«الصحفيين»: قواعد جديدة لانتساب العاملين بالخارج وأساتذة الصحافة والإعلام    رئيس هيئة تنشيط السياحة: تحسن العلاقات يقفز بأرقام السياحة التركية إلى مصر    متحدث الحكومة: وحدة حصر شركات الدولة تجري دراساتها بصورة محايدة    نقابة المهندسين بالإسكندرية: نسعى إلى إطلاع الأعضاء على أحدث تطورات مجال البناء والتشييد    «القاهرة الإخبارية»: توتر العلاقات لن يمنع أمريكا من متابعة حادث مروحية الرئيس الإيراني    اقرأ غدًا في «البوابة».. المأساة مستمرة.. نزوح 800 ألف فلسطينى من رفح    منتخب القليوبية يفوز على القاهرة 1/5 بدور ال 32 لدوري مراكز الشباب    وزير الشباب يكرم عمرو محمد لفوزه بالمركز الثاني عالميا في مجال الطاقة المتجددة    مدينتي تطلق الحدث الرياضي "Fly over Madinaty" لهواة القفز بالمظلات    خطوات التقديم للصف الأول الابتدائي 2024-2025    كيف هنأت مي عمر شقيقة زوجها ريم بعد زفافها ب48 ساعة؟ (صور)    أفلام مهرجان كان استحسان واستهجان.. كوبولا يثير انقسام النقاد في أحدث أعماله    متحف «طه حسين».. تراث عميد الأدب العربي    الخارجية التركية: نتابع بحزن تطورات حادث المروحية في إيران    داعية: القرآن أوضح الكثير من المعاملات ومنها في العلاقات الإنسانية وعمار المنازل    مستشار الرئيس عن متحور كورونا الجديد FLiRT: نتابع الأمر بدقة شديدة    السائق أوقع بهما.. حبس خادمتين بتهمة سرقة ذهب غادة عبد الرازق    بايدن: دعيت إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة    الحكومة تحتضن رجال الصناعة    هل يستطيع أبو تريكة العودة لمصر بعد قرار النقض؟ عدلي حسين يجيب    جامعة الأقصر تنظم قافلة طبية ضمن مبادرة حياة كريمة    ختام ملتقى الأقصر الدولي في دورته السابعة بمشاركة 20 فنانًا    حزب الريادة: مصر كانت لها اليد العليا فى دعم أهالي غزة وإدخال المساعدات لهم    بمناسبة مباراة الزمالك ونهضة البركان.. 3 أبراج «متعصبة» كرويًا (تعرف عليهم)    مدير بطولة أفريقيا للساق الواحدة: مصر تقدم بطولة قوية ونستهدف تنظيم كأس العالم    ليفاندوفسكى يقود هجوم برشلونة أمام رايو فاليكانو فى الدوري الإسباني    الرعاية الصحية: 5 ملايين مستفيد من التأمين الصحي الشامل بمحافظات المرحلة الأولى    جامعة حلوان تنظم قوافل طبية توعوية بمناطق الإسكان الاجتماعي بمدينة 15 مايو    «نيويورك تايمز»: هجوم روسيا في منطقة خاركوف وضع أوكرانيا في موقف صعب    رسائل المسرح للجمهور في عرض "حواديتنا" لفرقة قصر ثقافة العريش    أبرزهم «اللبن الرائب».. 4 مشروبات لتبريد الجسم في ظل ارتفاع درجات الحرارة    نائب رئيس جامعة الأزهر يتفقد امتحانات الدراسات العليا بقطاع كليات الطب    دار الإفتاء توضح ما يقال من الذكر والدعاء في الحرّ الشديد.. تعرف عليه    هل يجوز الحج أو العمرة بالأمول المودعة بالبنوك؟.. أمينة الفتوى تُجيب    بنك مصر يطرح ودائع جديدة بسعر فائدة يصل إلى 22% | تفاصيل    افتتاح أولى دورات الحاسب الآلي للأطفال بمكتبة مصر العامة بدمنهور.. صور    نهائي الكونفدرالية.. توافد جماهيري على استاد القاهرة لمساندة الزمالك    بايرن ميونيخ يعلن رحيل الثنائي الإفريقي    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    إصابة 4 أشخاص في مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    نائب رئيس "هيئة المجتمعات العمرانية" في زيارة إلى مدينة العلمين الجديدة    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    أول صور التقطها القمر الصناعي المصري للعاصمة الإدارية وقناة السويس والأهرامات    «الرعاية الصحية»: طفرة غير مسبوقة في منظومة التأمين الطبي الشامل    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    سعر السكر اليوم.. الكيلو ب12.60 جنيه في «التموين»    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    عرض تجربة مصر في التطوير.. وزير التعليم يتوجه إلى لندن للمشاركة في المنتدى العالمي للتعليم 2024 -تفاصيل    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القتل.. تقرُّبًا إلى الله
نشر في صباح الخير يوم 08 - 05 - 2024

ربما لا توجد جماعة فى التاريخ مارست الإرهاب، ورسخّت جذورها عبر الأزمان، وأجمعت كافة مراجع التاريخ على دورها فى صناعة الإرهاب فى العالم مثل جماعة «الحشاشين» Assassin التى كانت المصدر اللغوى لكلمة اغتيال Assassination، فكان اسم تلك الجماعة مرتبطًا بكل مفردات القتل والإرهاب، واستطاع رجالها أن يتحولوا إلى أسطورة على مدى القرون، وتشير العديد من الكتب التاريخية إلى أنها لا تزال باقية إلى اليوم، حتى وإن تصور البعض أن جماعة الحشاشين قد تهاوت وانقضى أثرها بعد تخريب قلاعهم التاريخية الغامضة، وعلى وجه الخصوص قلعة «ألموت» التى كانت مقرًا لقيادة زعيمهم «حسن الصباح» والتى تحولت بفعل الأعمال التى قام بها أعضاء تلك الجماعة إلى رمز للإرهاب والقتل والخوف… فكيف ظهرت تلك الجماعة الرهيبة، وكيف اكتسبت شهرتها التاريخية، وما أشهر جرائم الحشاشين؟ هذا ما تحاول السطور المقبلة الإجابة عنه.


كانت القرون الوسطى مرتعًا للكثير من الأساطير المخيفة فى الشرق والغرب على حد سواء، وفى تلك الآونة ظهرت الكثير من جماعات القتل والإرهاب الغامضة والتى لا يزال بعض الجماعات منها عصيًا على كشف جميع أسراره، ومن أشهر تلك الجماعات الغامضة، جماعة الحشاشين، فقد ظهرت تلك الجماعة كطائفة سرية، تتبع الشيعة الإسماعيلية، وامتد نفوذها بين القرنين الحادى عشر والثالث عشر ميلاديًا بكل مناطق العراق وإيران تقريبًا، كما أقامت العديد من القلاع بالشام، ونفذت عملياتها، حيث ارتكبت الكثير من عمليات الاغتيال للعديد من الحكام والولاة والخلفاء، بل واستطاعت قتل أحد أشهر ملوك القدس الصليبيين.



عمليات انتحارية
ويمكن القول إن الجماعة التى أجاد رجالها استخدام الخنجر لأنهم يفضلون قتل ضحاياهم فى صمت والتخفى كالأشباح، كانوا هم أول من طور مفهوم العمليات الإرهابية الانتحارية، فمعظم ضحاياهم كانوا يتمتعون دائمًا بحراسة مشددة، وفرص الفرار معدومة فعليًا، وبالتالى كان من يقدم على ارتكاب الجريمة (وكانت الجماعة تطلق عليه «فدائي») مدركًا أنه لن يعود منها، لكن عملية «غسيل المخ» التى برع فيها الحشاشون باستخدام وسائل غاية فى البراعة واستخدام أدوات التضليل كانت تقنع القاتل أن تنفيذ جريمته هى الوسيلة الوحيدة لدخول الجنة، أو بالأحرى العودة إليها!
كان حسن الصباح «مجاورًا» بالأزهر يدرس كآلاف الطلاب الفقراء الذين جاءوا لتعلم المذهب الشيعى فى عصر ازدهار الدولة الفاطمية فى مصر، وقد رافقه خلال زيارته شاعر الرباعيات عمر الخيام ونظام الملك الذى صار وزيرًا مرموقا فيما بعد، وكان الأصدقاء الثلاثة رفقاء سكن بمنطقة المجاورين بالقاهرة، لكن مصائر الثلاثة تباينت أشد التباين فيما بعد، فقد عاد حسن الصباح إلى بلاده، وأخذ يركز دعوته فى الشمال الفارسى وبالتحديد على الهضبة المعروفة بقلعة «ألموت» وتبعد حوالى 100 كم عن العاصمة الإيرانية طهران.



وقد بدأ الصباح فى تكوين جماعة خاصة للدعوة إلى مذهب الإسماعيليين لكن بطريقة مختلفة، فقد استطاع ابتكار خطة وأسلوب جديد للسيطرة على أتباعه فقطع وعد للناس بالجنة والسعادة الأبدية لم يعد كافيًا، لذلك قرر خلق تلك الجنة على الأرض، وبالفعل أنشأ جنته فى واد جميل يقع بين جبلين شاهقين، شيد بداخلهما حدائق مليئة بالفواكه اللذيذة والقصور المزينة بالذهب والجواهر المزيفة، وأنشأ قنوات مليئة بالعسل واللبن والخمر، كما جلب بداخلها جوارى فاتنات ومحترفات فى العزف والغناء والرقص، ومدربات على أغانى الغزل والسعادة، وكان لا يسمح لهن بالخروج من تلك القصور أبدًا، وابتكر الصباح أيضًا هندسة ذكية للمكان لإخفاء تلك الجنة عن العيون فلا يمكن لأحد دخولها إلا عبر ممر سرى.
وبدأ حسن الصباح فى اجتذاب الكثير من الأطفال والفتيان، وبخاصة من القرى وضواحى المدن حيث يختار كل من رأى فيه قابلية لأن يكون مجرمًا وقاتلًا، وكان يتم تدريبهم على السمع والطاعة العمياء والإيمان بكل ما يلقى إليهم، إلى جانب تعليمهم اللغات المختلفة فى قلاعهم الحصينة كاللاتينية والإغريقية والرومية والعربية.



كما لجأ الحشاشون إلى استخدام رموز سرية وقواعد خاصة بمراسلاتهم، فى حروبهم وتنظيماتهم، وجعلوا أمر معرفتها مقتصرًا عليهم، وكانوا يشيرون بها إلى أسماء خصومهم، وعندما يشتد ساعد هؤلاء الأطفال يدربونهم على الأسلحة المعروفة ولا سيما الخناجر، ويعلمونهم الاختفاء والسرية وأن يقتل الفدائى نفسه فى النهاية قبل أن يبوح بكلمة واحدة من أسرارهم.
واستخدم الصباح الحشيش والأفيون للسيطرة الكاملة على أتباعه وضمان طاعتهم العمياء لأوامره وإيمانهم بقدرته الكاملة على النفع والضرر لهم، وعبر المجلس الذى يعقده كل يوم للحديث عن مباهج الجنة وكان يضع مخدرًا فى شراب الفتيان من أتباعه، ثم يُحملون وقد غاب وعيهم، وحين يفيقون يجدون أنفسهم بكل حواسهم فى الجنة وبكل التفاصيل التى ذكرها لهم معلمهم حسن الصباح، فيتعلقون بذلك المكان ولا يتخيلون أنفسهم بعيدين عنه، وبعد مرور بضعة أيام، يتم تخديرهم ونقلهم إلى نفس المكان الذى حملوا منه أول مرة، فيتحدثون أمام الحاضرين الجدد عن ما شهدوه فى الجنة!
بينما تشير مراجع تاريخية أخرى إلى أن الصباح كان يقنع أتباعه الذين يقع عليهم الاختيار لتنفيذ عملياته الخطيرة بأنهم ماتوا بالفعل وقد دخلوا الجنة، وفى تلك الجنة الزائفة يجد هؤلاء الفتيان كل ما لذ وطاب من أطعمة ونساء وغير ذلك من المتع التى كانت محرمة، ويعيشون أيامًا يتقلبون فى تلك الجنة كيفما شاءوا، وعندما تحين ساعة الصفر يتم إخراج من يقع عليه الاختيار للتنفيذ من تلك الجنة، ولا يكون أمامه من بديل سوى تنفيذ أوامر سيده إذا ما أراد العودة لتلك الجنة.
أستاذ الإرهاب الأول
وقد استطاعت تلك الطريقة الشيطانية اجتذاب الكثير من المريدين والأتباع إلى الجماعة، ولم يكتف حسن الصباح بابتداع تلك الطرق الغريبة فى غسل أمخاخ أتباعه وتغييب وعيهم، بل إنه برع فى بناء الهياكل التنظيمية للجماعة والتخطيط المحكم لتنفيذ عملياته، فكان الصباح بالفعل أحد أبرز المنظرين والمخططين لمفهوم الإرهاب بمفهومه التنظيمى ومصطلحاته وأيديولوجيته.
كما أنه وضع شكل الخلايا الإرهابية بصورتها المتعارف عليها حاليًا من خلال تشكيله لخلايا يتزعم كل منها شخص مستقل يدعى أمير الجماعة، وقد اهتم بشكل المكلفين بالاستقطاب حيث كان يختارهم بعناية فائقة، ويلقنهم تقنيات التأثير النفسى واستراتيجيات الإقناع والسيطرة من خلال المعرفة الوثيقة بنفسية كل منهم، والتلاعب برغباته وغرائز الأتباع وتقديم ما يريدون بجرعات محددة، وهى ذات المناهج التى اتبعتها آلاف التنظيمات والجماعات الإرهابية لاحقًا، وفى مقدمتها تنظيم «الإخوان» الذى كان لعقود طويلة الحاضنة الفكرية لتنظيمات العنف، فضلا عن استلهام حسن البنا مؤسس جماعة «الإخوان» ومرشدها الأول للبناء الهيكلى المكون من خلايا الذى ابتدعه حسن الصباح مؤسس فرقة الحشاشين.



لكن ربما كان أخطر ما ابتدعه حسن الصباح هو تأسيس المفهوم الانتحارى الموجه والذى أطلق عليه اسم الفدائى الباحث عن الجنة، وقد تحول هذا المفهوم إلى أساس فكرى لعشرات التنظيمات الإرهابية فى السنوات التالية وحتى اليوم، والتى لا تزال تطبق نفس شعار الحشاشين.. اقتل كى تفوز بالجنة!!
وتعتبر تعاليم الحشاشين وطرقهم المرجع الأساسى للجمعيات السرية التى نشأت فى أوروبا والمنطقة العربية، كالجماعات الجهادية والتكفيرية الحالية وجماعة فرسان الهيكل وجمعية يسوع وجماعة الدومنيكان الشرسين، وجماعة البناءين.
وقد اتخذت جماعة الحشاشين من القلاع الحصينة فى قمم الجبال معقلًا لنشر الدعوة الإسماعيلية النزارية فى إيران والشام. ممَّا أكسبها عداءً شديدًا مع الخلافة العباسية والفاطمية والدول والسلطنات الكبرى التابعة لهما كالسلاجقة والخوارزميين والزنكيين والأيوبيين بالإضافة إلى الصليبيين، إلا أن جميع تلك الدول فشلت فى استئصالهم طوال عشرات السنين من الحروب، وكانت الاستراتيجية العسكرية للحشاشين تعتمد على الاغتيالات أو بالفعل تمكنوا من اغتيال العديد من الشخصيات البارزة فى ذلك الوقت.
اغتيال الكبار
ومن أشهر الاغتيالات التى قام بها الحشاشون، اغتيال الوزير نظام الملك، وقد تم اغتياله فى أحد أيام الجمعة بالمسجد، وقد قرر الحشاشون اغتياله لتوجيه ضربة قاسية إلى دولة السلاجقة المسيطرة على كل الأراضى من حول قلاع الحشاشين، فقد زادت العداوة بين حسن الصباح وبين نظام الملك عندما أصبح الأخير وزيرًا للسلطان السلجوقى «ألب أرسلان» وابنه «ملكشاه» فقرر الصباح التخلص من قلب السلاجقة النابض «نظام الملك»، ورفيق دراسته السابق بلا رحمة.



كما اغتال الحشاشون الوزير الأفضل بن بدر الجمالى، الذى عزل إمامهم النزار وقتله وعمل على تولية المستعلى بدلًا منه، كما اغتال الحشاشون فى مصر الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله، وهو ابن المستعلى رأس الدولة الإسماعيلية الغربية، كما اغتالوا شهاب الدين بن العجمى وزير الملك الصالح الزنكى، ثم حاولوا قتل الخليفة العباسى المسترشد بالله، كما ينسب إليهم قتل الأمير مودود حاكم الموصل، الذى كان يشن حملة على الممالك المسيحية وعلى رأسها إمارة الرها، واغتالوا أيضا جناح الدولة حاكم حمص وهو يؤدى صلاة الجمعة، كما اغتالوا مفتى أصفهان، بالإضافة إلى والى بيهق، ومن جرائمهم أيضًا اغتيال القائد فارس الدين ميمون الذى تصدى للصليبيين فى طبريا 1113 م وهو يدخل المسجد لتأدية صلاة الجمعة الأمر الذى شكل نصرًا للصليبيين بتخلصهم من عدو لدود بلا جهد.
ومن أشهر عمليات الاغتيال التى قام بها الحشاشون، عملية اغتيال المركيز كونراد دى مونفيرا ملك بيت المقدس الصليبى، وكان دى مونفيرا أول ضحايا الحشاشين من غير المسلمين، وتشير المصادر إلى أن قاتليه تخفوا فى زى رهبان حتى وصلوا إلى خيمته.
وتذكر مصادر تاريخية أن الاغتيال تم بناء على توجيهات «ريتشارد قلب الأسد» الذى وصلت العداوة بينه وبين دى مونفيرا ذروتها فى تلك الفترة وانقسم العالم المسيحى بينهما، فأدى مقتل «كونراد» إلى توحد العالم المسيحى تحت لواء «ريتشارد قلب الأسد».



وربما تكشف تلك الوقائع ذلك الارتباط الغامض بين الحشاشين والصليبيين والذى سيفتضح بعد ذلك، ولكن مصادر أخرى تشير إلى أن السلطان «صلاح الدين» هو الذى حرض على قتل «كونراد» كهدية يقدمها سنان زعيم الحشاسين لصلاح الدين بعد التصالح بين الطرفين وهو ما ذهب إليه مؤرخو الإسماعيلية.
وعلى الرغم من أن محاولات الحشاشين لاغتيال السلطان صلاح الدين الأيوبى قد فشلت فى تحقيق غايتها، فإنها تظل واحدة من أهم صفحات تاريخ الحشاشين، فقد حاول الحشاشون اغتيال صلاح الدين مرتين فقد استعان كمشتكين حاكم حلب المعادى لصلاح الدين بالحشاشين أثناء حصار صلاح الدين لها عام 1174 م فأرسل له سنان شيخ الحشاشين من يغتاله، وقد وصل القتلة إلى خيمته ونجحوا بالفعل فى قتل أحد أمراء صلاح الدين ويدعى «خمارتكين» ولكن صلاح الدين نفسه لم يصب بأذى.
أما المحاولة الثانية لاغتيال صلاح الدين فكانت بعدها بسنتين أثناء حصاره لقلعة «عزاز» فتخفى بعض الحشاشين فى لباس الجنود حتى وصل أحدهم إلى صلاح الدين وضربه على رأسه ولكن الأخير كان يرتدى خوزته فلم يصب بأذى، فأعاد الحشاش ضربه على وجهه مما أدى إلى إصابة السلطان بجرح غائر قبل أن يتمكن قواد جيشه من الإحاطة بالحشاشين والقضاء عليهم.
وكان من نتائج تلك المحاولة أن جهز صلاح الدين جيشًا لحصار قلاع الحشاشين ولكن هذا الجيش رجع دون غزو، وتشير بعض المصادر إلى أن صلاح الدين عاد إلى خيمته فوجد خنجرًا مغروسًا فى وسادة سريره وفيه بطاقة من سنان كدلالة على قدرة الحشاشين على الوصول إليه فى أى مكان.
ويذهب مؤرخو الحشاشين إلى أن «صلاح الدين» و«سنان» صارا صديقين حميمين بعد محاولتى الاغتيال، وحجتهم فى ذلك تخلُّص الحشاشين من عدو «صلاح الدين» «دى مونفيرا» وفى المقابل وضع صلاح الدين فى نص معاهدته مع الصليبيين بندًا خاصًا وهو عدم التعرض لقلاع الحشاشين.
بل ويذهب مؤرخو الحشاشين إلى استحالة تعرض سنان لصلاح الدين لأن سنان عندما قرأ فى علم الأفلاك اكتشف أنه وصلاح الدين يموتان فى نفس العام فكان هذا سببًا كافيًا لعدم التعرض لصلاح الدين بالإيذاء وأن المقصود من إرسال الفدائيين هو مجرد تهديده للإذعان لهم.. والغريب أن النبوءة تحققت ومات الاثنان بالفعل فى نفس العام!
وكانت نهاية الحشاشين الحقيقية على يد المغول الذين هاجموا قلعة «ألموت» وحرقوها وأعملوا القتل فى أهلها ولم ينج منهم سوى الأطفال ونفر قليل جدًا، كما هدموا وأحرقوا مائة قلعة أخرى وتم أسر أمير الجبل وزعيم الحشاشى آنذاك «ركن الدين بن خورشاه» وتم قتله هو وكل أفراد أسرته بمن فى ذلك الأطفال.
وبنيت على أطلال قلعة «ألموت» الرهيبة، قلعة دمشق، ثم استكمل الظاهر بيبرس، الذى يقال أنه استخدمهم لفترة ضد أعدائه لكنه حاربهم عندما استشعر خطرهم وغدرهم، معركة القضاء عليهم عام 1270م، فبدأ بفرض الجزية عليهم، وأصبح هو من يقوم بتعيين من يريد على رأس الطائفة، ثم أمر بعد ذلك بتسليم القلاع لدولته.
وبذلك انتهى النفوذ المادى للحشاشين، وإن لم ينته النفوذ الفكرى والروحى والفكر الإرهابى الشيطانى الذى بثته تلك الجماعة التى حظيت باهتمام الكثير من المفكرين والأدباء فى الشرق والغرب على حد سواء، وقد قدم المستشرق البارز برنارد لويس دراسة وافية عنهم، كما استلهم الكثير من الأدباء سيرتهم الغامضة فى العديد من الأعمال الروائية والمسرحية وحتى السينمائية.
الخناقون العرب
ويبدو التأثير الأخطر للحشاشين هو ما قدموه من أفكار إرهابية دموية، فعلى طريقها وإلى اليوم سارت العشرات من الجماعات الإرهابية والتخريبية، وننتقى هنا واحدة من تلك الجماعات الأكثر دموية فى التاريخ العربى والتى ظهرت بعد سنوات طويلة من تدمير قلاع الحشاشين، ونعنى هنا جماعة الخناقين والتى بدأت فى العراق وكانت لأعضائها دروب خاصة بهم لا يسكنها غيرهم وكانوا يقتلون لمكاسب مادية محدودة.
كما ظهرت جماعات مشابهة فى الهند، حيث ظهرت طائفة أطلقت على نفسها «جمعية الخناقين»، وتميزت هذه الطائفة بمكر أفرادها فى ارتكاب الجرائم وإزهاق النفوس، وبرعوا فى التخفى وإخفاء آثار جرائمهم وإزالة معالمها إلى حد أن أمرهم لم يكتشف، إلا بعد أن فتكوا بحياة الألوف من أهل الهند.
وكانت جماعة الخناقين سواء من العرب أو من الهنود تقتل فقط عن طريق الخنق بقطعة من القماش، وكانوا يستخدمون أساليب الحشاشين فى التنكر واستطلاع الأخبار وجمع المعلومات، لكنهم على عكس الحشاشين لم يستهدفوا القادة السياسيين أو العسكريين، بل كانوا يقتلون أناسًا عاديين فى القوافل التجارية المارة بمناطق نفوذهم.
وقد ذكرهم الجاحظ فى كتابه «الحيوان»، حيث ذكر أنهم كانوا منتشرين فى البصرة وبغداد على عهده وقال عنهم: «إنهم لا يسكنون فى البلاد إلا معًا ولا يسافرون إلا معًا، فلربّما استولوا على الدرب بأسره ولا ينزلون إلا فى طريق نافذ ويكون خلف دورهم إما صحارى أو بساتين وأشباه ذلك تسهيلًا للهرب إذا حوصروا». ويضيف الجاحظ: «كان لهم درب ببغداد يسمى «درب الخناقين» حيث يقتادون الضحية إلى دربهم وقد جعلوا على أبوابهم مُعلم منهم ومعه صبيان يعلمهم الهجاء والقراءة والحساب. وفى كل دار لهم كلاب مربوطة تشترك كذلك فى العملية. ولدى نسائهم دفوف وطبول وصنوج. فاذا أراد أهل دار منهم خنق إنسان ضربت النساء بالطبول والدفوف والصنوج وأطلقن الزغاريد وصاح المعلّم بالصبيان أن ارفعوا أصواتكم بالقراءة وهيّجوا الكلاب. فلو كان للمخنوق صوت حمارٍ لما شعر بمكانه أحد كما أن الناس إذا سمعوا تلك الجلبة لم يشكّوا ان عرسًا يجرى فى دورهم أو فرحًا».



ولم يقتصر عمل الخناقين على العراق والشام فحسب، بلا امتد نفوذهم إلى القاهرة أيضًا ، حيث ذكر بدر الدين العينى فى كتابه «عقد الجمان فى تاريخ أهل الزمان» فى حوادث سنة 662ه عن امرأة خناقة اسمها غازية الخناقة أنه «وجدت بالقاهرة، خارج باب الشعرية، امرأة تتحيل على الناس، وكانت ذات حسن وجمال، وكانت تمشى بالمدينة ومعها عجوز تطمع الناس فى نفسها، وتدخلهم بيتًا لها هناك، وقد أعدت فيه رجالا يطابقونها على سوء فعلها، فيخنقون من تأتى به فقتلت خلقًا كثيرًا من رجال ونساء، واطلعوا فى بيتهم على حفرة فيها خلق عظيم مقتولين، وكان بعض الطوابين (أى العاملين فى صناعة الطوب) قد اتفق معهم، وجعلوا يحضرون إليه القتلى مختفيًا، فيحرقهم فى أقمنة الطوب، بها فسُمرت (أى يتم ربط المعاقب على خشبتين تشبه الصليب فتدق مسامير غليظة فى أطرافه تربطه بالخشب)».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.