يعد التوحد من الاضطرابات النفسية التى يعانى منها العديد من الأطفال والبالغين حول العالم، وتتمثل أعراض التوحد فى صعوبة التواصل الاجتماعى والتفاعل مع الآخرين، والتكرار المستمر للأفعال والأنشطة، وقلة التركيز والانتباه، والإصرار على الروتين والتغييرات الصغيرة فى البيئة. لكن بالعلاج والتعامل المبكر مع المرض، تزداد فرص إعادة دمج المريض فى المجتمع وتنمية قدراته على الإنجاز والإبداع.
ومنذ فترة طويلة، كانت هناك محاولات مستمرة للبحث عن علاج فعال للتوحد، وشهدت هذه المحاولات تطورًا كبيرًا خلال السنوات الأخيرة. فقد تم تطوير العديد من الأساليب والتقنيات الحديثة لعلاج التوحد، بما فى ذلك العلاج السلوكى المعرفى، والعلاج الخلطى، والعلاج بالأدوية. ولكن هل هناك حل نهائى لهذا الاضطراب؟ وما التحديات التى تواجه علاج التوحد؟ وكيف يمكن السير فى الطريق السليم للعلاج، خصوصًا مع بعض مراكز العلاج التى حولها بعضهم إلى «سوبر ماركت» بصرف النظر عن النتائج؟ عزلة واضطراب نفسى الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة يرى أن التوحد مأخوذ من الوحدة وهى العزلة، وهو عبارة عن اضطراب نفسى فى صورة اجتماعية يصيب الأفراد فى مرحلة مبكرة، ويؤثر على كيفية التواصل والتفاعل الاجتماعى. أما عن أسباب التوحد فلم يتوصل لها العلم حتى الآن، لكن هناك أسباب قائمة على الفرضيات مثل تعرض الأم للأشعة أثناء فترة الحمل، أو تعاطى بعض العقاقير الخاطئة، أو قد تكون الأسباب وراثية فى أغلب الحالات. يكشف الدكتور «فرويز» عن بعض الأعراض التى تؤكد لنا على أن الطفل يعانى من التوحد منها، عدم النظر إلى الآخرين، وضع راحة يده على أذنيه عند سماع صوت بجانبه، افتقاد القدرة على للتحدث، العزلة عن أفراد الأسرة، صعوبة التواصل البصرى، فهو لديه لغة خاصة به. يؤكد «فرويز» أن بعض مصابى التوحد، لديهم قدرات إبداعية على العمليات الحسابية، وغيرها من المهارات، فعلى سبيل المثال عند تعرضهم لشاشة التلفاز قد يتقن البعض لغة ما، وهو ما نطلق عليه «سمات التوحد»، والسبب يرجع إلى ارتفاع معدل الدوبامين. من جانبه يذهب الدكتور سامى غريب مدير أحد مراكز التأهيل إلى أن التوحد حالة تربط نمو الدماغ وتؤثر على كيفية تميز الشخص للآخرين، فهو اضطراب نفسى وليس عقليًا فالقدرات العقلية تكاد تكون طبيعية فى أغلب الحالات. أما عن درجات التوحد فهناك 3 مستويات الأول منها هو «طيف توحد» ويحتاج المصاب إلى دعم أسرى فى حياته اليومية. لكن الدرجة الثالثة وهى الإصابة الشديدة تتحدد من خلال ملاحظة عدم الانتباه المطلق، والاستقلال، والعزلة وهى أصعب الدرجات والكشف المبكر عن الحالة يؤدى إلى سرعة استجابة العلاج، ولكل طفل برنامج علاجى يختلف عن غيره كى يندمج فى المجتمع. ويشير د. « غريب» إلى التحديات التى تواجه مجال علاج التوحد، فحتى الآن لم يتم إيجاد علاج دوائى بشكل فعلى، وبالتالى يتم الاعتماد على العلاجى السلوكى فقط الذى يكاد يكون معدل استجابته بطيئًا نوعًا ما، كما أن قلة عدد المتخصصين فى المناطق النائية، تؤدى إلى إهمال الطفل حتى يصل إلى مستوى عالٍ، وهو معدل الخطورة. يوضح د. «غريب» بعض الإرشادات التى يمكن للآباء تقديمها لتحسين حياة الطفل المصاب بالتوحد من خلال، مشاركتهم فى علاجه، ومتعلقاته الشخصية ودراسته، إضافة إلى عدم تعرض الأطفال بشكل كبير إلى شاشة التلفاز، ومواقع التواصل الاجتماعى، حتى لا يؤدى البرنامج العلاجى إلى نتيجة عكسية، مع المراعاة اللازمة لنفسية الطفل، والصبر فى التعامل وتثقيف الآباء، والتواصل اللغوى مع الطفل بشكل مستمر والاهتمام بمشاعره، واكتشاف مشكلاته، بجانب العلاج السلوكى.
خصائص مميزة أما دكتور هاشم بحرى أستاذ ورئيس قسم الطب النفسى بجامعة الأزهر فيؤكد أن مصاب التوحد يفتقد القدرة على التعبير، ويفضل عدم الاختلاط مع الآخرين، فالبعض منهم يعانى من اضطراب فى كهرباء المخ وهو من الأمراض الوراثية، ومن الخصائص المميزة لمرض طيف التوحد هو عدم الرغبة فى التلامس أو العناق خصوصاً، رغم أن طفل التوحد يحب الاهتمام ويرغب فى الشعور بالحب من والديه. إلا أن الكثير من الأطفال المصابين بالتوحد لا يفضلون التلامس الجسدى أو إظهار العاطفة الجسدية ، وفى هذه الحالة يمكن للأهل أن يظهروا حبهم واهتمامهم لطفلهم المصاب بالتوحد من خلال اللعب أو مشاركته فيما يحب أو التعبير له عن الحب بالكلمات لا بالتلامس. ويؤكد د. هاشم أن التوحد يتطلب تعاونًا بين الأطباء النفسيين والمختصين الآخرين، مثل الإخصائيين الاجتماعيين والمدربين الخاصين بالتوحد، وكذلك توفير الموارد اللازمة للعائلات والأفراد المصابين بهذا الاضطراب. ومن المهم أن يتم توفير الدعم اللازم للأفراد المصابين بالتوحد فى مختلف مراحل حياتهم، بدءًا من الطفولة وحتى البلوغ والحياة الكبارية، وبهذا الشكل، يمكن تحسين جودة حياتهم وتعزيز قدراتهم على التكيف مع المجتمع والاستفادة من فرص الحياة المختلفة. أما عن كيفية معرفة ما إذا كانت خطة علاج المرضى سليمة، أو أن العلاج يسير فى الخط المرسوم الفعال للتعامل بجدية مع المرض، خصوصًا فى ظل تصاعد بعض المتاجرين فى مراكز تدعى تقديمها خدمات العلاج.. قال د. هاشم بحرى: لا يمكن تحديد ما إذا كان المعالج النفسى يسير فى الطريق الصحيح أم لا بناءً على بعض العلامات الخارجية فقط، لكن يمكن اتخاذ بعض الإجراءات للتأكد من أنك تختار معالجًا مؤهلاً وموثوقًا به من خلال: التحقق من السجل الطبى للدكتور النفسى والتأكد من أنه مرخص، والبحث عن تقييمات المرضى السابقين للطبيب النفسى على الإنترنت، إضافة للبحث عن توصيات الأصدقاء والعائلة والمهنيين الصحيين، والتحدث مع الدكتور النفسى فى المقابلة الأولية والتأكد من أنه يبدو مؤهلاً وموثوقًا به، التحقق من سجلات الدكتور النفسى والتأكد من عدم وجود شكاوى ضده.