ابن عبد الرحمن بن عطاء ، الإمام العالم المحدث الزاهد الرباني القدوة ، شيخ الإسلام أبو نصر المروزي ، ثم البغدادي ، المشهور بالحافي ، ابن عم المحدث علي بن خشرم ولد سنة اثنتين وخمسين ومائة . وارتحل في العلم ، فأخذ عن : مالك وشريك ، وحماد بن زيد ، وإبراهيم بن سعد ، وأبي الأحوص ، وخالد بن عبد الله الطحان ، وفضيل بن عياض ، والمعافى بن عمران ، وابن المبارك ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وعدة . [ ص: 470 ] حدث عنه : أحمد الدورقي ، ومحمد بن يوسف الجوهري ، ومحمد بن مثنى السمسار لا العنزي ، وسري السقطي ، وعمر بن موسى الجلاء ، وإبراهيم بن هانئ النيسابوري ، وخلق سواهم . وقل ما روى من المسندات . كان يزم نفسه ، فقد كان رأسا في الورع والإخلاص ، ثم إنه دفن كتبه . أخبرنا المؤمل بن محمد إذنا ، أخبرنا زيد بن الحسن ، أخبرنا أبو منصور الشيباني ، أخبرنا أبو بكر الخطيب ، أخبرني أبو سعد الماليني ، أخبرنا عبد العزيز بن جعفر ، حدثنا جعفر بن محمد الصندلي ، حدثنا محمد بن المثنى السمسار ، سمعت بشر بن الحارث يقول : سمعت العوفي ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : اتخذ النبي – صلى الله عليه وسلم – خاتما ، فلبسه ، ثم ألقاه العوفي : هو إبراهيم بن سعد . روي عن بشر أنه قيل له : ألا تحدث ؟ قال : أنا أشتهي أن أحدث ، وإذا اشتهيت شيئا ، تركته . وقال إسحاق الحربي : سمعت بشر بن الحارث يقول : ليس الحديث من عدة الموت . فقلت له : قد خرجت إلى أبي نعيم فقال : أتوب إلى الله . وعن أيوب العطار : أنه سمع بشرا يقول : حدثنا حماد بن زيد . . ثم [ ص: 471 ] قال : أستغفر الله ، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء . قال أبو بكر المروزى : سمعت بشرا يقول : الجوع يصفي الفؤاد ، ويميت الهوى ، ويورث العلم الدقيق . وقال أبو بكر بن عثمان : سمعت بشر بن الحارث يقول : إني لأشتهي شواء منذ أربعين سنة ، ما صفا لي درهمه . قال محمد بن عبد الوهاب الفراء : حدثنا علي بن عثام ، قال : أقام بشر بن الحارث بعبادان يشرب ماء البحر ، ولا يشرب من حياض السلطان ، حتى أضر بجوفه ، ورجع إلى أخته وجعا ، وكان يعمل المغازل ويبيعها ، فذاك كسبه . قال الحافظ موسى بن هارون : حدثنا محمد بن نعيم ، قال : رأيتهم جاءوا إلى بشر ، فقال : يا أهل الحديث ، علمتم أنه يجب عليكم فيه زكاة ، كما يجب على من ملك مائتي درهم خمسة . قلت : هذا على المبالغة ، وإلا فإن كانت الأحاديث في الواجبات فهي موجبة ، وإن كانت في فضائل الأعمال فهي فاضلة ، لكن يتأكد العمل بها على المحدث . قال أبو نشيط : نهاني بشر عن الحديث وأهله . وقال : أتيت يحيى القطان ، فبلغني أنه قال : أحب هذا الفتى لطلبه الحديث . [ ص: 472 ] وقال يعقوب بن بختان : سمعت بشر بن الحارث يقول : لا أعلم أفضل من طلب الحديث لمن اتقى الله ، وحسنت نيته فيه ، وأما أنا ، فأستغفر الله من طلبه ، ومن كل خطوة خطوت فيه . قيل : كان بشر يلحن ، ولا يدري العربية . قال أحمد بن حنبل : لو كان بشر تزوج ، لتم أمره . قال إبراهيم الحربي : ما أخرجت بغداد أتم عقلا من بشر ، ولا أحفظ للسانه ، كان في كل شعرة منه عقل ، وطئ الناس عقبه خمسين سنة ، ما عرف له غيبة لمسلم ، ما رأيت أفضل منه . وعن بشر قال : المتقلب في جوعه كالمتشحط في دمه في سبيل الله . وعنه : شاطر سخي أحب إلى الله من صوفي بخيل . وعنه : أمس قد مات ، واليوم في السياق ، وغدا لم يولد . لا يفلح من ألف أفخاذ النساء . إذا أعجبك الكلام ، فاصمت ، وإذا أعجبك الصمت ، فتكلم . [ ص: 473 ] وقيل : سمعه رجل يقول : اللهم إنك تعلم أن الذل أحب إلي من العز ، وأن الفقر أحب إلي من الغنى ، وأن الموت أحب إلي من البقاء . وعنه قال : قد يكون الرجل مرائيا بعد موته ، يحب أن يكثر الخلق في جنازته . لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات سدا . أخبرنا أبو محمد بن علوان ، أخبرنا الإمام موفق الدين عبد الله بن أحمد سنة إحدى عشرة وستمائة ، قال : حدثني ابني أبو المجد عيسى ، أخبرنا أبو طاهر بن المعطوش ، أخبرنا أبو الغنائم محمد بن محمد ، أخبرنا أبو إسحاق البرمكي ، أخبرنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري ، حدثني حمزة بن الحسين البزاز ، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ، حدثني حمزة بن دهقان ، قال : قلت لبشر بن الحارث : أحب أن أخلو معك . قال : إذا شئت فيكون يوما . فرأيته قد دخل قبة ، فصلى فيها أربع ركعات لا أحسن أصلي مثلها ، فسمعته يقول في سجوده : اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف ، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى ، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لا أوثر على حبك شيئا . فلما سمعته ، أخذني الشهيق والبكاء ، فقال : اللهم أنت تعلم أني لو أعلم أن هذا هاهنا ، لم أتكلم . قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر [ ص: 474 ] قال : قال رجل لبشر وأنا حاضر : إن هذا الرجل – يعني أحمد بن حنبل – قيل له : أليس الله قديما وكل شيء دونه مخلوق ؟ قال : فما ترك بشر الرجل يتكلم حتى قال : لا ، كل شيء مخلوق إلا القرآن . قال أحمد بن بشر المرثدي : حدثنا إبراهيم بن هاشم ، قال : دفنا لبشر بن الحارث ثمانية عشر ما بين قمطر إلى قوصرة – يعني من الحديث . وقيل لأحمد : مات بشر . قال : مات والله وما له نظير ، إلا عامر بن عبد قيس ، فإن عامرا مات ولم يترك شيئا . ثم قال أحمد : لو تزوج ! . قال ابن أبي داود : قلت لعلي بن خشرم لما أخبرني أن سماعه وسماع بشر من عيسى بن يونس واحد ، قلت له : فأين حديث أم زرع ؟ قال : سماعي معه ، وكنت كتبت إليه أن يوجه به إلي ، فكتب إلي : هل عملت بما عندك حتى تطلب ما ليس عندك ؟ ثم قال علي : ولد بشر في هذه القرية ، وكان في أول أمره يتفتى ، وقد جرح . قال حسن المسوحي ، عن بشر : أتيت باب المعافى ، فدققت ، فقيل : من ؟ قلت : بشر الحافي . فقالت جويرية : لو اشتريت نعلا بدانقين ذهب عنك اسم الحافي . وقال السلمي : كان بشر من أولاد الرؤساء ، فصحب الفضيل ، [ ص: 475 ] سألت الدارقطني عنه ، فقال : زاهد جبل ثقة ، ليس يروي إلا حديثا صحيحا . قال جعفر النهرواني : سمعت بشر بن الحارث يقول : إن عوج بن عنق كان يخوض البحر ، ويحتطب الساج ، كان أول من دل على الساج ، وكان يأخذ من البحر حوتا ، فيشويه في عين الشمس . قال إبراهيم الحربي : لو قسم عقل بشر على أهل بغداد ، صاروا عقلاء . قلت : قد روى لبشر أبو عبد الرحمن النسائي في " مسند علي " . قيل : جاء رجل إلى بشر ، فقبله ، وجعل يقول : يا سيدي أبا نصر . فلما ذهب ، قال بشر لأصحابه : رجل أحب رجلا على خير توهمه ، لعل المحب قد نجا ، والمحبوب لا يدرى ما حاله . مات بشر الحافي – رحمة الله عليه – يوم الجمعة في شهر ربيع الأول [ ص: 476 ] سنة سبع وعشرين ومائتين قبل المعتصم الخليفة بستة أيام ، وعاش خمسا وسبعين سنة . وقد أفرد ابن الجوزي مناقبه في كتاب . وفيها مات سهل بن بكار البصري وأبو الوليد الطيالسي الحافظ وسعيد بن منصور صاحب " السنن " ، وإسماعيل بن أبي أويس المدني ومحمد بن الصباح الدولابي والهيثم بن خارجة ، والعلاء بن عمرو الحنفي ، ومحمد بن عبد الواهب الحارثي ، وأبو الأحوص محمد بن حيان البغوي . قال محمد بن المثنى ، عن بشر : ليس أحد يحب الدنيا إلا لم يحب الموت ، ومن زهد فيها ، أحب لقاء مولاه . وعنه : ما اتقى الله من أحب الشهرة . وعنه قال : لا تعمل لتذكر ، اكتم الحسنة كما تكتم السيئة . أبو العباس السراج : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا بشر بن الحارث ، حدثنا عيسى بن يونس ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أخيه ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : كنت لك كأبي زرع لأم [ ص: 477 ] زرع . ثم أنشأ يحدث حديث أم زرع . قالت : اجتمع إحدى عشرة نسوة . القطيعي : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : وجدت في كتاب بشر بن الحارث بخطه ، عن وكيع ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن عبد الله بن شقيق ، أن أبا ذر – رضي الله عنه – دعوه إلى طعام ، فقال : إني صائم . فرئي من آخر النهار يأكل ، فقيل له ، فقال : إني أصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، فذلك صيام الدهر . من أقواله: * "لو تفكّر النّاس في عظمة الله ما عصوا الله عزّ وجلّ" * "لأن تكون جاهلاً خير من أن تكون عالماً ولا تعمل" * "ما اتقى الله من أحب الشهرة". * " لقد شهرني ربي في الدنيا فليته لا يفضحني في القيامة". * "يا أخي بادر بادر فإن ساعات الليل والنهار تذهب الاعمار" * "يا أصحاب الحديث أدوا زكاة الحديث أن تعملوا من كل مائتي حديث بخمسة" * وحكي أن بشرًا كان في زمن لهوه في داره وعنده رفقاؤه يشربون ويطيبون فاجتاز بهم رجل من الصالحين فدق الباب فخرجت إليه جارية فقال: صاحب هذه الدار حر أو عبد؟ فقالت: بل حر! فقال: صدقت لو كان عبدًا لاستعمل أدب العبودية وترك اللهو والطرب. فسمع بشر محاورتهما فسارع إلى الباب حافيًا حاسرًا وقد ولى الرجل فقال للجارية: ويحك! من كلمك على الباب فأخبرته بما جرى فقال: أي ناحية أخذ الرجل؟ فقالت: كذا. فتبعه بشر حتى لحقه فقال له: يا سيدي! أنت الذي وقفت بالباب وخاطبت الجارية؟ قال: نعم قال: أعد علي الكلام فأعاده عليه فمرغ بشر خديه على الأرض وقال: بل عبد! عبد! ثم هام على وجهه حافيًا حاسرًا حتى عرف بالحفاء. فقيل له: لم لا تلبس نعلًا قال: لأني ما صالحني مولاي إلا وأنا حاف فلا أزول عن هذه الحالة حتى الممات. المراجع إسلام ويب – كتاب التوابين لابن قدامة المقدسي (المتوفى: 620ه).