وصفه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" بقوله "وكان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد، وتفرد بوفور العقل، وأنواع الفضل، وحسن الطريقة واستقامة المذهب وعزوف النفس وإسقاط الفضول"؛ وقال عنه إبراهيم الحربي "رأيت رجالات الدنيا، لم أرَ مثل ثلاثة: رأيت أحمد بن حنبل وتعجز النساء أن تلد مثله، ورأيت بشر بن الحارث من قرنه إلى قدمه مملوءًا عقلا، ورأيت أبا عبيد القاسم بن سلام كأنه جبل نُفخ فيه علم". وقال عنه الإمام أحمد بن حنبل عندما سُئل ما تقول في هذا الرجل، أي بشر، فقال "سألتني عن رابع سبعة من الأبدال"، هكذا جاءت أوصاف الإمام الزاهد بشر الحافي، الذي كان واحدًا من أعلام مدينة بغداد والمتصوفة في عصره، والذي كان تصرفه التلقائي في حماية لفظ الجلالة من الدهس بالأقدام سببًا في عودته إلى طريق الله، حتى صار واحدًا من أئمة هذا الطريق. هو أبو نصر بِشْر بن الحارث بن عبد الرحمٰن بن عطاء بن هلال بن ماهان بن عبد الله، الذي كان يُدعى بعبور حتى أسلم على يد الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه؛ ولد بقرية من قرى مرو يقال لها مابرسام سنة 152 هجرية، سكن بغداد ومات فيها، وكان من أغنى أغنيائها، قضى حياته غارقًا في الشهوات، وكان شاربًا للخمر ولاعبًا للقمار. "اللهم إن كنت شهرتني في الدنيا لتفضحني في الآخرة فاسلبه عني". جاءت لحظة التحول في حياة بشر عندما وجد في طريقه ورقه على الأرض كُتب فيها "بسم الله الرحمن الرحيم" تُداس بالأقدام من المارة، فأخذها وقال "سيدي اسمك هاهنا مُلقى يداس؟!"، فذهب واشترى عطرًا، وعطر به الورقة التي عليها لفظ الجلالة، ثم دفنها في إحدى فتحات حائط بيته حتى لا تُداس مرة أخرى؛ وعندما نام رأى في المنام من يقول "يا بشر بن الحارث.. رفعت اسمنا عن الطريق وطيبته.. لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة". أفادتني القناعةُ كُلُّ عزٍ وهل عزٌ أعزُّ من القناعة؟ فصِّيْرها لنفسكَ رأس مالٍ وصيرِّ بعدها التقوى بضاعةْ ولُقب بشر ب"الحافي" عندما كان الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق، وهو من نسل الإمام الحسين رضي الله عنه، مارًا من أمام بيت بشر، وكانت أصوات اللهو والطرب تملأ المكان، فصادف أن فتحت جارية باب الدار لإلقاء بعض الفضلات، وحين رمت بها في الطريق سألها الإمام موسى "يا جارية هل صاحب هذه الدار حر أم عبد"؟!، فأجابته الجارية وهي مستغربة سؤاله "بل هو حر، هذا بشر، رجل معروف بين الناس، فقال الإمام: "صدقتِ لو كان عبدًا لخاف من مولاه" ثم انصرف، فعادت الجارية إلى الدار، وكان بشر جالسًا إلى مائدة الخمر، فسألها "ما الذي أبطأك؟"، فنقلت له ما دار بينها وبين الإمام، وعندما سمع ما نقلته قال "صدقت، لو كان عبدًا لخاف من مولاه"، وهزه القول بشدة، ثم سأل الجارية عن الاتجاه الذي سارمنه الإمام وانطلق يعدو خلفه، حتى أنَّه نسي أن ينتعل شيئًا في قدمه وسار حافيًا؛ وكان في الطريق يحُدث نفسه بأن هذا الرجل هو الإمام موسى بن جعفر، ووصل المنزل فقال له "يا سيدي أنت الذي دققت الباب وخاطبت الجارية؟"، قال"نعم"، فطلب أن يُعيدَ الكلام، فأعَادَهُ عليهِ فَمَرَّغَ بِشر خدَّيهِ على الأرض وقال" بل عبد"، ثمّ هام على وجهه حافيًا حاسرًا، حتى عُرِفَ بالحَفاء، فقيل له "لِمَ لا تلبسُ نعلًا"، قال "لأنّي ما صالَحَنِي مولاي إلاّ وأنا حافِ فلا أزول عن هذه الحالة حتى الممات"، فكان لقبه. " لو لم يكن في القناعة شىء إلا التمتع بعز الغنى لكان ذلك يجزئ". جالس بشر العلماء، وتعلم منهم علوم الشريعة، وجالس الصالحين والزهاد حتى تعلم منهم التصوف والزهد، ليُصبح من أشهر علماء عصره وأكثرهم ورعًا وتقىً وصلاحًا، وكان لا يتكلم إلا في الخير، وإذا تكلم كان موعظ تذكيرًا بالآخرة وتحث على الازدياد من الطاعات والخيرات، كما كان لسانه لا يفتر من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وسمع الحديث من إبراهيم بن سعد، حماد بن زيد، وابن المبارك، وغيرهم؛ كما روى عنه أحمد الورقي، محمد بن يوسف الجوهري، سري السقطي، إبراهيم بن هاني النيسابوري؛ وكان لا يتكلم إلا في الخير، وإذا تكلم كان كلامه مواعظ تذكر بالآخرة، وتحث على الازدياد من الطاعات والخيرات، ولم يكن يمّل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قالوا رضيتَ بذا قلتُ القُنوع غنى ليس الغنى كثرة الأموال والورِق رضيتُ بالله في عسري وفي يُسري فلست أسلك إلا أوضح الطُرُق وحسب ابن خلكان، الذي نقل عدة أقوال عن وفاة الإمام فقيل أنه توفيَّ في شهر ربيع الآخر سنة مائتين وست وعشرين للهجرة، وقيل مائتين وسبع وعشرين، وقيل يوم الأربعاء عاشر المحرم، وقيل في رمضان في مدينة بغداد، وقيل بمرو، وقد بلغ من السن خمسة وسبعين سنة.