على الرغم من قلة عدد الأعمال التى تناولت سيرة الزعيم الراحل «جمال عبدالناصر»، فإن نصيب الأسد من تجسيد هذه الشخصية - غير الهينة - كان للفنان «مجدى كامل» الذى جسد شخصية «ناصر» مرتين، وفى عامين متلاحقين وهما 2006 من خلال مسلسل «العندليب.. حكاية شعب» و2008 من خلال مسلسل «ناصر». وهو العمل التليفزيونى الوحيد الذى تم تقديمه بصورة خالصة عن سيرة «ناصر» دون أن يشاركه فى النص سيرة أخرى لفنان أو جماعة.. وقد ظل أداء «مجدى كامل» منذ ذلك الوقت عالقًا فى الأذهان، خاصة مع تطويعه لملامح الوجه، ونظرة العين الثاقبة التى كان يتمتع بها الرئيس الراحل، وكم كان من الصعب على ممثل شاب يبدأ فى اتخاذ خطواته بشكل أوسع على الشاشة أن يقارن بزعيم لم تفارق صورته الناس لسنوات طويلة أو ممثل قدير مثل الراحل «أحمد زكي» الذى مازلنا نشعر بالحيرة حتى الآن فى تفسير تلك القدرات الخارقة التى كان يمتلكها خاصة فى تجسيد الشخصيات المعروفة. فى السطور التالية، يحكى «مجدى كامل» عن ذكرياته مع كواليس المسلسلين، واستعداداته لأداء الدور، كما يتحدث بكل صراحة عن رأيه فى زملائه الذين جسدوا «جمال عبدالناصر» على الشاشة. فى البداية حدثنا عن شهادتك على عهد عبدالناصر، وهل أنت ناصرى التوجه؟ - أنا لست ناصريًا، ولا يوجد لدىَّ توجه سياسى، لكننى أحببت «جمال عبدالناصر» لأنه كان حريصًا على تحقيق العدالة الاجتماعية منذ توليه رئاسة مصر، من خلال قانون الإصلاح الزراعى، حتى وفاته مدينًا لمجلس الأمة بثمن جهاز ابنته، كما كنت أحترم حلمه القومى بوحدة عربية شاملة، وجيش عربى موحد يواجه الاستعمار فى كل البلدان العربية، كما احترمت ثقافته واطلاعه عندما علمت أنه قرأ مكتبة الكلية الحربية بالعربية والإنجليزية فى 18 شهرًا، وهذا لا يعنى أن عصره كان خاليًا من الأخطاء، خاصة بسبب تولى «عبدالحكيم عامر» مسئولية الجيش، بالإضافة إلى تركه الشأن الداخلى لمجلس قيادة الثورة، مما تسبب فى توغل مراكز القوي. هل استطعت تجسيد صورة عبدالناصر على الشاشة كما حلمت؟ - أنا فى الأساس لم أكن أحلم بتجسيد شخصية «عبدالناصر»، بل على العكس كنت أهرب من ذلك، وأذكر عندما رشحنى المخرج «جمال عبدالحميد» لأداء الدور فى مسلسل «العندليب»، ذهبت إليه بشعر طويل جدًا، حيث كنت أؤدى دورى فى فيلم «مهمة صعبة»، كما كنت أعانى من كسر فى قدمى حدث فى أحد مشاهد فيلم «ظرف طارق»، وتحججت بانشغالى، وبمشكلة قدمى، لكننى فوجئت به يقول لي: سأنتظرك لأنى لا أرى فى الدور أحدا غيرك. هل السبب كان قيام الراحل «أحمد زكي» بأداء هذا الدور قبلك؟ - بالطبع حذرنى البعض من المقارنة، لكننى وجدت أنه لا يوجد أى وجه للمقارنة، حيث جسد الفنان الراحل ثلاثة أشهر من حياة الزعيم وهى فترة التأميم سنة 56 فى فيلم، بينما جسدت أنا 38 عامًا فى حياة الزعيم فى مسلسل تليفزيونى، لذلك دائما أقول أن «أحمد زكي» منحنا بفيلمه فرصة لأن نعمل بعده. لكن تجربة الفنان «خالد الصاوي» قبلك بسنوات أثبتت عكس ذلك، حيث كانت المقارنة ضده، ولم يلق فيلمه عن «ناصر» أى نجاح يذكر؟ - هذا حقيقى، لكن الأزمة الحقيقية فى هذا الفيلم هى أن «خالد الصاوي» أدى «جمال عبدالناصر» من خلال خطبه الثورية، فظهر طوال أحداث الفيلم متحمسًا وعنيفًا، لكن الحقيقة هى أن الزعيم الراحل كان متزنًا وهادئًا فى حياته العادية، ولم يكن انفعاليًا أو عصبيًا كما شاهدناه فى الفيلم. وكيف كان استعدادك لأداء الدور؟ - جمعت أفلامًا مصورة للزعيم، واستمعت إلى جميع خطبه، وحفظت بعضا منها عن ظهر قلب، كما قرأت العديد من الكتب التى تؤرخ للفترة، وحاورت أشخاصًا عاصروا فترة حكمه، وبعد أن جمعت كل المعلومات عنه، كان فى ذهنى ألا أقلد شكله، بقدر ما أستحضر روحه، وأذكر أننى قبيل تصوير مشاهد مسلسل «العندليب»، تم التقاط صور لى بملابسى الشخصية ليقوم الديكور بتعليقها على جدران منزل «عبدالناصر»، وقد خدع فيها مؤلف المسلسل «مدحت العدل»، وكان يعتقد أنها تخص «جمال عبدالناصر» نفسه. وهل اختلفت الاستعدادات عندما تقرر قيامك ببطولة مسلسل عن «ناصر»؟ - فى البداية لم أكن أتوقع أن يسند لى بطولة هذا المسلسل، رغم النجاح الذى حققته فى «العندليب»، خاصة أننى قرأت وقتها فى الصحف أن ترشيحات المخرج تفاضل بين «جمال سليمان»، «ياسر جلال»، و«فتحى عبدالوهاب»، وعندما سئلت أجبت أننى قدمت الدور من قبل، وليس لديّ أى جديد لأقدمه، ثم فوجئت بعدها باتصال من المنتج الفنى «مجدى عبدالمسيح» يعاتبنى على تصريحاتى تلك، ويقول لى إن الاختيار واقع عليَّ بالأساس، ولا صحة لما ورد فى الصحف من ترشيحات، بعدها أجريت تحضيرات بشكل أكبر للدور، وقمنا هذه المرة بإجراء تغيرات شكلية، عن طريق تركيب أنف وعمل ماكياج يقرب الشبه بينى وبين «ناصر»، وقد أحضر المخرج «باسل الخطيب» لهذه المهمة ماكييرة عالمية من أصل إيرانى تدعى «سودا بى خانو»، وصورنا فترة حرب 48 فى سوريا لمدة شهر ونصف الشهر، وأكملنا باقى المسلسل فى مصر. هل حدثت أى معوقات أو رفض من قبل أسرة الزعيم؟ - على العكس تمامًا، فقد كان هناك ترحيب كبير، وأذكر أن المهندس «عبدالحكيم عبدالناصر» قد زارنا فى موقع التصوير، وتناول الإفطار معنا - حيث كنا نصور فى شهر رمضان - ثم قال لى (أول مرة من 38 سنة أقعد مع أبويا على الفطار) كما علق «سامى شرف» سكرتير الرئيس «جمال عبدالناصر» بقوله: (هذا هو جمال عبدالناصر الذى عشت معه) وكل هذه الشهادات كانت ولاتزال وسامًا على صدري. فى عام 2014 قدم الفنان «جمال سليمان» دور «جمال عبدالناصر» فى مسلسل «صديق العمر»، كيف وجدت ذلك العمل؟ - الحقيقة أنه فشل تمامًا فى تقديمه، ولم يكن صالحًا لأداء الدور، بداية من لكنته السورية التى لم يتمكن من التخلص منها رغم وجود اسم مصحح لغوى لدور «جمال عبدالناصر» على تيتر المسلسل، وهذا فى حد ذاته كارثة، وصولاً إلى عمره الذى لا يتناسب لتقديم دور زعيم حكم مصر وعمره 34 عامًا، وتوفى وعمره 52 عامًا، لذلك كان الاختيار خاطئًا، كما أن المسلسل نفسه لم يقدم أى جديد فى علاقة «عبدالناصر» بصديقه «عبدالحكيم» عما قدمته فى مسلسل «ناصر» مع الفنان «أحمد صفوت» الذى أدى شخصية «عامر».. عامة، أنا هنا أقيم الدور ولا أقصد شخصنة المسألة، ف«جمال سليمان» صديق عزيز، وتقييمى ليس نابعًا من أننى قدمت الدور قبله، لكننى أقيم العمل كمشاهد مصرى، ومن قبله كمدرس تمثيل. لكن البعض كان يرى أن اختيار مخرج سورى لتنفيذ مسلسل «ناصر» أفقده كثيرًا من التفاصيل التى كانت من الممكن وجودها فى حال أن تم إخراجه بعين مصرية؟ - وارد جدًا، فلدينا مخرجو سيرة ذاتية عظماء، أمثال «إنعام محمد علي»، و«محمد فاضل»، و«جمال عبدالحميد»، لكن الإخراج يختلف عن أداء دور البطولة، ولا تنسى أن «ناصر» كان ملكًا لكل العرب. «رياض الخولي» فى مسلسل «أمكلثوم»، و«نبيل الحلفاوي» فى مسلسل «أوراق مصرية» اسمان كبيران فى عالم الفن قدما دور «عبدالناصر»، فى رأيك من تفوق فيهما فى تقديم الدور؟ - فى رأيى أن «رياض الخولي» رغم المساحة الصغيرة للدور هو أفضل من استحضر شخصية «عبدالناصر» على الشاشة، ولا أخجل من أن أقول أنه أدى الدور أفضل منى شخصيًا. ومَنْ مِن الأبطال الحاليين تجد فيهم قدرة على أداء دور «عبدالناصر» مرة أخرى وبشكل مختلف؟ - ياسر جلال. وإذا عرض عليك الدور مرة ثالثة، هل ستوافق على تجسيده؟ - هناك فترة ثرية جدا فى حياة «عبدالناصر» من 67 حتى 70 وهى فترة حرب الاستنزاف لم يتم التركيز عليها جيدًا من قبل، وإذا عرض عليّ الدور مجددًا لتجسيده فى فيلم سينمائى وليس مسلسلاً سوف أرحب جدًا. تم تكريمك على الدور فى عدد من الدول العربية، كما تلقيت جائزة من جامعة الدول العربية، ولم يتم تكريمك داخل مصر، هل يزعجك هذا الأمر؟ - لا.. لا يزعجنى، لكن الأمر الذى يثير دهشتى هو أن التليفزيون المصرى لا يقوم بإعادة إذاعة المسلسل منذ وقت عرضه، وهذا استفسار أتوجه به إليهم، وأتمنى أن أحصل على إجابة.