لم يكن يوم 12 أبريل عام 2018 كغيره من الأيام، في ذلك اليوم لملم الشاعر عبدالناصر علام، أوراقه ورحل عن دنيانا. ولكن ظل معنا بإبداعه وحضوره الإنساني الذي لا يعوض، وذكريات عقدين من الزمن تداخلت حياتنا لدرجة أننا أصبحنا فكرة واحدة وشخصاً واحداً، في التوجه والحالة المزاجية وقبول الآخرين في حياتنا، مر بحياتنا الكثير من الأشخاص والمواقع التي قضينا فيها تلك المدة الزمنية عبدالناصر شخص شديد الحرص علي الناس والأماكن، لدرجة إنني بذلت مجهوداً أن يغير المقهي الذي كنا نجلس عليه لسنوات في مدينتنا نجع حمادي أهم مشكلة واجهتني بعد رحيله، كيف ستمر الأيام من غير ذلك الصديق الذي لا يمر يوم دون اتصال أو لقاء، لدرجة أني خاصمت المدينة لأسابيع، لأن عبدالناصر رحل وترك لي في كل شارع فيها أو مقهي، ذكري صعباً نسيانها. وتمر الأيام والأسابيع تجد نفسك أمام تلك الحقيقة المؤلمة، صديق عمرك قد رحل وعليك أن تتعامل مع هذا الوضع. قبل أن ينقضي عام الرحيل، كان لابد من مواجهة ذلك الخوف، من ركوب القطار وحيدا هذه المرة متجها للقاهرة، التي فيها أقسي وأجمل الذكريات، ذلك الفندق في أول عماد الدين الذي كان يؤوينا بعد تعب ومشاوير مكثفة ويومية في شوارع القاهرة وأحيائها. وسط البلد شارع عبدالخالق ثروت الذي كانت تتفرع منه آلامنا ونحاول التخفيف عنها بزيارة السيدة زينب والحسين بصفة دورية، نقضي الساعات في عيادات الأطباء نحاول السيطرة أو الحد من ذلك الغول الذي يحاول الفتك بحياتنا، بعدها نذهب لميدان محمد فريد نتناول الغداء ونجلس علي المقهي وبعد ساعة أو أكثر نكون تحت الأرض في مترو القاهرة. لم يتحدث عبدالناصر عن آلامه إلا مع القريبين جدا، ولم يشك من تلك الأوجاع التي نراها ترسم تفاصيل جديدة علي وجهه، يتمسك بالأمل ويحاول أن يبثه فينا عندما يري الخيبة واليأس بدأ يتسرب إلينا، بعد عودتنا من القاهرة آخر مرة والتي توفي الله فيها عبدالناصر، هناك من الأشياء والرسائل التي فعلها عبدالناصر تدلك إنه كان يشعر بالرحيل، عبدالناصر لم يكن محباً للتصوير لكن هذه المرة بدأ يطلب مني علي غير العادة تصويره مع صديق قابلناه صدفة أو جمعنا به لقاء، لأجد صورة علي متصفحه من تلك الصور، وبعد أن يكتب أسماء من معه في الصورة، يودع ويقول لو كان فيه عمر نتقابل المعرض القادم، تم نقل المعرض من مكانه ولم ير المكان الجديد. مشي كثيرا في أغلب شوارع القاهرة رغم إحساسه بالتعب، وكأنه يودع تلك الشوارع. في تلك السنة ناضل الصديق أحمد الجعفري في المجلس الأعلي للثقافة في سبيل أن يتم صرف قيمة الجائزة التشجيعية ولم يحدث هذا إلا قبل انقضاء أسابيع قليلة، تحدثت تيلفونيا مع الدكتور هيثم الحاج علي، بمبادرة من الصديق أحمد أبو خنيجر أن يتم طباعة الأعمال الكاملة للراحل عبدالناصر علام في هيئة الكتاب، وبعد أن أرسلت مجمل الأعمال الشعرية علي البريد الكتروني الخاص بهيثم الحاج علي ، لم يتم شيء ولم يرد هيثم الحاج علي علي أي استفسار بشأن الموضوع. تقدمت بطلب لتسمية أحد شوارع مدينة نجع حمادي باسم الشاعر الراحل، التي قضي فيها عمره وشبابه وكان من أشد المخلصين للمدينة وشوارعها وأهلها، ولكن ظلت هذه الطلبات مع النائب ماجد طوبيا والنائبة سحر صدقي والنائب خالد خلف الله، ولم تصل للمحافظ أو وصلت وأحيل الأمر للحفظ لأن الشاعر أي شاعر لا يستحق أن يتم تسمية شارع باسمه في مدينته . النقطة المضيئة في ذلك العام هي جائزة الشاعر عبدالناصر علام، والتي قامت الدكتورة سحر عيسي بتمويلها ورعاية الشاعر المخلص عماد قطري، وكان الحفل الأول لتوزيع الجوائز في مدينة نجع حمادي، في ليلة كان حاضراً فيها معنا بحب الأصدقاء حتي امتلأت القاعة عن آخرها، وهذا ليس بفضل المنظم للحفل ولكن محبة عبدالناصر علام لدي الكثيرين . عبدالناصر شديد الاعتزاز بإبداعه وكتب قصائد في المرحلة الحرجة من حياته، ونحن في القاهرة لم يترك القلم ولا الإبداع حتي أخر أيام حياته الآن يا صديقي أنا أشعر بالتقصير الكبير تجاهك وتجاه تجربتك الإبداعية والإنسانية ولكن لا أمتلك إلا الدعاء لك بالرحمة والمغفرة.