وزيرة الهجرة: «اكتشف مصر» وسيلة لربط الأجيال الجديدة بالخارج وبين بلدهم    النواب يبدأ مناقشة قانون بربط حساب ختامي الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2022/ 2023    محافظ أسيوط: التدريب العملي يُصقل مهارات الطلاب ويؤهلهم لسوق العمل    رئيس النواب: التزام المرافق العامة بشأن المنشآت الصحية لا يحتاج مشروع قانون    «اقتصاديات الصحة».. مجال أكاديمي جديد لإنجاح منظومة «التأمين الصحى الشامل»    رانيا المشاط: البنوك الاوروبية تستثمر في مصر 12.9 مليار دولار    تراجع مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة الإثنين    لليوم ال20.. «البترول» تواصل تسجيل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر مايو 2024    فيفا يعلن إيقاف قيد جديد للزمالك 3 فترات بسبب مستحقات أحد مساعدى البرتغالي فيريرا.. والنادى يرد: سيتم حل الأزمة في أسرع وقت    من هو «محمد مخبر» المُكلف بمهام الرئيس الإيرانى؟    إيطاليا تقدم تعازيها لإيران فى وفاة رئيسها إبراهيم رئيسى    جراحة ناجحة لمعلول في وتر أكيلس.. ويبدأ التأهيل بعد أسبوعين    مصر تواجه بوروندي في بطولة أمم أفريقيا للساق الواحدة    طلاب الشهادة الإعدادية بالقليوبية يعبرون عن فرحتهم بسهولة امتحان اللغة الإنجليزية    دافع عن نفسه.. مصرع عامل بطلقات نارية على يد مدمن فى قنا    المشدد 5 سنوات لعامل بالشرقية لاتهامه بخطف طالبة وهتك عرضها    بعد قليل.. محاكمة طبيب نساء شهير لاتهامه بإجراء عمليات إجهاض بالجيزة    ضبط 82 مخالفة في المخابز والأسواق بمحافظة الدقهلية    ضبطهم الأمن العام.. كواليس جريمة التنقيب عن الذهب بأسوان    مهرجان المسرح المصري يفتح باب المشاركة في مسابقة العروض المسرحية بدورته ال17    فيلم شقو يحصد 291 ألف جنيه إيرادات في ليلة أمس الأحد    فتح باب التقدم لبرنامج "لوريال - اليونسكو "من أجل المرأة فى العلم"    عمر الشناوي: فخور بالعمل في مسلسل "الاختيار" وهذه علاقتي بالسوشيال ميديا    محمد ثروت يوجه رسالة رثاء ل سمير غانم في ذكرى وفاته    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    محافظ كفر الشيخ: تقديم خدمات طبية ل 1528 مواطنا قافلة طبية مجانية بقلين    مجلس النواب يوافق نهائيًّا على مشروع قانون المنشآت الصحية -تفاصيل    موجة الحر.. اعرف العلامات الشائعة لضربة الشمس وطرق الوقاية منها    ضبط 6 أشخاص سرقوا مبلغ مالى من داخل سيارة وخزينة اموال في الجيزة    حسين لبيب: الزمالك معتاد على البطولات.. ونسعى لإعادة العلاقات الطيبة مع المنافسين    وزير الري أمام المنتدى المياه بإندونيسيا: مصر تواجه عجزًا مائيًّا يبلغ 55% من احتياجاتها    22 مايو.. المؤتمر السنوي الثالث لطلاب الدراسات العليا فى مجال العلوم التطبيقية ببنها    باحثة سياسية: مصر تلعب دورا تاريخيا تجاه القضية الفلسطينية    أسرته أحيت الذكرى الثالثة.. ماذا قال سمير غانم عن الموت وسبب خلافه مع جورج؟(صور)    لمواليد برج العقرب والسرطان والحوت.. الأبراج المائية على الصعيد المالي والوظيفي    من هو وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان الذي توفي مع الرئيس الإيراني؟    رئيس جامعة بنها يشهد ختام فعاليات مسابقة "الحلول الابتكارية"    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    معرض لتوزيع الملابس الجديدة مجانًا بقرى يوسف الصديق بالفيوم    قائمة البرازيل - استدعاء 3 لاعبين جدد.. واستبدال إيدرسون    عاجل.. كواليس اجتماع تشافي ولابورتا| هل يتم إقالة زرقاء اليمامة؟    ماذا يتناول مرضى ضغط الدم المرتفع من أطعمة خلال الموجة الحارة؟    تشاهدون اليوم.. بولونيا يستضيف يوفنتوس والمصري يواجه إنبى    تداول 146 ألف طن بضائع استراتيجية بميناء الإسكندرية    «الرعاية الصحية» تعلن حصول مستشفى الرمد ببورسعيد على الاعتراف الدولي    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الإثنين    الأسد: عملنا مع الرئيس الإيراني الراحل لتبقى العلاقات السورية والإيرانية مزدهرة    السوداني يؤكد تضامن العراق مع إيران بوفاة رئيسها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 20-5-2024    أول صورة لحطام مروحية الرئيس الإيراني    خلال أيام.. موعد إعلان نتيجة الصف السادس الابتدائي الترم الثاني (الرابط والخطوات)    تركيا: مسيرة «أكينجي» رصدت مصدر حرارة يعتقد أنه حطام مروحية رئيسي    سمير صبري ل قصواء الخلالي: مصر أنفقت 10 تريليونات جنيه على البنية التحتية منذ 2014    إجراءات قانونية تجاه 6 من لاعبي نادي الزمالك لإلقاء شماريخ على مدرجات الجماهير    دعاء الرياح مستحب ومستجاب.. «اللهم إني أسألك خيرها»    استقبال حافل ل حسين لبيب فور وصوله إلى نادي الزمالك (فيديو وصور)    استعدادات عيد الأضحى في قطر 2024: تواريخ الإجازة وتقاليد الاحتفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشروع قومى يكتمل (1)
البشر والحجر والقوة.. فى نسق حضارى أول من نوعه
نشر في صباح الخير يوم 10 - 04 - 2024


فى «مقدمة ابن خلدون» أن الحضارة أساسها العمران.
والعمران عملية شديدة التعقيد لا تقوم إلا بالاستقرار.
بدوره هو الآخر، فإن الاستقرار عملية شديدة التعقيد فى عوالم العصر، وفي الدول الحديثة حيث التشابك فى أطوار النمو، مع تقلبات السياسة، ومع مطالب المجتمعات وأفرادها واحتياجاتهم المستمرة والمتجددة.
فى المجتمعات القديمة كانت محددات التنمية بسيطة، لما تعاظمت المجتمعات وانتقلت إلى شكل الدول الحديثة، تعقدت محددات التنمية وظهرت أهمية المشروع القومى أو المشروع الوطنى.
عام 2014 بدأ عبدالفتاح السيسى مشروعًا قوميًا غير مسبوق كان الأساس فيه النقل الحضارى للدولة.
لم تدخل مصر عصر المشروعات القومية إلا قليلًا.
صحيح بدأ محمد على مشروعًا قوميًا كانت له نتائجه على قطاعات عدة، وغيّر شكل الخريطة المصرية على عدة مستويات، لكن يظل المشروع القومى لمحمد على باشا مشوبًا بعدة ملاحظات، ربما أولها أنه لا يمكن اعتبار ذلك المشروع «وطنيًا» بالمعنى الحرفى أو العملى، إذ إن محمد على ما زال يدرس فى كتب التاريخ على أنه «وافد» تولى مسئولية مصر فى إطار سلسلة طويلة من «الأجانب» الذين انتقلت بهم مراحل التاريخ وصولًا إلى ثورة يوليو 1952.
كان مشروع محمد على نهضويًا هذا صحيح، وكان مشروعًا تنمويًا حاول استغلال كثير من مميزات الجغرافيا لهذه البقعة الفريدة على خريطة العالم.. هذا صحيح.
لكن الصحيح أيضًا، غير أن المشروع لم يكن «وطنيًا»، فإنه اتسم فى الوقت نفسه بالمشروع التوسعى العسكرى خارج حدود البلاد، مما أدخل الدولة المصرية وجيش الدولة المصرية فى مخاطر عدة خارج الحدود، انتهى بسقوط إمبراطورية كبرى، وارتد هذا السقوط للداخل، وسط ما يمكن أن نقول إنه أدى بنزاع مستتر ثم تدخل من الدول الكبرى فى القرار المصرى بأوجه مختلفة وفى مراحل تاريخية معروفة.
ربما كان الزمن وقتها زمن الطموحات التوسعية، وربما كان العصر وقتها عصر إطالة الأيدى إلى خارج الأرض وبسط النفوذ والهيمنة العسكرية قدر الإمكان على قدر نقاط القدرة على الوصول على الخرائط.
لكن فى معادلات السياسة تظل العبرة بالنتائج، وتظل النهايات بما وصلت إليه المعادلات من مخرجات.
(2)
دخلت مصر عصر المشروعات القومية الوطنية لأول مرة فى تاريخها على يد جمال عبدالناصر، بعد ثورة يوليو 1952، فى جمهورية أولى انتهت مراحلها بكل ما لها وما عليها بوصول جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية إلى الحكم فى 2012، كانت جماعة الإخوان هى خصم ثورة يوليو التقليدى.
مرت تلك الجماعة بمحطات شديدة التأثير بداية من خمسينيات القرن الماضى فى العلاقة بثورة وطنية، انتهت بصدام 1954 ثم 1965، لم يكن لهذا الصدام إلا أن يسفر عن قطيعة كبرى بين الدولة وما يسمى بتيار الإسلام السياسى الذى امتد إلى السطح مرة أخرى بأكثر من طريقة ولأكثر من سبب فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
رسم جمال عبدالناصر مشروعه القومى على أساس تغيرات عصره ووفق محددات ومعادلات حساسة فى وقته. كان المشروع متكاملًا بامتياز، كانت العبرة فيه لسطوة الدولة وقوتها، لكنه - وللإنصاف - على الناحية الأخرى، أو من ناحية أخرى أدى فى قطاعات مختلفة إلى نقاط من الضعف.. الذى نتج عن عدم الاستشراف الاستراتيجى للمستقبل فى عدة ملفات.
مثلًا لم يكن هناك إلا كل النوايا الطيبة فيما يتعلق بقوانين الإصلاح الزراعى، وما ترتب عليها من أوضاع بالنسبة لفئات كثيرة من فئات الفلاحين.
لكن لا يمكن، مع اعتبار النوايا السليمة، عدم الالتفات إلى ما أدت إليه قوانين التأميم، ثم الإصلاح الزراعى من تفتيت للملكيات الزراعية، ترتب عليها بالزمن تلاشٍ لفكرة المحاصيل الكبرى، ثم تغيير فى نسبة الأراضى الزراعية، انتهت - مع الزمن أيضًا - إلى تغول العمران، وفقدان مصر لنسبة هى الأكبر من ثروتها الزراعية قبل عام 2014.
فقدت مصر من بداية حكم الرئيس جمال عبدالناصر، وصولًا إلى ما بعد أحداث يناير 2011، دخولًا إلى مرحلة حكم جماعة الإخوان الإرهابية ما يزيد على 60 ٪ فى بعض التقديرات، مما كانت عليه المساحة المزروعة على خريطتها قبل ثورة يوليو.
فى مشروع عبدالفتاح السيسى القومى، كانت استعادة الرقعة الزراعية والإضافة إليها أولويات.
الأمن الغذائى كان أولوية فى مشروع السيسى، جنبًا إلى جنب مع ضمان الأمن الاجتماعى، ومحددات الأمن القومى على كافة أبعاده الاستراتيجية.
أقر جمال عبدالناصر ضمن مشروعه،. فكرة سيادة الدولة على ما سمى وقتها قطاعًا عامًا، أدى إلى تراكم على المدى البعيد، وصل إلى ترهل، ثم تحول كثير من أفراده عبئًا على ميزانية الدولة، وكرس بعضًا من سلوكيات لدى بعضهم، مهما كانت توصيفاتها فهى لم تؤد إلى ما كان من المفترض أن تصل إليه فكرتها الأساسية.
لا تنفصل النتائج عن الفكرة الأساسية، العبرة فى الأفكار الكبرى هو ما وصلت إليه فى نهاياتها من نتائج.
صحيح كان مشروع عبدالناصر حديثًا كبيرًا من حيث إنه الأول «وطنيًا» فى صفحات التاريخ المصرى، إلا أن بعض ما فى حواشى المشروع كان قد شابه ما شابه.
(3)
لو أن استعادة الكرامة والثأر الوطنى بانتصار الجيش المصرى فى حرب 1973 كان الغرض الأساسى من مشروع الرئيس السادات.. فهذا يكفيه.
لكن على مستويات وقطاعات المجتمع، فإن النتائج بما آلت إليه حركة «الطبقات الاجتماعية» فى عهد السادات، فإن فيها ما فيها.
تظل سياسة ما سمى «الانفتاح» لغزًا أثيرًا حتى الآن.
اللغز فى المسافة بين الفكرة والتطبيق، وفى المسافة بين التطبيق وبين النتائج، واللغز أيضًا يظل فى ما أدت إليه سياسة الانفتاح من انعكاسات على قطاعات المجتمع فى مصر.
بعضهم يصل إلى نتيجة تقول إن نتائج «الانفتاح» على نحو ما طُبق واستمر كانت ضربة البداية لاهتزاز فكرة «القيمة» و«المعيار».
قرارات شجاعة اتخذها الرئيس منذ اليوم الأول لتوليه المسئولية

نمت بفعل الانفتاح طبقات على حساب طبقات أخرى، وظهرت فى مستوى القيادة أفكار «المكسب السريع» وتراجعت أفكار «العمل المشروع» و«القيمة المضافة» وما يجب أن تعكسه محطات «العمل الدءوب» من مكاسب على المجتمع والأفراد والناس.
كان الانفتاح «فرديًا»، واندلعت «الربحية» فئوية، وفئوية هنا بمعنى سيطرة معايير «المادة» على معايير القيمة لدى فئات من الشارع انفتح أمامها وقتها كل أبواب الألعاب البهلوانية للتربح تحت سمع وبصر الجميع.. بلا توقف.
اختلال المعايير كان أزمة؟
هذا صحيح، لكن الأزمة الأكبر كانت فى فتح «قمقم» جماعات إسلام سياسى لم يكن مقدرًا لها - بطبيعة الأمور - عودتها مرة أخرى بعد صدام هدد الدولة خلال عهد الرئيس جمال عبدالناصر.
واجه الجيش المصرى مخططات إرهابية عابرة للحدود

توالت العصور، وورثنا فى عهود بعد عهد السادات «قيح» جرح تيارات إسلامية متطرفة، هددت الدولة تهديدًا كاملًا وكبيرًا منذ اندلاع شرارة 2011، وانتهى أمرها بتوليها مقاليد الحكم فى مصر، فى محطة شديدة الدقة، كان يمكن أن يترتب عليها تأثيرات أشد دراماتيكية لولا عبدالفتاح السيسى.
ورثت مصر، بعد السادات، تداعيات «سلوكيات الانفتاح الاستهلاكى»، كما ورثت «قمقمًا مفتوحًا لتيارات الإسلام السياسى».
لا يصح اعتبار مشروع السادات قوميًا، بقدر ما يمكن اعتباره محاولة تحمل نوايا حسنة لتسيير حياة مجتمع، أدت إلى نتائج لا يمكن أن يتصور أحد أنها كانت مقصودة أو منشودة.
فى الوقت نفسه لا يمكن أن يتصور أحد أن تلك النتائج لن يكون لها تأثيرات شديدة السلبية بشكل يرقى إلى الآثار الكارثية على المفهوم الجمعى المصرى وعلى التركيبة السلوكية لمجتمع تلاطم بين أمواج عالية من التغيرات والثقافات الواردة والمفاهيم الدخيلة كلله حادث المنصة فى العام 1980، بما ترك هذا الحادث وبتلك الطريقة على المشهد العام فى مصر، بالتزامن مع تولى الرئيس مبارك المسئولية.
اتسم عهد الرئيس مبارك بالثبات، الثبات المطلق، فكثيرًا ما يؤدى إلى أوضاع تئول نتائجها إلى غير المراد.
(4)
صحيح واجهت مصر فى عهد الرئيس مبارك ظروفًا إقليمية صعبة، وواجهت أحداثًا محيطة، داخل المنطقة وخارجها كانت هى الأخرى صعبة، قفزت مصر فوقها بنوع من التماسك، لكن التماسك على الجبهة الخارجية وسط الأمواج العاتية فى الخارج لم يتواز مع نتائج مماثلة على الجبهة الداخلية.
جمال عبدالناصر

مرت السنوات الأولى من حكم الرئيس مبارك كالأثير، وبدأت التقاطعات والتشابكات ثم التضاربات وسط ما يمكن أن نسميه ب «المضاربات» على خريطة السياسة والاجتماع فى الداخل مشوبة بشىء مما بدا فيما بعد أنه قد حوى كثيرًا من المتناقضات.
يحفظ لمبارك كونه بطلًا من أبطال جيل أكتوبر، ويظل هو الجيل الذى استرد لمصر الكرامة مع الأرض.
يبقى لمبارك مكرسًا من مكانة أن جيل أكتوبر هو الذى أعاد تشكيل الخرائط على خطوط الزمن البيانية.
أعاد جيل أكتوبر فى مصر ترسيم التاريخ والجغرافيا، وحفظ هذا الجيل نسق التاريخ فى الطريق للأمام.
أنور السادات

حفظ جيل أكتوبر نسق التاريخ.
عندما يضطرب نسق التاريخ فى المجتمعات وعلى صفحات الدول، تختل المعادلات من أول الاجتماع انتهاء بالسياسة فى أعمق صورها.
بدأت فى عهد مبارك خطوات متفاوتة نحو التنمية هذا صحيح، لكن الصحيح أيضًا أن خطوات التنمية كانت عبارة عن شذرات فى جزر منعزلة.
ظلت التنمية فى ذلك العهد عمليات متفاوتة متناثرة، رغم أن الأصل فى المشروعات القومية الكبرى هو التكامل والتوازى والتخطيط الشامل.
لا جدال أنه فى أنهار ذلك العهد جرت مياه كثيرة، لكن الذى لا جدال فيه أن تفكك خريطة التنمية أو تشعبها بلا اتساق ولا تكامل ينزل بها آخر المطاف من مصطلح التنمية الشاملة إلى مصاف «البناء».
الفروق كبرى بين مجرد عمليات البناء فى قطاعات متباعدة وبين عملية التنمية الاستراتيجية بمفهومها الحديث.
(5)
انتهى عهد الرئيس مبارك بالنهاية الأكثر درامية فيما يمكن أن تواجهه الدولة من أحداث.
كانت الرجة الكبرى والأزمة الأكبر التى تهدد الدولة من الداخل ومن الخارج، والتى هددت بشكل شبه كامل ليس فقط السلام الاجتماعى وقنوات التواصل بين الطبقات، لكن هددت بأشكال بعيدة التأثير مفهوم الدولة لدى قطاعات عدة فى الشارع المصري.
حسنى مبارك

أصعب ما يمكن أن تواجهه المجتمعات من كوارث فى التاريخ الحديث هو وقوف المواطن فى مواجهة دولته! ووقوف المواطن فى حالة ينشد فيها هدم المؤسسة، والركوب على موجات التصعيد فى مواجهة المعنى والرمز.
للإنصاف مرة ثانية، فإنه قد مورست على المواطن المصرى عملية كبرى فى شكل من أشكال «الخداع الاستراتيجى» ليصل إلى مرحلة يقف فيها فى وجه مؤسسته وفى مواجهة مع دولته بمعنى الدولة ومفهومها الواسع والأعمق.
للإنصاف، مرة ثالثة، لم تكن ظروف عهد مبارك وحدها هى السبب، لا يمكن حسبان أسباب أحداث 2011، أو ما آلت إليه الأوضاع بعدها إلى عهد مبارك وحده، ولا إلى المتناقضات التى جرت على الأرض فى السنوات الأخيرة من ذلك العهد وحدها.
كان المخطط كبيرًا، استهدف تغيير الشرق الأوسط من داخله، كان المخطط أوسع، بزوايا حادة وسنون مدببة استهدفت تغيير الخرائط، بتثوير الناس وحقن الرأى العام بالخرافات والشعوذة ودفعه دفعًا إلى مآلات ليس فقط لا يمكن السيطرة عليها، إنما لا يمكن فى ذروتها رفض قبول إعادة تشكيل الدول وحدودها وسبل مخرجات ثرواتها.. وأخيرًا نطاقات قراراتها.
كان المخطط كبيرًا، استخدمت فيه قوى من الداخل مع مليارات تم إنفاقها من الخارج، وكانت الخطورة فى بعض ممن أسموهم وقتها «رموزًا» كانوا قد ارتدوا الأقنعة ولبس البهلوانات ليدخلوا فى تحالفات مع تجار الأوطان وصولاً إلى قفزات كبرى حققتها جماعة الإخوان، فى ظروف كانت شديدة المواتاة بأن تقتنص جماعة الإرهاب وطنًا جريحًا ينزف.. لتعرضه فى مزاد عام علنى كبير.
فى أحداث يناير 2011 وما بعدها وصولاً إلى عهد جلوس الإرهاب على كرسى الحكم عبر وعبرات، أن أنهت عصر جمهورية أولى بدأها جمال عبدالناصر كان خصمها الأول جماعة الإخوان، وانتهت تلك الجمهورية بدخول ذلك الخصم التقليدى للثورة وللمواطن وللوطن قصر الاتحادية الرئاسى، فمدوا السجاجيد على الأرض وأكلوا الرز «والمندي»، ومدوا الأيدى ليوزعوا لحم الضأن ويقيموا الصلوات بالجلابيب فى طرقات القصر الجمهوري.
لا تُسرق ثورات الشعوب إن كانت تقودها البصيرة وتتحكم فيها المصالح الوطنية، لا يوجد فى التاريخ فكرة «سرقة الثورات»، لذلك فالمصطلح شديد المثالية وهمى المعنى، أطلقه بعض ممن ساروا وراء شعارات، أو بعض ممن استخدموا تحت سطوة «كلاشيهات» وصلت بالأرض والوطن إلى حافة الهاوية.
(6)
استجاب عبدالفتاح السيسى لنداء الجماهير الغفيرة فى واحدة من أدق وأصعب وأثقل مراحل الوطن على كافة القطاعات، أطلق عبدالفتاح السيسى مشروعًا قوميًا مكتملاً فى توقيت كان من أكبر مطالبه مجرد استعادة الوطن واستعادة الدفة، ووقْف موجة من أعلى موجات الإرهاب الموجه ناحية المواطن وناحية الأرض وناحية القيمة.
استهدف الإرهاب، وهو واحد من تحديات تلك المحطة الزمنية، المعنى والقيمة قبل الأرض والتراب.
فى المحطات الكبرى فى تاريخ الشعوب والتى عادة ما تجابه فيها أكبر أنواع الملمات تختصر الحلول فى «بطل كاريزمى» يعيد ترتيب المصفوفات من أول الاجتماع مرورًا بالسياسة وصولاً إلى الاقتصاد.
لكن قبل هذا وذاك، فإن أول متطلبات الشعوب فى ذلك البطل الكاريزمى، هو استعادة نفوذ الدولة وسطوتها وقدرتها على إقرار السلم الاجتماعى بكل أبعاده وضمان الأمن القومى بكامل خواصه وأشكاله.
بدأ مشروع عبدالفتاح السيسى القومى قائمًا على كل المحاور بالتوازى، فى تلك المحطة شديدة الدقة فى مراحل التاريخ كان يمكن إيقاف كل العجلات لصالح الدفع بقوة ناحية «الحرب على الإرهاب» لم تكن معركة الحرب على الإرهاب سهلة تمامًا كما لم يكن بتر سلسال إخوان الإرهاب هو الآخر سهلًا.
مر المشروع القومى لعبدالفتاح السيسى على جميع المسارات بالتزامن، بدأ بالبشر والحجر.. مع ترسيخ معايير القوة العسكرية لدولة قوية، إضافة لاستعادة هيبة وهيمنة فى الداخل كما كان ينبغى.
فى الدول الحديثة فإن معادلات سطوة الدولة بالمفهوم الحميد مطلوبة، لا تستقيم متطلبات أى مشروع قومى نهضوى إلا وفق محددات تواجد الدولة فى المسارات المطلوب حضورها وتواجدها فيها بالأشكال المعهودة.
اتسم المشروع القومى لعبدالفتاح السيسى بالتكامل والتناغم والأهم استشراف شكل المستقبل بطرق عملية جعلت من عملية التنمية منهجًا عريضًا، تتكامل فيه العناصر متجانسة على خط الزمن.
قرارات شجاعة آثر عبدالفتاح السيسى أن يتخذها منذ اليوم الأول لتوليه المسئولية، لإطلاق إشارات البدء على جميع القطاعات بالتوازى، والبدء بتصحيح المسار، أو قل البدء فى مسار جديد نحو جمهورية جديدة.
كان مشروعًا قوميًا غير مسبوق لأكثر من سبب، أولًا لأن الظروف التى دخلتها الدولة المصرية والتى أحاطت بها من الخارج على مستوى المنطقة والإقليم كانت شديدة الضبابية والتعقيد.
وكانت التشابكات على الخرائط الدولية بما كان يرسم لمصر من جانب، وبين ما كان يستلزمه المشروع القومى الوطنى لوضع الدولة من جانب آخر شديد التباين.
كان الإرهاب فى سيناء يحضر لكى يبدو مسمار جحا «ثغرة» فى جانب الدولة أو شوكة فى ظهرها.
الوضع فى الشارع المصرى كان شديد السيولة، وسط مناخ اقتصادى كان قد وصل إلى الدرجة الأعلى من العوار، بعد استنزاف اقترب بالاحتياطيات الأجنبية من الصفر.
بدأ عبدالفتاح السيسى من البداية، حيث بالتعبير الدارج كانت الدولة «على الأرض».
صعوبات البدايات بعد الزوابع والعواصف والأنواء، عادة ما تستمد عناصر مقاومتها للإصلاح من قوة تلك الأنواء ومن مدى شدة العواصف.
ترنحت مصر بعد عام من حكم الإخوان، ترنحًا شديدًا، استمد زخمه من جروح وطن بدأ ينزف دماء أعضائه الحيوية منذ أحداث ما سمى بالربيع العربى.
مصر بوابة المنطقة، لذلك دبرت موجة الربيع العربى بليل، كان الغرض أن تمتد نيران ذلك الربيع، أكثر شراسة فى الاتجاهات الأربعة بعد سقوط الدولة المصرية، أو نجاحه فى هدم المؤسسات المصرية لتفتح أبواب القاهرة.
لماذا يعتبر مشروع عبدالفتاح السيسى الأول من نوعه؟!
نواصل الأسبوع المقبل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.