعر لإحداث مفارقة معرفية
كاشفة للمعني، او محدثة لصدمة المفاجأة لدي المتلقي حين تتحدي القصيدة معرفته المستقرة
فالشاعر احمد سعيد يستدعي إنكار الحواري (بطرس) للمسيح كإطار لعلاقته ب (هي) التي قد تكون (الوطن)- وفاء للتقليد الادبي المصري العريق في اعتبار مصر أنثي!!، ، لكنه لا يخوض في تلك المعرفية لحد الإشباع، يكتفي بالإشارة فقط ، وفيما ،بعد بنفس القصيدة يستخدم إحالات معرفية شائعة وأكثر ارتباطا بالشارع:
وف.. مسكة التليفون علي طول الطريق
ده حتي الأهلي تقريبا معادش بيكسب الماتشات
مفيش إلا الزمالك بس عشان يحرم عليا تزعلك مرة"
ويقترب الشاعر خالد جابر مسافة اخري من الاتكاء المعرفي للقصيدة التسعينية، في قصيدته : أوراق من درج بورخيس،
فيضمن في بداية قصيدته سطرين من قصيدة ( خليل حاوي)
وجوه السندباد:
كنت أمشي معه في درب سوهو
يمشي وحده في لا مكان
ثم يكملها بنص خاص به
وجهي ولكن
وتحقير الزمان
بأنا تؤامان"
هو في الحقيقة اجتزاء من نص خليل حاوي نفسه، في إعادة صياغة للنص المتضمن عبر الحذف الإنتقائي وينسب الجميع ل "بورخيس" كأنما يحاكي الإنتحالية التي أشتهر بها بورخيس في لعبة شعرية خطرة ومدهشة معا، ويسمي أحد مقاطع القصيدة "سفر التكوين" دون إيجاد أي تناص ما بين المكتوب وما بين السفر نفسه، مرة آخري لعبة شعرية خطرة يرتكز فيها الشاعر بقوة علي قدرة المتلقي علي استدعاء النص المشار إليه وخلق (تناصه) الخاص مع نص الشاعر، القصيدة ككل أقل إنفتاحا نسبيا علي المتلقي، لا تقدم مفاتيحها بسهولة، معلم أخر من معالم قصيدة النثر التسعينية، الإرتكان بقوة علي البعد المعرفي للمتلقي والرهان علي قدرته علي فك أسرار المستويات المتعددة لقراءة النص.،وهو موقف متميز وشجاع وسط ذائقة شعرية تعتمد القصيدة المفتوحة المعاني والراغبة في التواصل مع كل مستويات التلقي.
ويحضر شكل قصيدة النثر التسعينية في نص الشاعر أمير مصطفي، عبر تقسيم النص لمقاطع يقوم كل منها بذاته، ثم تدخل جميعا في علاقة مركبة لإنتاج نص واحد تتعدد مستويات التلقي فيه كلما تقدمت من (مقطع) آخر، حيث كل مقطع يلقي إضاءة مختلفة علي المقطع التالي له مع استعمال أجتزاءات من نصوص متجذرة معرفيا ودلاليا كالنصوص القرآنية لخلق حالة مفارقة تلقي مدهشة شعريا، اجتزاءات تكتفي بالإشارة دون تصريح، هل للرغبة في تجنب الغرق في القوة الدلالية للجملة الأصلية أم تجنبا للوقوع في محظور الاتهام بهتك القداسة؟!!
اجتزاءات مثل:
(أنا فتحنا لك.....)
(لا تحزن....)
إنا اعطيناك ال.... )
المقاطع نفسها تتفاوت ما بين محاكاة لشعراء الربابة، ونصوص معاد إنتاجها من الشعر الشعبي، مرة أخري الإرتكان بقوة علي البعد المعرفي للمتلقي وقدرته علي تحليل النص، ومفارقة إنتاج قصيدة (مقروءة) بالعامية المكرسة أساسا للقصيدة (المسموعة) او الشفهية.
علي أن الاتكاء علي المعرفية لا يتوقف عند التناص مع النصوص الأدبية والإحالات التاريخية، بل يمتد لخلق تناص مع السينما كإحالة معرفية وكحالة بصرية في نفس الوقت، بإستدعاء مشاهد (ايقونية) من الافلام الكلاسيكية
في قصيدة الشاعر تامر أنور (إسراء)
إحالة لفيلمي ( الأميرة والاقزام السبعة) و( غزل البنات) ، الإحالة هنا بسيطة ومباشرة، متوافقة مع الإحالة المعرفية الشائعة للمشاهد المنتقاة:
تفتكري طعم الشاي مع الكارتون
حيكون لذيذ؟
فيلم الأميرة وال7 أقزام
كل ما اشوفه بفتكر
لحظة ما كنتي بتضحكي
تشبهي (سنو وايت)
والشاعر يفشي سر الإحالة ذاكرا أسم الفيلم مباشرة، وفي استعارته لمشهد من فيلم (غزل البنات) يذكر اسم الفيلم مباشرة كمقدمة لاستعاراته، ذلك الكشف والمباشرة هما لنفس الشاعر الذي يبدأ قصيدته ( جوه ضحكة بنت) بالآتي:
كالعادة وحدي في عيد ميلادي
بعمل بروفة للجنازة
تحت المطر في الأوضة
بشبشب الحمام
تعبت م الحواديت
واختصار العالمية جوه ضحكة بنت
اسمها إسراء"
مع إحالة لفيلم رومانسي عن الحب الخائب المؤلم (الوسادة الخالية)
هي نفسها إسراء
لكن بمستويين مختلفين من الخطاب، وكأن الشاعر اختار في قصيدة إسراء ان يكشف مفاتيح الإحالات ليحافظ علي الجو العام ، التنوع الأسلوبي لدي الشاعر يبدو جليا، فقصيدته التي يحدث فيها نفسه عن (إسراء) مغلقة، داكنة، تستدعي رومانسية حزينة، بينما قصيدته التي يحدث فيها (إسراء)، مفتوحة، مبتهجة ، تتناص مع فيلم كارتون ومع الرومانسية الكوميدية لغزل البنات، بل هي حتي أكثر تسامحا مع تفاصيل العالم :
حتي في أيموشن ضحتك
ع الفيس "
الإحالة للمشهد السينمائي تأخذ شكلا أكثر كثافة في قصيدة (عبد الله جابر)، وهو هنا يستخدم الشخصيات السينمائية (الأيقونية) أكثر مما يستخدم الإحالة لمشاهد بعينها، شفيقه من (شفيقة ومتولي)، أبو سويلم من (الأرض)، فؤادة من (شيء من الخوف)، إحالات مختصرة تشبه قصيدته، التي تشير ولا تصرح، تبقي مغلقة نسبيا، تطالب المتلقي بقدر من الجهد للتواصل مع معانيها، مع جملها القصيرة المركزة، قصيدة عبد الله جابر طموحة في معانيها وصورها، لا تخشي تبني صور مزدحمة بل(سينمائية) الطابع إن صح التعبير :
أسمك يا "...... "
اسمك مجرد ما نكتب علي راس قصيدة
ببقي بكتبها
وملايكة
فوق كتافي بتحاسبني
"اوفيها بالحق الكريم"
وان جيت بدأت بذكر اسمك
حرب تبدأ
تخرج خيولي من الجبال ويدق طبل المعركة
طب فاكر جملة:
صوتك بيطلق حلم فيا من اللاشيء.
من أهم المميزات الواضحة للمشهد الشعري الذي عرض بناصية الشعر، الحالة المسرحية العالية، فكما تقدم القول، هذه قصائد شابة، جماهيرية، تطمح لتواصل مباشر مع المتلقي، كثير من الشعراء لهم خبرات في كتابة الأغنية، وعديد منهم عملوا او يعملون مع فرق شبابية مستقلة بحثا عن وسيط أكثر شعبية للتلاقي مع الجمهور، وأغلبهم يمتلك قدرات إلقائية رفيعة المستوي لا نبالغ إن قلنا انها تصل لقدرات العرض المسرحي ، هما شعراء مؤدون في أغلبهم، تكتسب قصائدهم حين يلقونها حياة مختلفة وتضيء بأبعاد جديدة تبدو باهتة وخفية عند قراءتها مكتوبة، وهناك تأكيد وتكريس لمهارة الإلقاء لدي أغلبهم، في إعلان واضح بأنهم شعراء جماهيريون، شعراء تواصل مباشر مع الجمهور.
وتتعدد تقنيات الإلقاء الشعري من أحمد بدر الذي يلقي قصائده باندماج عاطفي ووجداني واضح ومؤثر مستخدما تعبيرات (شارع) قوية دون الخشية من إستخدام تعبيرات و(اصوات) سوقية الطابع تبدو كدقات قوية ضابطة لإيقاع قصيدته المتسارعة الإيقاع اللاهثة المشاعر، اما الشاعر محمد السيد عزيز فيختار تعددية الأصوات بقصيدته، وهي ليست تعددية شخصيات حية، بل تعددية رءوس موضوعات :
مسألة
معادلة
مقال
إعلانات مدفوعة الأجر
يلقيها بمزيج من السخرية المتعالية والبرودة المصطنعة كأنما يدعي قراءة من مصادر مطبوعة ثابتة المعاني، بينما تتفجر الكلمات بمعان قوية مفارقة ومتحدية للعنوان مما يخلق مفارقة شعرية وأدائية ذات طابع مسرحي لا يمكن نكرانه.
الطابع المسرحي يصل لذروته مع قصيدة (كان هنا رمسيس) للشاعر حامد علي السحرتي،التي تتعدد فيها الأصوات والشخصيات، فيما يشبه عملا مسرحيا يقوم فيه الشاعر بدور الرواوي الذي ينتقل ملقيا شعره علي ألسنة شخوص متعددة، محاكيا لا اساليبهم اللغوية المختلفة فقط بل حتي لهجاتهم المختلفة، والشاعر في إلقائه يمتلك القدرة حتي علي تلوين صوته ليتوافق مع اختلاف الشخصيات من عم مجاهد الأسواني إلي نبويه الفلاحة القليوبية ودرويش سائق الاتوبيس وحتي (الضبو) تاجر المخدرات، فيما يشبه (مونودراما) شعرية موجزة، هذا الميل المسرحي كتابة وأداء يفتح الطريق لسؤال متفائل: هل يمكن لهذا الجيل ان يعيد اكتشاف الفن المندثر للمسرحية الشعرية؟ ربما ليس بمنطق صلاح عبد الصبور ونجيب سرور، بل بمنطقه هو، وبقدرته الإبداعية الخاصة، سؤال ينتظر إجابة يأتي بها المستقبل. البعد الإلقائي لشعراء ناصية الشعر لا يكتفي بالحالة المسرحة فقط، بل يكتشف الإمكانيات الطبيعية للشعر من حيث مهارات الإلقاء ، فالشاعر عمرو عبد المجيد يستلهم إيقاع فن الواو الشعبي:
ومن ساسك..دهس راسك
قهر ناسك..وعلمها جحود الحب والعِشرة
وع العَشرة..يا دوب الصفر تديني.
وهو يستعين ببنية قصيدته المقسمة إلي (مقاطع) لتأكيد حالة التدفق الإلقائي المميزة لفن الواو
الشاعر فهد إبراهيم يختار الغنائية العالية وهو شاعر غنائي متمرس والسطور الشعرية القصيرة التي تصنع إيقاعا حيا متدفقا، وهو ما يفتح المجال لدراسة أكثر توسعا عن التأثر المتبادل ما بين شعراء الأغنية وما بين النمط الموسيقي الذي تتبناه الفرق الشبابية أو الاندر جراوند.
"كوني شاعر
مش سبب اني اعرف اكتب في المشاعر ع المشاع
واني اقول مين اشتري ومين اللي باع
واني احكم ع الضمير
هرسم الدور الكبير
وابقي تايه جوه مني
يمكن اعرف اني ابطل تاني اغير
يمكن اعرف اني اكتب او اغني
وان جرحي يحل عني
وابقي مش مشتاق كتير"
الشاعر نور الدين الشريف يستخدم قدراته اللغوية المتميزة ولغته المفارقة لتأكيد قدراته الإلقائية
"لذة الجسم المشقة
بهجة الروح الوصال
نشوة النفس المذلة
حضرة الغيب الخيال
آخر اللوم المسرة
أول الحب الحياء
آفة الزهد التعلق
آية الدنيا الفناء"
وتضيء قصيدة نور الدين إحدي السمات المميزة لشعراء ناصية الشعر، الا وهو الزهد في العمل علي اللغة، فبينما تمتد جذور شعر العامية في المواويل والأهازيج والاراجيز والأزجال وفنون القول الشعبية الاخري، يبدو شعراء جيل جديد أقل اهتماما بتلك الفنون الشعرية، وأكثر التصاقا بلغة الحديث العادية، وهي مغامرة حقيقة، فلغة الحوار اليومية أو لغة الصحف المطبوعة قدر ما تمتلك من الحيوية والتجدد هي تفتقد للعمق والتنوع الأسلوبي والروافد اللغوية المتنوعة، وهو ما يفلت منه نور الدين الشريف بثقافته الإسلوبية الظاهره، بينما يرتكن بقية الشعراء علي موهبتهم وأدواتهم الخطابية لتجاوزه وهي مرة أخري رهان خطر قد يوقعهم في التكرار وإعادة الإنتاج.
من بين هذه الكوكبة من الشعراء الذين أضاؤا أمسيات ناصية الشعر تبرز أسماء بعينها:
أحمد بدر، بتدفقه الشعوري وعاطفته الملتهبة، مع تطور خبراته الشاعرية والأسلوبية نتوقع بزوغ شاعر جماهيري تحريضي شجاع أسلوبيا وذو قدرة عالية علي التواصل مع الجمهور ومعبر بقوة عن جيله ولحظته التاريخية.
أحمد سعد : شاعر متمكن من أدواته وله حضور قوي في الإلقاء المباشر، نتوقع منه تجذيرا موقفيا ينطلق بشعره إلي افاق أرحب وأجمل.
فهد إبراهيم : صوت متميز وامتلاك للحالة الغنائية دون التخلي عن الشاعرية والوقوع في فخ (الأغنية) ، متحرر من الإسهاب والترهل.
حامد علي السحرتي : شاعر ذو خفة دم شعبية حريفة الطعم يذكرنا بلذوعة بيرم الناقدة وبالأدباء المصريين بالعصر المملوكي.
نور الدين الشريف : اللغة الكثيفة الخبيرة بفنون الشعر العامي والمتمكنة منها.
تامر أنور : التنوعية الاسلوبية والصوت الشعري القوي مع لمحة رومانسية لا يمكن إغفالها.
عمرو عبد المجيد : الانفتاح علي فنون القول العامية والقدرة علي استعمالها داخل إطاره الجمالي الخاص.
أحمد السعيد : بقدرته علي التناص المعرفي والإحالي علي عدة مستويات.
عبد الله جابر : يقف علي ضفاف الفصحي جالبا الغنائم أرض العامية فيكسب شعره كثافة وثقلا يبشر بشاعر سيكون له مكانة متميزة وسط جيله.
في النهاية كانت هذه عجالة لا تهدف لبحث متعمق في العالم الشعري لكل الشعراء المشاركين بناصية الشعر، إنما محاولة استقراء لمقطع عرضي بالحالة الشعرية التي قدموها بناصية الشعر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.